هل تعلم أن الملك فاروق سبق أن أمر ببناء مشنقة فورا في ميدان عابدين لشنق وزير الداخلية بعد 48 ساعة ونصبت المشنقة فعلا أمام البوابة الرئيسية لمبني الحرس الملكي «محافظة القاهرة حاليا» ورأيتها بنفسي وذلك بدون حكم من محاكم مدنية أو عسكرية أو قيم أو غدر أو استثنائية أو ثورية أو أي مسمي ولكن بالأمر الملكي المباشر ولولا معجزة إلهية ولطف من الله لكان ما كان وما أفلت وزير الداخلية برأسه من حبل المشنقة فهل حقا سيعيد التاريخ نفسه وتنصب المشنقة مرة أخري للإطاحة برأس وزير الداخلية المتهم ومن وراءه وكبار معاونيه الذين قاموا بقتل ثوار 25 يناير؟ وكان ذلك بسبب حادثة عجيبة ومذهلة لا تصدق حدثت للملك فاروق وكادت أن تغير مجري التاريخ المصري تغييرا جذريا وكان من الممكن أن تؤثر علي قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 أو تؤخر قيامها أو تعطلها نهائيا. كان الملك فاروق في أواخر سنوات حكمه عائدا بمفرده من استراحته بالقصاصين قرب أبوصوير علي الطريق الزراعي العباسية الإسماعيلية بسرعة كبيرة حينما توقف بسبب جمل بارك في منتصف الطريق الضيق الذي لايزيد عرضه علي 7 أمتار وانشقت الأرض بسرعة عن عصابة الخمسة المسلحة بالبنادق الآلية السريعة وأحاطوه من كل جانب وهي عصابة دوخت الحكومة والبوليس وأشاعت الرعب لمدة سنوات وكانت تقتل كل من يقاومها وكانت تمارس عملها بين أبوصوير والتل الكبير وكإجراء أمني كانت العربات لا تسير إلا في قوافل لاتقل عن 20 عربة علي الأقل قبل أن يصرح لها بالمرور حتي لا تجرؤ العصابة علي مهاجمة العدد الكبير من العربات وهي كعصابة الخُط التي كانت تقطع الطريق بين أسيوط وسوهاج. أحاطت العصابة بالملك وصاح رئيس العصابة «هات يا خواجة كل ما معك» وكان الملك متنكرا يضع نظارة شمس سوداء تخفي ملامحه ويضع برنيطة عريضة علي رأسه. لم يفصح الملك عن شخصيته ولم يتعرف أحد من العصابة عليه ولم يحاول أن يقاوم واستسلم وجردوه من كل ما معه «محفظة بها ألفا جنيه، ساعته الذهبية المرصعة بفصوص من الماس، وخواتمه الذهبية المرصعة بفصوص الماس والأحجار الكريمة، وأشياء أخري ثانية لا يهم ذكرها». لعب الفار في عب زعيم العصابة فهذا زبون سقع وصيد ثمين جدا لم يسبق لهم أن قابلوا مثله ولابد أنه شخصية مهمة جدا وله اتصالات عظيمة بكبار شخصيات البلد وقد يقلب عليهم الدنيا إذا عاد سليما إلي مصر مما سيعرض العصابة إلي خطر كبير وإيقاف نشاطها لمدة طويلة والاختباء مؤقتا في أماكنهم السرية في الجبل، ورأي أن أسلم حل هو التخلص من هذا الخواجة وهو جالس مكانه بالعربة وذلك بتمشيط العربة بالآليات التي معهم ثم الدفع بالعربة وإسقاطها بمن فيها في ترعة الإسماعيلية العميقة والممتلئة علي جانب الطريق فتغوص وتختفي بأعماق الترعة بمن فيها ولا من شاف ولا من دري وينتهي الأمر، وأصدر الأمر بهذا وارتفعت فوهات خمس بنادق آلية إلي عربة الملك بسرعة لتنفيذ المهمة إطاعة إلي أمر الزعيم والتي لم يسبق لأي فرد من أفراد العصابة أن يتجرأ ويخالفه، وفجأة