الإضراب عن الطعام أو الشراب هو صورة من صور التطور الطبيعي للاعتصامات والاحتجاجات التي يشهدها العالم أجمع، ومنذ أن عرف الإنسان كلمة مظاهرة، أما أن يكون هناك إضراب عن الجنس فهذا أمر غريب لم نعتد عليه من قبل في مظاهراتنا أو اعتصاماتنا أو احتجاجاتنا؟! الإضراب عن الجنس إضراب جديد من نوعه أول ما ظهر ظهر علي الورق قبل أن يتحول إلي ظاهرة مجتمعية، وذلك من خلال رواية «أريستوفانس ليسيستراتا» وتحكي عن سيدة إغريقية حثت نساء بلدتها علي الامتناع عن الجنس لوقف الحرب بين أثينا وإسبرطة. وبعد أكثر من 50 عاما تتوارد الأفكار ليقدم المخرج الفرنسي «رادو ميهاليان» نفس الفكرة من خلال الفيلم المغربي الفرنسي «نبع النساء» بطولة الجزائرية «ليلي بختي» والتونسية «حفيظة حزري» والفلسطينيين صالح بكري وهيام عباس ومن المغرب «محمدمجد» و«بيونة». الفيلم يتناول فكرة الإضراب عن الجنس في صورة تلمس جانبا من معاناة المرأة العربية ممثلة في قرية مغربية صغيرة تقوم فيها النساء بمجهود بدني كبير، حيث يقمن بجلب الحطب كوقود ومياه الشرب من نبع جبلي بعيد ويسرن في طريق صخري وعر في حين يتفرغ الرجال للجلوس في المقاهي للعب الورق والثرثرة، جاءت فكرة الإضراب عن الجنس حلا سلبيا اقترحته بطلة الفيلم «ليلي» علي النساء لكي يجبرن الرجال علي جلب الماء وتحمل المسئولية، ولكن أول من يرفض الفكرة حماتها التي تأمر ابنها بتطليق «الزوجة المتمردة» بحجة أنها عاقر. وقد ركز الفيلم علي الواقع الذي يعيشه هؤلاء المغاربة المحرومون من التمتع بأبسط الحقوق الإنسانية، حيث تشيع الأمية والجهل والقمع والتمييز باسم الدين حتي إن رجل الدين أصبح وسيلة لاستمرار سطوة الرجال ويطالب النساء بإنهاء الإضراب قائلا: إنه مخالف لقواعد الدين. وعلي الرغم من معاناة هؤلاء الناس كن يرضين بدورهن في العمل الشاق وكونهن أوعية للجنس وإنجاب الذرية التي يموت منها الكثير بسبب تردي الأوضاع الصحية فإحداهن أنجبت 12 مرة ولم يعش لها سوي أربعة أبناء فقط. قدوم «ليلي» من مجتمع متحرر وأكثر تفتحا ودخولها علي عالم غريب أكثر تخلفا يجعلها ترفض وتتصدي لعمليات القمع والقهر التي تطارد المرأة وتجعلها مجرد وسيلة للمتعة فقط، وهو ما جعلها أيضا تثور علي الأوضاع غير الإنسانية لنساء القرية ومن هنا يبدأ دورها في التغيير بتوعية النساء بما هن عليه من أمية، وما يجب أن يفعلنه، من جانب آخر وجد الرجال أن الحل الأمثل هو العودة إلي استخدام الخطاب الديني الذي يؤكد أن «النساء شقائق الرجال»، وأن تمنع النساء عن معاشرة أزواجهن حرام شرعا، كما أنه يغضب الله عز وجل. وفي تحد للرجال تقوم النساء بخطوة تصعيدية بالذهاب إلي مقهي يمارس فيه الرجال البطالة الدائمة ويرفعن لافتة تطالبهم بتحمل مسئولياتهم ثم يشاركن في رقصة غنائية تكشف تناقض الرجال وتخاذلهم. وينتهي الفيلم بانتصار النساء علي أزواجهن وهو ما يدفع الرجال لاتخاذ قرار بتصحيح الأوضاع بالعودة إلي طبيعتهم كرجال والعمل وتحمل المسئولية. «رادو ميهاليان» سلط الضوء علي وضع المرأة وقهرها مجتمعيا وجسديا في العالم العربي بدعوي العادات والتقاليد، إلا أنه استطاع أن يقدم عملا دراميا يمس الحياة الاجتماعية، مع استخدام الخطاب الديني في حثهن للبعد عن قرارهن بعزل رجالهن عنهن، وليظهر دور الإسلام في مثل هذه الأحكام حتي لا يتهم بالتشهير بالإسلام بسبب ديانته