كتب: صلاح عيسي فى رسالته إلى المؤتمر الخامس لجماعة الإخوان المسلمين، الذى انعقد عام 1938 فى «سراى آل لطف الله» فندق ماريوت الآن خاطب المرشد المؤسس «حسن البنا» (1906 1949) أعضاء المؤتمر قائلا: أيها الإخوان المسلمون، إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده ولست مخالفا هذه الحدود التى اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم الطرق للوصول .. فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه فى ذلك بحال وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات. ونصح المرشد المؤسس أعضاء الجماعة خاصة من سماهم ب«المتحمسين والمتعجلين» منهم قائلا: أيها الإخوان المسلمون.. ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول.. وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق فى أضواء الخيال الزاهية البراقة ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، ولاتصادموا نواميس الكون فإنها غلابة ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض وترقبوا ساعة النصر .. وما هى منكم ببعيد. والمراحل الثلاث التى حددها «حسن البنا» للطريق الذى تسير فيه الجماعة، تبدأ - كما قال فى «رسالة التعاليم - ب «مرحلة التعريف » من خلال إقامة المنشآت والجمعيات الخيرية وممارسة الوعظ والإرشاد، والدعوة أثناء هذا الطور - عامة، تقبل الجماعة فيه، كل من يريد الانضمام إليها من الناس، والطاعة العامة ليست لازمة فيها .. ولكنها لازمة فى المرحلة الثانية، وهى «مرحلة التكوين» التى يتم خلالها استخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وتنظيمها فى كيان يتلقى من الناحية الروحية تربية صوفية بحتة، ويتلقى من الناحية العملية تربية عسكرية بحتة ويلتزم خلالها بالطاعة الكاملة من غير بحث ولا «مراجعة ولا شك ولا حرج لتأتى - بعد ذلك - المرحلة الثالثة وهى مرحلة التنفيذ» وهى مرحلة العمل المتواصل فى سبيل الوصول إلى الغاية. ومن سوء حظ جماعة الإخوان المسلمين وسوء حظ المسلمين أن قادة الجماعة وأعضاءها وبعض تنظيماتها لم يستمعوا لنصيحة المرشد المؤسس ولم يتبعوا خطواته المتدرجة وتعجلوا الثمرة قبل أوانها، وحاولوا اقتطاف الزهرة قبل أوانها.. بل إنه هو نفسه لم يتنبه إلى أن الأعراض الجانبية للخطوة الأولى أو الثانية يمكن أن تزرع أشواكا فى طريق الخطوة التالية وتعطل الزحف إلى الهدف النهائى. وكان الخطأ المحورى الأول الذى وقع فيه هو أنه فتح باب «الجهاد» قبل أن يفتح باب «الاجتهاد»، وأراد بناء دولة عصرية تعيد إحياء أمجاد السلف الصالح من المسلمين من دون أن يجتهد ليصوغ مشروعاً إسلاميا عصريا، يخرج بالفكر الإسلامى من حالة التدهور التى وصل إليها بعد إغلاق باب الاجتهاد.. إذ لم يكن هو نفسه منظرا أو فقيها، بل كان منظما عبقريا انطلق من فكرة بسيطة هى تجميع المسلمين حول أداء شعائر دينهم والتمسك بتعاليمه، والابتعاد بهم عن الاختلافات الفقهية والمذهبية، إذ كان يعتقد أن ذلك هو الذى فتح باب الشقاق بينهم وفتت وحدتهم وأدى إلى تدهور أوضاعهم وإلى تمكين أعدائهم من احتلال بلادهم. وقد نجحت هذه الخطة بالفعل خلال عشرين عاما فقط، منذ تأسيس الجماعة عام 1928 وحتى اغتيال «حسن البنا» عام 1949 فى تحويلها من جماعة دينية صغيرة لا تختلف عن مثيلاتها من الجماعات الإسلامية التى تنتشر فى المدن والقرى مثل