«الدبلوماسيون الأحرار» .. أو «الدبلوماسيون الإصلاحيون» .. أو «ثوار الخارجية» .. كلها أسماء لمجموعة منظمة من رجال الدبلوماسية المصرية ظهرت بقوة وفرضت نفسها على أحاديث الوسط الدبلوماسى لتشكل حالة فريدة من نوعها فى تاريخ الجهاز الدبلوماسى، إذ تسعى لنقل ثورة يناير وعهدها الجديد إلى الخارجية والتى لم يكونوا بمعزل عنها، واعتمدوا على قواعد للتواصل على موقع «الفيس بوك» من خلال صفحات خاصة تقتصر عضويتها على الدبلوماسيين فقط.. هدفها تحقيق التواصل بينهم وبين زملائهم فى البعثات الدبلوماسية المختلفة لمصر حول العالم وأهم هذه الصفحات هى «اللوتس» التى تضم 528 دبلوماسيا من أصل950 هم القوة الكاملة للسلك الدبلوماسى المصرى وصفحة «الدبلوماسيون الأحرار» وصفحة «عاشت بلدنا» وصفحة بعنوان «الدبلوماسيون المصريون». نبيل العربى وإذا كان الانطباع السائد خلال المائة يوم السابقة بأن الثورة لم تطرق أبواب الخارجية بعد .. فإن ما كان يجرى فى الكواليس أثبت أن هذا الانطباع خاطئ وأن التفاعلات الثورية تدب بقوة داخل الجهاز الدبلوماسى، وقد بدأ التفاعل نهاية فبراير الماضى عندما حضر وفد من ائتلاف شباب الثورة إلى الخارجية واجتمعوا مع عدد من الدبلوماسيين مطالبين بصفحة جديدة للدبلوماسية المصرية تعبر عن الثورة، وخلال هذا الاجتماع تم التأكيد على اعتزاز الدبلوماسيين المصريين بالثورة ونقل الدبلوماسيون الذين حضروا الاجتماع شكر زملائهم فى الخارج لشباب الثورة على الإنجاز الذى تحقق، وأن الثورة أعادت البريق لمن يمثلون مصر بالخارج. بعد هذا الاجتماع بنحو عشرة أيام كان أول تحدٍ «للإصلاحيين» وتمثل فى انتخابات مجلس إدارة النادى الدبلوماسى المصرى وأعدوا قائمة تمكنوا من حشد الأصوات لها ونجحت باكتساح وجاءت بالسفيرة «منى عمر» مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية لتكون أول رئيس لمجلس إدارة النادى بعد الثورة وأول سفيرة تشغل هذا المنصب. منى عمر مجلس إدارة النادى الجديد قام بتحويل النادى من دار اجتماعية للدبلوماسيين إلى كيان مدافع عن قضايا الدبلوماسيين المصريين ومصالحهم وتمت الدعوة لجمعية عمومية استثنائية بمشاركة الدبلوماسيين العاملين وقدامى الدبلوماسيين وبالفعل تم تخويل النادى سلطة الدفاع عن حقوق ومصالح الدبلوماسيين لدى مختلف الجهات فى الدولة، كما تم فتح الباب لتلقى مقترحات التطوير والإصلاح فى الخارجية من جميع الدبلوماسيين فى الداخل والخارج كذلك القدامى عن طريق لجنة شكلت خصيصا لهذا الغرض والتى بدورها تجمع هذه المقترحات تعرضها على وزير الخارجية الدكتور «نبيل العربى» الذى ينظر له الدبلوماسيون بتقدير واحترام كبيرين ليس لقيمته أو لمكانته الدبلوماسية فحسب، ولكن باعتباره وزيرا ثوريا أحضرته الثورة المصرية لمقعده فى الخارجية وكذلك لإصراره على رحيل مبارك عندما كان عضوا فى لجنة الحكماء والتى انقسمت بعد خطاب تفويض السلطة الذى أعلنه الرئيس السابق قبل تنحيه التام عن السلطة فى الحادى عشر من فبراير الماضى فوقتها رأى عدد من أعضاء اللجنة أن مسألة تفويض السلطة للنائب عمر سليمان تكفى وتؤدى الغرض، ولكن العربى أصر على رحيل مبارك وأن الثورة لن يكتب لها النجاح إذا استمر مبارك فى موقعه حتى ولو فوض عمر سليمان وأثبتت مجريات الأحداث فيما بعد سلامة هذه الوجهة من النظر خاصة فيما يتعلق بمسألة المحاكمات القانونية لرجال النظام السابق