اليهودية التي من الممكن أن تصبح أداة للتساؤل والرفض والاتهام المسبق بالهجوم العلني علي الإسلام. الغريب أن الفيلم لامس نفس القضية التي تعاني منها بعض البلاد ونقل صورة واقع يعيشه رجال العديد من تلك الدول، آخر الإضرابات الجنسية كان في الفلبين في قرية «دادو»، حيث اتفقت نساء قريتين علي وقف المعاشرة الزوجية لحين وقف الاقتتال بين القريتين المتجاورتين، وبالفعل نجح الإضراب وتوقف القتال، كما لجأت نساء مدينة «بارباكواس» الكولومبية للإضراب عن الجنس من أجل تمديد طريق أسفلت لبلدتهن المعزولة بسبب غياب المواصلات. وفعلتها قرية «فلسطينا» بالبرازيل حين شعرت النساء بالقلق بشأن فيروس «الإيدز» فاعتقدن أن أزواجهن معرضون للخطر بالإصابة فقررت النسوة الإضراب عن الجنس لوقف انتشار الفيروس. كمال رمزي أكد أن فيلم «نبع النساء» من الأفكار الجديدة التي نضجت بها المغرب، لما قدمته من عمل درامي معالج بصورة واقعية، فعلي الرغم من تواجد العديد من الأعمال المسرحية اليونانية التي تطرقت لتلك القضية إلا أن الفيلم نقلها من زاوية أخري وهي كيفية احترام عقل المرأة وأيضا جسدها. «خيرية البشلاوي» وصفت فيلم «نبع النساء» بأنه أكثر من رائع بكل ما فيه سواء التصوير والألوان وأداء الممثلين والإخراج والقصة نفسها. «خيرية» أكدت أن الفيلم نقل صورة عن القهر والاستعباد لمجموعة من النساء في قرية بسيطة يوجد بها رجال متكاسلون وحين أرادوا التحرر من قيود هؤلاء الرجال لم يملكن أي سلاح غير الإضراب عن الجنس الذي يمثل بالنسبة للرجل الحياة والروح. وتمنت أن تتناول السينما المصرية مثل هذه النوعية من الأفلام لافتة أن الدين الإسلامي كرم المرأة والإضراب الذي حدث في أحداث الفيلم ليس تمنعا، لكنه الوسيلة الوحيدة لدي النساء فهن لا يملكن غيرها للدفاع عن حقوقهن. د. محمود عاشور وكيل الأزهر السابق علق قائلا: تفعل النساء ما تشاء فهن الخاسرات، مشيرا إلي أنه ليس من حق الزوجة الامتناع عن رد حقوق زوجها، فهذا مخالف لنصوص الشريعة الإسلامية، كما ترفضه جميع الأديان السماوية. «عاشور» أضاف أن الفيلم نقل واقعا من الممكن أن يحدث في كثير من البلاد مثل تركيا بعد أن أصبح إسلامها إسلاما غربيا علي عكس مصر التي تتمتع بعقيدة إسلامية وأيضا قبطية تعرف ما عليها وتنفذه، ولذلك أستبعد حدوث مثل هذه القصة في مصر تماما. «د. آمنة نصير» - أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر - أشارت إلي أن هذه العلاقة الحميمية لابد أن يدرك فيها الرجل أنها تحتاج إلي جو نفسي مستقر وجانب أخلاقي يضمن للزوجة كرامتها، لافتة إلي أن هناك أزواجا كثيرين يسيئون معاملة زوجاتهم ثم يطالبون مضاجعتهن، وبالتالي يحدث النفور من قبل الزوجة، ومن ثم تتخذ بعض الزوجات الإضراب كنوع من العقاب لإساءة معاملة الزوج لها. «آمنة» تري أن الفيلم نقل ثورة إلي حد كبير توجد بمجتمعنا المصري فكثير من النساء يقمن بأعمال شاقة والزوج عاطل بالمنزل لا يقدم أي شيء! «د. إيمان القماح» - أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس - قالت: إن هذا الفيلم يعد ثورة علي عادات وتقاليد المجتمعات العربية، التي تعتبر الحديث في مثل هذه الأمور خطأ كبيرا، وتشير إلي أن انتشار الأمية والجهل في المجتمعات هو السبب وراء انتشار فكرة الجنس بطريقة خاطئة، والتي لابد من معالجتها بطريقة صحيحة.