لمن يهتم بتاريخ الإسلاميين الذين عملوا من داخل مؤسسات الدولة فى زمن مبارك تبدو الإعلامية كاريمان حمزة حالة مثيرة للاهتمام، والسبب الرئيسى أنها ساهمت فى تقديم عدد من الدعاة المنتمين لجماعة الإخوان عبر التليفزيون المصرى الذى كان منبرا واسعا للانتشار فى ذلك التوقيت سجلت كاريمان حمزة جزءا من ذكرياتها فى كتاب صدر عن دار الشروق المصرية بعنوان (لله يا زمري) وقد شرحت معنى العنوان بأنه يعنى أن عملها الإعلامى كان كله لله أو فى سبيل الله، ورغم الطابع العاطفى وغير الموضوعى للكتاب إلا أنه يسجل بعض الأحداث المهمة ذات الصلة الوثيقة بموضوع (دعاة عصر مبارك) فبطلة الأحداث إعلامية مصرية بدأت رحلتها مع بداية السبعينيات مواكبة للتحول الرسمى تجاه المصالحة مع الإسلاميين، وهى من أسرة إعلامية لكنها على خلاف شقيقتيها (جيلان) و(وناريمان) ارتدت الحجاب مبكرا تأثراً بتعاليم الشيخين محمد الغزالى وعبد الحليم محمود الذى كان أولهما هو وكيل وزارة الأوقاف وثانيهما هو الوزير نفسه، أما هى فكانت تتردد عليهما لتسجيل البرامج الدينية مرتدية الزى الشائع بين السيدات فى تلك الفترة والذى تصفه ب(الملابس القصيرة).. فى مذكراتها لا تعترف كاريمان حمزة بأنها مذيعة محترفة تلتزم بالسياسة الإعلامية للجهة التى تعمل بها، أو تتفهمها، وإنما تبدو عبر الصفحات كمجاهدة إسلامية هدفها إيصال صوت الإسلام من خلال برامجها التى تستضيف فيها دعاة تقول إنه سرعان ما يتم الاعتراض عليهم، رغم أن الواقع يقول إنها سجلت معهم عشرات الحلقات وتم إذاعتها بالفعل، أما رؤساؤها فهم محاربون للإسلام و(ملكيون أكثر من الملك) وهى تجهل أسماء معظمهم وتنسب لهم عبارات فجة للغاية مثل (لا نريد إسلاما بعد الآن) و(فلان الداعية هذا إرهابى)! ودوافع هؤلاء المسئولين لا تخرج عن أحد أمرين ..أولا الغيرة الشخصية منها إذا كان المنصب يشغله امرأة، أو العداء للإسلام والكره له، وهى مثل كل الإسلاميين الذين عملوا من داخل مؤسسات الدولة ترى فى الرئيس دائما خير نصير للإسلام ونموذجا للصلاح الدينى، وما ينطبق على الرئيس ينطبق بكل تأكيد على زوجته، وهكذا تروى كاريمان حمزة عن عدة محاولات مجهضة فى السبعينيات للتحاور مع السيدة جيهان السادات فى موضوعات دينية عبر برنامجها، أو لا يتغلغل فرصة إشرافها على تجديد كسوة مقامى السيدة زينب والسيدة نفيسة لتقديمها كسيدة متصوفة، وتضع صاحبة المذكرات دائما اللوم على رؤسائها الذين إما لا يريدون الخير للإسلام والمسلمين، أو يشعرن بالغيرة الشخصية منها فى حالة كن من النساء، وهم دائما ما يعبرون عن رفضهم هذا ليس بصورة مهنية، ولكن بعبارات مسرحية تتسم بالغلظة والفجاجة فهم يرفضون تسجيل حلقات دينية مع زوجة رئيس الجمهورية قائلين (لا داعى لخلع صفة الإسلام عليها ؟!). تروى كاريمان حمزة قصة منعها من العمل لأول مرة عقب زيارة الرئيس السادات للقدس والتى كانت أول مسمار فى نعش التحالف بين الرئيس السادات والإسلاميين بشكل عام، والقصة كما ترويها أنها كانت تكن إعجابا خاصا لشركة الطيران السعودى ولكل ما هو سعودى، وإنها تلقت دعوة للحج على نفقة المملكة تزامن فيها يوم الحج مع زيارة السادات الشهيرة