بنسق هجومى كاسح، تمكن الجيش السودانى من طرد قوات الدعم السريع من أغلب المناطق التى سيطرت عليها فى العاصمة الخرطوم منذ 2023، وهو ما خلق واقعًا جديدًا يدعم مكاسب الجيش المهمة التى حققها خلال الأسابيع القليلة الماضية. التطورات الميدانية والقصف المدفعى والجوى على مواقع قوات الدعم السريع وسط وشرق العاصمة الخرطوم، تتزامن مع وصول «قوات درع السودان» المساندة للجيش، إلى المدخل الشرقى لجسر سوبا الرابط بين شرق وغرب العاصمة.
وكانت المعارك قد احتدمت فى أكثر من محور داخل العاصمة، خاصة محيط جسر سوبا جنوب شرقى الخرطوم، الذى يعد واحدًا من ثلاثة جسور فقط تبقت لها فى العاصمة، إثر هجوم الجيش المفاجئ. وما زالت قوات الجيش تفرض حصارًا منذ أسابيع على منطقة وسط الخرطوم، حيث تحتمى وتتحصن قوات الدعم السريع فى محيط القصر الجمهورى. وكانت قوات الجيش قد واصلت عملياتها الخاصة فى المحور الغربى لأم درمان، بأحياء المربعات والنخيل، وتمكنت من إجلاء عشرات الأسر التى ظلت عالقة فى مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. أتت تلك التطورات الميدانية بعد عملية فك الحصار عن مدينتى القِطينة بولاية النيل الأبيض ومدينة الأُبيّض عاصمة ولاية شمال كردفان غرب البلاد من قبل الجيش. وكان الجيش قد سجل مكاسب مهمة خلال الفترة الماضية، وتقدم مؤخرًا من أجل السيطرة على القصر الجمهورى فى الخرطوم، ما عكس مسار الحرب التى خلفت عشرات الآلاف من القتلى. ويأتى هذا التطور مع تقدم الجيش فى عدة محاور بمدينة الخرطوم ومنطقة شرق النيل بمدينة بحرى التى تعد معقلًا رئيسيًا لقوات الدعم السريع بالمدينة. وكان الجيش قد استعاد منذ أيام السيطرة على مدينة القطينة جنوبالخرطوم، وتقدم باتجاه منطقة جبل أولياء التى تعد مدخل الخرطوم من الناحية الجنوبيةالغربية، والتى تسيطر عليها قوات الدعم السريع. قاعدة روسية بحرية فى السياق ذاته وعلى وقع الانتصارات المتتالية وقع السودان اتفاقًا مع روسيا لإنشاء قاعدة عسكرية فى مدينة بورتسودان على البحر الأحمر، وسط مخاوف من بعض الدول من تمدد روسيا على البحر الأحمر وفى الداخل السودانى. تم الإعلان عن القاعدة من موسكو، خلال مؤتمر صحفى جمع وزير الخارجية السودانى، على يوسف، ونظيره الروسى، سيرغى لافروف. وقال يوسف إن السودان وروسيا توصلا إلى تفاهم بشأن الاتفاقية الخاصة بإقامة القاعدة البحرية الروسية. وأضاف: «متفقون تمامًا فى هذا الموضوع، ولا توجد أى عقبات.. لا توجد عقبات، نحن متفقون تمامًا»، وتابع: «توصلنا إلى تفاهم متبادل بشأن القضية، وبالتالى فإن المسألة بسيطة للغاية، ليس لدىَّ ما أضيفه. لقد اتفقنا على كل شيء»، دون تفاصيل. ولم يحظَ الإعلان بردود فعل كثيفة كما فى السابق من القوى السياسية السودانية، إلا أن الحزب الشيوعى المعارض أعلن فى بيان رفضه للاتفاقية، قائلًا: إن إبرامها فى ظل الانقسام السياسى والصراع العسكرى فى السودان، يفتقر إلى أى شرعية قانونية أو شعبية. وأضاف أن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية على الأراضى السودانية يُعد انتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية، ويفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية التى تهدد وحدة السودان وتجره إلى صراعات دولية لا مصلحة له فيها. كما علّق رئيس الحركة الشعبية -التيار الثورى، ياسر عرمان، بقوله إن «السودان اليوم بحاجة إلى سلام عادل ومشروع وطنى جديد، ولا يحتاج إلى بناء قواعد أجنبية على أراضيه». وتقع القاعدة فى ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، مما يمنحها موقعًا استراتيجيًا للوصول إلى المحيط الهندى والبحر الأحمر، وتضم القاعدة منشآت لوجيستية لدعم العمليات البحرية، بما فى ذلك مرافق للإمداد بالوقود، الصيانة، والإصلاحات. كما تم تصميم المرافق لاستيعاب السفن الحربية الروسية، بما فى ذلك السفن النووية. كما تشمل القاعدة منشآت لوجيستية، مثل مرافق لإمداد السفن بالوقود، والصيانة، والإصلاحات، بالإضافة إلى مخازن للأسلحة والذخائر. ويمكن للقاعدة دعم ما يصل إلى أربع سفن حربية فى الوقت نفسه، بما فى ذلك الغواصات النووية، فضلًا عن استيعاب الطائرات بدون طيار والمروحيات لتقديم الدعم الجوى. وتشمل القاعدة بنية تحتية متطورة لدعم العمليات البحرية والجوية، مع مرافق للاتصالات والمراقبة المتقدمة. ويقول محللون إن الاتفاق مع روسيا يحقق للسودان هدفين، الأول، الحصول على أسلحة روسية متنوعة وكثيرة تساعد فى إعادة بناء الجيش السودانى من جديد بعد الحرب التى يخوضها حاليًا ضد قوات الدعم السريع، أما الملف الثانى، فيتعلق بضمان دعم روسيا للسودان فى ملف العقوبات أمام مجلس الأمن. نزوح جماعى وأسفرت الحرب المستمرة منذ نحو عامين بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التى يتزعمها محمد حمدان دقلو، عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون سودانى داخل البلاد وخارجها، وتسببت فى أسوأ أزمة جوع فى العالم. وأُعلنت المجاعة فى 3 مخيمات للنازحين فى إقليم دارفور، وأجزاء من جبال النوبة (جنوبًا)، بينما يتوقع أن تنتشر المجاعة فى 5 مناطق أخرى بحلول مايو المقبل، بحسب تقييم مدعوم من الأممالمتحدة. ومنذ اندلاع الحرب فى البلاد أبريل 2023 تسيطر «قوات الدعم السريع» بالكامل على مدينة الخرطوم، بما فى ذلك المواقع العسكرية والسيادية، وتحاصر مقر القيادة العامة للجيش الواقع شرق المدينة. واندلعت اشتباكات وقصف عنيف عندما حاولت قوات من الجيش عبور جسور فوق نهر النيل تربط المدن الثلاث المتجاورة التى تشكل منطقة العاصمة الكبرى، وهى الخرطوموأم درمان وبحرى. والجسور الثلاثة التى تركز حولها القصف هى «الفتيحاب» و«النيل الأبيض» و«الحلفايا». جسر سوبا ويقع جسر سوبا على النيل الأزرق جنوبى العاصمة الخرطوم، ويربط بين منطقتى سوبا «شرق وغرب»، وبين الخرطوم وشرق النيل، ويبلغ طول الجسم الخرسانى للجسر 571 مترًا، فى حين يبلغ عرضه 27 مترًا ب3 مسارات فى كل اتجاه. وبدأ إنشاء الجسر فى ديسمبر 2012، وتم تشغيله فى يوليو 2017، وبلغت تكلفة إنشائه 40 مليون دولار. وأطلق الجيش فى 26 سبتمبر الماضى عملية عسكرية واسعة فى مدن ولاية الخرطوم الثلاث عبر جسور النيل الأبيض والفتيحاب والحلفايا نحو أهداف قوات الدعم السريع، وسيطر على مواقع مهمة وسط الخرطوم، فى تحول بارز. وتربط 10 جسور رئيسية بين مدن العاصمة السودانية الثلاث -الخرطوموأم درمانوالخرطوم بحري- على النيلين الأزرق والأبيض ونهر النيل. وترتبط الخرطوم مع شرق النيل بجسرى سوبا والمنشية اللذين كانت تسيطر عليهما قوات الدعم السريع، كما ترتبط مع الخرطوم بحرى بجسور النيل الأزرق والقوات المسلحة «كوبر» و«المك نمر». وتفصل الخرطوم عن أم درمان جسور النيل الأبيض والفتيحاب وجبل أولياء، فى حين ترتبط الخرطوم بحرى مع أم درمان بجسرى الحلفايا وشمبات. ويأتى التقدم الجديد للجيش السودانى فى سياق نسقه الهجومى المتواصل منذ مدة، والذى حقق بمقتضاه مكاسب ميدانية وانتزع مساحات واسعة فى الوسط والجنوب على حساب قوات الدعم السريع.