في أعقاب موافقة مجلس النواب نهائيًا على تعديلات قانوني النواب وتقسيم الدوائر، تصاعدت وتيرة الجدل السياسي، فبينما تقدمت الأربع كتل السياسية الكبرى في البرلمان، بمشروعي القانونين اللذين يتوافقان مع رؤاهم رافعين شعار العدالة النيابية، أعلنت المعارضة رفضها لتلك التعديلات بدعوى تمريرها لنظام انتخابي ترى فيه تقويضًا للحياة الحزبية.. وما بين رؤية الكبار وطموح المعارضة تبقى لعبة الانتخابات ساخنة، حتى إشعار آخر. الكبار يرسمون المشهد لم يكتف ممثلو الأحزاب التي طرحت مشروعي القانونين الخاصين بالانتخابات، تأييدهم المطلق للتعديلات –وهذا أمر بديهي- لكنهم أعلنوا بوضوح وبنقاط قانونية رؤيتهم لذلك، حيث قال الدكتور عبدالهادي القصبي رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن بمجلس النواب، أن تعديلات قوانين الانتخابات جاءت متوافقة مع الدستور، متسقا مع نص المادة 87 من الدستور. وتابع القصبى:«كما جاء مشروع القانون متوافقًا ومتسقا مع نص المادة 102 من الدستور ،والتي تؤكد علي التزام المشرع مراعاة التقسيم العادل للدوائر الانتخابية وفقا لعدة شروط منها التعداد السكاني للمحافظات والمواقع الجغرافية، وهو الأمر الذي يلزم مراجعة الأوضاع والتعداد السكاني قبل كل فصل تشريعي وقبل إجراء العملية الانتخابية للبرلمان لضمان التوافق، وتلك المعايير خاصة في ضوء زيادة العدد السكاني بأكثر من 7 ملايين و400 ألف مواطن عن آخر تعداد للسكان والتي أجريت من خلاله الانتخابات البرلمانية 2020، كما تبين زيادة قاعدة انتخابات بأكثر من 6 ملايين و200 ألف ناخب زيادة عما تم من خلالها إجراء انتخابات 2020 وهو الأمر الذي كان لزاما عليه العمل على تقديم مشروع قانون جديد يراعي كل ذلك وترسيخ لمبدأ المساواة والعدالة والتوازن بين الأقاليم والمحافظات المختلفة وأن يكون البرلمان القادم معبرًا عن الخريطة السكانية لكل ربوع مصر. وأضاف القصبي، أن مشروع القانون تم إعداده وفقا لآخر قاعدة بيانات وأحدثها و إعمالا لقاعدة حساب المتوسط الخاص بشأن نائب لكل عدد من الناخبين والتي أقرتها المحكمة الدستورية العليا مع استثناء المحافظات الحدودية حرصًا على تمثيل تلك المحافظات والتي تعد خط الدفاع الأول عن الوطن. كذلك أكد النائب أحمد بهاء شلبي، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب حماة الوطن، أن مشروع القانون يراعي التوزيع العادل والتمثيل المناسب بحسب التوزيع السكاني وزيادة قاعدة الناخبين، وأن الحسبة التي استندت عليها تعديلات قوانين مجلس النواب والشيوخ ليس بسيطة، بل أخذت جهدًا كبيرًا لتخرج بتلك الدقة ومعدلات الانحراف المنخفضة. في ذات الإطار، قال النائب محمد أبو هميلة، رئيس برلمانية حزب الشعب الجمهوري، إن المادتين 102 و251 من الدستور فرضتا علينا كل فترة ضرورة مراجعة قوانين الانتخابات؛ لمراعاة التمثيل العادل مع الزيادة السكانية وضمان استمرار العدالة الانتخابية. واستكمل أبو هميلة بأن التعديلات جاءت بناء على ضوابط وأُسس موضوعية تم إعدادها وفقًا لهذه الأسس، كما أن التعديلات السابقة أثبتت فاعليتها في انتخابات 2020؛ لكن استمرارها الآن سيدخلنا في عدم استقرار.
