بعد عام من الدماء والدمار، بعد آلاف الشهداء والضحايا من العرب، ماذا حصدت إسرائيل فى حروبها مع أذرع إيران؟، وماذا تحقق لها فى غزة وأخيرا فى لبنان؟، هل تم القضاء على حماس وعاد المختطفون، هل تراجعت قوة حزب الله، وعاد سكان الشمال إلى بيوتهم؟ هل تمكن نتنياهو من جر أمريكا لحرب مباشرة مع إيران؟ الإجابات لا تستدعى أى جهد، فالحصاد مطروح عبر الشاشات وفى كل التحليلات وسط ركام الأخبار العاجلة التى تلاحقنا طوال عام كامل، 12 شهرا يتجرع فيها أهالى قطاع غزة كل أشكال القهر والذل والرعب والألم، وفى الشهر الأخير شاركهم الشعب اللبنانى مجبرا نفس المشاعر، فى ظل «الإسناد» الذى اخترعه حزب الله تحت شعار «وحدة الساحات» فى مواجهة العدو الصهيونى، فانقلب إلى توحد فى الدمار والهلاك. البطة العرجاء استغل نتنياهو مناخ التخبط الذى أحدثته انتخابات الرئاسة الأمريكية، والذى زاده الانسحاب المفاجئ للرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن من سباق المنافسة بعدما أسقطه غريمه دونالد ترامب بالضربة القاضية فى مناظرة شهيرة جرت بينهما نهاية يونيو الماضى. وبعيدا عن المناظرة ونتيجتها وخروج بايدن من المنافسة، فإن «البطة العرجاء»، الوصف الذى يطلق على الرئيس الأمريكى المنتهى ولايته خلال الشهور التى تسبق خروجه من البيت الأبيض والتى تكون الانتخابات الرئاسية قد أجريت وحسم أمرها، كان فى حالة بايدن وصفا مستحقا طوال العام، عكس عجزه منذ أن وقع «طوفان الأقصى»، فظهر مرتبكا غير قادر على اتحاذ القرارات الحاسمة، يلهث وراء نتنياهو مؤيدا وداعما بسخاء غير مسبوق، ثم يهرول لشعبه مدعيا مواقف عكسية مطلقا خطة لوقف إطلاق النار وحل الدولتين، فى تناقض مستمر وارتباك غير مسبوق من الولاياتالمتحدةالأمريكية فى تعاملها مع الصراع العربى - الإسرائيلى. وهو ما سهل مهمة نتنياهو الذى امتطى الإدارة الأمريكية وساقها وفرض عليها إرادته ونفذ خطته وفق تصوره لإدارة الحرب. لبنان وتصاعد المواجهة فيما اشتعلت المواجهات الإيرانية- الإسرائيلية خلال الشهر الأخير من عام الطوفان، بعد التصعيد الكبير على الجبهة اللبنانية، والذى خرج عن إطار ما سمى ب«قواعد الاشتباك» التى التزم بها طرفا الصراع على الجبهة الشمالية لإسرائيل معظم شهور العام. وكانت الأمور قد انفلتت عقب تفجيرات «البيجر واللاسلكى» والتوسع فى عمليات الاغتيال السياسى لعناصر «قادة الرضوان»، والإغارة على الضاحية الجنوبية لبيروت أحد معاقل حزب الله، واغتيال حسن نصر الله الأمين العام للحزب، لتصبح حربا مفتوحة اتسعت فيها رقعة القتال، خاصة مع تخلى إيران عن صبرها الاستراتيجى وتوجيه موجة قوية من صواريخها الباليستية على مدن إسرائيلية فى غرة أكتوبر الجارى، «ثلاثاء الرد المتأخر» على إهانة اغتيال إسماعيل هنية فى قلب العاصمة الإيرانيةطهران الذى أضيف عليه أسباب أخرى جعلت الرد حتميا. ويترقب العالم ردا على الرد من إسرائيل قد يطال منشآت نفطية ونووية، بما ينذر بارتفاع وتيرة المواجهة واتساع دائرة الحرب. الحصاد صفر وماذا حقق نتنياهو خلال عام؟