بين قائد إدارى يبحث عن السيطرة، ومدير فنى يصارع لإثبات الذات، يخوض الأهلى والزمالك تحدى كأس السوبر المصرى فى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، رفقة سيراميكا كليوباترا وبيراميدز. سيد عبد الحفيظ، القائم بأعمال المشرف العام على الكرة فى النادى الأهلى، وأحمد عبد الرؤوف، المدير الفنى لنادى الزمالك، يخوضان غمار تجربتين تختلفان فى تفاصيلهما، وتلتقيان عند عنوان واحد: البحث عن النجاح والفوز برهان مغامرة العمر. الطريق للنجاح ليس مفروشًا بالورود، عقبات وأسوار شائكة وتحديات متنوعة، داخلية وخارجية، تواجه الرجلان فى مستهل تحدى كأس السوبر، الذى سيكون حجر الزاوية فى رحلة إقلاعهما نحو النجاح. صدامات متوقعة مع مراكز القوى الكروية، وغيرة بين النجوم وتصدع فى عنبر الموهوبين، قرارات بالحرمان من القيد تمنع التدعيم والترميم، وتطبيع على حائط المبكى. وسط كل تلك التحديات تدور رحى المنافسة فى كأس السوبر المصرى، أمور ليست لها علاقة مباشرة بطريقة اللعب، ولا حالة المنافسين التى هى بالمناسبة فى أفضل حالاتها، سواء سيراميكا كليوباترا متصدر جدول ترتيب الدورى عن جدارة واستحقاق، أو بيراميدز المنتشى بألقاب كأس السوبر الإفريقى، وكأس القارات الثلاثة.
سيد عبد الحفيظ وأحمد عبد الرؤوف على خط النار فى الأهلى والزمالك.. فماذا سيصنعان؟ (1) لم يكن أحد يتوقع أن يجد سيد عبدالحفيظ، عضو مجلس إدارة النادى الأهلى، القائم بأعمال المشرف العام على قطاع الكرة، نفسه مجددًا فى قلب العاصفة مع بداية توليه المسئولية بشكل رسمى. عبد الحفيظ، الرجل الذى عُرف بقدرته على إدارة الأزمات واحتواء النجوم والظهور فى أصعب اللحظات، يبدو هذه المرة محاصرًا من كل الاتجاهات: أزمات فنية، وأخرى تعاقدية، وثالثة تنظيمية تضرب عمق قطاع الناشئين لتصنع جميعها مشهدًا ضاغطًا يختبر قدرته على كسب رهانات الأهلاوية، وتأسيس مشهد جديد لكاريزما رمز كروى كبير، قادر على احتواء الأزمات، دون أن تُكسر هيبة الإدارة الحمراء. الأهلى يعيش حالة من التكدس الكروى غير المسبوق، حيث تتراكم الأسماء دون أن تتضح الأدوار، فالجهاز الفنى بقيادة الدنماركى توروب، لم ينجح فى فرض بصمته، ولا فى ضبط إيقاع الأداء، لتتحول وفرة النجوم لعبء تكتيكى أكثر منها ميزة فنية. الأزمة لم تعد فى عدد اللاعبين، بل فى غياب الشخصية القادرة على إخراج أفضل ما لديهم، وسط عقم هجومى واضح، ورعونة فى إنهاء الهجمات، وتذبذب فى المستويات بين مباراة وأخرى.. كلها مؤشرات على أن الانضباط والروح القتاليّة التى كانت تميز الأهلى وتصنع له الفارق فى أحلك الظروف، غابت عن المشهد خلال الفترة الأخيرة. ومن داخل الغرف المغلقة، تدور مناقشات ساخنة حول تدعيمات يناير. الإدارة تدرك أن رحيل وسام أبوعلى ترك فراغًا هجوميًا لم يُملأ حتى الآن، وأن محاولات الاعتماد على محمد شريف، وجراديشار لم تنجح فى منح الفريق الحلول المنتظرة أمام المرمى.
