69 عامًا مرت على أحد أبرز القرارات التي تثبت أن المصري لا يرضى أن يكون وطنه تحت الوصاية أو تابعًا، وفي لحظة تاريخية كانت مصر محط أنظار العالم يوم 26 يوليو 1956، حين أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قرار تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية - شركة مساهمة مصرية، وذلك فى خطابه الشهير من ميدان المنشية بالإسكندرية. جاء القرار ردًا على قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبريطانيا، والبنك الدولي، بسحب تمويل السد العالي. قرار التأميم وقبل الوقوف على عظمة القرار، نسرد بعض ما جاء في كلمة الرئيس الراحل، منها نتبين كواليس القرار التاريخى وأهمتيه، وقد جاء بالخطاب نصًا: «تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية- شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق، وما عليها من التزامات، وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حاليًا على إداراتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها، ويتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس مرفق عام ملك للدولة، ويتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس هيئة مستقلة، تكون لها الشخصية الاعتبارية». وجاء على لسان جمال عبد الناصر: «أيها المواطنون، إننا لن نمكن المستعمرين أو المستبدين، إننا لن نقبل أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى، إننا قد اتجهنا قدمًا إلى الأمام لنبنى مصر بناء قويًا متينًا، نتجه إلى الأمام نحو استقلال سياسى واستقلال اقتصادى، نتجه إلى الأمام نحو اقتصاد قومى من أجل مجموع هذا الشعب، نتجه إلى الأمام لنعمل، ولكننا حينما نلتفت إلى الخلف إنما نلتفت لنهدم آثار الماضى، آثار الاستبداد، آثار الاستعباد، آثار الاستغلال، آثار السيطرة، إنما نتجه إلى الماضى لنقضى على جميع آثاره». كواليس القرار ورد فى مذكرات السيدة تحية، قرينة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، التى جاءت تحت عنوان «ذكريات معه»: «في صيف سنة 1956 ذهبنا للإسكندرية في نفس البيت الذي كنا فيه في الصيف السابق وقت الاحتفال بأعياد الثورة، وقبل 23 يوليو رجعت والأولاد للقاهرة كما هي عادتنا، وفي 25 يوليو ذهبت إلى الإسكندرية مرة أخرى، وفي يوم 26 يوليو في المساء حضر الرئيس للإسكندرية لإلقاء الخطاب في ميدان المنشية، وبعد أن صافحني قال إن عنده اجتماعًا مع الوزراء في الصالون في البيت، وسيحضرون بعد قليل، وكنت سأذهب لسماع الخطاب في عمارة بجوار المبنى الذي سيكون فيه الرئيس في ميدان المنشية». وتابعت: «خرجت.. وهو لا يزال مجتمعًا مع الوزراء في الدور الأول في الصالون، وذهبت قبل وصوله وجلست في شرفة لأراه وأسمعه وهو يلقي الخطاب، حضر جمال عبد الناصر وألقى خطابه التاريخي، بعد رجوعي للبيت حضر الرئيس وجاء كثير من الزوار، وامتلأ الدور الأول وظل معهم ثم صعد للدور الثاني، ولم ينم وظل طول الليل يتحدث بالتليفون وقال لي: لم يكن أحد من الوزراء يعلم بتأميم القناة غير اثنين، والباقي ذُهل عند سماعه الخبر ونحن مجتمعون في الصالون، وحدثني عن كلمة السر ديليسبس.. فقلت له: عندما كنت تذكر ديليسبس وقد قلتها عدة مرات كنت أقول في نفسي: لماذا يتحدث عن ديليسبس؟ وكانت المفاجأة عند سماعي بتأميم قناة السويس.. وسمعته بصوته ونبراته الرنانة وهو يقول: «قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس».. أمضى الرئيس ليلتين في الإسكندرية في اتصالات وشغل متواصل ثم رجع للقاهرة». ميدان المنشية أما عن كواليس يوم الخطاب التاريخي الذي تم خلاله إعلان قرار التأميم فقد احتشد الآلاف فى ميدان المنشية بمدينة الإسكندرية لسماع خطاب جمال عبدالناصر يوم 26 يوليو 1956، وترقب العالم كله ماذا يعنى بكلمته «موتوا بغيظكم» التى وجهها قبل يومين إلى الولاياتالمتحدة، ردًا على قرارها بسحب تمويل «السد العالي» وبدأ الرئيس جمال عبد الناصر خطابه التاريخى فى الساعة الثامنة والنصف مساء هذا اليوم، واستغرق 