ألغام عديدة احتواها برنامج حزب الإخوان المسلمين الأخير والذى لم يختلف كثيرا عن البرامج السابقة للجماعة رغم اختلاف الصياغة لتلافى أوجه الاعتراض المجتمعى. ويعد حزب العدالة والحرية هو السادس فى سلسلة البرامج الحزبية التى قامت الجماعة بإعلانها على مدار ثلاثين عاما حاولوا خلالها ممارسة السياسة بشكل حزبى. مشروع امة اسلامية ودولة دينية البداية كانت فى عام 1980 عندما سمح لهم الرئيس الراحل أنور السادات بممارسة السياسة بشكل ضمنى وعدم التمتع بكامل العلانية والظهور وصولا إلى النسخة الأخيرة، والذى قام (خيرت الشاطر) - النائب الأول للمرشد- بتشكيل لجنة لإعداده من عشرة أعضاء يترأسهم (محمود غزلان) كمشرف، وبعضوية (محمد مرسى - سعد الحسينى - محمد بشر - محمد حامد - سعد الكتاتنى - أحمد دياب - أشرف بدر الدين - مسعد قطب - محمد وهدان - أيمن هدهد) اللجنة قامت بتعديل وتغيير فى الصياغة لبرنامج الإخوان السابق عام 2008 والذى أثار جدلا واسعا فيما يخص الأقباط والمرأة. حسب فكر الإخوان نجد أننا بصدد (دولة دينية فى إطار أممية إسلامية) موجود ذلك فى طيات البرنامج الحالى.. والذى ينص على (مبدأ الشورى)، وفى الوقت نفسه يطالب البرنامج بإلغاء مجلس الشورى شكلا ومضمونا مما يضعنا أمام (شورى لم تعلنه الجماعة عن مفهومها ويجب مناقشة الجماعة فيها). يتضمن البرنامج الحالى خمسة ألغام غاية فى الخطورة وهى (الجيش - الأقباط - الداخلية - الصحافة القومية - المرأة ) ومن هنا نجد الإشكاليات فى فكر الإخوان تتزايد فى سلسلة البرامج المتتالية لهم على الرغم من مناقشاتهم مع المجتمع طوال هذه السنوات. استوقفنى فى الصفحة الثالثة من برنامج حزب الإخوان الآتى: (أن حزبنا هذا حزب الحرية والعدالة حزب مفتوح لجميع المواطنين المصريين على اختلاف عقائدهم وأجناسهم وأعمارهم وأعمالهم)، وتثير كلمة (أجناسهم) علامات استفهام كثيرة.. هل المقصود المصريون الحاصلون على جنسيات أخرى أم جنسيات أخرى من غير المصريين، خاصة بعد ذكر (جميع المواطنين المصريين). وفى الصفحة الرابعة من البرنامج يذكر الإخوان أنه فى الوقت الذى يرى البعض فيه السياسة عملية قذرة ينبغى على كل من يحرص على نظافة سمعته وسلامة مبادئه أن ينأى عنها.. يرى حزبنا أن السياسة هى فى إدارة الدولة وتدبير أمور الناس ويؤكدون على أنهم سوف يمارسون السياسة لتنظيفها وتطهيرها ! الدولة وكيل للأمة اعتبر برنامج حزب (الحرية والعدالة) أن (الأمة هى مصدر السلطات) كما جاء فى الصفحة الخامسة وأن الدولة وكيل عنها جاء ذلك فى الباب الثانى تحت عنوان (الدولة) بالصفحة السابعة كالآتى: (الدولة هى وكيل عن الأمة تقوم بالمهام المركزية مثل الدفاع والأمن والخارجية، وهى مسئولة عن التخطيط المركزى وتوجيه القطاع الخاص والأهلى لسياسة الحوافز كما أنها مسئولة عن مواجهة الأزمات والمشكلات الكبرى وتعويض النقص فى الخدمات والحاجيات الأساسية، وتدعم قيام مؤسسات أهلية تتمتع بالاستقلال المالى والإدارى، وهى فى كل هذا تعمل وفق تعاقدها الدستورى مع الأمة كوكيل لها، ومن خلال مراقبة السلطة التشريعية لأداء الدولة نيابة عن الأمة). صياغة برنامج الحزب لم تكشف لنا ما المقصود بالأمة هل الإسلامية أو المصرية وكان يجب أن يتم إعلان ذلك بشكل واضح بدلا من المدارة خلف مصطلح المرجعية الإسلامية خصوصا أن البند الثانى من الفصل الثالث للباب الأول تحت عنوان