المقامرة الإلكترونية أصبحت منتشرة فى كثير من الدول، وخاصة بين الفئات الأصغر سنا والتى تسعى للكسب السريع بصرف النظر عن التدليس والغش الواضح فى ألعاب القمار الإلكترونى، وهو ما تناولته الدراما المصرية خلال شهر رمضان ضمن مسلسل «منتهى الصلاحية». وانطلاقًا من ريادة دار الإفتاء المصرية فى مواجهة الظواهر السلبية التى تخالف العقيدة، والتى تستهدف هدم القيم، اهتمت دار الإفتاء بمواجهة هذه الظاهرة من خلال نشر العديد من الفتاوى التى توضح خطورة المقامرة الإلكترونية، والفخ الذى يقع فيه كثير من الشباب لتحقيق الكسب السريع. من جانبه أوضح الدكتور عمرو الوردانى، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية - قائلًا: «نحن أمام قضية خطيرة ومهمة، ترتَّب على انتشارها بعض حوادث القتل والانتحار، ووصلت إلى حدِّ الظاهرة التى تدفع الأفراد إلى الاستدانة بمبالغ كبيرة، وتسببت فى تفكُّك العديد من الأُسَر وتصدعات اجتماعية، ومع أن الفتاوى تؤكد تحريم هذه المقامرات، نجد بعض الأشخاص يبررون المشاركة فيها بحجة حرية التصرف فى أموالهم، وقد بلغ حجم الأموال المهدرة فى هذا المجال نحو مليار دولار». وطالب د.عمرو الوردانى بضرورة تحريم المقامرة الإلكترونية وتجريمها، ليس على مستوى مصر فقط، ولكن فى جميع الدول؛ حفاظًا على الشباب والأُسَر من التفكك والانهيار. الربح السريع من جانبه أشار الدكتور حسن الصغير -الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية- إلى ضرورة تدخل مؤسسات الدولة لمواجهة ظاهرة السعى وراء الربح السريع وغير المشروع، وأكد أن هذه الظاهرة تعتمد على استغلال الثقة بين الأفراد من خلال أنماط استثمار وهمية تتخذ أشكالًا متعددة، منها جمع أموال بحجة استثمارها فى الذهب أو مشاريع رقمية مربحة. وأضاف الصغير أنَّ هذه العمليات الاحتيالية امتدَّت إلى الأرياف، حيث يدفع البعض مبالغ مالية شهرية؛ طمعًا فى تحقيق أرباح سريعة، لكنهم يُفاجَئون بعد فترة باعتذار المسئولين عن الاستثمار بحجج واهية، قبل أن يختفوا تمامًا، تاركين الضحايا فى مواجهة خسائر مالية فادحة. وشدَّد الصغير على أهمية تعزيز الوعى المجتمعى، إلى جانب تفعيل الرقابة القانونية والتشريعية لمكافحة هذه الممارسات، التى تشكل نوعًا من «المقامرة الاقتصادية» المستترة. من جهته أشاد فضيلة الأستاذ الدكتور محمود حامد عثمان -عضو مجمع البحوث الإسلامية- بدَور فضيلة الدكتور نظير عيَّاد ودار الإفتاء المصرية فى مواجهة تلك الظواهر السلبية، مشيرًا إلى أن المال يُعد من مقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية، حيث اهتمت الشريعة بالمحافظة عليه من جوانب متعددة. وأكَّد أنَّ الشريعة الإسلامية حرَّمت كل ما يؤدى إلى هلاك المال، مثل الغش والربا والميسر، باعتبار أن الميسر «رجس من عمل الشيطان»، كما ورد فى القرآن الكريم. بل إن النبى صلى الله عليه وسلم اعتبر مجرد الدعوة إلى المقامرة ذنبًا يستوجب الكفَّارة بالصدقة. وأوضح عثمان أن المقامرة الإلكترونية تعد ظاهرة حديثة تحتاج إلى اجتهاد فقهى يتناول تفاصيلها. وأكد أن دار الإفتاء المصرية تمتلك القدرة العلمية على إصدار الأحكام الشرعية المناسبة، حيث أفتت بتحريم هذه المقامرات بشكل قطعى؛ لكونها تجرُّ إلى العديد من الكبائر، مثل: القتل، والانتحار، والسرقة. كما أشار د.حامد إلى أن العلماء القدامى تناولوا مصطلح «النوازل» منذ بداية تدوين الفقه الإسلامى، موضحًا أن العبرة فى دراسة النوازل ليست بمسمياتها، وإنما بالأثر المترتب عليها. وأضاف: إن المقامرة الإلكترونية، رغم ممارستها فى بيئة آمنة ظاهريًّا، إلا أنها تنطوى على مخاطر كبيرة. وأكد أنه لو عُرضت هذه المسألة على الفقهاء الظاهرية فى عصرهم، لكانوا على الأرجح قد أفتَوا بتحريمها. ولفت إلى أهمية تضافر الجهود بين الجهات الدينية، وعلماء النفس، والجهات الأمنية لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة. كما تطرَّق إلى منصة «Zen Accept» التى تشترط أن يكون المشترك أكبر من 18 عامًا، معتبرًا أن ذلك يعكس اهتمام بعض الدول الأجنبية بتجريم بعض الممارسات ليس من منطلق دينى، بل من باب تحقيق المصلحة العامة. وضرب مثالًا بتحريم استنساخ البشر فى تلك الدول نظرًا للمخاطر والمشكلات الكبيرة المترتبة عليه. فى ذات السياق، قال