أتابع بدهشة الغضبة العارمة التي فجرها عدد من الأطباء الشرعيين يتقدمهم الرئيس السابق للمصلحة بسبب (أشغال شقة جدا) المسلسل الكوميدى الذي جمع المشاهدين يوميًا، على وجبة شهية منعشة. مع الأسف حالة تتكرر مع كل عمل فنى يقدم أحد الشخصيات التي تنتمى إلى مهنة، حدث قبل بضع سنوات، قضية مماثلة فى نقابة الصحفيين بسبب شخصية المراسل الحربى التي أداها أحمد رزق فى فيلم (الممر)، بحجة أنه قد أهان الصحافة والصحفيين عندما قدمه رعديد على جبهة المواجهة مع العدو الإسرائيلى، الشخصيات تتواجد لهدف درامى، ولا يمكن إلزامها بمهمة أخرى. أصحاب المهن صاروا ينزعجون من الصورة الذهنية السلبية حتى لو كانت فى إطار ساخر، التي تقدم عنهم فى الدراما، مثل الأطباء والمرشدين السياحيين والمحامين والقضاة والبوابين والتمرجية والممرضات، هؤلاء وغيرهم كثيرًا ما تقدموا للنيابة بشكوى بما يلحقهم من ضرر، عندما يشاهدون أى مواقف سلبية من رشوة أو عنف يمارسها من ينتمى لنفس مهنتهم، يعتبرونها تحمل مباشرة قدرًا من الإساءة والتعريض بهم، ولكن ماذا لو - جدلا - قررت الدراما تقديم كل المهن بوجه وحيد إيجابى؟ النتيجة هى تقديم أعمال فنية مفتقدة الحياة، لن يراها أحد بمن فيهم أصحاب تلك المهنة. نخطئ فى كثير من أمور حياتنا عندما يفوتنا العمق الاستراتيجى، ولا تعنينا سوى اللحظة الراهنة، قد نكسب فى البداية نقاطا نتصور أنها لصالحنا، ولكننا مع استمرار الجولات نُهزم بالضربة القاضية. سبق أن تكرر هذا الموقف دراميًا أكثر من مرة، ربما كان أشهرها شخصية رئيس التحرير المثلى جنسيا (حاتم رشيد) التي قدمها خالد الصاوى فى فيلم (عمارة يعقوبيان)، الغريب أن العدوى انتقلت أيضًا للوسط الفنى، عدد من النجوم كانوا قد رفضوا تجسيدها على الشاشة خوفًا من أن تتحول إلى اتهام يلاحقهم طول العمر. الصحافة تؤازر دومًا حرية التعبير، وعندما يعترض أبناء مهنة ما على عمل فنى ويطالبون بالمصادرة تقف فورًا فى الخندق الآخر للدفاع عن الحرية. أكثر من انتقدوا ما يجرى فى الصحافة من سلبيات هم من كبار الصحفيين مثل شخصية (محفوظ عجب) فى مسلسل (دموع صاحبة الجلالة) كتبها موسى صبرى، بينما فتحى غانم فى رائعته (زينب والعرش) أشار لعشرات من السلبيات فى المهنة، لا أحد ولا مهنة على رأس من يمارسونها (ريشة)، الأطباء الشرعيون لهم وافر الاحترام، ولكن شىء من المرونة ينعش الحياة، (اضحك كركر وبعدين فكر)!.