حدث مالم يكن في الحسبان معجزة لم تخطر علي بال أحد فجأة في لمح البصر اندفع أصغر أفراد العصابة وكان فتي صغيرا لايتجاوز عمره عشرين عاما من الشلشلمون مركز منية القمح واسمه أحمد منسي صائحا في هستيريا وفزع كأنما لسعته عقرب أو ثعبان: لا لا، لا يمكن أن يقتل هذا الخواجة أبدا.. وفي قفزة واحدة كالنمر الهائج كان يرتكز علي عربة الملك يحمي الخواجة بظهره مصوبا برشاشه نحو العصابة. وإذا حاولتم أن تضربوه فسأضرب فيكم ولا يهمني أن أموت أو من يموت. اتركوا هذا الخواجة يمضي في حاله وإلا راح أعملها وليكن ما يكون. وساد الذهول والارتباك علي باقي أفراد العصابة وصاح زعيم العصابة: خلاص سيبوه يمشي الخواجة النحس ده. اللي هيكون سبب إننا نقتل بعض.. ولم يصدق أحمد منسي أصغر أفراد العصابة نفسه وصاح في الملك: امشي يا خواجة بسرعة في عرض النبي واعمل معروف قبل ما يغيروا رأيهم.. وانطلق الملك فاروق وهو لا يصدق أنه أفلت من الموت كالسهم يسابق الريح حتي وصل إلي سرايا عابدين وهو يصيح هائجا كالثور: استدعوا رئيس الوزراء فورا. يا عمر يا فتحي «ياور الرئيس» 10 دقائق فقط ويكون رئيس الوزارة هنا أمامي. وجاء رئيس الوزراء فورا. وقابله الملك بعاصفة هوجاء كالرعد وهو منتفخ الأوداج ووجهه أحمر كالدم من الغيظ وصاح في رئيس الوزراء وأظن أنه كان حسين سري باشا: أنا كنت راح أموت النهارده وإن لم تقبض علي هذه العصابة في ظرف 48 ساعة وتحضرها أمامي هنا لعابدين. ورحمة أبويا الملك فؤاد وأولادي الغاليين عليا سوف أقيل هذه الحكومة بطريقة مهينة وراح أشنق وزير الداخلية في قلب ميدان عابدين.. وصاح: روح ابني مشنقة فورا يا عمر يا فتحي.. الذي رد عليه بالسمع والطاعة يا مولانا. ثم أخذ رئيس الوزارة وشرح له القصة ونصحه بالتحرك فورا والبدء في عملية البحث عن العصابة إنقاذا له ولوزير الداخلية لأنه يعرف الملك جيدا وأنه متأكد أنه سوف ينفذ تهديده فعلا، وانطلق رئيس الوزراء فورا واتصل بوزير الداخلية «لا أذكر اسمه» وهرول الاثنان وهما منزعجان إلي الفريق حيدر باشا وزير الحربية وقائد الجيش مستغيثين به وهو قريب الملكة نازلي ويعتبر خال الملك فاروق. لأنهما يعرفان جيدا أن قوات البوليس وحدها لن تكون كافية للقبض علي هذه العصابة ووضعوا خطة في الحال. فالوقت كان يداهمهم واستدعيت قوات كبيرة من البوليس والأمن المركزي من القاهرة وكل محافظات الوجه البحري تقريبا. ودعمهم الجيش بما لا يقل عن 2000 جندي وكشافات الدفاع الجوي الضخمة التي تبحث عن الطائرات المعادية أثناء الغارات الجوية وبدأ البحث علي مدار الساعة والمسح الشامل للكهوف والتلال المحيطة بالطريق والتي تمتد لمسافة10 كيلومترات والتي كانت تختبئ بها العصابة وتم إسقاط قوات كبيرة من المظلات خلف هذه التلال لمحاصرة العصابة ومنعها من الهرب إلي الخلف إلي صحراء بلبيس الكبري الشرقية، وتم القبض علي العصابة قبل الموعد المحدد وسلمت لوزير الداخلية الذي كان لاينام من الرعب والخوف علي مصيره من الموت واصطحب العصابة