الزميل العزيز الأستاذ كرم جبر، رئيس مجلس إدارة «روزاليوسف» السابق، غاضب مما كتبت بمناسبة التغييرات التى شملت القيادات الصحفية والإعلامية مؤخراً، بما فيها بالطبع مؤسسة «روزاليوسف». كرم جبر وبمجرد نشر المقال تفضل بالاتصال بى معاتباً حيناً، ومحتجاً أحياناً، وفى المسافة الواقعة بين العتاب والاحتجاج هبت فى المكالمة التليفونية التى تمت بيننا رياح عاتية من المرارة وإحساس عميق بالتعرض للظلم والتجنى وربما الاغتيال المعنوى أيضاً من جراء كلمات معدودات تضمنتها فقرة واحدة وردت عرضاً فى مقالى المشار إليه. وبداية.. فإنه يؤسفنى أن يكون الزميل العزيز كرم جبر قد وصلته هذه المعانى من تلك الكلمات، وهى بالتأكيد معانٍ سلبية لم أقصدها ولم ترد على ذهنى على الإطلاق. ولا أعفى نفسى من مسئولية هذا التفسير الخاطئ لما كتبت من جانب «كرم»، وربما من جانب غيره أيضاً فمادام قد وصلته هذه المعانى السلبية فلابد أننى قد أسأت التعبير عن فكرتى ولم أنجح فى توضيحها بالقدر الكافى. ولذلك فإننى أعتذر - دون لف أو دوران - للزميل العزيز كرم جبر، وأشعر بالأسف الشديد لأن تكون كلماتى قد سببت كل هذا الأذى النفسى غير المقصود لصديق عزيز بينى وبينه «عيش وملح» وزمالة سنوات طويلة سادها الود والاحترام المتبادل. وأجد لزاماً علىّ أن أعيد صياغة ما كتبت سابقاً لإزالة أى التباس. هذا حق الأستاذ كرم، كما أنه من حق القارئ أن أجنبه أى لبس قد تسببه كلماتى. وأعيد التذكير بهذا الصدد أن ما قصدته هو أن النظام السابق لم يفسد السياسة والاقتصاد فقط، وإنما أفسد كل شىء، ولم يكن الإعلام والصحافة استثناء من ذلك، بل ربما كانا فى مقدمة ضحاياه. وإذا كانت حفنة من محدثى السياسة المغامرين قد نجحوا فى اختطاف عملية صنع القرار فى البلاد بأسرها، خاصة منذ عام 2005، فإنهم قد ألقوا شباكهم على الإعلام الحكومى والصحافة «القومية» ووضعوها فى خدمة سياساتهم المغامرة، وفى خدمة تحالف الاستبداد والفساد الذى مثل قاعدتهم السياسية والاجتماعية، ومارس دوراً وحشياً فى نهب مقدرات البلاد وإرساء دعائم ما يمكن تسميته ب«رأسمالية المحاسيب». علماً بأننا لا نقول هذا الكلام اليوم فقط، بعد أن أصبح نقد النظام السابق «نضالاً مجانياً».. وإنما قلناه بملء الفم، وقاله العديد من الزملاء، فى أوج قوة وجبروت هذا النظام السابق، عندما كان هذا «التهور» ينطوى على مخاطرة كبرى.. فدفعنا الثمن باختيارنا. سعد هجرس ولم يكن هذا النقد مقتصراً على سياسة الرئيس السابق حسنى مبارك، وولده، وزعانفه.. وإنما امتد بطبيعة الحال إلى الإعلام الحكومى والصحافة «القومية» فى تلك الفترة، لأنه - باختصار - قد دأب على تجميل الوجه القبيح لهذا النظام الفاسد والمستبد، وتضخيم إنجازاته، والتعتيم على أخطائه وخطاياه.. بما يعنيه ذلك من تضليل للشعب والكذب عليه، وهذه جريمة إعلامية وصحفية شارك فيها «كل» المسئولين عن الإعلام الحكومى والصحافة «القومية»، وإن يكن بدرجات