النظام البائد لم ينهب الأموال فقط، إنما عمل أيضا على تدمير الزراعة تدميرا مدروسا بدعم مثمر من إسرائيل من خلال مشروعات زراعية وهمية.. الشراكة مع إسرائيل سهلت مهمة إغراق الزراعة المصرية بالهرومونات الضارة، التى أصابت الآلاف من المصريين بالتسمم، وكذلك الإصابة بالسرطان ووفاة الكثيرين. هذا ما أشرنا إليه بالتفصيل فى العدد السابق من «روزاليوسف» ردا على رسالة «يوسف والى»، وأكدنا بالدراسات تورط مبيدات «والى» فى إصابة المصريين بالسرطان. فى السطور التالية نكشف مخطط إسرائيل لاختراق «النوبارية» بمباركة «والى» و«نبيل الملحى» مدير معهد الأراضى والمياه آنذاك بمركز البحوث الزراعية ومن بعده «أمين أباظة».. المهندس «حسام رضا» أمين عام اللجنة العربية لمقاومة التطبيع قدم لنا مستندات تؤكد هذا المخطط الإسرائيلى للسيطرة على النوبارية ومشروع إيقاف التوطين فى سيناء. يقول رضا: بداية المشروع كانت اتفاقا تم بين وزير التخطيط والتعاون الدولى وسفير إيطاليا بالقاهرة على تمويل مشروع قرب النوبارية بتكلفة 116 مليون جنيه، يتيح الاتفاق الاستفادة من حوالى 7,146 مليون دولار فى تمويل مشروعات يتم الاتفاق عليها بين الجانبين وخاصة فى مجالات التنمية الريفية ومكافحة الفقر والأمن الغذائى ومشروعات بيئية وذلك فى 28 أغسطس 2001 وبلغ التمويل الإيطالى لمشروع النوبارية 150 مليون جنيه وكان الهدف الادعائى والظاهرى من المشروع هو خلق فرص عمل لشباب الخريجين وصغار المزارعين، وللأسف هذا المشروع كان يدخل تحت مظلة «مشروع مبارك القومى للتوطين وتنمية الأراضى المستصلحة». يستكمل رضا قائلا: هذا المشروع كان أحد المشروعات التى قامت إسرائيل بوضع دراستها على موقع التعاون الدولى بوزارة الخارجية الإسرائيلية حيث ينقسم المخطط إلى تقسيم النوبارية إلى عدة مشروعات صغيرة وتضم الآتى.. أولا: مشروعات للتعاون الثلاثى «لْ» وهى «مشروع التعاون الإقليمى للتنمية الزراعية بالشرق الأوسط» ويتمثل فى إنتاج الغاز الحيوى واستخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية وأنظمة التخلص من الفضلات. حيث كان يتم هذا المشروع فى مجال البحوث والدراسات فقط بمنطقة غرب النوبارية بمشاركة 4 دول هى مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل. ثانيا: مشروع تطوير زراعة شركة نوباسيد والخاص بالتطوير الحيوى للمخلفات الزراعية والمكافحة الحيوية لأمراض النبات حيث اشترطت الدنمارك ممولة هذا المشروع ب 1,2مليون دولار دخول إسرائيل فى هذا الاتفاق علاوة على وجود مستشار زراعى يتم تعيينه بمنطقة النوبارية لمدة عامين لتوفير العون الفنى فى مزرعة شركة نوبا سيد بعد تدريبه فى إسرائيل على الترويج لاستخدام بذور ومبيدات إسرائيلية من شأنها تدمير التربة الزراعية حيث تم تدريب 1600 خريج من صغار المزارعين قبل توطينهم فى شركة نوباسيد. هذا التدريب الخاطئ المتعمد للمزارعين يهدف إلى تدمير صحة المصريين حيث كان يتم تدريبهم على استخدام مبيدات يمتد مفعولها ل45 يوما مع الخضر والفاكهة، وهى مبيدات كانت تستخدم مع القطن، مما أدى ذلك لانتقال المبيدات لجسم الإنسان وهو ما تسبب فى زيادة نسبة السرطانات فى الفترة الأخيرة. ثالثا: مركز تدريب مريوط وكان الغرض من تطويره إنشاء مزارع نموذجية من أجل إقامة زراعات محمية ومكشوفة.. تعهدت إسرائيل بتدبير الميزانية المطلوبة له حيث وفرت له 35,1 مليون دولار لتطوير المركز وتدريب 1000 خريج فى هذه المنطقة، ولم ينكر د.يوسف والى هذا المشروع وإنما أعلن وقت توقفه فى عام 2000 تدريب 3000 خريج من صغار المزارعين، والكارثة إن إسرائيل كانت تحدد برامج التدريب والترويج للتقاوى الإسرائيلية كالطماطم والكانتلوب نوع «جاليا» والخيار «دليلا» و«سوبر دليلا» والفلفل «ماؤر» رغم حظر هذه الهرمونات عالميا هذا فى الوقت الذى تحظر فيه مصر استخدام الهرمونات وفقا لقانون (590 لسنة 1984) حيث إن هذه الهرمونات مازالت تستخدم حتى الآن وبكميات كبيرة فى منطقة النوبارية بناء على ما تعلمه المزارعون فى الدورات التدريبية التى حصلوا عليها بإسرائيل، حيث حاولوا أن يقنعوهم بما تحققه من نتائج إيجابية لشكل الثمرة فى حجمها ولونها. كما عملت إسرائيل على تسهيل الحصول على هذه الهرمونات فى مصر من خلال