الفيلسوف الفرنسى الحائز على نوبل هنرى بيرجسون صاحب الكتاب الذي صار مرجعًا علميًا (الضحك)، له عبارة شهيرة (الحياة مأساة تراجيدية لمن يشعرون، وملهاة كوميدية لمن يفكرون). المهم ليس الحدث أو الموقف، لكن زاوية الرؤية التي نُطل من خلالها، وهكذا تستطيع أن تلمح كل شىء فى حياتنا وهو يخضع لتلك الرؤية. نعيش فى الساعات المقبلة عيد الربيع، وعلى الفور تصعد أغنية (الربيع)، التي انطلقت فى منتصف الأربعينيات، فصارت كأنها ارتباط شرطى، الربيع يساوى «فريد» والتي يُطلق عليها فى الشام أغنية (الفصول الأربعة)، لأن شاعر الأغنية مأمون الشناوى كان يكتب عن تغير الحب بين فصول العام. (وادى الشتا يا طول لياليه /ع اللى فاته حبيبه/ يناجى طيفه ويناجيه/ ويشكى للوجود تعذيبه)، ويكمل (أخد ورد الهوى منى/ وفاتلى شوكه يألمنى) حتى جاءت أغنية «كمال الطويل» وصلاح جاهين (الدنيا ربيع /والجو بديع/ قفلى /على كل المواضيع)، فى فيلم (أميرة حبى أنا) لحسن الإمام بعدها بنحو 30 عامًا، ومنذ ذلك الحين، صار الربيع له أغنيتان ووجهان مثلما قال بيرجسون مأساة عند فريد وملهاة عند سعاد!! جاهين والطويل وسعاد قدموا وجهًا آخر ضاحكًا للربيع، بينما مأمون وفريد قدما وجهًا مليئًا بالشجن، لدينا فى الدراما ما يطلق عليه (البارودى) أى أن هناك رؤية ضاحكة، فيلم مثل أفلام الكاوبوى الأمريكية ظهرت أفلام كابوى إيطالية وإسبانية أطلقوا عليها على سبيل السخرية كاوبوى اسباجيتى، ولدينا مثلا فى الخمسينيات، فيلم صلاح أبوسيف الشهير (ريا وسكينة)، الذي تناول حياة أشهر قاتلتين فى مصر، بعدها بعام واحد قدم إسماعيل ياسين ومع نفس بطلتى الفيلم القديم نجمة إبراهيم وزوزو حمدى الحكيم (إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة) وفى الثمانينيات شاهدنا يونس شلبى مع شريهان فى رؤية سينمائية ساخرة، وهو ما كرره المخرج حسين كمال فى المسرحية التي حملت نفس الاسم بطولة شادية وسهير البابلى وهى آخر عمل فنى لعبت بطولته شادية، قبل اعتزالها التمثيل ثم الغناء. فى عيد الربيع ننسى كل الأغنيات ويظل ربيع «فريد الأطرش» متربعًا على العرش وظلت الربيع 30 عامًا بمفردها هى أفضل عنوان للربيع، حتى ظهر منافس آخر كان موازيًا لها فى النجاح لأن «صلاح جاهين» و«كمال الطويل» قدما وجهًا آخر متفائلًا وسعيدًا يريد أن يحتفل بالربيع، ويقفل على كل المواضيع (ما فيناش كانى ومافيناش مانى/ كانى مانى إيه ده الدنيا ربيع؟!). النجاح جاء أيضًا بهذا التوافق اللاشعورى بين لحن «كمال الطويل» وكلمات «صلاح جاهين» وسحر صوت «سعاد حسنى»، الذي عبر عن حالة البهجة بهذا الرنين الخفى الذي يتسلل بنعومة للجمهور (الشجر الناشف بقى ورور/ والطير بقى لعبى ومتهور/ واحنا ح نصيف امتى امال/ دلوقتى ولا فى سبتمبر).. بينما «فريد» لا يزال صوته يحتل مساحته فى وجداننا وهو يقول (وغاب عنى/ لا طمنى /ولا قال امتى/ راح أشوفه /وأقول يمكن /ح يرحمنى /ويبعت للربيع طيفه)!.