فى قلب القاهرة الجديدة، وتحديدًا بمركز مصر للمعارض الدولية فى التجمع الخامس، أقيم معرض «تراثنا» الذى يحرص دائما على الجمع بين عبق الماضى وابتكارات الحاضر. ويعد المعرض واحدًا من أبرز الفعاليات التى تحتفى بالهوية المصرية الأصيلة إذ يجمع تحت سقف واحد ملامح الحرف والفنون اليدوية من مختلف أنحاء البلاد. ويهدف المعرض إلى دعم الحرفيين وأصحاب المشروعات الصغيرة وتعريف الأجيال الجديدة بقيمة التراث كجزء من القوة الناعمة لمصر، التى تمتد جذورها فى التاريخ. وفى معرض تراثنا الذى اختتمت فعالياته الأسبوع الماضى التقينا مع العديد من العارضات لكل منهن قصة ملهمة وطريق للنجاح رسمن خطواته بدقة وسعين لتحقيقه بدأب، الفن والابتكار أساس عملهن والمعارض تفتح لهن أبوابًا للتسويق ويعرفن من خلاله احتياجات السوق ويستمعن إلى تعليقات جمهور المعرض صاحب الذوق الخاص الذى يعشق المنتجات التراثية ويقدر الأعمال اليدوية. ولذلك فإن معرض «تراثنا» يعد حدثًا مهمًا بالنسبة لهن فيطلقن عليه «أبو المعارض»، إذ إن له جمهوره الخاص الذى يعرف قيمة المنتجات التراثية وينتظر المعرض ليقتنى أجود المنتجات وأفضلها من ديكورات منزلية، ملابس، أثاث، وإكسسوارات.. وهى منتجات تجمع بين التراث والحداثة ويحكى كل منتج قصة صاحبه. وقد تحدثت «روزاليوسف» مع عدد من العارضات فى «ثراثنا» لنتعرف على قصتهن مع الأشغال اليدوية وارتباطهن بالتراث المصرى.
سحر: مع تراثنا كل يوم أحلامنا بتكبر «سحر المهدى»، التى تشارك فى المعرض منذ6 سنوات، اختارت التخصص فى الجلود الطبيعية. لكن بدايتها كانت مع الصلصال حيث كانت تصنع منه إكسسوارات وحققت نجاحًا كبيرًا بل إن منتجاتها كانت تُصدر إلى (روسيا)، وظلت تعمل بالصلصال إلى أن طلب منها أحد أصدقائها تصنيع إكسسوارات من الجلود. وهنا رأت سحر أن عليها تعلم كل ما يخص صناعة الإكسسوارات بالخامات المختلفة. لكنها فى النهاية تعلقت بالجلود فصنعت منها حقيبة اليد، المحفظة، حقيبة الظهر وحقائب السفر. وتستخدم سحر أنواعا مختلفة من الجلود منها جلود التماسيح والنعام. وتعمل سحر كمدربة معتمدة دوليا إذ دربت حوالى 4 آلاف شخص بين ورش ودورات تدريبية كاملة. هذا إلى جانب تنظيم معسكرات للأطفال خلال فترة الإجازات الدراسية ليتعلموا الحرف اليدوية. وعن جهاز تنمية المشروعات تقول سحر: «الجهاز يدعمنا كثيرًا سواء من خلال القروض أو من خلال مساعدتنا فى استخراج الأوراق والسجل التجارى والحصول على شهادة تصنيف». وتضيف سحر: «كما يساعدنا الجهاز فى التدريب ومعرفة كيفية تصوير المنتجات ونحصل أيضًاعلى جلسات توعية، وإذا رغبت فى التصدير يعرفونى على جهات التصدير». وتلفت سحر إلى أن المعرض ساهم فى تسويق منتجات العارضين «مع تراثنا كل يوم أحلامنا بتكبر». ريهام: التواجد بالمعارض مهم وبعد مشاهدة إبداعات «ريهام البرقوقى» فى فن الديكوباج، قررنا أن نلتقى بها. بدأت ريهام رحلتها مع فن الديكوباج عام 2017. وبلغت «ريهام» من الخبرة أنها أصبحت اليوم تقيم ورش عمل. وفن الديكوباج هو أحد الفنون اليدوية التى تعتمد على تزيين الأسطح المختلفة كالخشب والزجاج والمعدن والقماش. حلمت ريهام منذ الصغر بالالتحاق بكلية الفنون التطبيقية لكنها لم توفق فى اختبارات القدرات فالتحقت بكلية التجارة. لكنها لم تنس حلمها، فبعد التخرج عملت بالتصوير ومن خلاله تعرفت على فن الديكوباج والتحقت بدورات تدريبية لإتقانه. وحول أهمية المعارض مثل «تراثنا» تقول ريهام»: التواجد بالمعارض مهم جدا بالنسبة لى لأنى أعرف من خلاله تعليقات العملاء وأعرف الأشكال والموديلات الأكثر طلبًا». وأضافت ريهام التى تشارك بالمعرض للعام الثالث على التوالى: «هناك تسهيلات كثيرة داخل المعرض هذا العام مثل توفير كراسى لكبار السن للتجول داخل المعرض». حنان.. تصنع الملابس من الكتان أما «حنان معوض» فتصنع الملابس مع شقيقتها وكل منتجاتهما من الكتان بكل أنواعه.وتخاطب هذه الملابس السيدات المحجبات وغير المحجبات أيضًا.
