قد لايكون من الدقة القول إن «الجمل تمخض .. فولد فأرا» عندما تتحدث عما تتخذه الدبلوماسية المصرية من مواقف تجاه الثورات العربية عموما وتجاه مذابح الأسد فى سوريا على وجه الخصوص، وذلك لأن الثوابت والتاريخ والواقع يقول إن مصر فى هذا الإقليم هى أكبر من «جمل»، والحقيقة تقول أيضا إن مخاضها الدبلوماسى كان «فارغا.. لم ينتج عنه شىء» خذل الشعوب العربية التى ظنت لوهلة أن مصر عادت إليهم فى حين كانت الدبلوماسية المصرية عند حسن ظن الأنظمة العربية سواء فى ليبيا أو فى اليمن وأخيرا سوريا التى تشهد حمامات دم لا تتوقف دفعت دول الخليج العربى أن تأخذ موقفا جريئا بسحب سفرائها من دمشق للتشاور. عبد الرءوف الريدى هذا التصعيد الدبلوماسى أجمع عدد من كبار الدبلوماسيين المصريين على أنه وضع الدبلوماسية المصرية فى حرج بالغ وأن غياب الدور المصرى وعدم استيعابه وتفاعله مع الثورات العربية سبّب فراغا استراتيجيا مقلقا بالنسبة لمصر وكذلك للمنطقة وتسعى لملء هذا الفراغ كيانات إقليمية لها تأثيرها وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية وتركيا، وأكد الدبلوماسيون أن الموضوعية وإن كانت تقتضى إعطاء الفرصة لوزير الخارجية محمد كامل عمرو الذى لم يمض على توليه المسئولية سوى أسبوعين إلا أن المصلحة الوطنية تقتضى الانتباه للمأزق الدبلوماسى الراهن. الخروج من المأزق يرى السفير عبد الرءوف الريدى - سفير مصر الأسبق لدى واشنطن - أن الانشغال الداخلى لمصر وتفاعلات المرحلة الراهنة داخليا لعبت دورا مؤثرا على الدور المصرى فى المنطقة وتعاطيه مع الثورات العربية، وهذه حقيقة لابد من الانتباه لها، وعلينا الانتباه أيضا إلى أن الوضع فى سوريا ليس مجرد حمامات دم يمارسها نظام قمعى تورط فى قتل حوالى 2000 سورى حتى الآن ويمارس أعمالا عدائية ضد المدن ويسخر الدولة فى دعم طائفة بعينها وهى «العلوية»، ولكنه أيضا منطقة تقاطعات إقليمية بين جميع قوى الشرق الأوسط وهناك اختلافات فى المواقف بين هذه القوى فمثلا إيران وحزب الله يقفان فى صف بشار الأسد، فى حين أن تركيا ودول الخليج أخذوا مواقف تصعيدية ضد النظام السورى، وقيام دول مجلس التعاون بسحب سفرائها من سوريا للتشاور على النحو الذى جرى وضع الموقف المصرى فى مواجهة الرأى العام المصرى والعربى، ولكنه لا يفرض على مصر أن تتخذ موقفا بعينه، ولكن يجب أن يكون هناك موقف واضح وحاسم يأخذ فى اعتباره الحسابات والتقديرات الاستراتيجية للمنطقة ويلبى مطالب الرأى العام، وأضاف: فى تقديرى أنه بات من المناسب الآن أن تقود مصر مبادره إقليمية بالتشاور مع الدول العربية وبالاشتراك مع تركيا لحلحلة الأزمة. محمد شاكر الانحياز واجب بوضوح شديد أكد السفير محمد شاكر - رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية - أنه لابد من مصر الثورة أن تتعاطف وتؤيد الثورات العربية وقال: «موضوع عدم التدخل فى الشئون الداخلية ولّى زمنه .. والآن هناك ظلم للشعوب خلق مبدأ حق التدخل الإنسانى وحماية شعب من حاكم قمعى» وأضاف: إن هذه الأمور وضعت صراحة فى ورقة السياسة الخارجية التى خرجت عن الحوار الوطنى لأن عدم اهتمام مصر بالثورات العربية معناه أن مصر خذلت هذه الثورات، وقال: إن التصريحات التى صدرت عن وزير الخارجية محمد كامل عمرو فيما يخص سوريا تحمل لهجة قوية، والمؤكد أن