فى قلب الساحل الشمالى الذى يعج هذه الأيام بالمصيفين يقام معرض ديارنا للحرف اليدوية والتراثية، وذلك استمرارًا لدور الدولة المصرية فى دعم الأسر المنتجة وخاصًة السيدات والحفاظ على الحرف اليدوية والمنتجات التراثية من الاندثار. لم يعد معرض ديارنا مجرد سوق للمنتجات اليدوية بل أصبح منصة وطنية لدعم الأسر المنتجة وفرصة حقيقية لاكتشاف جمال التراث المصرى فى الريف، الصعيد، سيناء، النوبة وسيوة. شهد المعرض مشاركة واسعة من العارضين، حيث شارك أكثر من 500 عارض وعارضة بمنطقة «مارينا 5» حتى يوم 10 سبتمبر 2025 وسط حضور لافت واختار المعرض أن يفتح أبوابه للجمهور من الرابعة مساءً إلى الرابعة صباحًا، حيث التوقيت المثالى لرواد الساحل الشمالى الذين يقضون النهار على البحر ويبدأون نشاطهم من شراء وتسوق فى منتصف اليوم. وكان رئيس مجلس الوزراء الدكتور «مصطفى مدبولى» قد أكد أن إحياء الحرف التراثية واليدوية يعد أحد الملفات المهمة التى توليها الحكومة أولوية خلال هذه المرحلة، بما يسهم فى الحفاظ على هذه الحرف واستدامتها. وقد جاء ذلك خلال اجتماع عقده مدبولى بمقر الحكومة بمدينة «العلمين الجديدة» لاستعراض الاستراتيجية الوطنية للحرف اليدوية(2025-2030) بحضور الدكتورة «مايا مرسى» وزيرة التضامن الاجتماعى، و«باسل رحمى» الرئيس التنفيذى لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وعدد من مسئولى الجهاز. معرض ديارنا فى صورته الحالية يعكس بالفعل اهتمام الحكومة بتمكين الحرفيين والحرفيات فأثناء التجول بالمعرض تشعر أنك بمتحف يضم أحلى القطع التراثية المصرية الخالصة وأجملها، فتجد التحف الفنية التى تجمع بين الأصالة والرقى، إذ يضم المعرض تحفًا من النحاس والفضة، ومنتجات خشبية وخزفية ومفروشات واكسسوارات وحقائب وأحذية وغيرها من المنتجات اليدوية التى تحكى عن أهل مصر وتعبر عن تراثهم، وبين أروقة المعرض تحدثنا إلى العديد من العارضات اللاتى كان لكل منهن قصة ملهمة. سالى حسين: سيوة خطفت قلبى عن منتجات سيوة الطبيعية تقول سالى حسين: «أعمل كل منتجات سيوة الطبيعية منذ 5 سنوات»، تخرجت سالى فى كلية العلوم قسم ميكروبيولوجى وحصلت على درجة الماجستير فى مجال «الفطريات الدقيقة» ثم تزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال وقضت 14 عامًا خارج مصر، وكانت نقطة التحول الكبرى فى حياتها هى بعد رجوعها إلى مصر وقيامها برحلات لكل محافظات مصر مع أولادها لتعريفهم على بلدهم التى عاشوا بعيدًا عنها سنوات طويلة، وعندما وطأت قدماها أرض «سيوة»، حيث الهدوء والتفرد والطبيعة البكر شعرت بارتباط بالمكان وطاقة وجاذبية أو كما قالت: «سيوة خطفت قلبى» وتأكدت سالى أن ما تشعر به فى هذا المكان لا بد أن يكون له تأثير على حياتها القادمة. وهنا بدأت سالى تبحث عن السيدات والبنات سكان سيوة اللاتى يستمتعن بهذا الجمال طوال العام وكانت تشعر أن الحياة وسط تلك الطبيعة الساحرة يجب أن تنعكس على السكان خاصًة النساء ولكنها لم تلتق بأى فتاة أو سيدة هناك فتعجبت، لكنها لم تيأس فطاقة المكان منحتها الأمل والدفعة للبحث بشكل أعمق، فدخلت البيوت وتعرفت على النساء عن قرب واكتشفت أنهن يمارسن الأعمال اليدوية حيث يقمن بنحت الملح والتطريز وغيرها لكن المجتمع فى سيوة لا يسمح بخروج المرأة إلى ميدان العمل. شعرت سالى فى هذه اللحظة أنه لا بد أن يكون لها دور فى التعريف بسحر سيوة وجمال الأعمال اليدوية لسكانها، وبالفعل بدأت تتعاون معهن وتقترح عليهن أفكارًا جديدة لتنفيذ أعمالهن اليدوية لكى ترى إبداعاتهن النور. وكررت سالى تجربتها فى سيوة مع محافظات أخرى بعد أن عشقت الأشغال اليدوية أو الشغل الهاندميد، ومع مرور الوقت، بدأت تدمج تراث المحافظات المختلفة فى أعمال يدوية متميزة تحمل التراث المصرى. فبدأت تأخذ قماشًا من «أخميم» و«نجادة» وتعطيه لأهل سيوة لتطريزه بطابعهم المميز، وكذلك الخوص والجريد تأخذهما من سيوة وترسلهما ل«الفيوم» لعمل منتجات هناك. وتعلمت سالى كثيرًا من مبدعى الحرف اليدوية فى محافظات مصر المختلفة وتأثرت بهم فبدأت تتعلم فن المكرمية بشغف فى دورات تدريبية وبدأت فى تعليم عدد أكبر من البنات الأشغال اليدوية وزاد الإنتاج. تقول سالى: «الشغل اليدوى يعطى طاقة وأستمتع به جدًا وبتعليمه للآخرين لأنى أشعر أننى مؤثرة فى حياة الآخرين». ومن القصص الملهمة التى تحكيها سالى قصة أرملة تبلغ من العمر 75 عامًا أرملة ليس لديها من يعولها وترفض مساعدة الآخرين. ولكن هذه السيدة كانت ماهرة فى التطريز فساعدتها سالى بالقماش والخيط والتسويق لمنتجاتها التى تسعد كثيرًا بالدخل الذى يعود منها. واختتمت سالى حديثها قائلة: «سعادتى فى مساعدة الآخرين وأن أكون شخصًا مؤثرًا ومصدر خير لهم وأنصح كل شخص أن يركز فى عمله فقط ويمنحه كل ما لديه من طاقة». مايسة مختار: دربت سيدات محاربات وبالعمل تغلبن على المرض فى شغل المفروشات والكروشيه تقول مايسة مختار: «تخرجت فى كلية خدمة اجتماعية، ولكننى أحببت العمل فى مجال الملابس والمفروشات، تنتج «مايسة» المفروشات بكل أنواعها وكذلك منتجات من الكروشيه تقوم بتدريب العديد من السيدات فى مبادرة «تدريب مصر». تمارس «مايسة» العمل اليدوى منذ 15 عامًا وقامت بتدريب العديد من السيدات فى محافظات وأماكن مختلفة منها سيوة والأسمرات والإسكندرية ودربت سيدات محاربات من مستشفى أيادى المستقبل وتؤكد أنهن «بالعمل تغلبن على المرض وأحببن ما يعملن»، وتؤكد مايسة حرصها الدائم على المشاركة فى معرض ديارنا مشيرًة إلى أنه يمنح العارضين فرصة كبيرة للانتشار. نائلة يحيى: أحببت الجلد الطبيعى وأخذت كورسات فى التصوير والتسويق وأطور المنتج من تعليقات الناس فى حب الجلد الطبيعى تروى نائلة يحيى ل«روزاليوسف» كيف تخرجت فى كلية الحقوق وتنقلت فى عدة وظائف لمدة ثلاث سنوات إلى أن بدأت تجد نفسها فى ورش النحاس والفخار والخزف، لكن الشغل اليدوى على الجلد الطبيعى كان أكثر ما استهواها، فدرسته فى دورات تدريبية لتتقنه. كما حصلت على دبلومة من وزارة الصناعة تعلمت من خلالها أنواع الجلود الطبيعية ودرجاتها وكيف تستكمل العمل بالبيت بعد انتهاء مرحلة المدبغة لتحصل فى النهاية على منتج مميز. وتشير «نائلة» إلى أن الجلد المصرى مميز، لذلك فإن دولاً مثل «فرنسا وإيطاليا وإسبانيا» تستورده من مصر ثم تصدره لنا بعد ذلك كمنتج، ما يعنى أن مصر تصدر المادة الخام ثم تشتريها مجددًا فى صورة حقيبة ومحفظة وغيره، وهو ما دفع «نائلة» إلى استخدام الجلد المصرى فى منتجاتها بألوان مختلفة عن السائد. أما عن معرض ديارنا فتقول «نائلة»: «العملاء ينتظرون معرض ديارنا ويثقون فى جودة المعروضات.. والمعرض يساعدنا على تطوير منتجاتنا من خلال تعليقات الناس حول احتياجاتهم من ألوان ومقاسات، وأدون كل الأفكار التى تصلنى من العملاء». شيرين فتحى: معرض تراثنا هو تتويج لشغلنا ويعتبر متحفًا مفتوحًا والموضوع تحول من هواية لتخصص واحتراف وفى مجال الإكسسوارات تقول شيرين فتحى إن بدايتها كانت من خلال بازار يقام كل شهر فى نادى الصيد لتسويق أعمالهم. وبعد 3 سنوات منتظمة فى الإنتاج والعرض فى البازار اشتركت «شيرين» بمعرض تراثنا الذى تعتبره تتويجًا لمجهودها مضيفًة: «هو متحف مفتوح يقدم قمة الإبهار.. والموضوع تحول من هواية لتخصص واحتراف وأصبحت أعمل طول العام حتى أذهب لمعرض تراثنا، ثم بدأت أيضًا أشترك فى معرض ديارنا ووجدت أنه الكرنفال الذى أنتظره كل عدة أشهر، حيث يتيح فرصة هائلة لتسويق منتجاتنا». 2