عندما ينفجر أحد إطارات حافلة ما تحت وطأة وثقل ما تحمله من أمتعة وركاب يحتلون المقاعد جلوسا أو يملأون الطرقات وقوفا أو حتى يتشبثون بالأبواب معلقين فى الهواء عندما يحدث مثل هذا الانفجار، فإن خريطة ركوب هذه الحافلة تتغير بشكل تلقائى بعد أن يغادر الجميع مواقعهم بشكل مؤقت تاركين الفرصة لإصلاح العطل الذى يجب أن يليه ركوب بترتيب جديد يراعى إعادة توزيع الأحمال ووضع كل شخص فى مكانه المناسب حتى لا يتكرر الانفجار من جديد. كانت ثورة 25 يناير هى انفجار إطار الحافلة المصرية الذى نترقب الآن إصلاحه وتبديله حتى نعاود الركوب لا بالمدافعة أو المزاحمة وضرب الأكتاف، بل طبقا لوجاهة ما سوف يعرضه كل راكب من سيرة ذاتية نقية ومنتقاة عن نفسه ولتاريخ تعامله السابق مع الحافلة. تقديم النفس - وليس الدفاع - والحلم بغد أفضل - وليس الهجوم - هما الفيصل فى قيام مجلس إدارة الحافلة بإعادة توزيع الأماكن والأدوار ومثل ذلك المشهد الحرفى والعبقرى الرائع فى مسرحية «سكة السلامة» فإن الجميع يجب أن يستعد للبدء فى معركة إعادة بناء هذا البلد وطرح أفكاره. الظالمون فى مصر ما قبل 25 يناير كثيرون يصعب حصرهم، وبالتالى فإن المظلومين أكثر وأكثر، كما أن الظلم والتهميش والاستبعاد والاستيلاء على مجهود وإبداع آخرين لم يكن مقصورا على الأفراد، لكنه تشعب وتسرطن ليمتد إلى المؤسسات والشركات التى حرصت رموز النظام السابق على قص ريشها وتجهيزها للذبح، واحدة من الكيانات العملاقة التى تعرضت لظلم واضح خلال السنوات العشر السابقة هى شركة «المقاولون العرب» التى حرص كل وزير إسكان جاء خلال هذه السنوات على حجب حجمها ودورها الحقيقيين باعتبار أن من يرأسها هو المرشح الواقعى والأجدر بتولى وإصلاح شأن هذه الوزارة التى تعد من أكثر وزارات مصر فسادا على مدار تاريخها. «المقاولون العرب» ليست مجرد شركة اعتيادية تقوم بتنفيذ مجموعة من الأعمال النمطية ليتوقف دورها عند ربح بضعة ملايين من الجنيهات، بل هى كيان اجتماعى واقتصادى بالغ الخطورة، كما أنها رمز تاريخى وعلامة مصرية خالصة. «المقاولون العرب» فعالة ومؤثرة بتلك القوة الناعمة التى اكتسبتها من تراكمات وخبرات أكثر من نصف قرن وهاهى تحفر بها مجرى جديدا فى كثير من دول العالم من خلال فروعها ومكاتبها وبخاصة فى أفريقيا، حيث يعد كل فرع لنا هناك بمثابة سفارة فعالة وذات بصمات واضحة لا تتركها القنوات الدبلوماسية سوى بعد عشرات السنين وذلك بما شيدته بكفاءة دولية وبالمواصفات العالمية من أنفاق وكبارى ومصانع ومجمعات سكنية وغيرها. أخطر من هذا كله وأهم هو تلك الثروة البشرية المؤلفة من عشرات الآلاف من العمال والمهندسين القادرين بالوثائق والأفعال لا بالتصريحات والكلام المرسل، على تغيير مستقبل مصر بأكمله بما لديهم من مشروع متكامل ومدروس وجاهز فورا، نعم فورا لتطبيق ثلاث من أكبر وأكثر مشاكل مصر خطورة وهى القضاء على العشوائيات وتوفير مسكن آدمى محترم لكل أسرة تحتاج إليه ومن خلال هذين المشروعين والشروع فى العمل فيها سوف يتم الوصول إلى المشكلة الثالثة وهى المساهمة بنسبة كبيرة فى كارثة البطالة. مشروع «المقاولون العرب» وإذا تعاونت معها الحكومة الجديدة، وأظنها ستفعل، سوف يقدم لكل مدينة كبيرة - وعلى رأسها القاهرة بطبيعة الحال - مدينة جديدة موازية ولنسمها – مبدئيا - مدينة الأحلام لا «مدينتى» ولا مدينتهم، بل مدينتنا جميعا بها شقة آدمية لائقة بمساحات محسوبة ومدروسة تلبى الاحتياجات المختلفة وبسعر يقدر عليه عوام الناس مثلى ومثلك من الموظفين وأصحاب المهن والأعمال البسيطة محدودة الدخل، مدينة الأحلام سوف يكون بها حديقة وشوارع مرصوفة ومسجد وكنيسة، ومسرح وسينما، ومكتبة وهايد بارك، وصرف صحى لا يطفح ومدرسة بها مقعد وسبورة ومدرس محترم وحلم قابل للتحقيق بغد أفضل.