إن تتبع تاريخ رؤساء مجالس إدارة «روزاليوسف» هو فى جوهره تتبع لتاريخ الدولة المصرية نفسها، ولتحولاتها الكبرى من الملكية إلى الجمهورية، ومن الاشتراكية إلى الانفتاح، ومن الورق إلى العالم الرقمى. كل رئيس إدارة كان مرآةً لعصره، وسفيرًا لتوجهاته، ومعبرًا عن فلسفة الدولة تجاه الكلمة والصحافة، تارةً تحت راية التأميم والالتزام، وتارةً أخرى تحت راية الانفتاح والإبداع.
فى هذا السرد الممتد عبر مائة عام، سنمضى مع أسماء صنعت التاريخ من موقع الإدارة، لا فقط من مقعد الصحافة؛ أسماء حملت عبء المؤسسة، وتفاوضت مع السلطة، وحمت الورق من الانكسار، وحافظت على أن يبقى شعار «روزاليوسف» ناصعًا كما أرادته مؤسستها الأولى: منبرًا للعقل الجسور والقلب النابض بالحقيقة.
1- فاطمة اليوسف السيدة المؤسسة
لم تكن «فاطمة اليوسف» سيدة عابرة فى تاريخ الصحافة، بل كانت العاصفة الأولى التى أسّست مدرسة كاملة. فى عام 1925، حين أصدرت المجلة التى حملت اسمها، لم تكن تفكر فى تأسيس مشروع تجارى أو إصدار سياسى، بل كانت تصنع بيتًا للوعى، ولمن لا يجد بيتًا له فى زمن الخوف.
كانت ممثلة تملأ المسارح ضوءًا، لكنها شعرت أن الكلمة أقوى من التصفيق. أغلقت ستارة المسرح وفتحت أول باب فى شارع الصحافة. فصارت روزاليوسف - بجرأتها، بتمردها، وبأنوثتها - أول جريدة تُدار وتُملك وتُرأس من امرأة فى العالم العربى.
قادت روزا المجلة بعناد الفنانة التى ترى ما لا يراه الآخرون. لم تكن تعرف القواعد الصحفية كما عرفها المحترفون، لكنها كانت تعرف الجوهر: أن الصحافة ليست «نقلًا للخبر»، بل «نحتًا للضمير». ورحلت روزا عن منصبها، لكن لم ترحل روحها. تركت بعد وفاتها عام 1958 مدرسة كاملة، لا تزال تُدرّس حتى اليوم معنى أن تكون الصحافة مزيجًا من الجمال والجرأة، ومن الفن والفكر، ومن امرأة كانت وطنًا فى هيئة مجلة.
2- إحسان عبدالقدوس رئيسا للإدارة والتحرير
حين انتقلت الراية إلى ابنها «إحسان عبدالقدوس»، لم يكن الوريث بالمعنى التقليدى، بل كان الامتداد الطبيعى لروح المجلة. فى منتصف الخمسينيات، تولّى إحسان رئاسة مجلس الإدارة ورئاسة تحرير المجلة بعد وفاة أمه، فحوّل المؤسسة من مشروع فنى إلى كيان مؤسسى راسخ.
إحسان كان يعرف سر المدرسة، فقد تربى بين جدرانها. كتب أولى مقالاته فيها، وتمرّد فيها، وواجه أول منعٍ فيها أيضًا. جمع بين الرومانسية التى عرفها فى قصصه، والسياسة التى عاشها فى مقالاته، فصارت روزاليوسف فى عهده أكثر التصاقًا بالشارع المصرى، وأكثر حضورًا فى الوعى العام.
فى زمن عبدالناصر، واجه إحسان تحديات كبرى. تعرّضت المجلة أحيانًا للوقف أو المصادرة، لكن إحسان ظل يكتب:
«لن نصمت.. لأننا خُلقنا لنكتب».
3- أحمد فؤاد رئيسا لمجلس الإدارة
فى مايو 1960 صدر قرار تنظيم الصحافة، وأصبحت «روزاليوسف» مؤسسة مملوكة للاتحاد الاشتراكى، ويرأسها إحسان عبدالقدوس، ولم يغير ذلك من موقف «روزاليوسف» ولا من خطها السياسى.
وعندما صدرت القوانين الاشتراكية تتابع التطبيق وتتعقب أخطاءه ولم تتوقف عن النقد حتى وقف الرئيس جمال عبدالناصر فى اجتماع الهيئة البرلمانية «19 فبراير 1965» يشكو من «روزاليوسف» التى ينقل عنها راديو إسرائيل ما تذيعه من أخطاء التجربة.
