لماذا يسمع المصريون أغانى المهرجانات؟ سؤال أجاب عنه أساتذة وخبراء المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية برئاسة الدكتورة هالة رمضان عبر حلقة نقاشية مطولة بعنوان «تفضيلات الاستماع والموسيقى لدى المصريين». استعرضت الحلقة النقاشية ثلاث دراسات عن القيم والسلوكيات فى أغانى المهرجانات والراب فى المجتمع المصرى ونشأة وانتشار هذه الأغانى وتفضيلات الاستماع الموسيقى لدى الشباب وعلاقتها بإدراك الواقع الاجتماعى. أدار الحلقة النقاشية الدكتورة نجوى الفوال أستاذ علم الاجتماع والمدير السابق للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية والتى أثارت عدة تساؤلات حول انتشار أغانى المهرجانات فى مصر وكان السؤال المهم الذى سألته للحاضرين هو: هل أغانى المهرجانات موجة ستنتهى وإلى زوال أم تأصلت عند فئات المجتمع وستستمر؟. السؤال اختلف على إجابته المشاركون من أساتذة علم الاجتماع بالمركز وخبراء الاجتماع وعلم النفس والفنون فى الجامعات والمعاهد المصرية، إذ أكد أغلبية المشاركين على استمرارية هذا النوع من الأغانى والبعض منهم أنها موجهة لن تستمر ومنهم الدكتورة نجوى الفوال التى أكدت على عدم استمراريته لأن الفن فى مصر مر فى فترات سابقة بمراحل انتشرت فيها أغان هابطة لفترة وانتهت بمجىء أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد وعبدالحليم وغيرهم. واستندت معظم الدراسات على آراء الشباب من عمر 15 - 30 عامًا، وجاءت أولى هذه الدراسات بعنوان «تفضيلات الاستماع الموسيقى لدى المصريين» وأعدها الدكتور حسن سلامة والدكتورة هبة جمال الدين عابدين والأستاذ نور الدين شعبان الأستاذ بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية. وعرضت الدراسة الدكتورة هبة جمال الدين، مؤكدة أنها سألت 1894 شابًا فى الفئة العمرية بين 18 إلى 35 عامًا فى عشر من المحافظات الحضرية والريفية والحدودية، حيث أكد 85.5 ٪ منهم أنهم يفضلون الاستماع للأغانى و5.5 ٪ قالوا للموسيقى فقط و9 ٪ للاثنين معًا، وأكد 70 ٪ منهم أنهم يستمعون لأغانى الطرب لأنها موسيقى راقية وأداء المطربين جيد وذوقها راقٍِ، فى حين أشار 54 ٪ منهم إلى أنهم يستمعون للأغانى الشعبية والمهرجانات لأنها تعبر عن الواقع. وأشار الشباب إلى أن سبب انتشار أغانى المهرجانات يرجع إلى التطور التكنولوجى وتغيير مزاج المجتمع وتغيير الذوق العام. الطريف أن 23.5 ٪ من العينة عبرت عن رغبتها فى أن تصبح مغنى مهرجانات من أجل الشهرة والمال، بينما أعرب 76.5 ٪ عن عدم رغبتهم فى العمل كمغنين لأغانى المهرجانات. أما الدراسة الثانية فجاءت تحت عنوان «القيم والسلوكيات فى أغانى المهرجانات» وهى دراسة تحليلية لمضمون 31 من هذه الأغانى، أعدتها الدكتورة سالى بركات مدرس الإعلام بالمركز القومى للبحوث والدكتور نور الدين شعبان - مدرس الإحصاء المساعد بالمركز. وكشفت الدراسة عن تصدر الأغانى الرومانسية قائمة أغانى المهرجانات تليها التى تتناول خبرات حياتية أو علاقات أسرية أو علاقة بالأصدقاء، فى حين أن أكثر من نصف هذه الأغانى ليس بها اتساق فى المعنى بين مقاطع الأغنية الواحدة، وقد تشمل الأغنية الواحدة أكثر من موضوع وقد تختلط الموضوعات وتكون ليست ذات صلة ببعضها البعض على الإطلاق. وفيما يتعلق بأبرز الأنماط السلوكية التى عكستها كلمات أغانى المهرجانات جاء العنف اللفظى عن طريق استخدام السباب فى المقدمة ثم التحرش الجنسى من خلال التلميحات الجنسية الصريحة ثم التحريض على العنف من خلال استخدام جمل تشجع على استخدام العنف أو السلاح. أما عن خصائص أغانى المهرجانات كما قالت الدراسة فنجد أن اللغة فيها متوارية بمعنى أنها لغة غير مستساغة أو مفهومة لأنها أغان طبقية موجهة لمجموعة يوجد بينهم شفرات لغوية بناء على اهتماماتهم المشتركة. وتستعين بعض هذه الأغانى بألفاظ أجنبية وتعريبها وقد تمزج بين اللهجات المحلية للأقاليم المختلفة فى مصر أو تستعين ببعض الألفاظ الخاصة بالمهن. وقد تستخدم بعض الكلمات المتداولة بين أوساط الشباب أو تخترع ألفاظًا جديدة وتعرفها فى سياق المهرجان. وقد تستخدم الفصحى أحيانا ويذكر بعضها أسماء المناطق والأحياء فى الأغنية على سبيل التحية. وأكدت هذه الدراسة أن معظم كلمات أغانى المهرجان عشوائية وغير منتظمة ولم تلتزم بالضرورة بالقافية وبعضها لم يحمل فكرة محددة واضحة أو مفهومة.
