هل يجوز أن نطبق قانون الغدر علي أعضاء الحزب الوطني القديم حتي نخلق «حزب وطني» جديدا؟، وهل أعضاء الحزب الوطني فقط هم الذين أفسدوا الحياة السياسية في مصر أم أنه كان معهم ويسبقهم أحيانا أعضاء في أحزاب أخري كان قادتها يأتمرون بأوامر الحزب الوطني وجهاز أمن الدولة؟ إذا كان الحديث عن تطبيق العزل السياسي علي أعضاء الحزب الوطني فإن أخشي ما أخشاه أن يصب (الغدر) بأعضاء الوطني لمصلحة الإخوان المسلمين! لعل هذه هي النتيجة المنطقية الوحيدة التي يخلص إليها من يقرأ الواقع قراءة منطقية بعيدا عن العواطف وعن مشاعر الكراهية والازدراء للحزب الوطني المنحل الذي ظل لسنوات طويلة عنوانا للانتهازية والفساد السياسي. قراءة الواقع تقول إن القوتين التقليديتين اللتين كانتا تسيطران علي الشارع المصري لسنوات طويلة كانتا هما الحزب الوطني والإخوان المسلمون، وتقول أيضا إنه منذ عام 2005 ظهرت قوي مدنية جديدة تطالب ببديل ثالث لمصر بخلاف الوطني والإخوان اللذين كانا يبدوان دائما في حالة تنافس وتعايش وتساكن وتطاحن!! -- هذه القوي المدنية الجديدة والوافدة علي الساحة لعبت الدور الأكبر في الدعوة لثورة 25 يناير وتمهيد الطريق لها، كانت مثل الشخص الذي صادف مصباح علاء الدين فحكه ليخرج منه مارد عملاق هو الشعب المصري الذي قام بالثورة، لكن المارد وعلي خلاف الحدوتة الشهيرة لم يأتمر بأوامر الشخص الذي حك المصباح إلا فيما ندر وكيفما اتفق، والمعني أن القوي التي دعت للثورة لم تتحول - وربما لن تتحول - لتنظيمات سياسية قادرة علي ممارسة ألعاب السياسة وتربيطات الانتخابات بما تتضمنه من عصبيات وتحالفات وصراع عائلات وبلطجة أحيانا ورشوة في أحيان أخري واستخدام للدين في أحيان ثالثة وكثيرة، الذين دعوا للثورة أشخاص وكيانات من النخبة المصرية التي يتمحور نشاطها في ثلاثة شوارع في منطقة وسط البلد، وهم في أغلبهم الأعم أشخاص وكيانات في غاية الطهر، والنبل، والبراءة أحيانا لكن هذه ليست مسوغات ولا مبررات للنجاح في انتخابات مجلس الشعب أو الشوري أو حتي انتخابات اتحاد الطلاب! ذلك أن للانتخابات شروطا ومسوغات أخري، وائتلاف شباب الثورة علي سبيل المثال واحد من أنبل الكيانات السياسية التي عرفتها وستعرفها مصر، لكنه يضم شبابا جامعيين التقوا ببعضهم في الجامعة وتفرقوا في حركات سياسية مختلفة وظلوا علي علاقة ببعضهم البعض حتي جمعتهم المظاهرة التي فوجئوا بها تتحول إلي ثورة، وهم في أغلبهم الأعم أبرياء ونبلاء وفقراء لا عصبيات تقف وراءهم ولا عائلات تدعمهم في الدوائر الانتخابية ولا يستطيع أي منهم أن ينفق واحد علي مائة مما ينفقه مرشح إخواني أو واحد من فلول الحزب الوطني في الانتخابات في صورة مصاريف انتخابية أو رشاوي انتخابية إذا شئت الدقة، وباستثناء واحد أو اثنين فقط علي مستوي مصر كلها لا أتوقع أن يحقق أي مرشح من مرشحي الثورة أي نتائج انتخابية تذكر ذلك أن الناخب المصري كما نعرف جميعا يتحدث لغة أخري هي لغة حقيبة التموين، وبطانية المرشح الفلاني والمائة جنيه التي يدفعها المرشح العلاني! فإذا كان هذا هو الواقع فالمعني أن الثورة حتي الآن لم تخلق البديل الثالث لمصر والذي يستطيع أن يقودها بعيدا عن سيطرة الوطني وهيمنة الإخوان، ويعني ذلك بمنتهي البساطة أن أي تقييد سياسي لأعضاء الوطني من محترفي