قوات الاحتلال تقتحم مدينة قلقيلية فى الضفة الغربية    القوى والفصائل الفلسطينية : الأولوية في الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي ورفع الحصار عن قطاع غزة    "بوليتيكو": أوروبا تتأرجح بين الأمل والخوف مع لقاء ترامب وبوتين    "يكتب اسمه على القميص".. مايو حكما لمباراة الزمالك والمقاولون في الدوري    نبيل الكوكي: تركنا الاستحواذ لهذا السبب.. وننتظر المزيد من لاعبي المصري    جدو: لدينا أزمة في استغلال الفرص.. والبدايات دائما صعبة    ليلى علوى: الحمد لله أنا كويسة ومحبتكم نعمة من عند ربنا (فيديو)    محمود سعد: أرقام تحاليل أنغام تتحسن لكن موصلتش لمرحلة الخروج من المستشفى    "أكذوبة سياسية وخرافة قديمة"، كيف رد الأزهر ودار الإفتاء على تصريحات وهم "إسرائيل الكبرى"    طريقة عمل سلطة التبولة بمذاق مميز ولا يقاوم    «هتستلمها في 24 ساعة».. أماكن استخراج بطاقة الرقم القومي 2025 من المولات (الشروط والخطوات)    #رابعة يتصدر في يوم الذكرى ال12 .. ومراقبون: مش ناسيين حق الشهداء والمصابين    سعر اليورو اليوم الجمعة الموافق 15 أغسطس 2025.. كم سجلت العملة الأوروبية في البنوك؟    لو اتكسر مصباح السيارة هتعمله من غير ما تروح للميكانيكي: دليل خطوة بخطوة    رسميًا بعد قرار البنك الأهلي.. حدود السحب والإيداع اليومي من البنوك وال ATM وإنستاباي    نجم الأهلي السابق يكشف سر غضب الخطيب.. وهذه رسالتي ل ريبيرو    بيراميدز يخوض ودية جديدة استعدادا للمواجهات المقبلة في الدوري    خالد الغندور: تفاصيل اقتراب عودة أحمد فتوح للتدريبات الجماعية بعد مباراة المقاولون    السيطرة على حريق بمخزن بتروكيماويات في بلبيس بالشرقية    حبس المتهمين بمطاردة سيارة فتيات على طريق الواحات 4 أيام    محامي فتاتي طريق الواحات يطلب من النيابة إجراء كشف المخدرات على الشباب الأربعة    بحوزتهم أسلحة بيضاء.. أمن القليوبية يضبط طرفي مشاجرة في الخصوص    رسميًا بعد التأجيل.. موعد بدء العام الدراسي الجديد 2025-2026 للمدارس بالجزائر    بالأسماء.. إصابة 12 مصريا وروسي الجنسية في تصادم على طريق الساحل الشمالي بالعلمين    نائب محافظ مطروح يتفقد قافلة «الخير» بقرية أبو زريبة بالسلوم ويعقد حوارًا مجتمعيًا مع الأهالي    رسميًا ..مد سن الخدمة بعد المعاش للمعلمين بتعديلات قانون التعليم 2025    من الأطباء النفسيين إلى اليوجا.. ريهام عبد الغفور تكشف ل يارا أحمد رحلة تجاوز الفقد    رئيس دينية الشيوخ: وثيقة القاهرة خطوة استباقية لمواجهة سيل فتاوى الذكاء الاصطناعي المغرضة    «اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم».. دعاء يوم الجمعة ردده الآن لطلب الرحمة والمغفرة    رسميًا الآن.. رابط نتيجة تنسيق رياض أطفال 2025 محافظة القاهرة (استعلم)    هترجع جديدة.. أفضل الحيل ل إزالة بقع الملابس البيضاء والحفاظ عليها    تناولها يوميًا.. 5 أطعمة تمنح قلبك دفعة صحية    مكافآت أمريكية ضخمة للقبض على 5 من أخطر تجار المخدرات في المكسيك    32 شهيدًا في غزة حصيلة العدوان