أما الدراسة الثالثة فكان عنوانها «أغانى المهرجانات والراب فى المجتمع المصرى» وهى الدراسة التى أعدها الدكتور شحاتة زيان والدكتور وليد رشاد والدكتورة هند فؤاد الأستاذة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية والتى رصدت ظاهرة انتشار هذه الأغانى وأسباب انتشارها والآثار التى تركتها على المجتمع والحل لتقليل آثارها أو بمعنى أدق الحد منها. الدراسة كشفت عن عدة نتائج مهمة منها أن 74.5 ٪ من الشباب يستمعون لأغانى المهرجانات و41.5 ٪ يستمعون للأغانى الشعبية و10 ٪ فقط يستمعون لأغانى الراب بينما أغانى الفرق الشبابية يسمعها 2.8 ٪ من الشباب وجاء الهاتف المحمول فى المركز الأول كوسيلة للاستماع لهذه الأغانى يليها اليوتيوب والتيك توك ثم الوسائل التقليدية كالتليفزيون والراديو. وأشارت الدراسة إلى أن 70 ٪ من الشباب أكدوا أن هذه الأغانى يسمعونها فى الأفراح و30 ٪ يسمعونها فى المنزل وسبب انتشارها فى الأفراح أنها تضفى أجواء المرح ولما لها من سمات وخصائص منها مرتبطة بأسماء مغنين غير مألوفة والنغمات الصاخبة والكلمات التى تحمل معانى المرح والفرح والمعانى الغريبة ولما تشعه من بهجة. وانتقلت الدراسة بعد ذلك إلى الموضوعات التى تطرحها أغانى المهرجانات والراب، حيث إن 84 ٪ منها مضمونها شخصى ثم الموضوعات الأسرية تليها الموضوعات الجنسية والمواعظ والتفاخر. وأكد من سألتهم الدراسة أن هذه الأغانى لها تأثيرها السلبى عليهم وعلى المجتمع لما تسببه من إزعاج وتوتر نظرا لموسيقاها الصاخبة وأصوات مؤديها المزعجة وعدم وضوح كلمات هذه الأغانى وصعوبة فهمها وأن بعض كلماتها قد تكون مخجلة أو بها كلمات بذيئة. أما التأثير على مستمعى هذه الأغانى فأوضحت الدراسة أنها تخلق «مودًا» جيدًا لمستمعيها ويبعد بها عن دائرة همومه اليومية والضغوط وخلافه وأن نسبة قليلة من هذه الأغانى تخاطب الحالات التى يمر بها مستمعوها. وأكد بعض المشمولين بالدراسة أن هناك تأثيرًا سلبيًا يقع على المجتمع من هذه الأغاني؛ حيث تفسد الذوق العام وتؤثر على اللغة والهوية.
وكان السؤال المنطقى والأخير لهذه الدراسة لمن سألتهم ما هى الضوابط المقترحة لتنظيم هذه الأغانى وجاءت إجابات 80 ٪ منهم بأهمية الرقابة على كلمات هذه الأغانى ومنع النقابات الفنية لهذه الأغانى ومؤديها ووضع ضوابط لنشرها وضرورة الرقابة على برامج التواصل الاجتماعى لكونها تساعد على نشر هذه الأغاني، وشددوا على أهمية النهوض بالذوق العام ونوعية الموسيقى المقدمة وترك مساحة لنشر الفن المحترم ووضع قيود على نشر هذه الأغانى فى الحفلات مع رفع نسبة الضرائب المفروضة على مثل هذه الأغانى والفرق المؤدية لها. الدكتورة هبة السمرى أستاذة الإعلام وعميدة كلية الإعلام بجامعة النهضة، علقت على الدراسات وقالت: هناك فجوة عند الشباب ما يحبونه ويسمعونه فهم يحبون الأغانى الموسيقية وفى نفس الوقت يسمعون أغانى المهرجانات والشعبية ثم يطالبون بالرقابة عليها وهذا يعنى أننا فى حاجة لسماع الشباب. من جهتها علقت الدكتورة دينا يحيى عميد معهد النقد الفنى بأكاديمية الفنون بقولها: نحن نعانى من هذه الظاهرة المنتشرة بين الشباب والأطفال ولا أعتقد أنها ستنتهى بسبب وسائل التواصل الاجتماعى التى تساعد على انتشارها والشىء الغريب أننا نلاحظ متابعة الكثير من المتعلمين والمثقفين لهذه الأغانى والكارثة أننا لاحظنا أن 61 ٪ ممن سألتهم هذه الدراسات عبروا عن إعجابهم بطريقة ولغة مغنى المهرجانات. وقالت الدكتورة رانيا يحيى: إنها لا تفضل منع هذه النوعية من الأغانى لأن الجمهور يجرى وراء ما هو ممنوع ليسمعوه، كما أن نقابة المهن الموسيقية ليست لها سلطة منع لهذه الأغانى فزحام السكان والسرعة والتطلعات هى من أظهرت هذه الأغانى فمنذ زمن كانت الشوارع هادئة وغير مزدحمة وليس بها صخب فكان لدينا أغان هادفة. أما الدكتور فكرى العز رئيس مركز الدعم النفسى بجامعة القاهرة فأشار إلى أن تدهور الأغنية فى مصر بدأ منذ سبعينيات القرن الماضى وهناك ملحنون وموزعون موسيقيون بحثوا عن المغنين الشعبيين وقدموهم مثل شعبان عبدالرحيم والغريب أنه بعد وفاة شعبان عبدالرحيم بدأ البحث عن بديل له فظهر حمو بيكا وشاكوش وعمر كمال وشطة وغيرهم.