الملف مؤجل مؤقتًا لحين تقييم الموقف، لكن المؤكد أن الأهلى لن يدخل النصف الثانى من الموسم بنفس أدواته الحالية، بعدما أدرك أن المنافسة على كل الجبهات تحتاج لمهاجم من طراز خاص، قادر على ترجمة السيطرة إلى نتائج. وفى الكواليس، يطفو على السطح ملف أكثر حساسية: تجديد العقود وتقدير المقابل المادى. نجوم بقيمة حسين الشحات، وأحمد عبد القادر، تمثل صداعًا فى رأس لجنة الكرة، مع تضارب التقديرات بين من يرى ضرورة الحفاظ عليهما كعناصر خبرة، وبين من يعتبر أن المقابل المطلوب لا يتناسب مع المردود الفنى. الأهلى يجد نفسه أمام معادلة صعبة: كيف يحافظ على استقراره دون أن يفتح الباب لتضخم الرواتب؟ وكيف يوازن بين العدل فى الداخل ومغريات السوق فى الخارج؟ أما أليو ديانج، فملفه لا يزال معلقًا بين التجديد أو البيع، اللاعب يدرك أنه فى موقع تفاوضى قوى مع اقتراب نهاية عقده، فيما تسعى الإدارة إلى صيغة تحفظ التوازن المالى دون أن تخسره مجانًا. سيد عبد الحفيظ أمام اختبار "الإقناع"، نجاحه فى إبقاء ديانج ضمن صفوف الفريق بشروط منطقية، سيُحسب له كمدير كرة يعرف متى يستخدم الحزم، ومتى يلين، خاصة أن هناك من رحل لنفس الظروف الموسم الماضى، مثل رامى ربيعة مدافع العين الإماراتى الحالى، وأكرم توفيق، لاعب وسط قطر القطرى. ثم تأتى أزمة إمام عاشور لتفتح بابًا جديدًا من التوتر.. اللاعب الذى يملك شخصية قوية وطموحًا مشروعًا، أصر على إبرام عقد وكالة مع آدم وطنى، الوكيل الذى اشتبك مؤخرًا مع الأهلى بسبب ملف وسام أبو على. لكن الأكثر حساسية، هو طلب إمام مساواته ب أحمد سيد "زيزو" من حيث القيمة المالية ضمن الفئة المميزة. الأهلى عرض تمديد العقد حتى 2029 مع تحسين القيمة، لكنه رفض المساواة الكاملة، مبررًا الفارق باعتبارات تسويقية لا فنية. هنا تحديدًا تتجلى أزمة الأهلى الحديثة: كيف يدير "قيمته السوقية" دون أن يفقد توازنه المعنوى أمام نجومه؟ وفى خلفية الفناء الملتهب، تبدو مشكلة قطاع الناشئين كأنها قنبلة موقوتة، لا يشعر بها أحد. القطاع الذى أنجب أجيالًا صنعت تاريخ الأهلى، يعيش الآن حالة من الترهل الفنى والإدارى، مع تراجع واضح فى مستوى التكوين والانتقاء، حتى أصبح أقرب لاعب واعد للانضمام للفريق الأول هو حمزة عبد الكريم، مهاجم منتخب 17 سنة، الذى تم تصعيده مؤخرًا فقط لغياب البدائل الحقيقية. المشهد يعكس خللًا هيكليًا عميقًا، يحتاج إلى مراجعة جذرية لا تجميلية. النهاية المفتوحة فى النهاية، يقف سيد عبد الحفيظ فى موقع القائد على خط النار.. نار النتائج، ونار الملفات المتداخلة، ونار التوازن بين النجوم والإدارة والجماهير. تاريخه يمنحه بعض الحماية، لكن المرحلة الحالية تتطلب أكثر من الرصيد بكثير، تتطلب حسمًا وشجاعة فى اتخاذ القرار، وإعادة ترتيب البيت من الداخل قبل أن يتسع الشق ويصعب رأبه، فالأهلى لا يرحم من يتردد، ولا ينتظر من يتعثر. (2) ألقت رياح التغيير فى الزمالك بالمدير الفنى الشاب، أحمد عبد الرؤوف، وسط تحديات مبكرة، نازعة منه أدوات الدفاع عن النفس، واتخاذ قرار من يقف إلى جواره على جبهة القتال الكروى، وبدا المشهد وكأنه تجسيد لفارس يخوض معركة لا يملك فيها جوادًا ولا سيفًا ولا درعًا. الرجل الذى تسلّم قيادة الزمالك خلفًا للبلجيكى يانيك فيريرا – الراحل غير مأسوف عليه – وجد نفسه فى مواجهة واقع شديد التعقيد، لا يرحم، ولا يمنح وقتًا كافيًا للترميم أو إعادة البناء، ولا