جزء من الانتقادات التي تواجهها السينما كل يوم انتقاد أصحاب المهن والحرف لتصويرهم علي الشاشة بصورة لا تعجبهم، إذا صورت السينما محاميًا أو طبيبًا أو مدرسًا بصورة سلبية تصاعدت احتجاجات المحامين والأطباء والمدرسين علي صناع الفيلم متهمين إياهم بتشويه صورة المهنة التي ينتمون إليها، بعض المهن الحساسة لا توافق الرقابة علي تصوير شخصياتها أساساً إلا بعد عرض سيناريو الفيلم علي الجهة نفسها مثل وزارة الداخلية أو المخابرات أو الجيش، وهناك مهن يصعب التشكيك في نزاهتها حتي لو بصورة خيالية علي شاشة السينما مثل الرئاسة أو القضاء، هناك حالات ظهرت فيها نماذج لشخصيات فاسدة في مهن معينة لكن صناع الفيلم حرصوا علي تقديم نماذج إيجابية حتي لا يتم اتهامهم بالتعميم، لم يحدث هذا في فيلم «بالألوان الطبيعية» لذا تصاعد الهجوم ضده بعد عرضه، وقد سببت الحملة التي تصاعدت ضد الفيلم قدرًا من الدهشة بسبب أن الاحتجاج يأتي من أهل الفن الذين يفترض فيهم الأفق الواسع الذي يتقبل النقد والاختلاف في الرأي، مشكلة احتجاج طلبة وأساتذة الفنون الجميلة علي تريلر الفيلم أنهم وضعوا أنفسهم في نفس خندق أصحاب المهن غير الفنية الذين يخلطون بين عمل درامي خيالي يصور شخصية سلبية وبين اتخاذ موقف سلبي من مهنة بأكملها، وهو أمر غير منطقي علي الإطلاق، وإذا كان أصحاب المهن التي تحظي باحترام في المجتمع مثل المهندس والطبيب يرون أن السينما تهينهم حينما تتناول ضمن أحداثها مهندسًا مرتشيًا أو طبيبًا يستغل آلام المرضي من أجل الثراء فإن انتقال هذا المفهوم إلي من يتعاملون مع الفن يحمل خطورة تكريس اتخاذ مواقف متسرعة ثم التفكير فيما بعد، وهو صورة لنفس ما حدث بعد مباراة منتخب مصر والجزائر في السودان، فقد تصاعد الغضب سريعاً إلي استنتاجات وتخمينات وسيناريوهات خيالية عن مؤامرة دولة عربية ضد الجمهور المصري، وبنفس السيناريو غضب طلبة الفنون الجميلة وأساتذتها من تريلر فيلم سينمائي لا يمكن الحكم من خلاله علي أفكار صناعه، وقد وصل الموقف الغاضب من التريلر إلي الدعوة لمقاطعة الفيلم وعدم مشاهدته، وحاول البعض أن يكون قاسياً وألا يكتفي ببعض الجروبات علي الفيس تدعو لمقاطعة الفيلم، فقام بعض طلبة الفنون بمهاجمة السينما والإعلام واتهامهما بأنهما نتاج ميديا قذرة - علي حسب وصف بعض البوسترات التي صنعها بعض طلبة الفنون - وصورت الإعلام علي أنه رجل سكير وصورت الفيلم علي أنه جزء من هذه المنظومة، وفي بوستر آخر علي أنها مقلب قمامة يتوسطه تليفزيون يعرض صورة من فيلم (بالألوان الطبيعية)، وهنا نحن أمام حالة يرثي لها من التعامل مع الفكر المختلف حتي بين أهل الفن أنفسهم. لقد «كبرت» الصحافة دماغها من تشويه صورة الصحفي في العديد من المسلسلات والأفلام التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة رغم وضوح سوء نية البعض في إظهار الصحافة الخاصة علي أنها صحافة المصالح الخاصة وتتلون مواقف القائمين عليها بناء علي مصالحهم الشخصية والمادية، ولكن توقف كثير من الصحفيين عند جهل كتاب الدراما بأصول العمل الصحفي في أبسط صورها، ومازالت صورة الصحفي أو الصحفية الذي يذهب بمقاله إلي المطبعة بمثابة نكتة بالنسبة لأي صحفي يعرف أن خطوات تحرير المقال ووصوله إلي المطبعة تختلف عن تلك التي تظهرها الدراما، وكان الأولي بمن نادوا بمقاطعة فيلم (بالألوان الطبيعية) مشاهدته ومناقشة أفكاره وحتي رفضها، ومن المؤكد أن الأفكار التي يطرحها الفيلم شيء وطريقة تصوير الفيلم لكواليس كلية الفنون الجميلة شيء آخر، فحرية أفكار المؤلف مطلقة وتخضع للمناقشة والجدل، فالأفكار لا تفرض علي أحد، ولكن يمكن ملاحظة أن السينما لطالما جسدت الفنان التشكيلي والرسام علي أنه شخص غريب الأطوار أقرب للمجنون، وأصبحت تلك الصورة جزءًا من نمطية التعامل مع مهنة الرسام الذي يظهر بلحية وبايب ويتكلم أي كلام معقد ويتعالي علي الآخرين لأنهم لا يفهمون لوحاته لأنها لا تصور شيئاً مفهوماً، وهناك استخدام نمطي خاطئ لكلمة فن سيريالي علي اللوحات التجريدية علي سبيل المثال، رغم أنهما مدرستان مختلفتان في الفن تماماً، ولا يخلو فيلم (بالألوان الطبيعية) من عدم دقة تصوير كواليس قسم الديكور الذي ظهر بالفيلم رغم اجتهاده في إظهار هذه التفاصيل، لكن الذي ظهر في الفيلم خليط من قسم التصوير والديكور، وظهر القسم بتفاصيله غير معاصر للتكنولوجيا الموجودة، نري في مشهد بالفيلم حينما قامت المعيدة بجمع كل المراجع التي تصور الكوميديا الإلهية لدانتي مثلاً وحجبتها عن طلبة القسم لصالح طالب بعينه، رغم أن طالب الفنون الجميلة المعاصر لا يحتاج بشدة إلي اقتناء كل المراجع في ظل انتشار الإنترنت، في العديد من الأفلام الأخري لا نري دقة في التعامل مع تفاصيل مهنة معينة، وهي أمور قد يقف عندها صاحب المهنة لتصحيح تفاصيلها، ولكنه حينما يقف أمام تصوير أشخاصها سلباً أو إيجابا فإنه يعبر عن ضيق أفق لا يليق بفنان.