وفى مؤتمر المبعوثين كرر عبدالناصر كلماته بأن «روزاليوسف» لها نقد مر للقطاع العام، وفى مؤتمر الإنتاج وقف بعض رؤساء مجالس الإدارة يشكون من هجوم «روزاليوسف».
ساعتها اختار ناصر أحمد فؤاد رئيسا لمجلس الإدارة خلفا لإحسان عبدالقدوس.
4- أحمد بهاء الدين رئيسا لمجلس الإدارة
إبان تولى أحمد حمروش رئاسة التحرير بعد إحسان عبدالقدوس عام 1964 تغير أحمد فؤاد رئيس مجلس الإدارة وجاء خلفًا له أحمد بهاء الدين، الذى يقول طبقًا لما جاء فى كتاب ثورة يوليو والصحافة للكاتب الصحفى رشاد كامل: فى حوالى عام 1966، «كنت رئيسًا لمجلس إدارة دار الهلال وتم انتدابى لأعمل رئيسًا لمؤسسة روزاليوسف».
بهاء لم يكن غريبًا عن المؤسسة فقد سبق ذلك التحاقه ب «روزاليوسف» ورئاسة تحرير «صباح الخير».. وكان هذا قبل ثورة يوليو بشهور قليلة، حيث تعرف على السيدة روزاليوسف والأستاذ إحسان عبدالقدوس وعرضا عليه أن يعمل فى روزاليوسف ،لكنه رفض، فقد كان يعمل فى مجلس الدولة وعلى وشك أن يسافر إلى فرنسا لإكمال رسالة الدكتوراه، لكنه كان دائمًا يعمل فى فترة بعد الظهر، ثم زادت مسئوليته فألغيت الرحلة إلى فرنسا ثم استقال من مجلس الدولة.
5- كامل زهيرى رئيسا لمجلس الإدارة
نقيب النقباء كامل الزهيرى.. تقلد صاحب كتاب «النيل فى خطر» العديد من المناصب، مدير تحرير روزاليوسف نهاية الخمسينيات، رئاسة تحرير مجلة الهلال (1964 - 1969)، وتقلد منصب رئيس مجلس إدارة روز اليوسف (1969 - 1971)، وظل يكتب عموده الرشيق الغنى «من ثقب الباب» منذ 1972 حتى رحيله، وأصبح نقيبًا للصحفيين لمدة فترتين من (1968 – 1971) ومن (1979 – 1981).
وشارك فى تأسيس اتحاد الصحفيين العرب، وساهم خلال رئاسته الاتحاد فى إنشاء نقابات الصحفيين فى 9 دول عربية، وهو الذى أعد قانون الصحفيين الحالى، الذى وقعه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قبيل وفاته. فى معركة النقابة سنة 1979 ضد السادات، ظهرت صلابته، ورفض النقيب كل الضغوط واستطاع تعبئة الصحفيين والرأى العام معه، استحق لقب «نقيب النقباء» عن جدارة، ولم لا؟، وأول قرار لنقابة مهنية بحظر التطبيع ارتبط باسمه..فى نفس الوقت أصدر عددا من الكتب العظيمة التى نتمنى أن تصدر فى طبعات جديدة، مثل «مذاهب غريبة»، و«ممنوع الهمس»، و«منازعات فى الديمقراطية والاشتراكية»، و«الصحافة بين المنح والمنع»، و«العالم من ثقب الباب»، «أنا والنساء»، ودائما ما كان يصف نفسه: «قارئ محترف وكاتب هاو».
6- عبدالرحمن الشرقاوى رئيسا للإدارة والتحرير
نتوقف عند غلاف «روزاليوسف» يوم الاثنين 25 أبريل عام 1977 يحمل مانشيت «استقالة الشرقاوى»، حيث التحق بالعمل فى مؤسسة «روزاليوسف» رئيسا لمجلس الإدارة فى الفترة من 4 مارس 1972 حتى أول مايو عام 1977، إذ صدر قرار جمهورى بتعيينه سكرتيرًا عامًا للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية فى 23 أبريل عام 1977.
كتب صلاح حافظ رئيس التحرير حينها معلقا على الاستقالة: وقف مع الرئيس السادات فى لحظة الخطر الحاسم يوم 15 مايو 1971 كاتبان فقط: هما موسى صبرى والأديب عبدالرحمن الشرقاوى.
كان مثيرًا أن يقدم الشرقاوى بالذات على هذا الموقف الفدائى، فهو خارج لعبة الحكم وصراع الكواليس، لم يكن مطلوبًا منه اتخاذ موقف وكان فى استطاعته أن ينتظر حتى ينجلى غبار المعركة، وما كان أحد ليلومه عندئذ، فهو ليس محترف سياسة، وإنما هو أديب.