الجمعية الشرعية وجمعية الشبان المسلمين والجمعية الحصافية الخيرية إلى واحدة من أكبر الجماعات السياسية فى مصر، تنشط من خلال ألفى شعبة تتوزع فى القرى والمدن الصغيرة وعواصم الأقاليم وتغطى كل أنحاء البلاد ومثلها من جمعيات البر والخدمة الاجتماعية التى تنشط فى المجال الخيرى والاجتماعى وتقدم المعونات الاقتصادية والخدمات الصحية والتعليمية للمواطنين فضلا عن ما يقرب من عشر شركات اقتصادية تعمل فى مجالات الصحافة والطباعة والإعلان والنشر والمناجم والمحاجر والنسيج وإصلاح الأراضى. ومع أن مرحلة التعريف قد حققت أهدافها فارتفع عدد الإخوان المسلمين من ستة أفراد هم الذين أسسوا أول شعبة لها فى الإسماعيلية عام 1928 إلى مايقرب من 250 ألف عضو عام 1948 ولم تعد عضويتها تقتصر على الحرفيين والعمال وأشباه العوام، كما حدث عند التأسيس، بل شملت كذلك النخب المثقفة، من طلاب المدارس والجامعات والمهنيين والنخب الاجتماعية من الأعيان ومياسير التجار والمقاولين.. إلا أن الشعارات التى تجمعت حولها هذه الحشود الضخمة من نوع «الله أكبر ولله الحمد» و«القرآن دستورنا والرسول زعيمنا والموت فى سبيل الله أغلى أمانينا» لم تتجاوز الأفق العاطفى والحماسى والتعبوى، وافتقدت لأى شكل من أشكال الاجتهاد، الذى يصوغ رؤية إسلامية تستطيع أن تواجه متطلبات العصر، أو تصلح لكى تكون أساسا لحركة سياسية تملك مشروعا نهضويا حقيقيا.. وهو ما انتهى بالجماعة - آنذاك - وبعد ذلك وحتى الآن إلى أن أصبحت جسدا ضخما بلا رأس.. وعضلات قوية بلا عقل.. وترتب الخطأ الكبير الثانى الذى وقع فيه الإخوان المسلمون على الخطأ الأول فسياسة الحشد والتنظيم على حساب التفقه والاجتهاد هى التى قادت «حسن البنا» إلى بناء جماعته على أساس أن حماية التنظيم هى الأولوية الأولى لديه، وأن عليه أن يسعى لبنائه عبر الاحتماء بالقوى المسيطرة، بالتحالف معها والعمل لحسابها ضد خصومها حتى يستطيع فى ظل هذا التحالف أن يواصل بناء الجماعة وحشد الأنصار فى صفوفها والوصول بها إلى مرحلة من القوة تمكنها من تحقيق هدفها النهائى وهو بناء الدولة الإسلامية انطلاقاً من رؤية براجماتية ترى أن الجميع أعداء وأن عليها أن تتحالف مع القوى منهم حتى تقوى فتضرب الجميع لأن الله - كما يقول السلف الصالح - يدعم هذا الدين حتى بالرجل الفاجر. حدث هذا فى النصف الثانى من الثلاثينيات، عندما راهنوا على الملك فاروق وساروا فى مظاهرات تهتف: عاش فاروق أمير المؤمنين انطلاقا من تقديرهم بأن الوزارات تأتى وتذهب، ويظل القصر هو الحقيقة الثابتة فى الحياة السياسية المصرية وكانوا مع جماعة مصر الفتاة.. من بين الأحزاب الشبابية الجديدة التى رسم القصر سياسته على أساس اجتذابها لتكون مصدر قوة شعبية له، فى مواجهة جماهيرية حزب الوفد الكاسحة. وحدث فى بداية الحرب العالمية الثانية حين استطاع الحزب السعدى الذى كان يشكل الأغلبية داخل ائتلاف أحزاب الأقليات التى كانت تحكم - آنذاك - أن يجتذبهم للتحالف معه فأعفاهم من الملاحقة التى كانت تتعرض لها كل الأحزاب والأنشطة السياسية فى ظل الأحكام العرفية مقابل أن ينطلق خطباؤهم فى المساجد، يهاجمون النازية، ويفضحون الأكذوبة التى أطلقتها الدعاية النازية بأن الزعيم الألمانى «هتلر» قد أسلم سراً وتسمى «محمد هتلر» وأنه ينوى بعد انتصاره أن يمنح الشعوب العربية دولة إسلامية موحدة تحالف ألمانيا وفى مقابل