رغم اشتعال الأزمات العالمية، فإن الجماعات والتنظيمات الإرهابية لا تزال تحاول جاهدة أن تجد لنفسها فرصة للظهور على الساحة من جديد ونشر أيديولوجياتها المتطرفة، وهو ما حذر منه مرصد الأزهر الشريف من خلال دراسات تحليلية جديدة أكدت أنه رغم حالة الضعف التى يمر بها تنظيم داعش الإرهابى فى وقتنا الحالى بسبب الهزائم التى تعرض لها وفقدانه كثيرًا من قادته بفاصل زمنى قصير، بالإضافة للملاحقات الأمنية لأفراده، إلا أن عملية تهريب نزلاء ينتمون للتنظيم من سجن «كوتوكالي» الذى يبعد 40 كيلومترًا من العاصمة «نيامي» بالنيجر، فى يوليو المنصرم وما تلاها من عمليات مشابهة، يدل على قدرة التنظيم على القيام بعمليات نوعية ضمن استراتيجية «هدم الأسوار»، التى تعنى «اقتحام السجون وتهريب عناصر التنظيم المحتجزة فيها»، وهى واحدة من الأمور المهمة التى يعوّل عليها التنظيم. وتابع المرصد أنه بنظرة تاريخية فإن اقتحام داعش للسجون وتحرير عناصره الإرهابية ليست استراتيجية جديدة عليه، بل قديمة أطلق عليها فى خطابه الإعلامى اسم «هدم الأسوار». وقد ورث داعش هذه الاستراتيجية عن سلفه تنظيم القاعدة فى العراق، إذ كان «الزرقاوى» يولى اهتمامًا كبيرًا لتحرير السجناء. وقد استمر هذا الاهتمام متصاعدًا عبر مراحل تطور مختلفة، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من خطط التنظيم. ولا تكاد تخلو كلمة من كلمات متحدثيه الإعلاميين من الإشارة إلى أهمية اقتحام السجون. ويعود أول تطبيق عملى لاستراتيجية «هدم الأسوار» إلى عام 2004 بمحاولة «أبو أنس الشامى» استهداف سجن أبو غريب. ورغم أن هذه المحاولة لم تكلل بالنجاح المرجو للتنظيم، إلا أنها شكلت نقطة تحول فى توجهاته. وقال مرصد الأزهر فى تقريره إنه بالنظر إلى دوافع هدم الأسوار عند داعش فتتلخص فى استعادة النفوذ وتعزيز المكانة، وذلك من خلال التعويل على الاقتحامات السابقة يستلهم التنظيم قدرته على تحرير أعداد كبيرة من عناصره القابعة فى السجون، حيث يسعى التنظيم إلى تعويض الخسائر البشرية التى لحقت به فى المعارك عن طريق تحرير العناصر المسجونة وضمها مرة أخرى. بناء القوة القتالية وإعادة الهيكلة. كما يسعى التنظيم، وفق رؤية الأزهر، إلى تعزيز الصورة القتالية كقوة قادرة على حماية عناصره وتحرير المعتقل منهم، كما يهدف التنظيم بعمليات الاقتحام إلى إحراج التنظيمات المتطرفة الأخرى التى تتبع أساليب تفاوضية، وإظهار تفوقه عليها وتجنيد المزيد من الأنصار حيث يستخدم التنظيم قدرته على تحرير أتباعه من السجون والمعتقلات كأداة للترويج لأفكاره وجذب المزيد من الأنصار، لا سيما من عناصر التنظيمات الأخرى التى لا تسعى إلى تهريب عناصرها المسجونة. أضاف مرصد الأزهر أن داعش يستند فى استراتيجية هدم الأسوار على جملة من الآليات، أهمها التنقيب عن نقاط الضعف وتكوين خلايا نائمة داخل السجون واستغلال التكنولوجيا الحديثة والتحريض وخطابات الكراهية؛ حيث يستخدم داعش وسائل الإعلام غير التقليدى لنشر الدعاية وتوجيه رسائل تحريضية لعناصره داخل السجون، بهدف تشجيعهم على الهروب. واستطرد قائلاً: «تأسيسًا على ما سبق، تطرح هذه الاستراتيجية الداعشية كثيرًا من التحديات أمام الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب منها تعقيد المشهد الأمنى، حيث تزيد عمليات اقتحام السجون من تعقيد المشهد الأمنى، وتصعّب تتبع تحركات عناصر التنظيم وتوقيفهم. وزيادة خطر الهجمات الإرهابية حيث يزيد نجاح عمليات تهريب المسجونين من خطر تعرض الدول والمجتمعات لهجمات إرهابية جديدة وصعوبة إعادة تأهيل السجناء المحررين». وختامًا يؤكد المرصد أن اقتحام السجون بالنسبة لداعش ليس مجرد عملية إنقاذ أو تحرير لبعض عناصره، بل هو جزء من استراتيجية تهدف لاستعادة النفوذ والتوسع الجغرافى وتعزيز مكانة التنظيم على الخريطة الأمنية فى العالم. وتتسم هذه