من هذا الموقف وعند النظر إلى سيرة عبدالرحمن الشرقاوى من بعيد تجدها مليئة بالتناقضات.. فهو اشتراكى يمكن أن تصفه بالمفكر الإسلامى.. وشاعر انتصر بناء المسرحية على هيكل القصيدة فى شعره.. وقانونى قاده شغفه بالأدب إلى بلاط صاحبة الجلالة.. لتصبح أوراق الصحف والمجلات مهدًا لميلاد أفكاره.. تراه يبحث عن مفاهيم الحرية فى التراث.. يدافع عن الإسلام ويتصدى لرجعية رجال الدين فى الوقت نفسه.
7- مرسى الشافعى رئيسا للإدارة والتحرير
فى أبريل 1977، وضع اسمه فى عنوان جديد لمَجلة وأسطورة تعلمت أن تصمد. مرسى الشافعى، الرجل الذى قضى عقودًا فى الصحافة، ويُعرَف بين زملائه بالنضال، دخل «روزاليوسف» من باب رئاسة مجلس الإدارة والتحرير معًا؛ ليكون الصوت الذى لا يتردد.
تاريخ توليه جاء فى سياق انتقال مفصلى بعد استقالة عبدالرحمن الشرقاوى فى مايو 1977؛ حيث كان «الشافعى» يعرف أن المَجلة ليست فقط مطبوعة؛ بل مرآة لزمنٍ يختنق، فقرر أن يضيف إليها من حسه الوطنى وتجاربه، من «دار الهلال» حيث أمضى عمره الصحفى، إلى «روزا» حيث التكليف كبير والواجب أعظم.
فى فترة توليه (1977 حتى وفاته فى 12 أغسطس 1979)، نحو عامين كانت المَجلة تحت حاجة للثبات وهى تجابه الضغوط السياسية والرقابية، لا سيما أن هذه السنوات شهدت تصاعدًا فى الخطاب السياسى، مع مناخ بدأت فيه ظلال الانتهاك للصحافة تلوح، إلا أنّ «الشافعى» لم يُعرَف عنه أن يتنازل؛ بل حاول أن يمسك بزمام المؤسّسة حتى النهاية، معطيًا الفرصة للكتّاب والصحفيين أن يواصلوا الكلمة، حتى لو سمى نفسه رسميًا كرئيس تحرير ومجلس إدارة، أو لا يكون قد نال كل الصلاحيات الرسمية المعلن عنها.
8- عبد العزيز خميس رئيسا للإدارة والتحرير
حين رحل مرسى الشافعى، كان الفضاء السياسى الصحفى يتفجر: صعود التيارات المعادية، نقص الحريات، الصراع بين الصحافة والسُّلطة تحت ظل أزمة اقتصادية واجتماعية. فى هذا المناخ، دخل عبدالعزيز خميس ليتولى القيادة، ليس فقط كرئيس تحرير؛ بل كرئيس مجلس إدارة- خليفة لمن ارتدى ثوب القيادة فى أوقات لا يحتمل فيها التردد.
«خميس» استمر فى إدارة المؤسّسة فى حقبةٍ عصيبة؛ حيث الصحافة القومية كانت تطلب منها أن تتماشى مع التغيرات السياسية، من ضمنها اغتيال السادات فى أكتوبر 1981، وما تلاها من فترات إعادة ترتيب المؤسّسات الإعلامية.
9- محمود التهامى رئيسا للإدارة والتحرير
فى ذاكرة «روزاليوسف» الممتدة، يبقى اسم محمود التهامى واحدًا من العلامات البارزة التى ربطت بين أصالة المدرسة القديمة وروح التجديد فى زمنٍ كانت فيه الصحافة المصرية تبحث عن ذاتها وسط رياح متقلبة.
بدأ التهامى رحلته فى المؤسسة منذ أوائل ستينيات القرن الماضى، تلميذًا فى معبدالكلمة، ينهل من دروسها اليومية حتى صار أحد أعمدتها الراسخة. وخلال عقود من الاجتهاد والمثابرة، صعد الدرجات المهنية بثبات وهدوء، حتى تولى فى عام 1983 رئاسة مجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف للطباعة والنشر، وظل على رأسها حتى عام 1998، فى فترةٍ تُعد من أكثر مراحل المؤسسة توازنًا واستقرارًا.