الدبلوماسية ستتحرك وقد تتخذ موقفا مماثلا لما قامت به دول الخليج وتسحب السفير المصرى من دمشق للتشاور، وهذا أضعف الإيمان كنوع من الاحتجاج على الانتهاكات التى يمارسها النظام السورى وتعطى أيضا رسالة إلى الشعب السورى بأن مصر تقف بجواره فى هذه الظروف الصعبة. غير حاسم أما السفير وهيب المنياوى - سفير مصر الأسبق لدى طوكيو - فيرى أن الموقف الدبلوماسى المصرى تجاه ما يحدث فى سوريا يمكن وصفه بأنه متعقل، ولكنه لم يرتق إلى درجة الحسم، وهو متعقل لأنه حتى الآن لايمكن استباق النتائج فى سوريا تحديدا والتفاعلات الإقليمية من جانب المحور الذى ترتبط به دمشق بأضلاعه الثلاثة (إيران - حزب الله - حماس) وهذا المثلث لن يسمح بسقوط نظام الأسد، من الناحية الأخرى الموقف المصرى لم يرتق إلى درجة الحسم التى تمتعت بها مواقف إقليمية أخرى سواء فيما يخص التصعيد الخليجى بسحب السفراء أو تركيا التى أعلن رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان أن صبر بلاده قد نفد. الموقف المصرى عليه أن يسعى إلى تحقيق معادلة ليست سهلة وهى عدم الاندفاع والحسم فى نفس الوقت والتعامل مع الوضع فى سوريا الذى أصبح من الصعب السكوت عليه. فى مقعد المتقاعس حسن عيسى لم يخف السفير حسن عيسى - مساعد وزير الخارجية الأسبق - الوضع السيئ الذى يعانيه الموقف المصرى تجاه ما يحدث فى سوريا وأن هذا الوضع ازداد سوءا بعد المواقف التى اتخذها الخليج خاصة السعودية وكذلك تركيا وأيضا الأمين العام للأمم المتحدة يطلب تشكيل لجنة حقوق إنسان، هذه التحركات والتفاعلات بسرعتها وحسمها وضعت الموقف المصرى أو الدور المصرى فى مقعد «المتقاعس» مما يدور فى سوريا وأضاف السفير حسن عيسى: إن لكل دولة سياستها، وتحدد موقفها وفقا لمحددات واعتبارات تخدم مصالحها والمسألة السورية يتنازعها بعد إقليمى، وبالتالى الموقف المصرى يجب أن يأخذ فى اعتباره جميع التفاصيل الإقليمية بما فيها البعد التركى والبعد الإيرانى، ولكنه كان يجب أن يكون أكثر حزما ووضوحا، بل إن مصر كانت فى وضع أفضل من الدول التى سحبت سفراءها لأن السفير المصرى فى دمشق أنهى مدته هناك، والسفير المصرى الجديد لم يتول المسئولية بعد، ولا يصح أن تكون مصر فى مقعد المتقاعس عن مساندة الشعب السورى وليس المطلوب أن يكون موقفنا هو السباب فى النظام السورى، ولكن أن نصيغ موقفا مصريا واضحا وحازما يرضى الشارع المصرى ويحقق الهدف الذى تريده السياسة الخارجية المصرية. الغياب المصرى رفاعة الطهطاوى وينظر السفير رفاعة الطهطاوى - مساعد وزير الخارجية الأسبق الى الأمر بأنه ليس مجرد تصريحات أو حتى سحب سفير، ولكن المشكلة هى فى غياب الموقف المصرى عن التأثير، فعندما ترى مجلس الوزراء التركى يجتمع مع مجلس الأمن القومى ويفوضان وزير الخارجية أحمد داود أوغلو بالذهاب لمتابعة الوضع فى سوريا، وكذلك الموقف الذى اتخذته دول الخليج والكلمة التى وجهها الملك عبدالله إلى الأمة العربية والشعب السورى، تلاحظ دون عناء الغياب المصرى عن سوريا وهى مسألة خطيرة جدا لأن مصر وسوريا ركنان أساسيان فى البناء العربى ويجب ألا نتعامل مع هذا الأمر بسلبية، ولكن من منطلق الحفاظ على الأمن القومى العربى الذى هو جزء رئيسى من الأمن القومى المصرى وأنه الذى كان أولى بالذهاب إلى سوريا هو وزير خارجية مصر وليس وزير خارجية تركيا.