متي يعود الأمن للشارع المصري؟ سؤال يطرحه أغلب المصريين الآن.. فمنذ اندلعت ثورة 25 يناير ومصر تعاني من عدم توافر الأمن بها وهي المشكلة التي تعد من أكبر وأخطر المشكلات التي نعاني منها في الوقت الراهن حكومة وشعبا.. فمن هروب للكثير من المساجين وانتشار الكثير من البلطجية في الشوارع إلي ارتفاع معدل جرائم السرقات، كل ذلك أدي إلي عدم شعور المواطن المصري بالأمان الذي ينشده ويتمناه.. بل إن جهاز الشرطة الذي يتعامل مع مثل هذه النوعية من الجرائم يريد أن يستعيد هيبته مرة أخري ليمارس عمله في حفظ أمن البلاد وسلامتها. انعدام الأمن وتأثر حياة المواطنين أدي بالتالي إلي تأثر جميع مجالات الحياة خاصة الاقتصادية منها ولذلك تعد المشكلة الأولي بالاهتمام الآن من قبل الجميع.. وهي بالمناسبة ليست مسئولية وزارة الداخلية فقط ولكنها مسئولية جميع المصريين، حيث يجب أن نتحد جميعا لإيجاد حل لها. ولحل مشكلة الأمن يجب أولا أن نعرف الأسباب الحقيقية لها حتي نستطيع حلها من جذورها بعيدا عن الحلول المعتادة والمعروفة عنا كمصريين بتقليل حجمها أمام الناس والاستهانة بها لأنها أصبحت ملموسة وواضحة للجميع ولاينفع التستر عليها لأنها تمسنا جميعا. بداية لابد أن نعترف بأن من أهم عوامل افتقاد الأمن انتشار البلطجة في الآونة الأخيرة نتيجة لإحساس البعض بالظلم والقهر والبطالة وعدم الإحساس بالعدل، وكلها عوامل تميز بها النظام السابق الذي استخدم بعض رجال الأمن في انتهاك حقوق وكرامة المواطن المصري، كما أن مشكلة الأمن والأمان في الشارع المصري بعد ثورة 25 يناير ليست جديدة لأنها كانت موجودة أيضا قبل الثورة، حيث كانت هناك أيضا جرائم سرقة وقتل وبلطجة وخطف، لكنها زادت مع الانفلات الأمني واتسعت رقعتها في ظل غياب الشرطة وهذا يعني وبصراحة أنه بعد عودة الشرطة بكامل قواها لن تحل المشكلة نهائيا لأن الجريمة ولدت منذ ولد الإنسان ولكن نسبة الجرائم في الشارع ستقل وهذا ما نتمناه ونسعي إليه. وللقضاء علي مظاهر الجريمة والبلطجة والانفلات الأمني التي نعاني منها لابد أن يكون هناك عدل، لأنه إذا لم يتوفر العدل فلن يكون هناك أمن وهذا هو ما يجب أن نسعي إليه ونحققه، ولهذا علينا أن نبدأ بأنفسنا ولا ننتظر من يحقق لنا ذلك عن طريق نشر ثقافة العدل والتسامح في المجتمع وهي أولي خطوات الطريق الصحيح لتحقيق الأمن الذي يجب أن يسود بين الجميع، بل إن العدل نفسه يجب أن يميز العلاقة بين رجال الشرطة أنفسهم وذلك بتقديم المخطئ للمحاكمة مع ضرورة تقدير الشرفاء منهم وهم كثر، ولكنهم لايجدون التقدير اللائق منا سواء كمسئولين عن جهاز الشرطة أو من الشعب الذي زادت بداخله روح العداء تجاه رجال الشرطة بعد الممارسات التي حدثت أثناء الثورة. كما لابد من توفير مناخ آمن وعادل خاص أيضا برجال الشرطة لكي يعود الاستقرار إلي هذا الجهاز وهو خاص بإزالة العوامل المؤدية إلي الاحتقان داخل الشرطة مثل الفوارق الكبيرة المادية وكذلك المعنوية بين العاملين في قطاعات الشرطة دون النظر إلي فرد الشرطة العادي الذي يقف في الشارع لأكثر من 18 ساعة، ولهذا يري الكثيرون أن إعادة الاستقرار النفسي لرجل الشرطة ستعم بالفائدة علي مصر، ولذلك يجب علي