يعد الوسط الدبلوماسي بمختلف شرائحه من الملحقين الدبلوماسيين وصولاً إلي السفراء أحد أهم الشرائح التي استفادت ووظفت في نفس الوقت موقع «Facebook» الشهير لغايته الأساسية ألا وهي التواصل الاجتماعي.. وكونت من خلال تواصلها شبكة عريضة تربط القاصي والداني الموجود في أفريقيا مع الموجود في أمريكا وآسيا وأوروبا واستراليا وأمريكا الجنوبية. أما الفائدة فتتمثل في القضاء علي أحد أهم الضرائب المصاحبة للعمل الدبلوماسي وطبيعته التي تتطلب من صاحبها الانتقال والعيش بالخارج للعمل بإحدي البعثات الدبلوماسية المصرية لمدة أربع سنوات ثم يعود بعدها للقاهرة ليمكث لمدة عام أو عامين علي الأكثر ثم يتم إيفاده أربع سنوات لبعثة أخري.. وهكذا دواليك، مما يجعل الترابط ومعرفة الأخبار الشخصية والاطمئنان علي أحوال الزملاء والأصدقاء عملة نادرة في حياة أي دبلوماسي وهو الأمر الذي مكنهم «الفيس بوك» من التغلب عليه والتوصل إلي قدر مرض من التواصل بينهم. وتحقيقًا لهذه الغاية تجد سمة غالبة في جميع الدبلوماسيين المصريين الموجودين علي الموقع الإلكتروني الأشهر عالميا بمختلف درجاتهم وهي حرصهم علي إبقاء صفحاتهم «شخصية» ولا تجد أيا منهم يدون تحت صورته صفته المهنية فيكتب السفير فلان أو المستشار الفلاني في سفارة مصر الفلانية وهكذا.. ولا تجدهم يكتبون أو يتناقشون في أمور تتسم بخصوصية مهنية أو موقف تعرض له في الدولة التي يمثل مصر بها، ولعل هذا الأمر معروف لأسباب أحدها «أمني» ويتعلق بالأبعاد والمحاذير الأمنية المتصلة باستخدام الفيس بوك لا سيما في ضوء وضع الشريحة الدبلوماسية بين مستخدمي الموقع، والسبب الثاني «مهني» وله صلة أيضا بالسبب الأول وهي أن الأخبار والمعلومات التي تتوافر للدبلوماسي ليس مكانها الإنترنت، وإنما مكانها المراسلات الدبلوماسية التي تتوافد يوميا علي وزارة الخارجية من مختلف بعثاتنا وسفاراتنا بالخارج التي تعرض جميعها في السابعة صباحًا من كل يوم علي وزير الخارجية أحمد أبوالغيط الذي يقوم بقراءتها جميعًا مهما كانت درجة العضو الدبلوماسي مرسل البرقية ثم يقوم بالتأشير عليها بخط يده ليتم توزيعها علي القطاعات والإدارات المعنية داخل وزارة الخارجية وفق ما أعطي الوزير من توجيهات. وإذا تصفحت بعض صفحات الدبلوماسيين في الفيس بوك تجدهم يتبادلون مقالات رأي لكتاب عالميين ويدونون آراءهم حولها أو مقالاً كتبه أحدهم وتجده متبوعًا بآراء وتعليقات زملائه بالإضافة إلي الصور الشخصية والأسرية لهم ولا مكان لنشر مثل هذه الأمور احترامًا لخصوصية أصحابها. ولكن شهد الأسبوع الماضي واقعة لفتت الانتباه وتعكس مدي الحس الوطني لأبناء المؤسسة الدبلوماسية المصرية وأنهم ليسوا في أبراج عاجية وبمعزل عما يدور في وطنهم وأنه كما هم منتبهون لما يدور خارجيا فهم مهتمون أيضًا بالشأن الداخلي وذلك عندما طرح السفير طارق معاطي تساؤلاً علي أصدقائه ودونه علي صفحته وكان يتناول إحدي حلقات مسلسل «الجماعة» الذي يعرض حاليا وكتب يقول: «سؤال طرحه وحيد حامد في حلقة اليوم من «الجماعة» وهو من يسبق الآخر في الأولوية - الدين أم الوطن - سؤال مفخخ.. بالنسبة لي.. الوطن يسبق كل شيء» لتتحول بعدها صفحة السفير معاطي إلي ما يمكن تسميته «بهايد بارك» دبلوماسي شارك فيه حوالي 60 من أصدقائه أنصف خلالها الجميع «الوطن» وأن ذلك لا يتعارض مع الانتماء للدين بل علي العكس الانتماء للوطن فريضة دينية بالأساس وإن الوطن قيمة والدين قيمة ولا مكان للتنافس بين القيم بل إنها تتضافر لتخلق نسقًا قيميا يعبر عن الشخص وهويته التي يجب أن تبقي «مصرية». اللافت أيضًا فيما شكله النقاش الساخن حول الفرضية التي طرحها مسلسل الجماعة في مداخلات وتعليقات الدبلوماسيين علي الفيس بوك هو هذا المردود الذي يتمتع به العمل الدرامي الذي تجاوز حدود الوطن ليلفت انتباه شريحة مهمة تظل إحدي شرائح النخبة المصرية.