3 ساعات، وأنصت إليه العالم، وشمل شرحًا وافيًا لقصة مصر مع القناة منذ حفرها بسواعد المصريين الفقراء، وسيطرة فرنسا وبريطانيا عليها. كلمة السر كانت كلمة «ديليسبس» فى الخطاب هى كلمة السر المتفق عليها لبدء تنفيذ عملية التأميم فور نطق الرئيس الراحل عبدالناصر بها، وخشى الرئيس أن تفلت كلمة السر من أسماع المجموعة المكلفة بعملية التأميم، فأخذ يكرر اسم «ديليسبس» أكثر من مرة، حيث كرره 17 مرة بلا ضرورة فى بعض الأحيان، ليتأكد أن فريق التأميم تلقى الإشارة المتفق عليها. وقبل خطاب التأميم، استدعى الرئيس عبدالناصر مجلس الوزراء وأعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو للاجتماع، وأبلغهم بالقرار فانقسم المجتمعون حوله، وانتهى الاجتماع بقوله: «أريد أن أكون منصفًا لكم جميعًا، فأسجل هنا أننى أتحمل مسؤولية قرار التأميم، وللشعب المصرى والتاريخ أن يحاسبنى عليه، فلست أريد لأحد منكم أن يتحمل مسؤولية قرار خطير لم يعرف به إلا قبل إعلانه بوقت قصير». أما المجموعة التى تولت عملية التأميم بقيادة «محمود يونس» فقد أعدت خطتها بسرية كاملة وحرفية هائلة، وشملت أماكن التنفيذ كل مواقع القناة فى بورسعيد والسويس والإسماعيلية، ومكتبها الإدارى فى جاردن سيتى. التنمية الشاملة وكما كان قرار تأميم قناة السويس حدثًا تاريخيًا استثنائيًا، فقد كانت القناة على موعد مع قرار استثنائي آخر بعد مرور 58 عامًا، حينما قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي حفر قناة السويس الجديدة، وتم افتتاحها بعد عام واحد فقط من إصدار القرار (تحديدًا في أغسطس 2015). وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال حفل الافتتاح، أن مشروع قناة السويس يمثل انطلاقة لمشروعات جديدة من بينها مشروع تنمية منطقة قناة السويس، وهو ما تم، ويتم بالفعل من تنمية شاملة لم تشهدها المنطقة من قبل. الإشادات الدولية وفى منتصف الشهر الجارى أعلن مجلس الوزراء أن الإشادات الدولية بما يتم من إنجازات فى منطقة قناة السويس، تعكس استعادة القناة لمكانتها العالمية، وحجم الثقة الدولية في قدرتها على مواجهة التحديات، وهو ما أكدته تقارير كبرى المؤسسات العالمية، التي أشادت بمرونتها في تقديم خدمات ملاحية غير مسبوقة، كما حرصت هيئة القناة على تقديم حوافز وتسهيلات متنوعة لجذب خطوط الشحن الكبرى، بما يعزز من تنافسيتها كممر ملاحي آمن وفعال، ويلبي المتغيرات المتسارعة في حركة التجارة العالمية. وأوضح مجلس الوزراء أن صندوق النقد الدولي توقع زيادة إيرادات قناة السويس خلال 5 سنوات بنسبة 88.9 % لتصل إلى 11.9 مليار دولار عام 2029/2030، مقارنة مع إيرادات متوقعة 6.3 مليار دولار خلال عام 2025/2026، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 8.2 مليار دولار عام 2026/2027، و9.9 مليار دولار عام 2027/2028، و11.5 مليار دولار عام 2028/2029. من جهتها، أكدت «OFFSHORE ENERGY» عدم توقف عمليات قناة السويس، على الرغم من أزمة البحر الأحمر، مشيرًة إلى اتجاه القناة إلى تقديم خدمات ملاحية جديدة لم تكن متاحة من قبل، مثل الإنقاذ البحري، وخدمات الإسعاف المائي، ومكافحة التلوث، وصيانة وإصلاح السفن، بالإضافة إلى خدمات التزويد بالوقود، كما توقعت وكالة ستاندر آند بورز، أن تستأنف حركة الملاحة في قناة السويس بشكل طبيعي تدريجيًا خلال الأشهر المقبلة. وأشارت «فيتش سولوشنز» إلى أن توسيع قناة السويس الذي دخل حيز التنفيذ خلال الربع الأول من عام 2025، ساهم في تعزيز قدراتها الاستيعابية من 6 إلى 8 سفن إضافية يوميًا، كما حسن من قدرتها على التعامل مع حالات الطوارئ المحتملة، متوقعًة أن يشهد العام المالي الحالي انتعاشًا في حركة المرور بالقناة، وفي السياق ذاته، كشفت شركة «LIoyd's List»، أن هناك عدة شركات شحن كبرى بدأت بإعادة إرسال سفنها إلى البحر الأحمر، في ظل التطورات الأمنية الإيجابية، مشيرة إلى حرص هيئة قناة السويس على تسريع هذا الاتجاه، من خلال تقديم حوافز لتشجيع العودة للعبور عبر القناة. 1