السياسات والاستراتيجيات، ذكر فيه (تطبق مرجعية الشريعة الإسلامية بالرؤية التى تتوافق عليها الأمة من خلال الأغلبية البرلمانية فى السلطة التشريعية المنتخبة انتخابا حرا وبنزاهة وشفافية حقيقية ) . وفى موضع آخر يذكر البرنامج فى الصفحة العاشرة أن الفرق الأساسى بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول هو مرجعية الشريعة الإسلامية التى تستند على عقيدة الأغلبية العظمى من الشعب المصرى والشريعة بطبيعتها إضافة إلى الجوانب العبادية والأخلاقية تنظم حقوق مختلف جوانب الحياة للمسلمين بيد أنها تنظمها فى صورة قواعد عامة ومبادئ كلية ثم تترك التفاصيل لهم للاجتهاد والتشريع بما يناسب كل عصر ومختلف البيئات وبما يحقق الحق والعدل والمصلحة، وهذا دور المجالس التشريعية على أن تكون المحكمة الدستورية العليا هى الرقيب على هذه التشريعات مع الأخذ فى الاعتبار أن غير المسلمين من حقهم التحاكم إلى شرائعهم فى مجال الأسرة والأحوال الشخصية. البرنامج الحزبى حاول تلافى مخاوف الأقباط وقال أن هذه «الدولة الإسلامية» مسئولة عن حماية حرية الاعتقاد والعبادة ودور العبادة لغير المسلمين بنفس القدر الذى تحمى به الإسلام وشئونه ومساجده. ثم عاد البرنامج وتراجع عن الطمأنة فيما ذكره عن غير المسلمين فى الصفحة السابعة، حيث القول بالآتى (أقرت الشريعة الإسلامية حق غير المسلمين فى الاحتكام إلى ديانتهم فى أمور العقيدة والشعائر الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة بالأسرة وهى الأحكام التى يوجد فيها اختلاف عن أحكام الشريعة الإسلامية، أما غير ذلك من أمور الحياة الدنيوية بكل أنواعها والنظام العام والآداب فتحكمها القاعدة الإسلامية التى تقرر أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وهو ما يمثل أسمى قواعد العدل والإنصاف والمساواة بين المواطنين جميعا دون استثناء)! الشورى وكيل للديمقراطية البرنامج يذكر فى صفحته العاشرة أن الدولة تقوم على الشورى، ومع أننا نلاحظ أن برنامج الإخوان يستخدم كلمة «الدولة» أكثر من استخدامه ل«الحزب» فنجده يقدم لنا مبدأ الشورى كوكيل للديمقراطية فى الدولة فيقول «تعد الشورى «الديمقراطية» مبدأ أساسيًا تقوم عليه الدولة بكل أبعادها، فهى ليست مجرد مبدأ سياسى يحكم أشكال العلاقات السياسية فحسب، بل هى نمط سلوك ومنهج عام لإدارة مختلف جوانب الحياة فى الدولة.. بالإضافة إلى كونه قيمة إيمانية وخلقية توجه سلوك الأفراد وعلاقاتهم الاجتماعية، يتربى فيها الفرد والمجتمع والحاكم لتصبح جزءًا من مكونات الشخصية الوطنية وأحد مقوماتها ويصطبغ بها كل المواطنين». خيرت الشاطر ما تقدم يوجب تقديم تفسير من الجماعة، لأن كل كلمة سابقة ذكرت بخصوص «الشورى» إنما تعطى الشكل الذى لم تحد عنه الجماعة فى فكرها للدولة الدينية التى ترى فى «الشورى» مرجعية لكل أساس تقوم عليه الدولة بأركانها المختلفة، وأيضًا فى منهج الحياة للأفراد التى تضمهم الدولة من مجتمع وحكام يصطبغون بقيمة إيمانية، وأرى أن الجماعة استبدلت كلمة «دينية» ب«إيمانية» معتقدين فى ذلك أنهم خبأوا مواصفات الدولة الدينية فى عباءة «الشورى والأخلاق والإيمان»، الإخوان يقدمون طمأنة أخرى ولكنها هذه المرة ليست للأقباط ولكنها للأحزاب فيذكرون فى فقرة لاحقة الآتى «الشورى التى نؤمن بها ونسعى إلى تحقيقها وتأسيس الحكم عليها ليست قالبًا جامدًا