للقدس، وأنها كتبت مقالا بعنوان (وخشيت أن تسقط الطائرة) بهدف نشره فى مجلة رابطة العالم الإسلامى وقرأت أجزاء منه لمفتى الجمهورية الشيخ حسنين مخلوف الذى كان يرافقها فى الرحلة، تقول كاريمان حمزة إن مقالتها تم تفسيرها على أنها تتمنى سقوط الطائرة التى تحمل الرئيس السادات للقدس فى حين أنها كتبت مقالها خوفا من سقوط طائرة الحجاج التى تركبها لأن بها مضيفة ترتدى الميكروجيب! على هذا النمط القدرى الذى تلعب فيه المصادفات والالتباسات والغيرة الشخصية دورا كبيرا.. تروى كاريمان حمزة أنها تعرفت على الشيخ ياسين رشدى بالصدفة أثناء دخولها لمسجد المواساة بالصدفة وأن زوجة الشيخ عرفتها بنفسها ودبرت لقاءهما فوجهت له دعوة للتسجيل معه فى برنامجها (هدى الله ).. تقول كاريمان حمزة إنها علمت (بعد ذلك) من المصليات فى المسجد أن (الشيخ ياسين كان ضابطا فى البحرية إلا أنه كان يصلى فى رمضان ..مما ألقى حوله الشبهات واتهم بأنه من الإخوان المسلمين، وتم القبض عليه، وأدخل السجن)!! ولا تنسى صاحبة المذكرات أن تقول إنها تلقت التوبيخ بعد إذاعة الحلقات على تقديسها للرجل.. لكنها لا تقول إن عشرات الحلقات مع الرجل تمت إذاعتها كاملة وساهمت فى صنع شعبيته، وهى فى فصل آخر تبدى دهشتها من اعتراض المسئولين على رغبتها فى التسجيل مع الشيخ صلاح أبو إسماعيل لأنه من الإخوان المسلمين مع أن الرجل فعلا كان عضوا فى مجلس الشعب عن جماعة الإخوان المسلمين! فى نفس السياق تروى المؤلفة قصة استضافتها لرمز إخوانى آخر هو (يوسف القرضاوى) الذى قررت استضافته لمحاربة (التزمت والتطرف).. وأنها فوجئت بمدير إدارة البرامج الدينية يوجه لها الشكر عقب الحلقة الثانية بعد حياة حافلة بالظلم داخل المبنى بل إن الرجل نقل لها الشكر من رئاسة الجمهورية نفسها.. لكن سرعان ما ذابت فرحتها بعد أن استدعتها رئيسة التلفزيون ووجهت لها اللوم على لسان الوزير الذى قال إن الحلقات تخلو من الحس السياسى.. وأن هذا التناقض بين شكر رئاسة الجمهورية واعتراض الوزير نبهها للتناقض بين سلطة التلفزيون وسلطة الدولة!! تروى كاريمان حمزة كيف تم إيقافها عن العمل بقرارات ديسمبر 1981 الشهيرة، وكيف رأت رؤيا للرسول صلى الله عليه وسلم فى ساحة مكسوة بالسجاد الأحمر وملامحه تكسوها الغضب وبيده حقنة طبية يحقن بها خمسة من الشباب الغاضبين ليثبتهم وكأنه يكلفهم بمهمة ما.. وتروى حمزة أنه سرعان ما تم اغتيال الرئيس السادات بعد هذه الرؤيا التى تعنى أن الاغتيال وفق رؤياها كان عملا مباركا دينيا لأقصى درجة! عودة مع مبارك تروى كاريمان حمزة أنها عادت من الإيقاف عن العمل بعد تولى الرئيس مبارك الحكم بشهور، وأنها أتيحت ها فرصة مقابلته وهو نائب لرئيس الجمهورية، وأن عودتها تم الاحتفال بها على غلاف مجلة الإذاعة والتليفزيون الناطقة بلسان اتحاد الإذاعة والتلفزيون حيث احتلت صورتها بالحجاب الغلاف منفردة، ولا تنسى كاريمان حمزة التى صدر كتابها أثناء حكم الرئيس مبارك أن تروى قصة عن تدينه.. فقد كان يصلى الجمعة وهو نائب فى مسجد تحدد اسمه وهو مسجد الخلفاء الراشدين، خلف إمام هو الدكتور سليمان ربيع.. الذى تصفه بأنه (كان داعية إسلاميا جريئا