الاستراتيجية بارتفاع درجة خطورتها، نظرًا لارتباطها بعناصر إرهابية مدربة، وتخطيط مسبق، ووجود دوافع انتقامية، ما قد يشكل تهديدًا مستقبليًّا للأمن والاستقرار. التطرف والتيك توك فى سياق متصل حذر مرصد الأزهر من خلال دراسة أعدتها وحدة الرصد الإسبانية بالمرصد من تصاعد استخدام تيك توك فى نشر الأيديولوجيات المتطرفة لداعش، وقال الأزهر إن صعود «تيك توك» إلى مكانته البارزة بين منصات التواصل الاجتماعى، جعله بمثابة جسر بين أفكارٍ شديدة التباين، جسر يمكن أن يحوّل لحظات من الترفيه إلى لحظات مشحونة بالكراهية والعنف، وكأن الكلمات والرموز الصغيرة التى تمر أمام أعيننا تتوارى خلفها أجندات تخريبية. واستطرد: لقد بات تنظيم «داعش - خراسان» وحركة «طالبان» ينسجان خيوط خطاباتهما المتطرفة، ليجعلا من هذه المنصة ساحة لبث أفكار مشوهة تهدف إلى تجنيد العقول الشابة. لا تقتصر رسائلهما على إشعال نيران العنف فحسب، بل تسعى إلى تغذية ثقافة الكراهية، وتفتح أمام العقول المتسائلة أبواب الجهل والتطرف. بهذا يتحول «تيك توك» من مجرد أداة للتسلية إلى وسيلة خطيرة لتمرير أيديولوجيات مدمرة، تشكل تهديدًا حقيقيًّا للسلام الاجتماعى والإنساني. وفى هذا الفضاء الرقمى الذى لا حدود له، تنشط على «تيك توك» مجموعتان رئيسيتان فى نشر المحتوى الجهادى، تحمل كل واحدة منهما راية فكرية متطرفة تحاول اجتذاب العقول الشابة، فتنشطان بلا هوادة فى نشر رسائلهما المسمومة. من جهة، نجد مؤيدى «داعش - خراسان» الذين يبثون دعوات للقتال والنضال الجهادى، ومن جهة أخرى، أتباع حركة «طالبان» الذين يواصلون استغلال المنصة نفسها لنشر خطابهم المتشدد. وأوضح مرصد الأزهر أنه فى هذا السياق، لا تقتصر رسائل هذه الجماعات على مقاطع فيديو تحث على العنف، بل تمتد إلى محاضرات وأفكار دموية تروج لمفاهيمهم التى تزدرى الحياة المدنية وتنكر قيم الإنسانية. وقال: «إنه فى هذا المشهد المظلم، يظهر أتباع حركة طالبان كأحد الفاعلين الرئيسيين الذين حاولوا استغلال منصات مثل تيك توك لنشر أفكارهم الجهادية، من خلال بعض الحسابات ومنها التي تنشر بشكل مستمر مقاطع فيديو تحث النساء على تبنى أيديولوجية قتالية، داعية إياهن إلى تربية الأبناء على فكر العنف والقتل بدلًا من الانشغال بما هو يومى أو طبيعى».. لافتا إلى أن هذه الدعوات ليست مجرد كلمات، بل هى بمثابة قنابل فكرية تهدف إلى تفجير الأدمغة وتحويلها إلى قوى محرضة على العنف، وتسهم فى إعادة صياغة الواقع وفقًا لمفاهيم تتجاوز كل حدود الإنسانية. ورغم السياسات الصارمة التى تعتمدها تيك توك لمكافحة المحتوى المتطرف، فإن تعقيدات الشبكات الاجتماعية والخوارزميات المستخدمة تظهر حدودًا فى قدرتها على منع نشر بعض المحتويات المتطرفة، خاصة فى سياقات مثل أفغانستان. وأكد أن «تيك توك» أحد أبرز الأمثلة على استغلال التقنيات الحديثة فى نشر التطرف والإرهاب، فى وقت يصبح فيه الإنترنت ساحة مفتوحة لصراعات فكرية تتجاوز الحدود الجغرافية. وقد تتعدد الحلول والآراء حول كيفية مواجهة هذه الظاهرة. ويرى مرصد الأزهر أن ما بات مؤكدًا اليوم هو أن الفضاء الرقمى أصبح ساحة جديدة للمعركة الفكرية بين الأيديولوجيات المتطرفة والمجتمعات التى تسعى للحفاظ على قيم التسامح والسلام، وأنه رغم الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة، فإننا نعيش فى عالم رقمى سريع التطور، ما يجعل من الضرورى تعزيز التعاون بين الحكومات ومنصات التواصل الاجتماعى لضمان أمان المستخدمين وحمايتهم من تأثيرات الفكر المتطرف. وشدد على أن محاربة هذه الظاهرة لا تتطلب إجراءات رقابية صارمة فحسب، بل إنها تحتاج كذلك إلى استراتيجيات فاعلة للتعليم والتوعية، تحصّن الشباب من الوقوع فى فخ الأيديولوجيات المدمرة وتدعمهم بقيم التسامح والتعايش السلمى، فى عالم يزداد فيه التعقيد الرقمى والتحديات الأمنية.