وتشير حنان إلى أن «جهاز تنمية المشروعات» يقدم خدمات كثيرة منها معرض تراثنا الذى تتميز أسعار الاشتراك فيه بأنها أقل كثيرًا من البازارات الخاصة»، لكنها لفتت إلى أن المعرض يحتاج إلى المزيد من الدعاية. فايزة.. من موظفة لصاحبة عمل وننتقل داخل المعرض إلى عارضة أخرى وهى «فايزة سيد جاب الله». وتقدم «فايزة» مجموعة متنوعة من المفروشات ما بين أطقم أسرة ومفارش، معظم منتجات «فايزة» مصنوعة من القطن الطبيعى إلى جانب بعض الأشغال المصنوعة من «اللاسيه».ويعمل مع «فايزة» عدد من السيدات فى صناعة هذه المفروشات. فايزة بدأت حياتها العملية كموظفة لكنها قررت الاستقالة وتحقيق حلمها بتصميم الملابس. وصفت فايزة معرض تراثنا الذى تشارك به منذ بدايته بأنه «راق جدًا ويتميز بالروح المصرية». وتبدأ «فايزة» التجهيز للمعرض قبل 3 أشهر من بدايته، مشيرة إلى أن وزارة التضامن الاجتماعى ساعدتها فى السفر إلى دولة (الإمارات العربية المتحدة) لتسويق منتجاتها بالخارج متمنية تكرار تلك التجربة. بينما ساعدها (جهاز تنمية المشروعات) فى الحصول على قروض لدعم مشروعها. العملاء من الدول العربية يطلبون كميات كبيرة من الملابس التراثية وتعتبر الملابس ذات الطابع التراثى من أبرز المنتجات التى تلقى إقبالًا كبيرًا من جمهور المعرض كل عام. وقد التقينا إحدى العارضات من الفيوم والتى تحرص على المشاركة الدائمة فى معرض «تراثنا» وهى «فاتن لملوم». المعروضات هنا تنبض بالروح المصرية، وتعيد إحياء ملامح الأصالة فى كل خيط وكل تصميم، حتى إنها تقول «البعض يقول لى أنتم أحييتم التراث بعد أن كاد ينقرض». وتؤكد «فاتن» أن الإقبال على منتجاتها كبير سواء من المصريين أو العرب إذ يأتى إلينا عملاء من (السعودية والكويت والبحرين وتونس)، مشيرًة إلى أن العملاء من الدول العربية يطلبون كميات كبيرة. وتشير «فاتن» إلى دعم «الصندوق الاجتماعى لتنمية المشروعات الصغيرة» الذى حصلت منه على ثلاثة قروض ما ساعدها فى استمرار العمل بالمشروع والتوسع فيه. وتقترح «فاتن» إقامة المعرض مرتين فى العام لتكون فرصة لعدد أكبر من العارضين من مختلف المحافظات للمشاركة خاصًة الدولة توفر سكنا للعارضين المقيمين فى المحافظات ما يسهل عليهم المشاركة. قروض «مبادرة مستورة» و«مبادرة فاتحة خير» دعمت مشروع عزيزة ومن سوهاج بجزيرة الشندويل تقول «عزيزة عبدالحميد»: «أنا مشهورة بالتلى وعندى مشغل متكامل أعمل به حقيبة السفر حقيبة اللاب توب وفساتين وتطريز مفارش وأحذية وستائر وإكسسوارات». وحتى حقيبة السفر لدى «عزيزة» مزينة بالتطريز الفلاحى المميز الذى يعبر عن الهوية المصرية. تعلمت عزيزة صناعة الحقائب والأحذية وفن الخيامية، وبعدها شاركت