الإسرائيلي خلال ساعات    القانون يحدد ضوابط استخدام أجهزة تشفير الاتصالات.. تعرف عليها    بعد موافقة النواب.. الرئيس السيسي يصدق على قانون التصرف في أملاك الدولة    ظهرت الآن، نتيجة المرحلة الأولى لرياض الأطفال بمحافظة القاهرة    "بعد اتهامها بتجارة الأعضاء".. محامي زوجة إبراهيم شيكا يكشف لمصراوي حقيقة منعها من السفر    تعرف على عقوبة تداول بيانات شخصية دون موافقة صاحبها    النائبة أمل سلامة: المرأة تعيش عصرها الذهبي.. والتأثير أهم من العدد    بالصور| نهضة العذراء مريم بكنيسة العذراء بالدقي    وزير البترول يكلف عبير الشربيني بمهام المتحدث الرسمي للوزارة    ثقافة الفيوم تصنع البهجة في الشواشنة بفعاليات فنية وثقافية متنوعة.. صور    حدث بالفن| ناقدة تهاجم بدرية طلبة ونجم ينفي شائعة انفصاله عن زوجته وفنانة تثير الجدل    طرائف الدوري المصري.. لاعب بيراميدز يرتدي قميص زميله    ستيفان مبيا: محمد صلاح كان يستحق الفوز بالكرة الذهبية في السنوات الماضية    كالاس: مشروع "E1" يقطع الصلة بين شمال وجنوب الضفة الغربية    تخطيط فرنسي، إحباط محاولة انقلاب عسكري في مالي (فيديو)    جرس إنذار والملابس لا تبرر.. أزهري يعلق على حادث طريق الواحات    لأول مرة بمجمع الإسماعيلية الطبي.. إجراء عملية "ويبل" بالمنظار الجراحي لسيدة مسنة    الأوقاف: تجارة الأعضاء جريمة شرعية وأخلاقية.. والتبرع جائز بشروط صارمة    رمضان عبد المعز يحذر من السرعات الجنونية وحوادث الطرق: "المتهور يقتل نفسه والآخرين"    الإعلام المصرى قوى    هل دفع مخالفة المرور يسقط الإثم الشرعي؟.. أمين الفتوى يجيب    رمضان عبد المعز: الإسلام جاء لرعاية مصالح الناس وحماية الأرواح    شعبة مواد البناء: سعر طن الحديد أعلى من قيمته العادلة في مصر ب16 ألف جنيه    درة تاج الصحافة    الإصدار الثانى عاد ليحكى الحكاية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون يغزون السودان بالأسمنت والبيتزا البلدي!

مع توقف القتال بين شمال وجنوب السودان قبل خمس سنوات دارت عجلة التنمية بسرعة، بعد توقف عقدين بسبب استمرار القتال .. وبدأ أكبر بلد في أفريقيا من حيث المساحة ينفض عن كاهله غبار تلك الحرب العبثية التي دفع ثمنها أكثر من مليوني سوداني ومليارات الدولارات. المصريون في السودان أصبحوا مؤشرا حقيقيا علي الاستقرار، فكلما تعمق الإحساس بالأمن تزايدت أعداد المصريين وانتشروا في مختلف المجالات ليس فقط في شكل عمالة تقليدية، بل في صورة مشاريع واستثمارات مشتركة تغطي العديد من المجالات الحيوية.
في وقت الحرب كانت أعداد المصريين لا تزيد علي5 آلاف شخص .. لكنها تتزايد تدريجيا حتي وصلت إلي حوالي نصف مليون وفقا لتقديرات السفارة المصرية بالخرطوم .
أغلب المصريين سافروا للعمل في استثمارات ومشاريع أقامها رجال أعمال مصريون يمتلكون شركات للتنقيب عن البترول ومصانع إنتاج الأسمنت والمعدات الكهربائية والمطاعم ومعامل التحاليل الطبية، بجانب شركات المقاولات والخدمات الإعلامية والإعلانية، إضافة إلي المحال التجارية الكبري .
السنوات الخمس الأخيرة شهدت نشاطا بين رجال الأعمال المصريين في الوصول إلي السوق السودانية والاستفادة من حركة التنمية وتشجيع السلطات لهم للمساهمة في إعادة بناء ما دمرته سنوات الحرب الطويلة .
أحمد - نجل الكاتب محمد حسنين هيكل - كان من أول رجال الأعمال الذين أسسوا شركة للتنقيب عن البترول السوداني متجاوزا موقف أغلب السودانيين من والده، حيث يتناقلون فيما بينهم أنه سبق أن وصفهم بأوصاف غير لائقة، لكن بيزنس الابن نجح في تجاوز عقبات الرواسب السياسية للأب، وأصبح أحمد هيكل من أكبر المستثمرين في مجال البحث والتنقيب عن البترول في السودان .
كما كان رجل الأعمال أحمد بهجت أول من اخترق سوق العقارات من خلال مشروع بناء تجمع سكني فاخر علي غرار دريم لاند علي شاطئ النيل في أحد ضواحي الخرطوم .. مشروعات بهجت واجهت العديد من الصعوبات في التنفيذ، لكنها تركت انطباعا إيجابيا لدي الكثير من السودانيين.
ونجحت شركة السويدي في إقامة مصنع لإنتاج المعدات والأدوات الكهربائية، وأصبحت السوق السودانية تعتمد بشكل أساسي علي إنتاجه، ووقع العديد من الاتفاقيات مع جهات حكومية في مختلف الولايات السودانية .
كذلك كان لقطاع الاتصالات نصيب الأسد في حركة الانتعاش التي يشهدها الاقتصاد السوداني، حيث دخلت شركات صغيرة للسوق تقدم خدمات الإنترنت المنزلي، وظهرت في السوق العربية بوسط الخرطوم أفرع ل "مولات" بيع وتجارة الكمبيوتر والتكنولوجيا الموجودة في القاهرة، كما دخل رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس إلي سوق الاتصالات، لكنه اختار جنوب السودان باعتبارها مازالت بكرا وتتعطش لجميع أنواع الاتصالات.
الانتعاش الاقتصادي في السودان واكبه توسع في مجال الإعلام وظهرت العديد من القنوات الفضائية الخاصة أشهرها "النيل الأزرق"، "الشروق".. هذه القنوات أنعشت بدورها سوق الدعاية والإعلان.. وهنا ظهر طارق نور الذي يمتلك عدة شركات للدعاية في الخرطوم حتي أصبح تقريبا هو المسيطر علي هذه السوق. لم يتوقف وجود المصريين علي العمل في المشاريع والاستثمارات التي يملكها مصريون، بل أصبحت الاستعانة بالكوادر والخبرات المصرية محل منافسة بين الشركات السودانية سواء كانت حكومية أو في القطاع الخاص نظرا للسمعة الجيدة التي يتمتع بها العامل المصري، فأغلب العاملين في قطاع التشييد والبناء من المصريين كذلك الفنيين والمتخصصين.
وتنقسم الجالية المصرية في السودان إلي قسمين: الأول رسمي يعمل في بعثة الري والبعثات التعليمية، حيث مازال لمصر حوالي7 مدارس منتشرة ما بين الخرطوم وأم درمان ، بالإضافة إلي البعثات الدبلوماسية التي تعمل في السفارة والقنصليات الأربع الموزعة علي الولايات السودانية .
القسم الثاني : يضم أطباء ومهندسين ومحاسبين وأساتذة جامعات وخبراء في الزراعة بجانب الأعمال الحرة والمهنية، لكن أهم ما يميز المصريين أن أصحاب الأعمال يتعاقدون معهم بالطلب عبر شركات عمالة بدأت تنشط في هذا القطاع، وأيضا عبر العلاقات الشخصية، حيث يمتلك العديد من السودانيين شققا ومشروعات في مصر منذ سنوات طويلة ولديهم معرفة عميقة بالمجتمع المصري، مما يسهل عملية التواصل المباشر في هذا المجال.
وبالرغم من الحصار والمعاناة التي يواجهها السودان بسبب استمرار الصراع في إقليم دارفور، إلا أنه يحتل المرتبة الثالثة عربياً في جذب الاستثمارات الخارجية، لما يملكه من مقومات لا تتوافر لدي غيره من الدول، من أهمها الموارد الطبيعية الهائلة، حيث لديه أكثر من200 مليون فدان قابلة للزراعة، كما يمتلك ثروة حيوانية ضخمة، بالإضافة إلي التنوع المناخي الفريد، وموقعه الاستراتيجي في قلب القارة الأفريقية، مما سهل حركة التنقل بين دول الجوار الأفريقي، خصوصاً العربية منها، فضلاً عن الخطوات الجادة التي اتخذتها الحكومة السودانية لتوفير مقومات الاستثمار باستحداث خطط متطورة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والأمنية، وتوفير امتيازات جاذبة للاستثمار العربي والأجنبي.. هذه العوامل شكلت حافزا قويا لتوجه المصريين نحو السودان خاصة أنهم في هذا البلد لا يشعرون بالغربة ولا بالمعاناة التقليدية التي يلاقونها في باقي الدول العربية.. فالقوانين تساوي بين المصري والسوداني في الحقوق والواجبات، لذلك فأعدادهم تتزايد بسرعة ليس فقط في الخرطوم، بل في مختلف مدن السودان، كما أن الشعب السوداني هو أقرب الشعوب للمصريين بحكم الجغرافيا والتاريخ.
وضع معكوس
زمان.. كانت القاهرة مصدر جذب السودانيين الذين يرغبون في التعليم، أو الذين يبحثون عن علاج أفضل، أو حتي الباحثين عن إقامة مستقرة .. فكان السوداني الذي يحصل علي منحة للدراسة بالأزهر أو أي جامعة أخري، يتزوج من مصرية وتتوقف علاقته بالسودان علي الزيارات السنوية .. ظلت هذه الظاهرة شائعة؛ فظهر جيل من "الأبناء الهجين" الذين استفادوا من المساواة في المعاملة بين السوداني والمصري في التعليم والعلاج والرعاية الاجتماعية.. هذا الجيل الذي تعلم واكتسب الثقافتين المصرية والسودانية سهل أن تتعرف عليه في مختلف الوظائف المهمة؛ فهو يتمتع ببشرة "برونزية".. هؤلاء الأبناء ينتشرون في البنوك والمستشفيات والمدارس والجامعات، وحتي المولات التجارية التي بدأت تنتشر بكثافة في الخرطوم .
الآن.. الوضع أصبح معكوسا، فالمصريون بدأوا التوافد علي السودان بكثافة كبيرة تظهر بجلاء في حركة الطيران المباشرة التي تربط بين القاهرة والخرطوم علي مدار الساعة.. لا توجد أماكن بسهولة، ولابد من البحث عن "واسطة" للفوز بمقعد علي طائرة الخطوط المصرية المتجهة إلي الخرطوم يوميا .. كل مساء تقلع طائرة "إيرباص" كاملة العدد من مطار القاهرة وتعود "كومبليت" صباح اليوم التالي، فضلا عن رحلة أو اثنتين للخطوط السودانية بين القاهرة والخرطوم أيضا، إضافة للرحلات الخاصة، ورحلة استثنائية للخطوط الإثيوبية والأفريقية. هذه الرحلات غير قادرة علي تغطية حركة السفر بين البلدين، مما يعد مؤشرا قويا علي انتعاش العلاقات بين الشعبين.
كل الوسائل متاحة
حكومتا البلدين لم تكونا بعيدتين عن طموحات الشعبين في التقارب والتعاون في مختلف المجالات وكان لتطبيق نصوص اتفاق الحريات الأربع "حرية الانتقال والإقامة والتملك والعمل" دور أساسي في تشجيع المصريين علي السفر والعمل في جميع المدن السودانية، ووفقا لنصوص تلك الاتفاقية يكون السودان تقريبا هو البلد الوحيد في العالم الذي يسمح للمصريين بحرية السفر والإقامة والعمل والتملك بدون أي شروط أو قيود.. ويكفي أن الاتفاقية تسمح لأي مصري يرغب في السفر للسودان أن يحصل علي تذكرة سفر بالطائرة ويتجه مباشرة للمطار أو التوجه عبر الطريق البري في منطقة وادي حلفا، ومن هناك يستقل القطار أو البواخر النيلية أو السيارة حتي يصل الخرطوم، شرط أن تتوافر له فرصة عمل مناسبة أو يكون قادرا علي تكاليف الإقامة .. هذه التسهيلات غير المسبوقة دفعت آلاف المهنيين والفنيين والخبراء إلي الاتجاه نحو السودان للاستفادة من الطفرة الاقتصادية منذ اكتشاف البترول وتصديره، حيث بلغ حجم صادراتها حوالي نصف مليون برميل يوميا .. ونظرا لهوس السودانيين بالأطعمة والمأكولات المصرية فقد افتتحت محال الطعام المصرية الشهيرة أفرعا لها في العاصمة السودانية وتشهد هذه المطاعم ازدحاما كثيفا بالعائلات السودانية كل مساء.
أما الكشري والفطائر المصرية فقد أصبحت الوجبة المفضلة لدي أغلب سكان الخرطوم بعد انتشار محلات تقديمها في أحياء وحواري الخرطوم، حيث تعد هذه المحلات نموذجا للتعاون بين الخبرة المصرية ورأس المال السوداني، هذه المحلات عبارة عن شراكة بين مصري رأسماله الخبرة وسوداني رأسماله الموقع والمعدات. صحفي سوداني حكي لي قصة يتناقلها السودانيون حول ما يطلقون عليه غزو الكشري لحياتهم والتربع علي عرش الوجبات السريعة لديهم .. القصة تقول إن ثرياً سودانياً سافر إلي القاهرة في رحلة استشفاء قبل أربعة أعوام وأعجب بطبق الكشري المنتشر في كل مكان وتحسنت صحته .. بعد عودته قرر إنشاء أول مطعم للكشري في حي الرياض الراقي بالخرطوم، مستعينا بكل أصدقائه الذين تعرف عليهم خلال رحلة القاهرة .. بعد أقل من عام أصبح محل الكشري يعمل بنظام الورديات يبدأ من الصباح ولا يتوقف سوي بعد منتصف الليل ليلبي الطلب المتزايد عليه واكتسب محل الكشري شهرة واسعة في الخرطوم .. الطريف أن الكشري أصبح الوجبة المفضلة لدي الفئات المتميزة والثرية في العاصمة السودانية حتي إن سعره تفوق علي سعر وجبات اللحم المتوافرة بكثافة وبأسعار في متناول الأغلبية.. فطبق الكشري يصل سعره إلي حوالي 8 جنيهات، بينما طبق اللحم لا يزيد سعره علي7 جنيهات !!
صيد الكلاب
لا يتفوق علي التواجد المصري في السودان سوي الصينيين الموجودين بأعداد كبيرة في مختلف المنشآت خاصة البترولية، فمنذ استعانة السلطات السودانية بالخبرات الصينية في استخراج البترول قبل أكثر من عشرة أعوام، سعت الحكومة الصينية للتواجد بقوة في كثير من المجالات فتولت شركات المقاولات بناء الجسور والطرق والمنشآت في مختلف أرجاء السودان، حتي إن السودانيين يطلقون علي الأحياء التي يقيمون بها مصطلح "أحياء خالية من الكلاب" في إشارة إلي اعتياد الصينيين علي صيد الكلاب وتطهير المناطق التي يعيشون فيها، والتي تعد الوجبة المفضلة لهم .
الحضور المصري المكثف في الخرطوم ترتب عليه انتشار المقاهي بنفس الطراز المصري الموجود في شارع فيصل بالقاهرة، ويعتبر مقهي كوكب الشرق أشهر وأهم مقهي يرتاده المثقفون والإعلاميون السودانيون، فضلا عن المقيمين الأجانب وفي مقدمتهم المصريون، حيث يتميز بتقديم سهرة غنائية أسبوعية يؤديها مطرب شاب من مدينة الإسكندرية، حيث يتفاعل معه جمهور الحاضرين بصورة تشبه تماما ما يحدث في ملاهي القاهرة بينما يصعد الأطفال علي الطاولات ويرقصون مع المطرب في مشهد يبعث البهجة في قلوب الحاضرين من مختلف الجنسيات.. وفي ليلة الجمعة يصعب أن تجد مقعدا في هذا المقهي بسهولة، وهناك من يضطر للوقوف للاستمتاع بالسهرة.
ورغم قصر الفترة الزمنية منذ تحقيق السلام بين الشمال والجنوب إلا أن ذلك انعكس علي حجم الاستثمارات العربية عموما والخليجية خصوصا، كما أن سرعة دوران رأس المال تضاعفت حتي إن جمال الوالي رئيس نادي المريخ الرياضي وأحد المقربين من الرئيس السوداني قال لي إن رجل أعمال خليجياً استثمر حوالي خمسة ملايين دولار في أحد مصافي النفط قبل وقف الحرب والآن، وبعد الانتعاش الحالي بلغ حجم استثماراته 50 مليون دولار.
في مطار بورسودان بولاية البحر الأحمر شرق السودان تعرفت بالمصادفة علي ياسر الخربتلي، مصري في الأربعينيات من عمره يعمل مديرا لتسويق أحد أنواع زيت الطعام، كان في طريقة للقاء أحد مستوردي زيت الطعام في مدينة بورسودان وبخبرته في مجال التسويق شرح لي مدي تعطش السوق السودانية لأي سلعة مصرية، باعتبارها ذات أسعار منافسة مقارنة بالسلع المستوردة أو حتي بالنسبة للسلع المنتجة في داخل السودان.
أطلال حاكم
في بورسودان، زرت مع صحفيين سودانيين عددا من المواقع، أبرزها مقر الفرقة المصرية التي كان يعمل فيها الرئيس جمال عبد الناصر قبل ثورة 23 يوليو، بالإضافة إلي أطلال مقر الحاكم المصري في ميناء سواكن علي ساحل البحر الأحمر.. "محافظ" هذه الولاية - محمد طاهر إيلا - من أكثر القيادات اهتماما بكل ما هو مصري، ومنذ أن تولي منصبه قبل عامين، وهو يركز علي التعاون مع القطاع الخاص المصري، فشركات الإنشاءات مصرية، ورصف الطرق والعمال والفنيون كلهم مصريون، كما أنشأ مؤخرا سلسلة مستشفيات في مختلف مدن الولاية، جميع أطبائها مصريون، حيث يثق الكثير من المواطنين السودانيين في الطبيب المصري بصورة كبيرة، وأبلغني الدكتور إبراهيم أبو الفتوح أمين عام رابطة أطباء المسالك البولية العرب أن سنوات التوتر التي شهدتها العلاقات المصرية السودانية أثناء وجود الدكتور حسن الترابي في السلطة قبل حوالي عشر سنوات، تسببت في خسارة الأطباء المصريين ملايين الدولارات كان يدفعها المرضي السودانيون كتكاليف للعلاج بعد أن تحولوا للعلاج في السعودية والأردن خلال تلك السنوات وبعد أن تحسنت العلاقات مرة أخري عادوا لاستئناف علاجهم في مصر.
تواجد المصريين في السودان لايتوقف علي الخرطوم أو المدن الشمالية .. ففي الجنوب قالت لي ليلي حاجي - "لبنانية" تمتلك مطعما في مدينة جوبا عاصمة الجنوب - إنها نجحت أخيرا في إقناع أحد الطباخين المصريين بإدارة مطعمها الذي يتردد عليه كبار قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان الشركاء في السلطة حاليا، كما التقيت بفريق من الأطباء المصريين الذين يديرون واحدا من أهم المستشفيات في جوبا أقامته الحكومة المصرية كهدية للجنوب لتقديم العلاج والدواء المجاني.
محمد الشاذلي سفير مصر السابق في الخرطوم يري أن السوق السودانية واعدة وقادرة علي استيعاب فائض العمالة المصرية، بشرط أن يتم التعامل معها بحرص وعناية وعدم تركها لشركات توظيف العمالة العشوائية التي تتلاعب بالعمالة.
ويقترح السفير الشاذلي أن يتم تطبيق الطريقة الهندية في تصدير العمالة إلي دولة الإمارات، حيث تولت شركات متخصصة تسويق تلك العمالة في المشروعات الضخمة وكانت النتيجة هي وصول حوالي مليون ونصف هندي إلي الإمارات للعمل في جميع الوظائف.
وفي مقر السفارة المصرية بالخرطوم أكد السفير عفيفي عبد الوهاب سفير مصر لدي السودان أن تدفق المصريين للعمل في مختلف القطاعات يلقي قبولا وترحابا من جانب المواطن السوداني، وأكد ضرورة التصدي للسفر العشوائي للمصريين للسودان ومنع أي شركة لتوظيف العمالة من استغلال حرية السفر بلا قيود علي المصريين إلي السودان لتحقيق مكاسب سريعة علي حساب البسطاء من خلال توصيلهم إلي السودان بدون التعاقد المسبق مع شركات أو جهات تكون في حاجة إليهم خاصة أن المعيشة في السودان تعتبر مرتفعة التكاليف مقارنة بالأسعار في مصر، ولذلك لو وصل أي شخص بدون عمل سيتعرض لمشكلات قاسية .
المشكلة التي تزعج المصريين في السودان هي معوقات تحويل حصيلة أعمالهم بعد القيود البنكية التي وضعتها السلطات مؤخرا، حيث تشترط البنوك تحويل مبالغ لا تزيد علي ألف دولار شهريا بسعر السوق السوداء، كما لا يوجد أي بنك مصري في الخرطوم بالرغم من حجم الاستثمارات والعمالة المتزايدة بشكل مستمر .
وحول هذه المشكلة قال السفير عفيفي عبد الوهاب: إن الأزمة المالية وانخفاض أسعار البترول دفعت كل الحكومات لاتخاذ تدابير اقتصادية لحماية أوضاعها، كما أن هذه الإجراءات لا تطبق علي المصريين وحدهم، بل هي قواعد عامة يلتزم بها الجميع بمن فيهم السودانيون أنفسهم، أما بخصوص عدم وجود بنك مصري فكشف السفير أن هناك جهودا تجري حاليا لافتتاح أفرع لبعض البنوك المصرية الكبري في الخرطوم، وإلي أن تتم هذه الخطوة فإن هناك بنوكا سودانية ترتبط ب"بروتوكولات" للتعاون مع البنوك المصرية بصورة تسهل عمليات التحويل من وإلي مصر . وفيما يتعلق برسوم المغادرة التي تحصل عليها الحكومة قال لي السفير المصري إنه تناقش مع الجانب السوداني بشأنها فكان الرد أن هذه الرسوم يدفعها السوداني والمصري باعتبارها ضريبة يتم من خلالها تطوير المطارات والخدمات الخاصة بالسفر والتنقلات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.