المقيدة بالكلابشات وأخذها إلي وجهة لا يعلمها أحد غيره. طبعا إلي قصر عابدين في تكتم شديد وأخطروا الملك الذي نزل فورا ومعه الفريق عمر فتحي كبير الياوران وحاشيته من الطليان. والقليل جدا من الموظفين المقربين جدا من الملك ونصب الملك في الحديقة الخلفية لقصر عابدين محكمته الطارئة الشخصية وهو في ثورة من الغضب والرغبة الجامحة للانتقام لنفسه وقد أفلت من موت محقق رآه بعينه وعين نفسه قاضيا وصاح في الجميع لقد حكمت بالإعدام علي هؤلاء المجرمين الذين كانوا سيقومون بقتلي لولا ستر الله ولطفه لأني راجل طيب وأعرف ربنا كويس. هل منكم من يريد أن يعمل محاميا ويدافع عن هؤلاء المجرمين علشان تبقي محكمة بالعدل. صمت الجميع فمن ذا الذي يجرؤ أن يعارض الملك وهو في هذه الحالة العصبية والثورة. ثم قال خلاص الظاهر إن الكل موافق علي الحكم ومفيش معارضة وباقي تنفيذ الحكم.. وكان أفراد العصابة يرتجفون من الخوف والرعب وكانوا في حالة ذهول وانعدام وزن غير مصدقين أن الخواجة الذي قاموا بسرقته وكانوا سيقتلونه هو نفسه الملك فاروق ملك مصر والسودان. تفرس الملك فيهم جيدا وصاح فين الولد اللي قال الخواجه ده مش ممكن حد يقتله ونجاني من المصيبة التي كانت حتحصل دي. وصاح أحمد منسي وهو يرتجف غير مصدق أنا يا مولانا.. وأشار الملك له أن يتنحي جانبا وفاجأ الجميع بما أضمره في نفسه وبيته وأخرج مسدسه الملكي من جيبه وأطلق الرصاص علي أفراد العصابة فأرداهم قتلي ثم وضع خزنة أخري بالمسدس وأفرغ الرصاص في أفراد العصابة مرة أخري ليتأكد من موتهم والسعادة والراحة تبدو علي وجهه وزهوة الانتصار. وأشار إلي عمر فتحي اسحبوا هذه الجثث فورا وألقوا بها في الصحراء لتنهشها الذئاب. ولاتقوموا بدفنها. ثم نظر إلي أحمد منسي وقال أنت منين يا ولد واسمك إيه؟.. أنت ولد كويس جدا وشجاع وأنا مبسوط منك كتير وشكرا كثيرا لك يا ابني. اطلب أي حاجة نفسك فيها وأنا راح أحققها لك فورا. مش عاوز أي حاجة يا مولانا والحمد لله علي سلامتك. كل اللي نفسي فيه أروح أحج وبس. بس كده يا عمر اعمل ترتيبات أن أحمد ده يروح يحج كل سنة طول حياته علي حساب الخاصة الملكية. واصرف له 5000 جنيه ووصله لغاية بيته بالشرقية في عربة من عربات الحرس الملكي واصرف له طبنجة إسبانية من طبنجات الحرس الملكي هدية منا إليه.. وفعلا كان الحاج أحمد منسي يحج سنويا طوال حياته حتي بعد مغادرة الملك البلاد بعد ثورة 23 يوليو 1952 علي حسابه الخاص وأصبح أحمد منسي إمبراطورا للشرقية ونفوذه أقوي من المحافظ ومدير الأمن يفعل ما يريد ويخشاه الجميع وكيف لا وهو البطل وصديق الملك ومنقذه وأصبح من كبار تجار الجملة ويملك من الأراضي الزراعية حوالي 80 فدانا. وكان يبني مسجدا كل عام في القري المحيطة بالمركز وببلدته. تبرعات من الأهالي ثم يكمل البناء وفرش الجامع وكل لوازمه من ماله الخاص. فقد أصبح طبعا من كبار أثرياء الشرقية وأصبح اسمه الحاج أحمد منسي. د. صادق عبد الرحمن المناوى مدير عام الصحة والتأمين الصحى بالشرقية