فى تدريب الكثير من اللاجئين فى مجمع الفسطاط. وتدعم «عزيزة» 400 أسرة تعمل من خلالها منهما 350 فى سوهاج و50 فى المنيب. ومثل الكثير من صاحبات المشروعات الصغيرة حصلت «عزيزة» على قروض من «مبادرة مستورة» و«مبادرة فاتحة خير» لكى تستطيع التوسع فى مشروعها. الاستراتيجية القومية للحرف اليدوية ومن جانبه يؤكد «أحمد الكنانى» مدير إدارة تطوير المشروعات الصناعية والدعم التكنولوجى فى جهاز تنمية المشروعات، أن العمل فى كل الإدارات بالجهاز من أجل التحضير للمعرض - يبدأ قبل الموعد المحدد له بثلاثة أشهر وهو ما يضمن خروج «تراثنا» بالشكل المبهر الذى تحدث عنه الجمهور مع هذا العدد من الحرفيين والفنانين إلى جانب الخدمات التى تقدم بالمعرض. وحول إجراءات التقدم للمشاركة بالمعرض أكد الكنانى أنه يتم فتح باب التقديم للعارضين قبل المعرض بثلاثة أشهر من خلال لينك موجود على كل منصات التواصل الاجتماعى ومن خلال ثلاثين فرعًا للجهاز فى 27 محافظة. وبعد انتهاء فترة التقديم، تقوم لجنة تضم أكثر من تخصص باختيار المعروضات لنضمن أن تكون المنتجات كلها صناعة مصرية مشرفة تليق باسم «تراثنا». كما يوفر الجهاز لكل العارضين من خارج القاهرة الإقامة والانتقالات من وإلى المعرض. أما داخل المعرض فيوفر الجهاز خدمات مجانية للعارضين من تصوير لمنتجاتهم ومساعدتهم فى عمل لوجو وتدريبهم على استخدام ai فى التسويق لأعمالهم. كما يقدم المعرض ورش عمل على هامش المعرض وكل ورشة مختصة بخطة عمل أو ابتكار أو تسويق أو تصدير والالتحاق بهذه الورش مجانى ومتاح للعارضين والزوار على حد سواء. أما التحدى الأكبر، وفقًا ل«أحمد لكنانى» فهو اختيار أفضل العارضين من بين المتقدمين مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء «د.مصطفى مدبولى» أطلق الاستراتيجية القومية للحرف اليدوية التى تلتزم بها كل قطاعات الجهاز بالإضافة إلى الوزارات والهيئات والجهات الداعمة لمساعدة الحرفيين على تطوير مشروعاتهم. قدم الجهاز هذا العام، من خلال معرض «تراثنا»، مشروعًا بالتعاون مع إحدى الجهات المانحة بهدف تمويل المشروعات التى تتميز بروح الابتكار فقط. هذا بالإضافة إلى العمل على تنفيذ مبادرات للمرأة منها «مبادرة المضى قدمًا» و«مشروع دعم رائدات الأعمال» و«مبادرة تنمية التجمعات الإنتاجية الطبيعية». ويولى الجهاز اهتمامًا خاصًا بالمحافظات الحدودية وبالحرف المهددة بالاندثار؛ حيث يعمل الجهاز على إحيائها مرة أخرى للحفاظ على التراث المصرى. ويظل معرض «تراثنا» أكثر من مجرد منصة لعرض المنتجات اليدوية والحرف التقليدية بل هو احتفاء بروح الثقافة المصرية وجسر بين الماضى بأصالته وعراقته والحاضر بتطوره وحداثته.