لا يخشى فى الله لومة لائم، فكان يشير بجرأة الى جراح الأمة وكيفية علاجها من فوق المنبر.. وكان كثيرا ما يدخل نفسه فى مناطق الحرج خصوصا والسيد النائب يجلس أمامه).. وتضيف كاريمان حمزة قائلة: (كنت ألحظ ان السيد النائب كثيرا ما يهز رأسه تأمينا على كلام الشيخ أو طربا لسماع آيات القرآن الكريم) وتنطلق من ملاحظتها قائلة (فكرتى المسبقة عن مبارك أنه رجل مؤمن، لأن الحديث الشريف يقول إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان).. وبغض النظر عن أن عودة كاريمان حمزة كانت جزءا من سياسة التصالح مع الإخوان التى اتسم بها العقد الأول من حكم مبارك، إلا أن المهم أنها عادت مرة أخرى للعمل بسلسلة طويلة من الحلقات مع الشيخ ياسين رشدى داعية الإسكندرية الشهير، وأن الحلقات تمت إعادتها أكثر من مرة مما أدى لانتشارها بصورة كبيرة، وتسجيل حلقات أخرى مع ياسين رشدى بترحيب كبير من رئيسة التلفزيون هذه المرة.. وتضيف حمزة أن نجاح ياسين رشدى أدى لإطلاق شائعات كثيرة منها زواجه من كاريمان حمزة نفسها، ثم زواجه من النجمة المعتزلة مديحة كامل، ثم اتهامه بأنه (زير نساء )، وبأنه مختص فى إقناع الفنانات بالاعتزال، لكن كل هذا لم يمنع من الإقدام على تسجيل عشرات الحلقات الجديدة معه فى موضوعات أخرى مختلفة، ويبدو أن المصاعب التى واجهت كاريمان حمزة فى نهاية عصر السادات اختفت تماما لدرجة ترقيتها مديرا لإدارة البرامج الدينية فى التلفزيون المصرى، وهو منصب مهم جدا وقتها، تروى كريمان حمزة أنها سجلت عشرات الحلقات مع المفكر الإسلامى أحمد كمال أبو المجد لكن رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون لم يعترض سوى بعد إذاعة الحلقة السابعة والثلاثين!! فصدر قرار بمنع إذاعة بقية الحلقات! ثم تعود كاريمان لتقول إنه لم يكن هناك أى حلقات باقية لأن كل الحلقات أذيعت قبل اعتراض رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون. عمر عبّد الكافى تتحدث كاريمان حمزة دائما عن مجموعة من صديقاتها الملتزمات اللاتى يرشدنها لمشاهير الدعاة للتسجيل معهم ومنهن السيدة عفت البليدى التى تعرفها بأنها (صديقة ثرية أراد الله أن يكون ختام حياتها موصولا بالله متتبعة لكل مظاهر الصحوة الإسلامية، باحثة عن مجالس العلماء) ومنهن أيضا السيدة زهيرة العبد التى تعرفها بأنها (سيدة شديدة الجمال.. من أرقى أوساط مصر، متطوعة لعمل ندوات دينية فى أشهر نوادى مصر. كما أنها تشرف على النشاط الدينى فى مسجد محمود).. تروى كاريمان أن صديقاتها لفتن نظرها لداعية شاب لم يتجاوز الأربعين من عمره ومقتدر وحاصل على الماجستير اسمه عمر عبد الكافى، وأنها أعجبت بطريقة حديثه وقررت أن تسجل معه حول موضوع تحدث فيه كثيرا تحت عنوان (الدار الآخرة) وأنها سجلت معه اثنتين وعشرين حلقة وتمت إذاعة ثلاث عشرة حلقة منها، وتروى حمزة أن ضجة كبرى انفجرت بسبب نشر مجلة روز اليوسف لنص عبارات يحرض فيها عمر عبد الكافى على الفتنة الطائفية، ومناقشة مجلس الشورى للقضية، ثم صدور قرار بمنع إذاعة حلقاته عبر التلفزيون المصرى.. لكن صاحبة المذكرات تروى قصة فى غاية الغرابة مفادها أن أحد الضباط المسئولين عن أمن