جموع الشعب المصري مساعدة رجال الشرطة علي تخطي هذه العقبات والوقوف بجانبهم ودعمهم حتي تعود لهم ثقتهم في أنفسهم مرة أخري، فوجودهم الآن واستعادة الأمن للبلاد أصبح مطلبا ضروريا وهذا هو السبيل لإنقاذ مصر وإنقاذ اقتصادها من أزمته التي يمر بها والتي أدت إلي نقص شديد في المواد الأساسية والغذائية للمواطن.. كما أن عودة السياحة والاستثمار الأجنبي والداخلي والإنتاج لن تحدث إلا بعودة الاستقرار. وليكن معلوما أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر لم تأت لأسباب اقتصادية كما يعتقد البعض ولكن لأسباب أمنية وسياسية في المقام الأول، لأن عدم تواجد رجل الشرطة في الشارع بالصورة المرجوة لا يخلق حالة من الاطمئنان لدي المستثمرين. إن صورة الأمن في مصر الآن تهز وبدون شك استقرار وصلابة هذا الوطن بعد أن انتشرت الجرائم في كل أرجاء المحروسة وتجرأت مواكب البلطجية علي الدولة وأجهزة الأمن، ألا يكفي ما تم حرقه من أقسام للشرطة واعتداء علي رجالها بالسلاح أو الجنازير، ألا يكفي ما حدث لضابط شاب قد يكون أخي أو قريبا لي أو لك لمجرد حمايته لسيدة من البلطجية الذين ابتليت بهم مصر.. ألا يكفي قطع طرق وسكك حديدية من قبل البعض لمجرد شائعة هنا أو هناك. وأخيرا ألا يكفي ما حدث في موقعة «الجلباب» أثناء مباراة الزمالك والأفريقي التونسي في بطولة الأندية الأفريقية والتي بسببها ألغي الحكم المباراة وتم فرض عقوبات مشددة علي نادي الزمالك من قبل الاتحاد الأفريقي.. وما حدث أيضا في مباراة الإسماعيلي وطلائع الجيش حيث قامت جماهير الإسماعيلي بتحطيم مدرجات نادي الطلائع لمجرد أن حكم المباراة احتسب ضربة جزاء ضد فريقهم. أما ما حدث مؤخرا من جماهير نادي الاتحاد السكندري في مباراته الأخيرة ضد نادي وادي دجلة فهو يعد حكاية أخري من حكايات الانفلات التي نشهدها، حيث أفسدت قلة غير واعية من الجماهير المباراة بنزولها لأرض الملعب، واعتدت علي لاعبي الفريقين كما اعتدت علي الحكم المساعد الأجنبي الذي شاء قدره أن يشارك في تحكيم المباراة كما اعتدت علي رجال الشرطة مما أدي إلي إصابة أكثر من 18 شرطيا وكل هذا لأن فريقهم دخل مرماه هدف.. بالطبع مثل هذه الاعتداءات في الملاعب تزايدت لأن ما سبقها من اعتداءات كان يتم خلالها الإفراج عن مرتكبيها بحجة أنهم صغار في السن وحماية لمستقبلهم رغم أن عقابهم واجب وتحديدا في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد وبعد أن تحولوا من مشجعين لفرقهم الرياضية إلي مجرمين. في ظل هذه الفوضي وحالات البلطجة والانفلات يصبح الحسم ممثلا في هيبة الدولة هو الملاذ وذلك بتطبيق القانون بعدل وشفافية ودون انتقاء، وهذا ما سيقضي علي مثل هؤلاء الذين يدمرون في البلد لأننا لن نرضي كأبناء لهذا الوطن علي مثل هذه التصرفات رغم علمنا التام أن أي ثورة تقوم في العالم لابد أن تكون لها بقايا من رجال النظام السابق وبالتأكيد لهؤلاء الرجال مصالح لابد أن تستمر، كما أن أي ثورة يعقبها عدم استقرار للأمن، وهذا ما نتمني أن نمر منه سريعاً حتي تتعافي مصر مما أصابها من حزن وخراب ودماء لأننا أمام واقع جديد يفرض علينا التزامات ضخمة ويفرض علينا تحديات لابد أن نكون أهلا لها.