وملاحقة ثرواتهم فى الخارج. يوم الأحد الماضى، يمكن اعتباره الإعلان الرسمى عن جبهة الإصلاحيين، حيث نزل إلى بهو وزارة الخارجية نحو20 دبلوماسيا معظمهم من جيل الوسط أى من المستشارين والوزراء المفوضين رابطين على أكتافهم شريطا رفيعا بألوان علم مصر يزيد من بريق مظهرهم المتأنق .. صامتين دون هتاف فى تعبير عن موقف تجاه ما يدور من حولهم وداخل البيت الدبلوماسى المصرى وعملية إصلاحه .. وبمنطق «بيدى لا بيد عمرو» بادر الدبلوماسيون بهذا الحدث الاستثنائى الذى كسر القالب الجامد الذى طالما عانوا منه بأن مهمتهم الوحيدة هى التمثيل الخارجى لمصر ويحرم عليهم التفاعل مع أى شأن داخلى حتى ولو كان هذا الشأن وزارة الخارجية نفسها. هانى خلاف لم تستمر الوقفة «الإصلاحية» كما فضل أصحابها تسميتها الساعة التى كانت مقررة لها إذ حضر إليهم د. نبيل العربى وفى صحبته السفير المخضرم هانى خلاف مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون العربية وأحد الأسماء التى تداولها الإعلام فى ترشيحات منصب وزير الخارجية قبل أن ينتقل نبيل العربى إلى الجامعة العربية، وكان سؤال العربى: «فى إيه؟.. هو أنا مكتبى اتقفل لحد فيكم»؟، وطلب منهم الذهاب معه إلى اجتماع مغلق انعقد فى القاعة المخصصة للمؤتمرات الصحفية بحضور السفير «خلاف» استمر لما يقرب من أربعين دقيقة. خلال هذا الاجتماع أكد الدبلوماسيون أنهم يساندون جهود «العربى» فى عملية الإصلاح الداخلى للوزارة، ولكن هذه العملية تسير ببطء وقدموا له مجموعة من المطالب العامة فى مقدمتها إعادة هيكلة إدارة السلك الدبلوماسى والقنصلى وتمكين الدبلوماسيين من الاطلاع على ملفاتهم بالقسم «السرى» بحيث لا توضع به أوراق لايعلم عنها الدبلوماسى أى شىء، إذ ربما تكون كاذبة أو كيدية ويتأثر بها الدبلوماسى فى مساره المهنى وأن حرمان الدبلوماسى من الاطلاع على ملفه السرى يتنافى مع أبسط مبادئ شفافية الإدارة والتقييم وتحقيق العدالة والمساواة والبعد عن المحسوبية فى النقل للبعثات الدبلوماسية وأن يكون الدبلوماسيون سواسية فى الخدمة بالمناطق الصعبة أو غير المستقرة سواء سياسيا أو أمنيا، كذلك أن الوجوه القديمة ومنهم من ارتبط بشكل مباشر بالنظام السابق لا يمكن أن يكونوا هم نفس الأشخاص الذين يباشرون عملية الإصلاح الداخلى فى الوزارة وأن الغرض من هذه الوقفة إعطاء رسالة إلى وزير الخارجية الذى سيخلف الدكتور العربى وتقوم على شقين متلازمين هما: الإصلاح الداخلى فى مؤسسة الخارجية وعدم التهاون فى دور إقليمى ودولى يليق بمصر ويعبر عن ثورتها. صفحة الدبلوماسيين الاحرار على الفيس بوك د. نبيل العربى أكد لهم أنه يتفهم مطالبهم وأن مكتبه مفتوح أمامهم فى أى وقت وأبلغهم بتعيين السفير أحمد فتح الله مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية ليكون وكيل وزارة الخارجية وهو منصب تم إحياؤه من جديد فى الخارجية بعد نحو عشرين عاما من التجميد ومسئول عن جميع الأمور الإدارية التى تخص الدبلوماسيين وأن الأيام القادمة ستشهد تغييرات شاملة ليس فقط فى إدارة السلك الدبلوماسى والقنصلى ولكن فى مختلف الإدارات والقطاعات داخل الوزارة، ثم داعب «العربى» أحد الدبلوماسيين وسأله عن الشريط الذى يربطه على كتفه ويحمل ألوان علم مصر مبديا إعجابه به وعما إذا كان معهم شريط له، فما كان من الدبلوماسى إلا أن خلع الشريط وأهداه إلى نبيل العربى.