التلفزيون تصفه بأنه (كان قريبا للوزير) تقدم لها بعرض إنتاجى غريب، حيث أخبرها أنه ومجموعة من أصدقائه يملكون شركة خاصة للإنتاج الإعلامى، وأنهم يرغبون فى إنتاج برنامج للداعية عمر عبد الكافى- الذى منع التلفزيون إذاعة حلقاته- وبالفعل تم إنتاج الحلقات وإذاعتها فى التلفزيون المصرى الذى كان من قبل قد استشعر الحرج من إنتاج حلقات جديدة لعمر عبد الكافى، ولا يحتاج الأمر لكثير من الجهد كى يفهم أن هذه كانت مناورة سياسية من وزير الإعلام المخضرم صفوت الشريف، الذى كان فى نفس التوقيت محل هجوم لاذع من الكاتب إبراهيم سعدة رئيس تحرير أخبار اليوم، الذى اتهم وزير الإعلام بالتهاون مع الإخوان فى ماسبيرو، وتطبيق شروطهم فى الرقابة على الدراما والأعمال الفنية، والسماح باستضافة الدعاة المنتمين لهم فى البرامج الدينية فى التلفزيون، ولا يحتاج المرء لجهد كبير كى يدرك أن التطرف أو التزمت الدينى لم يكن صفة شخصية لوزير الإعلام، وأن إدارته لملف الدعاة الإخوان والرقابة على الدراما كانت جزءا من إدارته لملف العلاقات الإعلامية مع المملكة العربية السعودية وهى من أهم حلفاء مصر بعد حرب الخليج الأولى وتعاطفها فى ذلك الوقت مع أفكار الإسلام السياسى هو أقرب لعلاقة التوحد بها وليس فقط تشجيعها، والحقيقة أن ما ترويه كاريمان حمزة يشى بأنها كانت وجها مصريا رائجا لدى النخبة السعودية فى تلك السنوات، فهى تروى قصة غير محددة الأسماء ولا التواريخ ولا العناوين عن شاب غير مسلم كان يعمل مراقبا جويا فى المطار وأنه أقدم على إشهار إسلامه بعد فترة من استلامه العمل.. أما السبب فهو أنه لاحظ أن الطيارات التابعة لشركة الطيران السعودية لا تتعرض لأى حوادث على الإطلاق وأن تفكيره هداه إلى أن السبب هو أن الشهادتين مكتوبتان على الطائرات.. وبغض النظر عن أن هذه قصة خرافية فى الغالب، إلا أن ذكر الكاتبة لها واعتقادها بصحتها يكشف عن الطريقة التى كانت هى وغيرها من الإسلاميين المصريين ينظرون بها للملكة فى ذلك الوقت من السبعينيات والثمانينيات وفى أعقاب الطفرة النفطية، تروى كاريمان حمزة أنها فى أواخر الثمانينيات التحقت بالعمل كمستشارة إعلامية لمنظمة تحمل اسم (الاقتصاد الإسلامى) يرعاها ويملكها رجل الأعمال السعودى المصرى محيى الدين هلال وهو إخوانى مصرى فر إلى السعودية وحصل على جنسيتها وأصبح من كبار رجال الأعمال هناك، تروى حمزة أن محيى الدين هلال تم اعتقاله فى السعودية، وأنها وجدت أن من واجبها أن تسعى للإفراج عنه، وأنها استغلت مقابلتها لخادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز ضمن أحد الوفود وتقدمت له بطلب للإفراج عن هلال، وأنه وعدها خيرا، وبالفعل تم الإفراج عنه بعد ثلاثة شهور من الالتماس الذى قدمته للملك السعودى، والقصة ذات دلالة على أكثر من مستوى.. ورغم أن مذكرات كاريمان حمزة أقرب ما تكون لدفقات شعورية عاطفية، لا تنطوى على تواريخ محددة، ولا إثباتات واضحة إلا أنها تسهم بلا شك فى إعطاء صورة واضحة حول تأثير (الإصلاحيين) الإسلاميين الذين أخذوا على عاتقهم أسلمة المجتمع بوسائل من داخل النظام وبالاتفاق معه وفق توازنات داخلية وإقليمية ودولية مختلفة. 2 3