10- محمد عبدالمنعم رئيسا للإدارة والتحرير
محمد عبدالمنعم، هذا الاسم الذى وصل فى الصحافة إلى قمة الرتب رئيسًا لمجلس إدارة ورئيسًا لتحرير مؤسّسة «روزاليوسف» بعد أن عمل كاتبًا ومحللاً عسكريًا ورئيسًا للقسم العسكرى بالأهرام لأكثر من 20 سنة.
اقترب من المطبخ السياسى لمصر وعقلها لمدة ست سنوات شغل فيها منصب مستشار إعلامى لرئيس الجمهورية الأسبق محمد حسنى مبارك، كما كان قريبًا من المطبخ العسكرى فى بداية حياته حين كان عضوًا فى مركز عمليات قوات الدفاع الجوى، شاهدًا على نماذج إنسانية فذة صنعت الفارق فى قواتنا المسلحة فتحقق لها النصر فى أكتوبر 1973.
11- كرم جبر رئيسا لمجلس الإدارة
مع بدايات الألفية، جاء كرم جبر ليعيد الصرامة والهيبة إلى المؤسسة. كان واحدًا من أبناء روزاليوسف، يعرف دهاليزها وتاريخها، لكنه أيضًا إدارى يعرف معنى الوقت فى الصحافة.. جاء من خلفية قوية فى التحرير، فجمع بين خبرة الميدان وعقل الإدارة.
أطلق مشروعات تطوير كبيرة فى البنية الإدارية والإخراجية للمجلة، وأعاد النظر فى الملفات المالية والإعلانية، واستطاع أن يُعيد للمؤسسة توازنها بعد سنوات من الارتباك.
وفى عهده، تألقت المجلة سياسيًا وإعلاميًا، خاصة مع صعود اسم عبدالله كمال كرئيس تحرير ذى نفس جريء ومواقف واضحة.
تعاون الاثنان فى بناء نموذج متكامل بين مجلس الإدارة والتحرير، جعل روزاليوسف واحدة من أهم المنابر السياسية فى العقد الأول من الألفية الجديدًا.
كان كرم جبر يرى فى روزاليوسف أكثر من مؤسسة؛ كان يراها وطنًا مصغرًا، يضم مدارس فكرية متناقضة لكنها تتفق على حب الكلمة. وبعد أن غادر موقعه، ترك وراءه نظامًا إداريًا متينًا ظل يعمل بكفاءته لسنوات طويلة.
12- محمد جمال الدين رئيسا لمجلس الإدارة
فى تاريخ المؤسسات الكبرى، هناك دائمًا، العمود الخفى الذى ترتكز عليه الجدران. ذلك هو محمد جمال الدين، الرجل الذى دخل روزاليوسف عابدًا فى محراب الكلمة، وخرج منها حارسًا لروحها حين كادت أن تترنح تحت ثقل الزمن والعواصف السياسية.
كان جمال الدين، كما أحب زملاؤه أن يلقبوه، «الجوكر» بحق. لا لأنه يجيد كل الأدوار الصحفية فحسب، بل لأنه كان يعرف متى يتحرك، ومتى يصمت، ومتى يحمى المؤسسة بصمته قبل كلماته. وحين جاء عام 2011، كان القدر يُعد له امتحانه الأصعب. فى مارس من ذلك العام، صدر القرار بتعيينه رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف، فى واحدة من أكثر لحظات التاريخ المصرى اضطرابًا. الشوارع تغلى، الدولة تعيد تعريف نفسها، والصحافة تتأرجح بين الحرية والفوضى. كانت المؤسسة أمام منعطف وجودى، تتنازعها رياح السياسة وتغلق أمامها أبواب التمويل.
وجد «الجوكر» نفسه فى مواجهة حكومة الإخوان التى لم تكن ترى فى «روزا» سوى منبر معارضً لا بد من إسكات صوته. فرضت تضييقات مالية خانقة، وحوصرت المجلة فى مواردها، حتى صار من الصعب صرف رواتب العاملين أو طباعة الأعداد بانتظام. لكن محمد جمال الدين لم يخضع. ظل يدير السفينة بحكمة الربان الذى يعرف أن التراجع أحيانًا خيانة للرحلة نفسها.
كان يرى أن «روزا» ليست مجرد مطبوعة، بل ذاكرة وطنية لا يحق لأحد أن يطمسها.
13- عبدد الصادق الشوربجى رئيسا لمجلس الإدارة
فى ذاكرة «روزاليوسف»، يظل اسم عبدالصادق الشوربجى مختلفًا، لا لأنه أتى من خارج أسوار الصحافة، بل لأنه جاء إليها بعينٍ أخرى؛ عين المهندس الذى يرى الكلمة جسرًا يُبنى، والمؤسسة منظومة تحتاج إلى عقلٍ يديرها قبل قلمٍ يكتب لها. لم يكن صحفيًا بالمفهوم التقليدى، لكنه كان إداريًا استثنائيًا حمل فى داخله روح البناء، فجعل من روزاليوسف ورشةً مستمرة للنهضة والتجديد.