هذه الخدمة الإعلامية الضخمة توسع الإخوان المسلمون فى إنشاء الشعب فى القرى وتغلغلوا فى المدارس تحت سمع وبصر وزارة الداخلية وسلطات الأمن، ومع الانقلاب الذى جاء بحزب الوفد إلى الحكم بعد حادث 4 فبراير 1942 نظر الوفديون شزراً إلى الإخوان المسلمين بسبب تحالفهم السابق مع السعديين لكن الوسطاء نجحوا فى إقناع «النحاس باشا» زعيم الوفد وفؤاد سراج الدين باشا قطب الوفد بأن الشيخ «حسن البنا» رجل دين لا أكثر ولا أقل وأن دعوته دعوة للأخلاق والفضيلة، والتقى المرشد العام بزعيم الأمة، وقبل البنا أن يتنازل عن ترشيح نفسه فى الانتخابات البرلمانية فى مقابل تعهد الحكومة الوفدية بأن تطلق له حرية المضى فى دعوته الدينية.. فتكاثر عدد الشعب وتضاعفت أقسام البر والخدمة الاجتماعية. وما كادت حكومة الوفد تقال فى أكتوبر 1944 ويعود السعديون إلى الحكم ليطبقوا بالتعاون مع القصر سياسة القضاء على الوفد قضاء تاماً بسبب موقفه فى حادث 4 فبراير 1942 حتى وجد الإخوان المسلمون أنفسهم فى مأزق وفشلوا فى التنكر لتهمة التحالف مع الوفديين وأصر السعديون على ألا يقبلوا من الإخوان - هذه المرة - إلا أن يظهروا خصومتهم للوفد بتنكرهم له إذا شاءوا أن يستمروا فى نشاطهم. وعلى امتداد السنوات الخمس التالية لم يتردد الإخوان فى إعلان خصومتهم للوفد وبدأت الاحتكاكات بين أنصار الطرفين تتجاوز المدن إلى القرى، ووصلت إلى حد الاشتباكات العنيفة وأحيانا المسلحة ووقفت حكومات الأقليات إلى جوار الإخوان فى كل صدام يقع بينهم وبين الوفد، وسمحت لهم الحكومة السعدية بإنشاء الجوالة التى كانت تشكيلا شبه عسكرى على الرغم من وجود قانون يحظر على الأحزاب إنشاء مثل هذه التشكيلات وتضخمت جماعة الإخوان حتى وصل عدد المنتمين إليها إلى عشرين ألفا. وكان لابد أن يأتى الوقت الذى تتضارب فيه مصالح الطرفين: اقتربت الانتخابات العامة وشعر الإخوان بأنهم أصبحوا قوة مستقلة أقوى ممن يحمونهم وبدأوا يعدون أنفسهم لخوض الانتخابات البرلمانية وشعر السعديون بأن الإخوان الذين كانوا يعتبرونهم أتباعا لهم قد أصبحوا منافساً لهم وأنهم استغلوا التحالف لحسابهم فقرروا أن يتخلصوا منهم بأى ثمن.. وتصاعدت الاحتكاكات بين الطرفين. ولم تتنبه الحكومة السعدية التى كان يرأسها آنذاك «محمود فهمى النقراشى» - إلاَّ فيما بعد - أن الإخوان المسلمين كانوا قد استثمروا هذا التحالف للانتقال من مرحلة التعريف إلى مرحلة التمكين وشرعوا بشكل سرى منذ عام 1940 فى تكوين «الجهاز الخاص» الذى يضم العناصر الصالحة. التى تحمل عبء الجهاد، وأن أعضاءه يتلقون تربية عسكرية بحتة. ولم يتنبه حسن البنا نفسه إلى أن بعض قادة هذا الجهاز بدأوا يضيقون بالقعود دون عمل، بعد أن امتلأت أيديهم بالمسدسات والقنابل والمدافع الرشاشة، فاستعجلوا جنى الثمرة قبل نضجها وقطف الزهرة قبل أوانها، وخاضوا المعركة دفاعا عن جماعتهم فى مواجهة حكومة السعديين، وتخضبت أرض مصر بالدم، وارتفعت أصوات الانفجارات حتى أصمت الآذان، وقرر النقراشى أن يضرب ضربته.. فأصدر أمرا عسكريا بحل الجماعة وجميع شعبها فى جميع أنحاء المملكة المصرية، وبغلق الأمكنة المخصصة لنشاطها، وضبط الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال المملوكة لها، وتعيين حارس عام يقوم بتصفيتها، والقبض على كل خمسة أو يزيد من أعضائها يجتمعون معا.. ليعاقبوا بالحبس لمدة تصل إلى