متفاوتة. هؤلاء المسئولون عن الصحافة والإعلام هم - فى الأول والآخر - زملاء مهنة، وكثير منهم أصدقاء شخصيون تربطنا «عشرة» وتاريخ وذكريات حميمة فى السراء والضراء. وليس هؤلاء جميعاً من كذابى الزفة ومعدومى الموهبة، بل إن بعضهم يتمتعون بكفاءة مهنية حقيقية، كانت - ولاتزال - تؤهلهم للقيام بإنجازات كبرى فى الساحة الصحفية والإعلامية. لكنهم ظلموا أنفسهم بوضع هذه الكفاءة المهنية الكبيرة فى خدمة نظام متداعٍ ينخر عظامه سوس الاستبداد والفساد الشره. الزميل العزيز كرم جبر الذى عملت معه سنوات، أعرف قدراته المهنية رفيعة المستوى جيداً، وكنت أتمنى لو أن الظروف قد ساعدت على توظيف هذه القدرات وتلك المهارات فى مناخ ملائم وفى خدمة قضايا عادلة، لكن سوء حظه، وحظنا أنه تولى منصب رئيس مجلس الإدارة فى فترة تعيسة وفى مؤسسة ارتبط اسمها فى تلك الفترة بالذات باسم «التوريث» الذى لم تهضمه معدة المصريين، ولم تنفتح له قلوبهم مطلقاً. ولم أقل إن «كرم» قد وافق أو لم يوافق على هذا المناخ السيئ، لكنه - شاء أم أبى - قد أصبح فى وجه المدفع، ليس هو فقط وإنما مؤسسة «روزاليوسف» بأسرها، التى فقدت من جراء ذلك كثيراً من رصيدها لدى القراء فى ظل هذه الملابسات الكئيبة، حتى وإن لم يكن مسئولاً مسئولية مباشرة عن كثير من السياسات والأفكار التى أساءت إلى سمعة «روزاليوسف» وتاريخها فهو فى النهاية رئيس مجلس الإدارة. وخلاصة القول أنى لم أقصد من قريب أو بعيد، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالتصريح أو التلميح، الطعن فى الضمير الوطنى أو المهنى للزميل العزيز كرم جبر، فمثل هذا الأمر لم يخطر على بالى بأى شكل من الأشكال فضلاً عن أنه ليس من حق أحد. كل ما هنالك أننى كنت - ومازلت - أعتقد أن الظروف قد ظلمته بتقلده هذا المنصب - الذى يستحقه - فى فترة ملتبسة، وفى ظل تشكيل عصابى اختطف مفاتيح صنع القرار السياسى والاقتصادى.. والاجتماعى.. والإعلامى. وظلم هو نفسه بالبقاء فى كنف منظومة تعيسة لا يحترمها فى قرارة نفسه ولا يؤمن بمخططاتها الإجرامية، وكان طبيعياً أن يصاب برذاذ أوزارها نتيجة هذا الاقتراب وأن يدفع فاتورته. فأنت يا أستاذ كرم - بكفاءتك المهنية ومهاراتك وقدراتك الحرفية - أكبر وأهم ألف مرة من هؤلاء الأفسال ومحدثى السياسة ومحدثى النعمة الذين عاثوا فى البلاد فساداً. والصحفى الذى يمتلك مثل هذه القدرات وتلك المهارات يظل هو الباقى والخالد.. بينما الأنظمة على اختلاف أشكالها زائلة.. تجئ وتذهب وتُنسى بعد حين، والفاسد منها - مثل الذى ابتلينا به فى عهد مبارك وولده - يذهب إلى سلة مهملات التاريخ مصحوباً بلعنات الملايين. وياأستاذ كرم جبر.. أرجوك أن تطوى هذه الصفحة، وأن تقبل اعتذارى مجدداً عما يمكن أن تكون قد سببه كلامى دون قصد.. فالعتاب على قدر المحبة. وملعون أبو التشكيل العصابى الذى أهان مصر والمصريين.. وإضافة لذلك زرع الوقيعة بين زملاء مهنة البحث عن المتاعب.. والحقيقة.