من أهم الأشياء التى أثبتتها الثورة أن الفساد فى مصر لم يكن فقط سياسياً، وإنما كان منظومة سياسية اقتصادية، وإعلامية، وفنية، وثقافية متكاملة وبالتالى عندما سقط النظام لم يسقط وحده وإنما سقطت معه رموز كثيرة على مختلف الأصعدة أيضا. ولكن هذا السقوط لم يأت من الفراغ وإنما سبقه حراك يمهد للتغيير، فمثلما ظهرت كفاية، ثم 6 أبريل ثم الجمعية الوطنية للتغيير، ظهرت الفرق الغنائية مثل «وسط البلد» 1999 و«بلاك تيما» 2005 وغيرهما من الفرق لتقدم فنا بديلا يتحدى السوق الغنائية بمنتجاتها البالية. ففى الوقت الذى سقطت فيه أسطورة تامر حسنى أثناء المظاهرات تمكن «هانى عادل» مطرب فريق وسط البلد من أن يصور أغنيته صوت الحرية بينادى فى ميدان التحرير. الناس تعاطفت مع أغنية «هانى عادل» عندما قال نزلت وقلت أنا مش راجع وكتبت بدمى فى كل شارع ولكنها لم تتعاطف مع «حمادة هلال» عندما قال شهداء 25 يناير ماتوا فى أحداث يناير ببساطة لأن كثيراً من هؤلاء النجوم الذين آمن الناس بهم فى لحظات كثيرة لم يشاهدوهم حولهم عندما واجهوا الموت فى الميدان،ولكن الفرق التى ساندها الكثيرون وصدقوها كانت موجودة بجميع أفرادها من اليوم الأول حولهم وبينهم. ولأن رياح التغيير فى البلاد العربية متشابهة إلى حد كبير، ومثلما ظهرت فرق غنائية فى مصر لتحلم بواقع مختلف ظهرت فرق أيضا فى بلاد عربية أخرى مثل «لبنان» لتكون صوتا مختلفا لجيل مختلف لديه أحلام مختلفة، أبرز هذه الفرق «مشروع ليلى» اللبنانى الذى جاء إلى مصر بالأمس ليحيى حفلا غنائيا كبيرا اليوم بحديقة الأزهر كنوع من المساندة للثورة المصرية. مشروع ليلى الذى لا يتجاور عمره ال 4 سنوات نجح فى وقت قليل أن يحقق جماهيرية لا بأس بها بين الشباب ليس فقط فى لبنان وإنما فى دول عربية كثيرة، لأن الهم الذى يحمله على أكتافه هو هم أجيال كثيرة تعبت من الحروب والطائفية ومن قيم اجتماعية فاسدة. زيارة المشروع ل«مصر» ربما تكون تأخرت كثيرا، ولكن أفراد الفريق انتظروها بفارغ الصبر، خاصة الآن بعد الثورة وفى الوقت الذى يحدث فيه التغيير. وقال «هايغ بابازيان» عازف الكمان بالفريق : القصة بدأت فى 2008 كورشة عمل بين طلبة التصميم المعمارى والجرافيك بالجامعة الأمريكية ببيروت لمحاولة قراءة الوضع السياسى بالبلاد، ولم يكن فى ذهنهم على الإطلاق أن يأخذ الموضوع شكل فريق غنائى إلى أن قدموا أول عرض لهم لعدد صغير من الجمهور ومن هنا جاء التحول لينتشر عبر وسائل الإعلام الإلكترونية المختلفة وليستمر «مشروع ليلى» وليبدأ تحرك الفريق خارج لبنان إلى الأردن ومصر. اسم الفريق يظل إحدى المفارقات المهمة فهو يحمل أكثر من معنى منها أن المشروع فى الأساس كان مبنيا لينطلق لمدة «ليلة واحدة»، ومنها أن اسم «ليلى» كاسم عربى جذاب يعبر هنا عن أجيال عربية شابة ومتنوعة. وقد حرص الفريق على تقديم ما يعبر عن رؤيتهم الآنية لأمراض مجتمعاتهم. ظهر هذا فى أغنيات عديدة من ألبومهم الذى أصدروه فى 2009 فمثلا فى «امبمبللح» يستعيرون شخصية «أبو مسعود» الشهيرة من قصص الأطفال فى لبنان لينتقدوا الأوضاع الاقتصادية المتدنية، ولينتقدوا العنف الذى أصبح هو الثقافة السائدة فى ظل مجتمعات تتراقص فيها أشباح الفقر، وفى أغنية «عبوة» لا مانع من استلهام تراث الرحابنة و أغنيتهم الشهيرة «تك تك تك يا أم سليمان، و«لكن أم سليمان فى عبوة» مشروع ليلى خائفة من الانفجارات الطائفية ومن دوى قنابلها «كيف مفروض أتسيس لما كله موخم هون كله بييجى متيس إن دينه أحلى لون». سألنا «هايغ» عما إذا كان «مشروع ليلى» معنيا أكثر بتقديم موسيقى مختلفة أم أفكار مختلفة فكانت الإجابة «لانستطيع الفصل بين الموسيقى وبين الأفكار لأن الأشياء تسير فى خطوط متوازية، لقد كانت ومازالت الموسيقى بالنسبة لنا وسيلة نعبر بها عن إحباطنا بسبب الوضع السياسى فى بلدنا آملين أن نخلق موسيقى نستطيع الاستماع إليها دون أن تكون متشابهة بالضرورة مع الأغانى العربية السائدة أو القديمة أو حتى الأغانى الغربية. فى «فساتين» يتصدى لعلاقات الحب عندما تصطدم باختلاف الطوائف فى لبنان «أتذكرى لما قلتيلى أنك رح تتزوجينى بلافلوس وبلا بيت، «وفى رقصة ليلى ينتقد السفه الغنائى عندما يقول «غنيلي عن الباذنجان» وفى «عالحاجز» ينتقد سلطة الجيش داخل لبنان عندما يروى المطرب ذلك الموقف اليومى الذى يتعرض له عندما يوقفه ضابط الجيش ليفحص أوراقه، يمارس سلطاته ويسخر من هيئته «يا حلو فيك الشنطة عاليمين خيى افتح الصندوق واطلع بوراقك بيتى هون مش جايى افجره ناسى الكون، عاملنى شغله وأنا باخرس بما أنه دمعة إمى أغلى منه». مشروع ليلى قال لنا إنه لم يتعمد الاصطدام بالتابوهات وأن المسألة كلها أن أغنياتنا هى قصص عن أشياء حقيقية اختبرناها ببيروت وبالصدفة حدث أن كانت تلك القصص مرتبطة بأشياء يخشى المجتمع الحديث عنها، ربما لأنها تتحدث عن الزواج المدنى والطائفية الجنسانية والأمن العام. حديثنا مع «مشروع ليلى» انتهى بالتطرق إلى شكل المجتمع الذى يحلم به فكانت الإجابة «نحلم بمجتمع حر، يتمتع فيه الناس بالأمان دون أن يضطرهم الخوف لعدم البوح بالحقيقة والنضال من أجلها مجتمع لاتتحكم فيه الطائفية فى السياسة.. يستطيع الناس أن يعبروا عن أنفسهم من خلاله، لايقف اختلاف الطوائف فيه حاجزاً أمام قصص الحب أو قصص الوطن.