الترشح ورموز العصبيات العائلية والقادرين علي خوض المعارك الانتخابية لن يصب في مصلحة قوي الثورة كما يعتقد البعض ولكنه سيصب في مصلحة تنظيم واحد وجماعة وحيدة هي جماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورة فأصبحت محظوظة. -- ولعل جماعة الإخوان المسلمين هي الوحيدة إلي أدركت ذلك ووجدت أن الاستحواذ علي الساحة سيستفز الآخرين فلجأت إلي حزب الوفد الليبرالي لتتجمل به وتتحالف معه وتستعمله كواقٍ سياسي سرعان ما تنزعه فور انتهاء الغرض من استعماله. ولعلنا لو عدنا للأصل التاريخي الذي ألهم المطالبين بتطبيق فكرة العزل السياسي سنجد أنه قانون الغدر الذي أصدرته ثورة يوليو عام 53 وطبقته علي السياسيين القدامي ورموز أحزاب ما قبل الثورة، لكن الحقيقة الواقعة والإرادة الإلهية والسياسية شاءت ألا يطبق القانون علي رموز الأحزاب فقط إذ لم تمر شهور حتي كانت ثورة يوليو تطبق العزل السياسي والجنائي والأمني وجميع أنواع العزل علي جماعة الإخوان المسلمين فتحلها وتقدم ستة من قادتها لغرفة الإعدام وتسجن الباقين، والمعني أن الثورة طبقت العزل السياسي علي جميع القوي السياسية التي كانت موجودة وقتها ولم تطبقه علي قوة دون أخري. وليس المطلوب بالطبع أن يعزل الإخوان المسلمون سياسيا أو أن ينكل بهم أو أن يحرموا من ممارسة حقوقهم السياسية ولكن المطلوب هو ممارسة نوع من أنواع التوازن البيولوجي والطبيعي بحيث يسمح لمن لم يثبت عليهم التورط في الفساد من أعضاء الوطني بمجابهة الإخوان خاصة أن قوي الثورة كما قلنا لن تحظي بنصيب يذكر في المعركة الانتخابية القادمة. في هذا السياق لا يمكن إغفال ما أشار له الباحث الكبير د.عمرو الشوبكي في مقاله بالمصري اليوم بتاريخ 3 أكتوبر من أن عددا كبيرا من أعضاء المجالس النيابية عن الوطني هم رموز لعصبيات وعائلات كبيرة في الصعيد والدلتا اعتادوا أن ينضموا للتنظيم السياسي المهيمن كممثلين لعائلاتهم سواء كان هذا التنظيم هو هيئة التحرير أو الاتحاد الاشتراكي أو الحزب الوطني، وهؤلاء كما أري قيادات شعبية ومحلية طبيعية لامانع أبدا من أن تستوعبهم قوي الثورة أو يستوعبهم النظام السياسي الجديد بعد الثورة بدلا من أن يحرموا من الترشح وتترك الساحة خالية لفصيل واحد هو الإخوان المسلمين. -- تبقي بعد ذلك مسألة منطقية وأخلاقية أيضا وهي أن فساد الحياة السياسية قبل الثورة لم يكن مقصورا علي أعضاء الحزب الوطني الذين كانوا تشكيلة كبيرة من عناصر شديدة الانتهازية وعناصر أخري انضمت طمعا أو خوفا، ولا يوجد منطق في أن يحرم سياسيا من ممارسة حقه لأنه كان عضوا في الحزب الوطني يأتمر بأوامر صفوت الشريف وأن تترك آخر لأنه كان رئيسا لحزب معارض يأتمر بأوامر صفوت الشريف وضابط أمن الدولة المسئول عن الحزب معا! يبقي بعد ذلك أن التعديلات التي أدخلها مجلس الوزراء علي قانون الغدر تنص علي حرمان من يثبت أنه أفسد الحياة السياسية ورموز النظام السابق من الوظائف العامة ومن حق الانتخاب والترشح وأنا أوافق علي عزلهم من المناصب والوظائف العامة ولكن لا أوافق علي حرمانهم من الانتخاب والترشح لأنهم لو نجحوا في الانتخابات القادمة فإن ذلك سيكون تعبيرا عن إرادة الناخبين، وإذا اختار الناخبون أعضاء الوطني السابقين فهذا يعني أن كلا منهم يستحق الآخر، وهذه هي الديمقراطية!