في ميدان التحرير وبين مئات المعتصمين نشاهد كل أنواع الوجوه الباسمة والحالمة والغاضبة والمتفائلة والحاسمة والطيبة.. وجوه مصرية رائعة حانية.. وأشخاص جاءوا إلي الميدان إيمانا منهم بعدالة هذه الدولة وتسامحها وديمقراطيتها.. في الميدان كل شخص يشعر بحريته وآدميته يفعل ما يريد وما يؤمن به يفصح عن أحلامه وآماله.. وهناك التقينا بكثير من الوجوه المصرية الحقيقية لنجد حكاية وراء كل وجه. • فكري المصري موظف بالإدارة التعليمية بكوم حمادة.. يأتي إلي الميدان ليشارك في الثورة، ويعرض خدماته كنجار.. وهذه المرة قام بعمل ( شجرة الشهداء) يعرضها في وسط الميدان ويلتف الجمهور حوله ليلتقطوا الصور بجوار الشهداء ويستظلوا بظلهم. يقول فكري بحماس: أعمل نجاراً بعد الانتهاء من عملي كموظف ومنذ 25 يناير ذهبت إلي ميدان التحرير.. لأساعد الثوار في أي عمل يحتاج إلي مهاراتي كنجار، حيث أحضر معي أدواتي من المسامير والشاكوش الغراء وأساعدهم في دق المخيمات.. وإقامة المنصات والإذاعة.. كما أنني خلال ثورة يناير قدمت (شجرة الفساد) التي تضم كل أسماء الفاسدين.. وتعرفت علي كثير من الشخصيات المهمة الذين كانوا يحرصون علي التقاط الصور التذكارية بجوار شجرة الفساد وشجرة الشهداء. وأقوم بعمل الأعمال الفنية علي نفقتي الخاصة، حيث وصلت تكلفة شجرة الشهداء 120 جنيهاً.. وهي مساهمة مني في قضية الشهداء ونوع من التكريم لهم في الميدان وتذكير الثوار بهم. • أما حسين الديب - 60 سنة - فيلفت انتباهك حين تبدأ في دخول الميدان حيث يمسك ببدلتي رقص ويكتب علي كل واحدة (محكمة شارع محمد علي) . وحين تستمع إلي حسين الديب تشعر أنك تتحدث مع فيلسوف رغم الشكل الهزلي الذي يقدم به اعتراضه علي عدم محاكمة الشهداء. وهو يقيم في الزقازيق لكنه جاء إلي الميدان لتوصيل صوته ويقول : ليست لدي مطالب خاصة لكنني أحب مصر وأخاف عليها وما يحدث الآن شيء خطير أن يحصل الضباط قتلة الثوار علي براءة وأن تؤجل محاكمات الفاسدين. ولقد اخترت (بدل الرقص) لأؤكد علي (الهزلية) في إدارة الأحداث الخطيرة التي تمر بها مصر. ومن قبل قمت بعمل شكل آخر هزلي اعتراضا علي سياسة حبيب العادلي وكتبت علي (قمصان النوم) العادلي جروب.. و(محرقة العادلي الدولية) واعترض الإخوان علي هذا الشكل من الاعتراض وطردوني من الميدان لكنني دخلت مرة أخري مع مجموعة من الشباب دافعوا عني وعن طريقتي في عرض أفكاري. • حين تذهب للميدان لابد أن تلتقي بهذه الأسرة أب وأم وفتاة يحملون صورة ابنهم الشهيد، ويطالبون بحقه بعد أن رفضت الجهات المختصة احتسابه شهيدا، حيث إنهم اعتبروا الشهداء حتي يوم 24 مارس فقط في حين استشهد علي ماهر -15 سنة - بالصف الأول بمدرسة الثانوية السعيدية يوم 8 أبريل وتبدأ الحكاية الحزينة كما تقصها والدته المكلومة: استشهد ابني أمام الملايين ولا يريدون أن يحتسبوه شهيداً في حين احتسبه ربه شهيداً.. شارك في مليونية 8 أبريل وفي اعتصام مع ضباط الجيش.. ولكن في الساعة الثالثة صباحا تم فض الاعتصام بالقوة وأطلقوا علي المعتصمين وابلاً من الرصاص وسقط ابني شهيداً بعد إصابته في رقبته، كما أصيب 85 من الثوار، ورغم أن ابني مات في أحد المستشفيات العسكرية فإنهم رفضوا أن يحتسبوا أي شخص من الثوار مات بعد 24 مارس شهيدا والآن أطلب حق ابني واعتباره شهيداً وتكريمه مع الشهداء.. وهناك مئات من الشباب شاهدوا ابني وهو يسقط بينهم وسط المظاهرة كما أن أحد ضباط الجيش كتب قصيدة فيه لأنه سقط أما عينيه بعد أن شهده في مواقفه الكثيرة شجاعا مقداما رغم صغر سنه وسنوات عمره الخمس عشرة !!