، حافظ فقط على مكانته كرئيس لوزراء بلاده، وفشل فى استعادة الأمان لشعبه فكان حصاده «صفرا كبيرا». ورغم نجاحه فى اصطياد الكثير من قادة حماس فى غزة، وحزب الله فى لبنان، إلا أن حماس ما زالت تمثل خطرا على إسرائيل رغم الحصار المنيع المفروض عليها من جيش الاحتلال الذى يسيطر على سائر مناطق القطاع وجميع معابره، فيما يواصل حزب الله استعادة بعض قدراته على المواجهة ولملمة أشلائه التى بعثرتها الحوادث المتلاحقة. لا شك أن الفزع الذى حققه نتنياهو ومخابراته وجيشه خلال شهر سبتمبر فى لبنان، أعاد له بعضًا من بريق فقده خلال عام من المعارك المتصلة فى قطاع غزة، فشل فيها فى استعادة الرهائن المحتجزين لدى حماس وهو ما مثل عجزا استخباراتيا لإسرائيل، لتحتفظ به حماس نصرا معنويا يبقيها رقما فى الواقع الفلسطينى لم يقدر نتنياهو على سحقه، لتستمر الحركة فى منازعته على «اليوم التالي» للقطاع وفى المنطقة. ورغم النجاح الإسرائيلى فى كسر العمود الفقرى لحزب الله بتفوق مخابراتى واضح، واختراق كامل للهرم التنظيمى للحزب الذى تم اصطياد قادة صفه الأول بالكامل فى سلسلة عمليات ناجحة أعادت قوة الردع الإسرائيلية إلى الصدارة، إلا أن الحزب استعاد شراسته فى المقاومة، ووصلت صواريخه إلى قلب تل أبيب فى الأيام التالية لاغتيال أمينه العام. عام الحزن عربيا أما المحصلة عربيا، فيعيش غالبية سكان المنطقة حالة حزن متصلة منذ أن أغرقنا «طوفان الأقصى» فى أوحاله، وأحال «الإسناد» المزعوم لبنان الغالية إلى بلد منكوب ينتظره مصير غزة المستباحة والمدنسة بقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي. شعبان شقيقان يكتويان بنيران الغدر والخسة، يتجرعان الرعب والذل، وشعوب أخرى تترقب مصيرها فى ظل استباحة غير مسبوقة للدول العربية، جعلت الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات بعد أن تصاعدت المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران. لقد أربك الطوفان صورة المقاومة عند سائر الشعوب، فما حدث لغزةولبنان، جعلنا نفكر ألف مرة ونبحث عن طرق أخرى للتعامل مع العدو الصهيونى. الأسئلة الصعبة الحرب ليست نزهة نعود منها لنكمل حياتنا، الحرب محنة كبيرة وحزن قابع فى القلوب لأجيال، لهذا أصبح ضروريا أن نبحث عن إجابات وافية لهذه الأسئلة الأربعة الصعبة: - كيف سنتعامل مع إسرائيل بعد جريمة نتنياهو المستمرة منذ الطوفان وطوال العام المنصرم؟ - كيف سنتفاوض حين تحين لحظة التفاوض؟، وعلى ماذا سنتفاوض فى ظل الحقوق العربية المسروقة، والمدن العربية المحروقة؟ - من سيقدر على نزع سلاح الميليشيات فى المنطقة وإسكات صوت البنادق وإعلاء صوت العقل والحكمة لمنع تكرار هذه الكارثة؟ • من سيضمن السلام لمن تبقوا أحياء، فى ظل بقائهم تحت رحمة وحش مسعور لا تشفى رغباته المدمرة، وغير مأمون الحياة إلى جواره؟ ومع انعدام الثقة فى الوسيط الأمريكى الذى لم يعد وسيطا بل طرف ضد المصالح العربية فى هذا الصراع، فاختل معه التوازن وحُرمنا حتى من التفكير والبحث عن سبيل يوقف التصعيد وينزع فتيل انفجار الأزمة، خاصة مع تلاشى قدرات المؤسسات الأممية الفاعلة وانعدام تأثيرها، والغياب الكامل للقانون الدولى وانكشاف الوجه الغربى القبيح، التابع الوفى للإدارة الأمريكية فى الدعم المطلق لإسرائيل. للأسف مر عام ونحن نتجرع ألم مشاهد الإبادة الجماعية لشعب شقيق، ستمر أيام أخرى صعبة تبشرنا بها الحوادث تهلك شعوب عربية أخرى، فيما سنبقى على حالنا عاجزين لا نملك إلا الدعاء. نسأل الله اللطف.. والرحمة. 1