ولكنها تعنى إرساء مبدأ تداول السلطة وحق الشعب فى تقرير شئونه واختيار نوابه وحكامه ومراقبتهم ومحاسبتهم وضمان التزامهم فيما يصدر عنهم من قرارات أو تصرفات لتسيير الشئون العامة برأى الشعب مباشرة أو عن طريق نوابه حتى لا يستبد بالأمر فرد أو ينفرد به حزب أو تستأثر به فئة». محمد مرسى والحقيقة أرى هذه الطمأنة سواء للأحزاب أو الشعب قد خذلت مفهوم الإخوان وظهر جليا مقصدهم من الشورى عندما حددوا أنها مصدر للقواعد الأساسية الذى سيقوم عليها نظام الحكم ودستور الدولة فخرجت من نطاق الطمأنة إلى نطاق إعلان لنوايا الدولة الدينية. الإخوان والجيش ذكر برنامج حزب «العدالة والحرية» الجيش فى ثلاثة مقاطع بمختلف صفحاته كل منها يعطى رسالة ومعنى مختلفاً تمامًا.. فالتناول الأول لذكر الجيش كان فى الصفحة الأولى بمقدمة برنامج الحزب وتضمن تحية للجيش كالآتى «نقدر موقف الجيش المصرى البطل، جيش الشعب الذى حمى الشعب والثورة والذى يحمى دوما حدود الوطن والذى أصر على نقل السلطة إلى المدنيين نقلاً سلميًا هادئًا فاستحق من الشعب كل الحب والتقدير». المقطع الثانى جاء فى سياق تناول الحزب لتعريفه بالدولة المدنية، وفيها حدد الإخوان دور الجيش فى المرحلة المقبلة ويكاد يبلغه برسالة فحواها عدم ظهوره فى المشهد السياسى بأى صورة من الصور، وقد جاء ذلك فى الصفحة العاشرة كالآتى: «الدولة الإسلامية بطبيعتها دولة مدنية فهى ليست دولة عسكرية يحكمها الجيش ويصل فيها للحكم بالانقلابات العسكرية ولا يسوسها وفق أحكام ديكتاتورية». الكتاتنى وربما بعد هذا المقطع خافت جماعة الإخوان أن يكون قد افتضح أمرها فيما ساقوه من ظهور «الدولة الدينية» عبر صفحات برنامج الحزب وعليه تحت عنوان الدولة المدنية وتحديدًا تحت المقطع السابق الخاص بالجيش.. ذكر البرنامج الآتى «كما أنها ليست دولة دينية تحكمها طبقة رجال الدين، فليس فى الإسلام رجال دين وإنما علماء دين متخصصون فضلاً عن أن تحكم باسم الحق الإلهى، وليس هناك أشخاص معصومون يحتكرون تفسير القرآن ويختصون بالتشريع للأمة ويستحوذون على حق الطاعة المطلقة ويتصفون بالقداسة، وإنما الحكام فى الدولة الإسلامية مواطنون منتخبون وفق الإرادة الشعبية والأمة مصدر السلطات وأساس تولى الوظائف المختلفة فيها الكفاءة والخبرة والأمانة كما هى صاحبة الحق فى اختيار حاكمها ونوابها فهى أيضًا صاحبة الحق فى مساءلتهم وعزلهم».. نخرج من هذا بمعنى واحد فقط وهو أن الدولة الدينية التى يريدها الإخوان ليست دولة «الفقيه»، كما الوضع فى إيران أو الحكم الإسلامى عند الشيعة، ولكن سيكون المعنى الذى سبق ذكره مرارًا وتكرارًا عن طريق الجماعة وهو «مجلس شورى بمرجعية دينية محتكم إلى وضعية الشورى التى ترتضيها الأمة الإسلامية، أنه ما تطلق عليه الجماعة «المشروع الإسلامى». سعد الحسينى أما المقطع الثالث الذى تناول فيه الحزب «الجيش» فكان فى الصفحة ال,18 البند الخامس تحت عنوان سياسات الأمن القومى والعلاقات الخارجية، حيث ذكر الآتى «دعم القوات المسلحة المصرية على مستوى عنصرى قوتها البشرية والتسليحية بما يضمن قيام جيش قوى قادر على الردع والحماية فى ظل اقتصاد قوى يوفر عناصر القوى الأخرى»، بداية ما ورد كان من الممكن أن يأتى فى سياق دولة ناشئة تقوم بعمل جيش لها، أو فى دولة انهارت أركانها وتعيد بناء جيش جديد كما حدث فى العراق، أما ومصر بكامل كفاءتها وقدرتها والمؤسسة الوحيدة بالدولة التى مازالت راسخة ومتماسكة هى الجيش فإنه ليس من اللائق لحزب تحت التأسيس أن يتناول جيشاً هو قوى بالفعل ويعتبر من أقدم وأكبر الجيوش على أنهم سوف يقومون على دعمه وتسليحه لضمان قيام جيش قوى كما يذكرون مع أنه بالفعل الجيش قائم ويؤدى مهامه الشرعية متكاملة، ومن هنا يأتى تساؤل هام موجه للإخوان: هل هذا هو برنامج حزب أم مشروع دولة؟ إشكالية المرأة والأغانى والسينما يرى حزب «الحرية والعدالة» فى الفصل الثانى وتحت عنوان المساواة وتكافؤ الفرص «تمكين المرأة من جميع حقوقها بما لا يتعارض مع القيم الأساسية للمجتمع وبما يحقق التوازن بين واجبات وحقوق المرأة» كان من الواجب أن يفسر لنا البرنامج معنى ألا يتعارض مع القيم الأساسية للمجتمع هذا ومن جانب آخر أين تكافؤ الفرص فى أن يذكر تمكين المرأة مصحوباً بالتوازن ما بين واجباتها وحقوقها وهى مواطن مصرى مثلها مثل الرجل لها ما له من حقوق وعليها ما عليه من واجبات فلماذا تفصيل هذا المعنى بالمقاس على المرأة فقط؟ محمد على بشر وفى صفحة 55 وتحت عنوان الأسرة فى البند ال11 يذكر البرنامج «الإقرار بحق الزوجة فى العمل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بحق الأسرة ودون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية» ونجد هنا تكراراً لإثبات معنى واحد ألا وهو أن الأسرة حقها فى رقبة المرأة فقط لا غير، وأيضاً لم يذكر لنا الحزب ما هى مواضع الإخلال المقصودة بالنسبة للشريعة الإسلامية فإنه معنى فضفاض وغير محدد المعالم، مما يجعل لدى المرأة والمجتمع توجساً فى وضعها المستقبلى بنظرة الفصيل الإخوانى لها.. وينظر الحزب إلى الموسيقى والغناء بأسلوب التوجيه كما ورد فى الصفحة 76 كالآتى «توجيه الأغنية المصرية إلى أفق أكثر أخلاقية إضافة إلى دعم الأغنية الوطنية والدينية والفولكلورية وإعادة الزخم السابق لها وتبنى سياسة جديدة تكسر احتكار شركات الإنتاج للسيطرة على سوق الغناء وتعطى الشركات الصغيرة الجادة نصيبا من السوق يظهر إبداعها ويحمى المواهب من الخضوع غير الأخلاقى لشروط الشركات المحتكرة». وفى صفحة 73 ذكر البرنامج فيما يخص السينما والإنتاج الدرامى الآتى «دعم صناعة الفيلم الدينى والوطنى والوثائقى والتاريخى الذى يتناول هموم مصر وتاريخ مصر وقضاياها». محمود غزلان إلغاء الشورى والأمن المركزى والصحف القومية وفى إطار تخلص جماعة الإخوان من كل ما يضايقهم جاء ذلك فى صفحة 46 تحت عنوان السياسة المالية: «ترشيد الإنفاق الحكومى وأن تكون الإدارة العليا بالسلطة التنفيذية هى القدوة وذلك بالتخلص من المؤسسات التى تشكل عبئاً على ميزانية الدولة دون فائدة تذكر مثل مجلس الشورى وقوات الأمن المركزى وجهاز أمن الدولة والتصرف فى الصحف القومية والقنوات التليفزيونية والإذاعية» هكذا جاء برنامج الإخوان الذى لم يكتف بما سبق ولكنه وضع تصوراً للصحافة القومية فى الصفحة ال80 كالآتى: «تصفية المؤسسات الصحفية الحكومية ببيعها أو نقل ملكيتها لهيئات عامة أو تملك للعاملين بها وتغيير قانون الصحافة وإلغاء المجلس الأعلى للصحافة ونقل اختصاصاته لنقابة الصحفيين وتجديد ميثاق الشرف الصحفى بما يضمن التزاما حقيقيا من الصحف المصرية بالضوابط الأخلاقية ورفض التمويل الأجنبى للصحف المصرية» هذا وفى الوقت نفسه طالب البرنامج بإنشاء الصحف بمجرد الإخطار على غرار قانون الأحزاب.