سنتين.. وردا على قرار الحل قام الجهاز الخاص باغتيال النقراشى.. وردت الحكومة على ذلك باغتيال حسن البنا. وفى خريف 1951 وبعد ثلاث سنوات من المحنة، شهدت اعتقالات شاملة، وتعذيبا واسع النطاق، وأحكاما قضائية بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة، عادت جماعة الإخوان المسلمين إلى النشاط رسميا، فى ظل مرشد عام جديد، هو حسن الهضيبى. وبعد ثمانية أشهر من ذلك قامت ثورة 23 يوليو 1952 واستقبلها الإخوان بفرح غامر، إذ كان لهم - منذ بداية الأربعينيات - جناح عسكرى فى القوات المسلحة والشرطة، وكان أكثر من نصف أعضاء مجلس الثورة، أعضاء سابقين أو حاليين أو متعاطفين مع الجماعة.. كان من بينهم جمال عبدالناصر وكمال الدين حسين وخالد محيى الدين وحسين الشافعى فضلا عن عبدالمنعم عبدالرءوف ورشاد مهنا وآخرين من الصف الثانى لتنظيم الضباط الأحرار.. وكانوا الهيئة الوحيدة التى عرفت بموعد الثورة قبل قيامها، وساهمت بمجهود مدنى فى حماية بعض المنشآت، وكان الإخوان يتحدثون فى مجتمعاتهم عن «الأخ جمال» و«الأخ كمال» وغيرهما من الإخوة أعضاء مجلس قيادة الثورة. وتتابعت إجراءات الثورة التى تحمل مجاملة فوق العادة للإخوان المسلمين، أعيد فتح التحقيق فى قضية اغتيال حسن البنا، ووضع الجيش يده على الذين دبروا الجريمة، وعرض مجلس قيادة الثورة على الإخوان أن يشتركوا بوزيرين فى حكومة «محمد نجيب» التى تشكلت بعد أسابيع من قيام الثورة، ولكن الاختلاف حول الأسماء حال دون تمثيلهم رسميا فى الوزارة، ومع أن العفو عن الجرائم السياسية لا يصدر عادة عمن ارتكبوا جرائم عنف، فقد صدر عفو خاص عن عدد من أعضاء الجماعة الذين ارتكبوا جرائم قتل، ومنهم المتهمون بتدبير جرائم قتل المستشار أحمد الخازندار، وقتل محمود فهمى النقراشى.. وشمل العفو العام الذى صدر بعد ذلك إسقاط العقوبة عن بقية المحكوم عليهم بارتكاب جرائم عنف من الإخوان المسلمين ولم يشمل هذا العفو الشيوعيين، الذين حكم عليهم فى قضايا لم تشهد أى منها واقعة عنف واحدة، بدعوى أن الشيوعية جريمة اقتصادية وليست جريمة سياسية. كان واضحا خلال الشهور الثمانية عشر الأولى من حياة ثورة يوليو، أن مجلس قيادة الثورة الذى لم يكن أعضاؤه ينتمون إلى حزب أو أحزاب سياسية مدنية قائمة، قرر أن يعتمد على الإخوان المسلمين، باعتبارهم الجماعة السياسية المنظمة التى يمكن أن يستند إليها فى مواجهة المخاوف التى ناوشت بقية القوى والأحزاب السياسية، من أن تتحول الثورة إلى حكم ديكتاتورى عسكرى، وأن الإخوان سعوا للتحالف مع مجلس القيادة، ودعموه فى مواجهة المنتقدين له، انطلاقا من القانون الثابت الذى حكم تحالفاتهم السياسية من قبل، وهو أن يتحالفوا مع القوى السائدة، وأن يدعموها ضد خصومها، ليتقووا فى ظلها، حتى تحين أمامهم الفرصة للانتقال من مرحلة «التمكين» إلى مرحلة «التنفيذ». وفى ظل هذا التحالف أنقذ مجلس قيادة الثورة الإخوان من الخضوع لقرار حل الأحزاب السياسية، الذى بدأ التمهيد له بإصدار قانون للأحزاب، ألزم الأحزاب القائمة بإعادة إشهار نفسها طبقا لنصوصه، يتقدم الإخوان بطلب لإشهار حزب باسمهم فاستدعاهم عبدالناصر وأبلغهم بأن الأحزاب التى سوف تشهر نفسها طبقا للقانون الجديد سوف تخضع لقرار بحل الأحزاب يصدر بعد أسابيع ونصحهم بسحب الطلب.. ولم يعترض الإخوان على نية المجلس حل الأحزاب وأسرعوا يستردون الإخطار الذى تقدموا