تحولت العاصمة السورية دمشق الأسبوع الماضى إلى مزار سياسى تجَمَّع فيه عدد من الوفود الدولية، كان أبرزها وفد مجلس التعاون الخليجى الذى استجاب لدعوة الإدارة الأمريكية إلى إظهار قدر أكبر من المرونة والتحاور والتفاهم والتعاون مع الإدارة السورية الجديدة، بعد أن قدّمت واشنطن ضمانات لدول الخليج بأن يتم التأسيس للتحول إلى حكم مدنى فى سوريا، وحل كل الفصائل المسلحة التى سبق تصنيفها بالإرهاب. وحملت زيارة وفد مجلس التعاون الكثير من الدعم والطمأنة للإدارة السورية الجديدة المدعومة أمريكيًا وتركيًا وقطريًا، وفى تطور لافت واستجابة سريعة من دمشق أبدَى رئيس الإدارة السورية أحمد الشرع الذى كان يُعرف بأبى محمد الجولانى تطلعه فى حديث أجرته معه قناة العربية إلى زيارة العاصمة السعودية الرياض التى عاش فيها جزءًا من طفولته المبكرة، كما أعلن وزير خارجيته، أسعد حسن الشيبانى فى مؤتمر صحفى بالعاصمة السورية دمشق مع نظيره الكويتى عبدالله اليحيا عن تلقيه دعوة رسمية لزيارة المملكة العربية السعودية فى الأسبوع الأول من العام 2025، وأكد أن الزيارة تحمل رسالة حب ومودة وإعادة سوريا لدورها العربى.. موضحًا أنه سيستمع لكلمات المملكة وسيعمل على تسريع خطوات النهوض ببلاده. تدرك دول الخليج أنها أمام فرصة هائلة لتعزيز دورها فى مستقبل سوريا بعد زوال نظام بشار الأسد وخروج سوريا من العباءة الإيرانية، كما تثق دول الخليج فى قدرتها على توجيه وتصويب الإدارة السورية الجديدة من أجل حماية مصالحها واستعادة تواجدها فى الداخل السورى من خلال تأثيرها الاقتصادى والسياسى لتحقيق الاستقرار فى المنطقة. وترى دول الخليج أنه لا يجب أن تُترك سورية الجديدة أسيرة لحسابات اللاعب التركى ولا أن يستفرد أردوغان بالمشهد السورى وهو ما قد يؤدى إلى تنشيط المزيد من المحاذير المتعلقة بالإسلام السياسى والإخوان المسلمين من جهة بعض الأنظمة العربية، وضغطت المملكة العربية السعودية لكى يتوجه وفد باسْم مجلس التعاون الخليجى إلى دمشق ويلتزم بمساعدة مؤسّساتها الجديدة، الأمر الذى يُظهر أن الرياض تمارس أقصى درجات الانفتاح على الثورة السورية، وبذلك تكون الرياض قد بدلت موقعها التحفّظى فى لقاء العقبة التشاورى. ومن المنتظر أن يقود الرئيس دونالد ترامب بعد تسلمه السُّلطة فى يناير الجارى تحالفًا يضم دول الخليج وتركيا لجمع الأموال اللازمة لإعادة إعمار سوريا ودعم الحكم الانتقالى، مع تطمينات طلبتها دول الخليج بضرورة ربط هذه المساعدات بشروط واضحة تضمن الاستقرار وعملية سياسية شاملة لبناء مستقبل أفضل للسوريين، وهذا يمنح الولاياتالمتحدة وحلفاءها فى الخليج الفرصة للتأثير بشكل إيجابى على العملية السياسية الجديدة فى البلاد، وضمان أى تغييرات ضرورية من جانب القيادة السورية الجديدة إذا انحرفت عن المسار. وفى محاولة لاستكشاف الأوضاع الجديدة فى سوريا أرسلت دول الخليج وفودًا سياسية رفيعة المستوى إلى العاصمة السورية دمشق، فى محاولة لاستكشاف هوية الحكم الجديد ومحاولة الوقوف عن قرب وكشف حالة الغموض والفوضى التى تخيم على الأوضاع فى سوريا، إذ التقى وفد سعودى برئاسة مستشار فى الديوان الملكى بأحمد الشرع، القائد العام للإدارة السورية الجديدة فى قصر الشعب، وركزت المحادثات السعودية على الوضع فى سوريا والقضاء على الكبتاجون وغيرهما من الموضوعات. حالة الغموض التى تحيط بمستقبل سوريا بعد سقوط بشار الأسد تجعل دول الخليج تتساءل عن طبيعة النظام الذى سيخلفه، وتخشى من أن تعيد الدول الإقليمية المحيطة بسوريا تجنيد فصائل مسلحة من أجل إعادة تثبيت موطئ قدم لها وإيجاد نقطة نفوذ والاستيلاء على مناطق عازلة على طول الحدود، وتمثل حالة الفوضى السمة الأبرز لسوريا بعد نهاية حقبة بشار الأسد، والتى بالتأكيد سترشح منها الكثير من الأحداث التى ستؤدى إلى الفوضى والانقسام بين مجمل القوَى التى تصدرت المشهد السياسى والأمنى بعد 8 ديسمبر، كما أن الأزمة الاقتصادية التى أخذت بالاتساع شيئًا فشيئًا سيكون لها تأثيرها السلبى على الأوضاع الاجتماعية، وتعمق الانقسام الداخلى بين مكونات الشعب السورى، ما يعنى أن الأمور مرشحة للتصعيد أكثر من ذهابها إلى الاستقرار. ومن المحتمل أن تطال الأزمة الاقتصادية أكثر من 70 فى المئة من سكان البلاد الذين يعيشون حالة فقر مدقع حاليًا؛ فهناك نحو 25 فى المئة من سكان سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائى وعدم توافر الخدمات الرئيسية للعيش البشرى. من الناحية الواقعية وحسب ما أعلن المجتمع الدولى حتى اللحظة؛ فإن هيئة تحرير الشام تبقى منظمة متهمة بالإرهاب وذات موارد محدودة، بالإضافة إلى أن الحكم فى سوريا معاقب دوليًا، ولذلك سيصعب ملؤه؛ خصوصًا بعد حكم دام لأكثر من خمسين عامًا. من جهة أخرى؛ فإن إيران أعلنت قطع شحنات النفط التى كانت توردها إلى سوريا والتى تعد بالغة الأهمية لتوليد الطاقة الكهربائية فيها. بالإضافة إلى أن ملف اللاجئين لا يزال معلقًا بالرغم من رحيل النظام السورى، ولن يتمكن اللاجئون السوريون الذين فرحوا بسقوط النظام من العودة إلى منازلهم إذا انهار القانون والنظام أو إذا لم يتمكنوا من إيجاد سُبُل لدعم عوائلهم الموجودة فى سوريا. وسبق لدول الخليج أن أعلنت منذ سقوط نظام بشار الأسد، فى 8 ديسمبر الماضى، وقوفها إلى جانب الشعب السورى وخياراته، وأكدت وزارة الخارجية السعودية، فى بيان، وقوف المملكة إلى جانب الشعب السورى وخياراته فى هذه المرحلة المفصلية من تاريخ البلاد، مطالبة المجتمع الدولى بالوقوف إلى جانب السوريين، وعدم التدخل فى شئون بلادهم الداخلية. ودعت السعودية إلى تضافر الجهود للحفاظ على وحدة سوريا وتلاحم شعبها بما يحميها من الانزلاق نحو «الفوضى والانقسام»، مؤكدة دعم كل ما من شأنه تحقيق أمن سوريا الشقيقة واستقرارها بما يصون سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها.