مازالت صفقة الجرارات التي تم شراؤها في عهد وزير النقل الأسبق محمد لطفي منصور مثاراً للجدل والبلاغات للنائب العام.. بدأت الشبهات تحوم حول الصفقة لأن منصور هو الوكيل الوحيد لجنرال اليكتريك في الشرق الأوسط وتأكدت الشكوك عند وصول أول دفعة من الجرارات في بداية 2009 ووجد السائقون أنها تفتقد تماما لمعايير السلامة وغير مطابقة للمواصفات، فتقدم 44 قائداً ومساعد قطار ببلاغ للنائب العام في 2009/2/24 برقم 2631 لكن تم حفظ هذا البلاغ في شهر يونيو من نفس العام بأمر من النائب العام وأشاد المسئولون الذين تم سؤالهم بهذه الجرارات. بعد ثورة يناير تقدم مجموعة من السائقين ومساعديهم الشهر الماضي ببلاغ جديد للنائب العام عن صفقة الجرارات المشبوهة. يقول هاشم رابح - قائد قطار بالمنطقة المركزية بالقاهرة - هذا البلاغ مختلف عن البلاغ السابق الذي كنا نتحدث فيه عن عدم مطابقة الجرارات لنظم التشغيل بهيئة السكة الحديد من ناحية حجم وارتفاع الجرار وموقع الباب في منتصفه وكلها مخالفات جسيمة وقد تم حفظ هذا البلاغ الأول بعدما قامت هيئة السكة الحديد آنذاك باستغلال نفوذها لتضليل العدالة واصطحاب أصحاب النفوس الضعيفة إلي التجمع الخامس لتشهد بغير الواقع وجاء ذلك في البلاغ الثاني المقدم للنائب العام. هاشم رابح هو أحد أفراد أول مجموعة من حاملي الشهادات المتوسطة يتم تعيينهم بالسكة الحديد للعمل كقائدي قطارات لرفع مستوي سائقي السكة الحديد من حاملي الشهادة الإعدادية والأقل منها إلا أنه تم حرمانهم من قيادة القاطرات حتي الآن بسبب نفوذ وعلاقات السائقين القدامي بقيادات الهيئة.. وهم الذين يقومون بقيادة الجرارات الجديدة المزودة بالكمبيوترات التي تعمل باللغة الإنجليزية، بالرغم من مطالبة الهيئة للشركة المنتجة بتعريب الشاشات لكن لم يتم ذلك ضمن 16 تعديلاً طالبت بها الهيئة ولم تنفذها الشركة المنتجة. تم إثارة قضية الجرارات مرة ثانية بعد خروجها من مخازنها بالتبين التي تم حبسها فيه لمدة عام تقريبا وكانت تعمل قبلها في قطاعي البضائع والركاب ب 40 جراراً في كل قطاع واستمرت في الخدمة لمدة عام بعد دخولهم الخدمة في منتصف 2009 خرجت جميعا بعدها إلي التبين بسبب حدوث شروخ بالعجل وفرط الرمان البلي وكسر في الأكسات والمساعدين، مما أدي إلي تحويل الجرارات ال 80 بالكامل في قطاع نقل البضائع.. لكن لسوء الحظ تم اكتشاف أيضا عدم مطابقة فلاتر الهواء للمواصفات مما يسمح بمرور الأتربة الدقيقة إلي داخل غرفة الاحتراق نتج عنه تسليخ الشنابر.. وكانت النتيجة إجراء عمرة لأكثر من 40 جراراً بعد عام واحد وهي مازالت في فترة الضمان الذي مدته «ثلاث سنوات» تنتهي في ,.2012 كان من المفترض ألا يتم عمل أية عمرات لتلك الجرارات الجديدة إلا بعد مرور سبع سنوات علي الأقل، ومالبث أن لحقت الأربعون جراراً الأخري بسابقتها بعد حدوث نفس المشاكل في التشغيل وتم تغيير رومان البلي لها.. كل هذه الإصلاحات تمت علي حساب هيئة السكة الحديد بالرغم من أنها في فترة الضمان وذلك بسبب اختلاف الشركة المصنعة للجرارات جنرال اليكتريك وشركة سيمنز التي تم شراء أجهزة التحكم منها وبين هيئة السكة الحديد. قامت لجنة من بعض المهندسين الفنيين التابعين لهيئة السكة الحديد بالسفر لشراء أجهزة التحكم، فقاموا باختيار جهاز يعمل بنظام ATT، وهو مختلف عن نظام ATC المعمول به في تشغيل السكة الحديد في مصر. ونتيجة تغيير نظام أجهزة التحكم تم تغيير مواتير الجر بعد أشهر قليلة من دخولها الخدمة مما كلف الهيئة أموالا طائلة كان المفترض أن تتحملها