يسمح له حتى باختيار بعض معاونيه! منذ اللحظة الأولى لتوليه المسئولية، بدا أن عبد الرؤوف يملك نية صادقة لإصلاح مسار السفينة البيضاء العالقة فى محيط من الأزمات الفنية والإدارية، وسط تداخلات من كل اتجاه. أولى مؤشرات التحسن ظهرت فى لقاء طلائع الجيش، حين قدّم الزمالك أداءً متوازنًا توّجه بفوز كبير أعاد البسمة لجماهيره، قبل الدخول فى الصدام المنتظر أمام بيراميدز فى كأس السوبر المصرى بالإمارات. لكن ما بدا بداية مبشرة، سرعان ما تداخلت معه أحداث تثير الدهشة أكثر من الطمأنينة. فى الليلة التى سبقت سفر الفريق إلى الإمارات، فوجئ عبد الرؤوف بقرار إدارى غامض بإقصاء أيمن الطويل، مدرب حراس المرمى، رغم طلب جواز سفره ضمن بعثة الفريق، القرار جاء دون تبرير مقنع، وتزامن مع تعيين البرتغالى فيتور بيريرا بدلًا منه. اللافت، بل والمثير للجدل، أن بيريرا سبق له قيادة نادى مكابى حيفا الإسرائيلى، وله صور منشورة يعتز فيها بتواجده مع النادى، وبتقربه من جماهيره عبر زيارته ل"حائط المبكى". ورغم ذلك، لم تجد إدارة الزمالك حرجًا فى التعاقد معه، بل اكتفت بمطالبته بحذف صوره القديمة احترامًا لمشاعر جماهير الزمالك. قرار إدارى فُسِّر داخل البيت الأبيض بأنه تناقض صارخ: كيف تُقصى مدربًا مصريًا كفؤًا، وتأتى بآخر سجله مشوش، فقط لتمنح الانطباع بقدوم "الخبير الأوروبي"؟ الغريب أن مركز حراسة المرمى فى الزمالك لا يعيش أزمة تستدعى "استيراد الحل" بوجود الثلاثى محمد صبحى، والمهدى سليمان، ومحمد عواد، وجميعهم أصحاب خبرة دولية وقدرات ثابتة. ولم تتوقف التحديات التى تواجه عبد الرؤوف، عند حدود الملفات الفنية أو الإدارية الداخلية، بل امتد إلى أروقة الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا)، حيث تطارد الزمالك قضايا جديدة تُنذر بإيقاف قيد جديد، بعد شكاوى مقدمة من مساعدى المدرب السابق جوزيه جوميز، بدعوى الإخلال بالجدولة الزمنية المتفق عليها لصرف مستحقاتهم. إلى جانب ذلك، تطفو على السطح ملفات لاعبين سابقين مثل إبراهيما نداى وميشالاك، وهى قضايا تضاعف المخاطر القانونية على النادى، وتهدد بمنع الزمالك من إبرام أى صفقات فى يناير المقبل. حرمان الزمالك من القيد، يعنى ببساطة أن عبد الرؤوف سيكون ممنوعًا من مجرد التفكير فى تدعيم صفوفه، فى وقتٍ تتفاقم فيه الحاجة إلى عناصر جديدة لإحياء طموحات الفريق، من أجل الاستمرار فى المنافسة. فى ظل هذه العواصف، يضطر أحمد عبد الرؤوف قبول التحدى بشجاعة فارس بلا جواد — يملك الرؤية، والشغف، والنية الخالصة لإعادة الزمالك إلى طريقه الصحيح، لكن يُحارب بترسانة من العراقيل، تتراوح بين قرارات إدارية غير منطقية، وأزمات مالية متراكمة، وضغوط جماهيرية لا ترحم. ورغم كل ذلك، يحاول المدرب الشاب أن يصنع لنفسه مساحة ثقة داخل البيت الأبيض، مستندًا إلى خبرته السابقة فى الجهاز الفنى، ومعرفته الدقيقة بأحوال اللاعبين، وإصراره على أن يكون الزمالك "فريقًا يحارب من أجل قيمته وتاريخه، لا مجرد اسم كبير يتعثر بين القضايا والمشكلات». معركة بلا أسلحة الزمالك اليوم أمام مفترق طرق، وعبد الرؤوف فى قلب المعادلة الصعبة، بين أحلام جماهير لا تعرف الصبر، وإدارة تبحث عن مخرج سريع، ومدربٍ يحاول أن يثبت أن الانتماء والفكر قد يصنعان المعجزة، حتى دون سلاح. فهل ينجح الفارس الشاب فى إعادة بريق القلعة البيضاء؟ أم يظل بلا جواد، فى معركة لا ترحم الضعفاء؟