د. محمود حامد عثمان: إن النفس البشرية مجبولة على حب المال، وإن جميع الديانات السماوية تتفق على تحريم هذه الممارسات وتجريمها، استنادًا إلى القيم والمبادئ الإنسانية التى تتجاوز الاختلافات الدينية. وأوضح أن المقامرة وما شابهها قد تحقق بعض المصالح الوقتية، لكنها سرعان ما تتلاشى، تاركة وراءها أضرارًا ومفاسد تعود بالسوء على الأفراد والمجتمعات كافة. وأشار د. عثمان إلى ضرورة التحالف والتعاون بين مختلف المؤسسات، مشيدًا بالدور الذى تقوم به دار الإفتاء فى مواجهة هذه الظواهر السلبية. كما أوصى بضرورة تعزيز دَور وسائل الإعلام فى توعية المجتمع بمخاطر هذه الممارسات، لتضافر الجهود فى حماية القيم الإنسانية والاجتماعية، مؤكدًا على أن هذه الظاهرة ليست مجرد معصية صغيرة، بل تصل إلى مرتبة الكبائر بالنظر إلى ما تجره من أضرار جسيمة على الأفراد والمجتمع. خطوات مؤثرة من جانبه شكر اللواء راضى عبدالمعطى -عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة، رئيس جهاز حماية المستهلك السابق- فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد -مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم- على تفاعل دار الأفتاء مع قضايا المجتمع، مشيرًا إلى أنَّ دار الإفتاء تأخذ خطواتٍ مؤثرةً فى التفاعل مع كل الظواهر السلبية المؤثرة على المجتمع. وأوضح أنَّ المقامرة ظاهرة مدمِّرة للعقل والمال والنفس، وتؤدى إلى انتشار الجرائم بكل أنواعها، خاصة أنها تتمُّ بشكل منظَّم وتستخدم التقنيات الحديثة فى ارتكاب جرائم من الصعوبة اكتشافها، مشيرًا إلى أنه إذا كان المجرم خفيًّا، والتقنيات حديثةً، ويستخدم تقنيات غير تقليدية، فقد كان واجبًا على أجهزة وزارة الداخلية والشرطة ومباحث الإنترنت متابعة كل هذه الجرائم، سواء من ناحية الإجراءات الوقائية أو تتبُّع المنصات المحظورة وضبط مرتكبى هذه الجرائم واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها، مؤكدًا أنها تمثِّل تحديًا أمنيًّا كبيرًا أمام رجال الأمن. وأضاف اللواء راضى عبدالمعطى أنَّ هناك مقامرة واقعية والقانون يجرِّمها، لكنَّ الخطورة تكمن فى المقامرة الإلكترونية مُثمِّنًا تقديم بعض أعضاء مجلس النواب تشريعات لتجريم المقامرة الإلكترونية وتشديد العقوبة عليها. وقال إن المقامرة تخلِّف وراءها جرائم أخرى، مثل القتل والسرقة والانتحار، موضحًا أن لها أضرارًا اقتصادية واجتماعية وأمنية، وكل الظواهر السلبية الناتجة عن المقامرة ضارة بالمجتمع وثقافته وتقاليده وقِيَمه، وأن الشريعة الإسلامية تُجّرم هذا الأمر تجريمًا واضحًا، خاصة أن مصر دولة رائدة لها قِيَمها وتقاليدها المجتمعية ولا بدَّ أن نواجه الظاهرة بتشريع مستقلٍّ يضع العقوبات الرادعة التى تحدُّ من تفشِّى هذه الظاهرة. وحول أهم الأساليب المستخدمة لجذب الشباب لمسألة المقامرة قال: إن الجناة يستخدمون بعض الأشخاص التابعين لهم لجذب الأشخاص من خلال تأكيدهم على ربح مبالغ كبيرة، ثم يطلبون تحويل مبالغ أكبر، ثم يختفون تمامًا ويتم غلق المواقع والأرقام التى يتواصلون من خلالها، مشيرًا إلى أشخاص ارتكبوا جرائم لسداد ديونهم من المقامرة. وأضاف: علينا أن نستغلَّ هذه الندوة لنطلق حملة توعية من خلال منصة دار الإفتاء المصرية، مطالبًا فضيلة مفتى الجمهورية بإطلاق حملة للتوعية بمخاطر المقامرة الإلكترونية وأضرارها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية على المجتمع. كما أشار إلى أنَّ الجرائم المعلوماتية جرائم صعب اكتشافها، ولدينا تعاون مؤسَّسى بين كلِّ مؤسسات الدولة لمحاولة تتبُّع هذه الظاهرة، مطالبًا بضرورة التوعية والتنبُّه لخطر هذه الظاهرة؛ لكونها ظاهرة غير تقليدية مدمرة تستحقُّ التكاتف لوضع ضوابط بدءًا من التشريع إلى المواجهة الرسمية إلى تأسيس منظومة متكاملة لرفع الوعى بهذا الأمر. وأكَّد اللواء راضى عبدالمعطى أن وزارة الداخلية تنسِّق مع كل القطاعات الأمنية لمتابعة كل المواقع التى يتم التعامل عليها بشكل غير قانونى؛ لأن الظاهرة صعبة ولا بد أن يرتبط الدَّور التوعوى مع دَور المواجهة، مشيرًا إلى أنَّ هناك دَوْرًا مؤسسيًّا مطلوبًا من كل مؤسسات الدولة من خلال منصة موحدة لرفع الوعى المجتمعى بكل الظواهر المجتمعية السلبية المؤثرة، وفى مقدمتها المقامرة الإلكترونية. 1