الشركة المصنعة للجرارات.. ويضيف رابح قائلاً: سألنا أعضاء اللجنة التي أوصت بشراء هذه الأجهزة عن سبب اختيارها لها فقالوا أنها أجهزة أكثر تطوراً! بالرغم من أنها غير مناسبة لنظم التشغيل، وكان لابد من تغيير الملفات الأرضية أو ملفات الحس الموجودة بالقاطرة.. لكن للأسف لم يتم تغيير شيء مما أدي إلي تلقي أجهزة التحكم الجديدة لمعلومات خاطئة تدفع إلي إيقاف القطار ذاتياً خلال ثانية واحدة وهذا غير ممكن البتة مما يؤدي إلي انفراط رمان البلي.. في الوقت الذي يسمح فيه نظام ATC المعمول به في مصر للقاطرة بالهبوط من سرعة 140 ك.م/ ساعة إلي 60 ك.م/ ساعة خلال من 24 إلي 60 ثانية. أدي هذا العيب في أجهزة التحكم الجديدة إلي وقوع حادث القطار 188 بسبب تلقي الجهاز لمعلومة خاطئة وسارعت شركة سيمنز بالدفاع باستماتة حتي لاتتحمل مسئولية الحادث. يقول رابح: اعترض أحد أعضاء لجنة المشتريات علي شراء هذا الجهاز إلا أنهم قاموا بإقصائه وإبعاده عن اللجنة. ومن غرائب هذه الصفقة أيضاً أن هناك بروتوكولاً معمولاً به داخل الهيئة لم يتم تطبيقه بها.. حيث يجب علي الشركة الموردة أن تتحمل مصاريف إقامة وتنقلات وتدريب لفرد واحد في مقابل كل 10 ملايين جنيه يتم التعاقد عليها. ونحن تعاقدنا علي شراء 120 جراراً بقيمة 2 مليار جنيه منها 246 مليون دولار قامت بتسديده دولتا قطر وليبيا.. وكان من المفترض أن يتم تدريب عدد كبير من قائدي القطارات الميكانيكية والكهربائية علي نفقة الشركة المصنعة مما يساعد العاملين علي استيعاب القاطرة. يضيف رابح: فوجئنا بأن الهيئة قامت بصرف مبالغ طائلة مبالغ فيها علي التدريب والصيانة وعمل العمرات وخرط العدد وتغيير المساعدين بعد أشهر قليلة فقط من التشغيل. لدينا جرار حاولنا تعديله وصرفنا عليه 76 مليون جنيه، ولم ننجح في إدخاله للخدمة حتي الآن. كما جاءت الصفقة «80 جراراً» وبها أول «كومبرسور» من نوعه يتم تصنيعه في العالم وتم تجربته داخل مصر وثبت فشله نتيجة عيوب في الصناعة حيث يؤثر علي القوة الفرملية للقطار، وتسبب في العديد من الحوادث مثل حادث قطار العياط الذي أدي إلي سحب هذه الجرارات وإرسالها للتبين جميعها بعد عام واحد للعمل في قطاع نقل البضائع ومواراتها عن الأنظار.. لكنها للأسف لم تنجح أيضا في قطاع البضائع نظرا للعيب الموجود بفلاتر الهواء الذي يؤدي لدخول الأتربة الدقيقة بالمناطق الجبلية لغرفة الاحتراق وحدوث تسليخ بالشنابر تطلب إجراء عمرات لها. حاولت هيئة السكة الحديد في منتصف مايو 2011 إعادة هذه الجرارات للعمل في قطاع الركاب لسد العجز في قوة الجر، لكن تقدم عدد من قائدي القطارات المختصين بالهيئة ووزارة النقل بشكاوي مطالبين بعدم تشغيلها للركاب نظرا لفقدانها لجميع وسائل الأمان بالقاطرة سواء لقائد القاطرة أو ممتلكات الهيئة أو أرواح الأبرياء لوجود عيب خطير بالعجل يؤدي إلي حدوث شروخ بها أثناء سرعة القطار ويؤدي إلي فصل جزء منه أثناء المسير مما يتسبب في كارثة إنسانية. ونظرا لأن المهندس عاطف عبدالحميد وزير النقل يضع السلامة أولا فقد تم التراجع عن استخدام هذه الجرارات في نقل الركاب. أما الأربعون جراراً الباقية من الصفقة فهي أيضا من إنتاج جنرال اليكتريك الأمريكية إلا أنها كانت مصنعة خصيصا لمترو أنفاق إنجلترا ولم يكن بها هذه العيوب. يختتم رابح حديثه قائلاً: قامت الهيئة بعمل عمرات جسيمة لما يقرب من 30 - 40 جراراً قديماً من طراز ألماني لسد العجز.. بما يوضح أننا لم نكن في حاجة إلي إهدار 2 مليار جنيه لشراء جرارات جديدة لم تؤد الغرض منها حتي الآن.