عديد من الشركات المصرية التى كانت تتعامل مع وكالات إسرائيلية بمنطقتى شمال سيناء والإسماعيلية وأراضى شباب الخريجين بالنوبارية والفيوم وبنى سويف. وبلغ عدد الشركات التى كانت تحصل على توكيلات من شركات إسرائيلية فى مصر أكثر من 6 شركات، تحت رعاية وزارة الزراعة المصرية ومنها شركة «حزيرا» و«أفريدوم». ويكشف رضا عن بعض المخالفات التى ارتكبت فى هذا الصدد، ومنها اكتشاف الوزارة لتجار يوزعون مبيد «كاردريل» المسبب للأورام الخبيثة فى الأوعية الدموية، ومبيد «تترا كلورفينوس» المسبب لأورام سرطانية بالكبد والغدة الدرقية، ومبيد «فلاتريسن» الذى يؤدى إلى أورام فى الغدة النخامية، و«داى كلوفينيل» المسبب للأورام السرطانية فى الكبد. رابعا: مشروع قرية بلال حيث خطط هذا المشروع لتوطين 200 من أسر الخريجين على مساحة 1000 فدان بتمويل 800 مليون و350 ألف دولار.. اقتسم التمويل مابين قسم التعاون الدولى بوزارة الخارجية الإسرائيلية «المشاف» والهيئة المصرية العامة للتمويل بهدف تطوير القرية بشكل كامل مع تدريب ساكنيها على الزراعات المحمية وإنتاج الخضار والحقول المكشوفة وإنتاج الألبان والفاكهة والدواجن حيث تضمن المشروع تطوير من 20 إلى 30 مزرعة مساحة كل منها 5 أفدنة. خامسا: دراسة الجدوى لمشروع استصلاح 20 ألف فدان بالنوبارية وتوطين 3 آلاف مزارع فى المنطقة.. وهو مشروع مشترك بين إسرائيل ومصر وإثيوبيا وزيمبابوى ويتم تمويله من الصندوق المشترك للسلع التابع للاتحاد الأوروبى CFC وكان هدفه استخدام أساليب المقاومة البيولوجية لوضع حد للأضرار التى تلحق بالمحاصيل، خاصة الذبابة البيضاء التى تصيب القطن. فضلا عن خطة إسرائيل للقضاء على شركة النوبارية التى كانت تغطى نسبة عالية من احتياجات مصر من تقاوى البطيخ والبرسيم والفاصوليا والكوسة والذرة.. كان يرأس مجلس إدارتها «فؤاد أبوالدهب»، وفى إطار برنامج إصلاح السياسات الزراعية «APR» الذى كان مخططا له أن يستمر أربع سنوات، امتد منذ عام 1995 وحتى 2003 بموافقة الرئيس السابق مبارك، حيث خصصت له المعونة الأمريكية 300 مليون دولار أى حوالى 30% من المعونة الامريكية فى مجال الزراعة.. قامت إسرائيل فى إطار البرنامج بتكليف خبير إسرائيلى على حساب المعونة الأمريكية لوضع السياسات الفنية للشركة.. واستمر خصخصة الشركة والتى حصلت على معونات وقروض من الدولة وتسهيلات تمثلت فى تخصيص مساحة 23 ألف فدان له، ثم قامت الشركة ببيع أراضيها وتراوحت الأسعار فى آخر مزاد مابين 23000 جنيه و600,28 جنيه وتم تخصيص 100 جنيه للمتر. يقول رضا: عند تصفية الشركة بأصولها وباقى المساحات لمستثمر رئيسى حسب توصية مشروع إصلاح السياسات تم بيع 2608 أفدنة قابلة للزراعة، و200 فدان.. متخللات و269 فدانا أراض مبان.. وتم البيع بسعر 24 جنيها للمتر و2570 فدانا أراض صحراوية بسعر 2000 جنيه للفدان، و519 فدانا بسعر 600 جنيه للفدان، و319 فدانا أراض مبان بسعر 900 جنيه للفدان، بالإضافة إلى مبانى إدارية للشركة قدرت ب 10 ملايين جنيه، وفى النهاية تم بيع كل هذا المشروع بمبلغ 103 ملايين جنيه ولم يدفع عند تحرير العقد سوى 14 مليون جنيه وتم تسليمها فور تحرير العقد بأرصدة الشركة فى البنوك ومقدارها 36 مليون جنيه؟! رضا ينهي كلامه معنا قائلا: إسرائيل كانت تخطط لنقل تجربة النوبارية إلى المناطق الحدودية الأخرى، فقامت لجنة برئاسة فؤاد أبوالدهب ومصطفى سكين بزيارة أسوان وتوشكى وشرق العوينات فى يناير 2000 لهذا الغرض ولاختراق هذه المناطق الحدودية والأمنية.. حيث حاول شارون وبموافقة السادات الحصول على منطقة وادى كركر والتى بها كهرباء السد العالى ومناطق الاستصلاح الزراعى، بل إن السادات رفض هذا الأمر بعد عرضه على الوزير الأسبق حسب الله الكفراوى لخطورة المنطقة على الأمن القومى، والتى وافق عليها الرئيس المخلوع فيما بعد لتكرار المحاولة بالقرب من السد العالى وحدود مصر مع ليبيا والسودان وتشاد. هذا فى الوقت الذى لا يجد فيه مشروع ترعة السلام التمويل اللازم حيث إن السياسات المصرية حددت 60% من أراضى المشروع للمستثمرين «500 فدان فأكثر» وحددت السعر بالمزايدة مما يمنع التوطين وتواجد الأسر الريفية القادرة على الزراعة والتواجد الدائم فى منطقة من أهم مناطقنا الحدودية.