به، سعداء لأن الساحة الحزبية سوف تخلو لهم من دون منافس! وفى ظل هذا التحالف ضد بقية الأحزاب والقوى السياسية، التى كانت تحاول دفع مجلس القيادة، إلى اتخاذ خطوات على طريق الديمقراطية، حاول الإخوان أن يسيطروا على مجلس القيادة، فطلب المرشد العام «حسن الهضيبى» من «الأخ» جمال عبدالناصر تشكيل لجنة مشتركة من الجماعة ومجلس قيادة الثورة، تعرض عليها الإجراءات والتشريعات التى ينوى المجلس إصدارها للتوافق عليها قبل إعلانها، والتأكد من مطابقتها للشريعة الإسلامية، لكن عبدالناصر رفض ذلك واعتبره وصاية على الثورة. وبدأت المشاكل تتراكم بين الطرفين، وسعى عبدالناصر لإحداث انشقاق داخل جماعة الإخوان المسلمين، وشجع الجناح الذى كان يؤيده داخل صفوفها على التمرد على قيادة الجماعة، وسعى الإخوان للتحالف مع الرئيس محمد نجيب، واستغلال التناقض الذى كان قد بدأ يتسع بينه وبين أعضاء مجلس القيادة، واشترطوا عليه أن يترك منصب القائد العام للقوات المسلحة لأحد ضباطهم، وأن يتمسك بقرار حل الأحزاب، وأن يشكل وزارة يرضى عنها الإخوان مقابل دعمهم له ضد جمال عبدالناصر ولكنه رفض. وفى مواجهة إصرار الإخوان المسلمين على رفض مطالب عبدالناصر المتوالية بحل «الجهاز الخاص» وحل تشكيلاتهم فى القوات المسلحة والشرطة، أصدر مجلس قيادة الثورة فى 14 يناير 1954 قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين.. وفى 4 فبراير 1954 قبل مجلس قيادة الثورة استقالة محمد نجيب.. ومع أن الجماعة قد عادت إلى نشاطها وأفرج عن المعتقلين من قادتها وأعضائها أثناء أزمة مارس 1954 إلا أنها اتخذت موقفا محايدا من الصراع بين مجلس قيادة الثورة والقوى الديمقراطية التى كانت تطالب بعودة الجيش لثكناته وتسليم الحكم للمدنيين وعقد جمعية تأسيسية للنظر فى مشروع دستور 1954 وإقراره، واختفت من الساحة تماما حتى انتصر مجلس القيادة على هذه القوى وأحكم قبضته على البلاد.. ثم استدار إلى الإخوان ليصفيهم بعد أن استعجل بعضهم - كالعادة - جنى الثمرة قبل نضجها.. وقطف الزهرة قبل أوانها.. وحاولوا اغتياله فى ميدان المنشية فى 8 نوفمبر 1954. وكانت تلك هى اللعبة الخائبة نفسها التى لعبوها فى عهد السادات حين تحالفوا معه فى بداية عهده، وعملوا لحسابه، ضد ذكرى عبدالناصر وضد الناصريين والماركسيين الذين كانوا يعارضون سياساته الوطنية والاجتماعية، لكى يعيدوا - فى ظل هذا التحالف - بناء جماعتهم من جديد، وهى اللعبة نفسها التى لعبوها فى عهد «مبارك»، الذى اتجه نظامه للتحالف معهم فى مواجهة الجماعات الإسلامية الأخرى التى تمارس العنف، ولم يعرف عنهم أنهم عارضوه فى شىء، أو اشتركوا فى أى عمل جماهيرى ضد سياساته، ولم يكن لما وجهه إليهم من ضربات صلة بالمعارضة، بل كان يرتبط فقط بخروجهم عن السقف الذى تحدد لهم طبقا للاتفاق بينهم وبين إدارة السادات، بأن يسمح لهم بالعمل الدعوى: بشرط ألا يلجأوا للعنف، أو يتعاونوا مع القوى الإقليمية التى تعادى النظام، وفى عهده تضاعف عدد نوابهم فى البرلمان من 7 عام 1984 إلى 88 عام 2005. ولو أنصف الإخوان المسلمون الذين شاركوا فى 25 يناير 2011 لأدركوا أن مشكلتهم الأساسية تكمن فى تحالفاتهم السياسية غير المبدئية، وأن السعى للاستظلال بالقوة السائدة والعمل لحسابها ضد الآخرين، لم يقدهم يوما إلى تحقيق مشروعهم، لكنه قادهم إلى محنة بعد أخرى! واقرأ المقال من أوله!