تأييد حزبي تلك الرؤية نالت تأييد العديد من الأحزاب، فقد أكد النائب تيسير مطر، الأمين العام لتحالف الأحزاب المصرية، رئيس حزب إرادة جيل، ووكيل لجنة الصناعة بمجلس الشيوخ، أن مشروعات القوانين التي تم الموافقة عليها بشأن انتخابات مجلسي النواب والشيوخ وتقسيم الدوائر الانتخابية جاءت متزنة ومنضبطة، ولا تختلف في جوهرها عن التشريعات السابقة التي خضعت لمراجعات دقيقة ومعايير علمية مستقرة. وقال «مطر» إن تحالف الأحزاب المصرية – الذي يضم تحت مظلته نحو 42 حزبًا سياسيًا – يُبدي تأييده الكامل لتلك المشروعات، باعتبارها تعكس التوازن المطلوب بين المحددات الجغرافية والتوزيع السكاني، من خلال صياغة تقسيمات انتخابية تراعي العدالة في التمثيل دون إخلال بوحدة النسيج الوطني أو استقرار البنية التشريعية. كما شدّد على أن النظام الانتخابي القائم على الجمع بين الفردي والقائمة المغلقة المطلقة لا يزال مناسبًا للمرحلة الراهنة، إذ يوفّر استقرارًا سياسيًا ويمنح الناخب حرية الاختيار، مع تأكيد توافق أحزاب التحالف مع نظام القوائم المغلقة المطلقة باعتباره الأنسب للمرشح والناخب على السواء، في ظل السياق السياسي والاجتماعي القائم. فيما أعرب حزب الحرية المصري، عن ترحيبه بالإصدار الأخير لقانون الانتخابات، مشيدا بما تضمنه من بنود تمثل نقلة نوعية في آليات التمثيل النيابي وضمان العدالة السياسية بين مختلف فئات المجتمع ومناطقه. وقال النائب أحمد مهنى، نائب رئيس حزب الحرية المصري والأمين العام وعضو مجلس النواب، إن الحزب لمس حرصًا واضحًا من الجهات المعنية على تحقيق توازن دقيق في توزيع الدوائر الانتخابية. الخلاف الحقيقي الجدل الذي أثير في أعقاب موافقة مجلس النواب على القانونين، لم يكن بشأن التعديلات ذاتها، بل رأى الرافضون للتعديلات أنها سمحت بتمرير نفس النظام الانتخابي الذي تم تطبيقه في الانتخابات الماضية وتحديدا «القائمة المغلقة المطلقة» ، وهو ما رد عليه المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي –خلال الجلسة العامة لمجلس النواب- الأسبوع الماضي، بأن قضية التمثيل السياسي والنظام الانتخابي الأمثل نوقشت في جلسات الحوار الوطني، ولم يحدث توافق حول قضية النظام الانتخابي، وبالتالي لم ينته الحوار إلى توصية محددة في هذا الخصوص، وتم رفع الثلاثة الآراء التي أثيرت خلال المناقشات إلى رئيس الجمهورية، مصحوبة بمزايا وعيوب ومناقشات كل رأى. مضيفًا أن الحكومة آلت على نفسها أن تترك هذه المساحة للقوى السياسية لتقررها بالتوافق فيما بينها. وقد جاء القانون في إطار ذلك التوافق، حيث تقدمت به أكبر أربع كتل سياسية ممثلة في البرلمان بالإضافة إلى عدد من المستقلين. وأضاف المستشار محمود فوزي، أن النظام الانتخابي الحالي لا يشكل أية قيود مفروضة على تشكيل التحالفات الانتخابية، سواء من قبل الأحزاب أو المجموعات السياسية المختلفة، بما يشمل القوائم الكبيرة أو الصغيرة على حد سواء. المعارضة تتحالف من جانبها، أصدرت أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والإصلاح والتنمية، والعدل، بيانًا ثلاثيًا قالت فيه إن التجربة قد أثبتت أن هذا النظام الانتخابي يُقوض الحياة الحزبية ويقضي على التنوع السياسي ويُفرغ العمل البرلماني من مضمونه الحقيقي. وأضافت: نرى أن نظام القوائم المغلقة المطلقة يتعارض بشكل واضح مع المبادئ الديمقراطية السليمة، وعلى رأسها مبدأ التعددية، ويفرض واقعًا انتخابيًا يُهدر أصوات الناخبين، ويمنع تمثيل قطاعات واسعة من الشعب، ويؤدي في النهاية إلى إفراز برلمان غير سياسي، عاجز عن التعبير عن هموم المواطنين أو تمثيلهم تمثيلًا عادلًا أو العمل على تطوير الحياة السياسية في البلاد. وتابعت الأحزاب الثلاثة: استمرار تبني هذا النظام يساهم في جمود الحياة السياسية، ويكرّس لفكرة أن الانتخابات البرلمانية ليست وسيلة حقيقية للتغيير أو المشاركة الفعالة، بل مجرد إجراءات شكلية تفتقر إلى الروح الديمقراطية الحقيقية. وجددت الأحزاب رفضها لتعديلات قوانين الانتخابات، وتمسكها بنظام انتخابي يُعزز التعددية ويُعبّر عن الإرادة الشعبية ويضمن تمثيلًا حقيقيًا يعكس التنوع السياسي والحزبي في مصر. وأشاروا إلى أن الحوار الوطني الذى انعقد بمشاركة واسعة من القوى السياسية والمجتمعية، قد تناول هذا الملف، وكان من أبرز مخرجاته الطرح المتوازن الذي يجمع بين النظام النسبي والنظام الفردي، بما يضمن التمثيل العادل والتنوع السياسي المطلوب. تعددية حزبية حقيقية وقال الدكتور أيمن أبو العلا، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الإصلاح والتنمية بمجلس النواب، إن أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والإصلاح والتنمية، والعدل، رغم اعتراضهم على نظام القائمة المغلقة المطلقة، إلا أنهم قرروا تشكيل تحالف «الطريق الديمقراطي» لخوض الانتخابات المقبلة على المقاعد الفردية. وأضاف «أبو العلا» في تصريحات ل «روز اليوسف»، أن الأحزاب الثلاثة كانت تتمنى بذل مزيد من المجهود لتطبيق نظام القائمة النسبية إلى جانب القائمة المغلقة؛ لتحقيق رؤى وأهداف كل الأطراف السياسية. وتابع: موقفنا الداعم للقائمة النسبية كان بدافع أن تكون الانتخابات المقبلة نواة وبداية لتحقيق التعددية الحزبية ولتعويد المواطن على فكرة البرنامج الحزبي.