بحلول عام 2010 أصبح «الشوربجى» المدير العام للمؤسسة، ثم فى نوفمبر 2012 تسلم قيادة السفينة كرئيس لمجلس الإدارة، فى زمن كانت فيه العواصف تضرب الشاطئ من كل اتجاه. كانت مصر خارجة من ربيعٍ سياسى مضطرب، والصحافة القومية تترنّح بين شبح الديون وتراجع التوزيع، وسط انفجار الإعلام الإلكترونى وغياب الرؤية الموحدة. لكن الرجل القادم من خلفية هندسية لم يعرف الارتباك. جلس إلى أوراق المؤسسة كمن يتفحص خريطة بناء قديم قرر أن يعيد ترميمه حجرًا فوق حجر.
واجه «الشوربجى» أصعب ثمانى سنوات فى تاريخ روزاليوسف الحديث. كانت الأزمة المالية خانقة، والمؤسسة مثقلة بالديون، بينما السوق الصحفية تتغير كل يوم. ومع ذلك، لم يفقد إيمانه بأن «روزا» ليست مجرد مؤسسة حكومية، بل قيمة رمزية لحرية الكلمة فى مصر. أعاد هيكلة إداراتها، وفتح قنوات تواصل مع مؤسسات الدولة لدعمها، وبدأ فى تطوير المطبعة لتواكب التكنولوجيا الحديثة. لم يكن الإصلاح عنده مجرد أرقام فى دفاتر الحساب، بل رؤية شاملة لإحياء مؤسسة تعانى الشيخوخة وسط عالم يتسارع من حولها.
14- أيمن فتحى رئيسا لمجلس الإدارة
فى فترة تنم على الكثير من المتغيرات فى الشارع الصحفى، بل فى الصحافة العالمية بصورة عامة، حيث اتجهت الصحافة المطبوعة إلى المستقبل الرقمى تولى أيمن فتحى رئاسة مجلس إدارة المؤسسة.
لم يكن فتحى إداريًا تقليديًا بقدر ما كان ابنًا للبيئة الصحفية نفسها، يدرك حساسية المهنة ويعى ثقل التاريخ الذى يقف وراء شعار روزاليوسف فحاول أن يوازن بين مقتضيات المؤسسة وروح المجلة التى طالما حملت راية الجرأة.
وخلال فترة رئاسته حاول إعادة الثقة في الصحافة القومية عبر مشاريع تطويرية داخلية رغم الأزمات المالية التى واجهت العديد من الإصدارات الصحفية، وقد تركت تجربته القصيرة نسبيًا أثرًا لافتًا فى نفوس من عملوا معه بوصفه رجلًا يؤمن بأن الصحافة ليست مهنة للحشد بل للفهم وأن الإدارة لا تكون بالأوامر بل بالإلهام.
رحل فتحى عن موقعها لكن حضوره بقى فى ذاكرة روزاليوسف كعلامة على مرحلة حاولت فيها المؤسسة أن تحافظ على صوتها الحر.
15-هبة صادق رئيسا لمجلس الإدارة
جاءت السيدة «هبة صادق» لأول سيدة تتولى رئاسة إدارة روزاليوسف بعد السيدة المؤسسة للدار، لتتولى مسيرة روزاليوسف مرة أخرى «هبة صادق» امتدادًا طبيعيًا لروح مؤسسة «روزاليوسف» التى أسستها امرأة رائدة، لتجلس اليوم على مقعد إدارتها امرأة أخرى تحمل ذات الجرأة والرؤية. على مدار مسيرتها داخل المؤسسة، شغلت «هبة صادق» عددًا من المناصب القيادية التى صقلت خبرتها الإدارية والمالية، فبدأت من موقع نائب مدير عام المكتب الفنى، مرورًا بإدارة الرقابة الداخلية والموازنة التخطيطية، وصولًا إلى الإشراف على التحول الرقمى بالقطاع المالى.
تولت لاحقًا منصب مدير عام مؤسسة روزاليوسف، وكانت عضوًا باللجنة المالية فى الهيئة الوطنية للصحافة، لتصبح اليوم رئيسة مجلس إدارة المؤسسة الأم التى تحمل تاريخًا من الريادة النسائية والفكر المستنير. ومع توليها المنصب، تعود «روزا» إلى أصلها الأول: امرأة تقود التجديد بعقلٍ اقتصادى حديث وروحٍ صحفية أصيلة.