استطاعت أزمة ولاية تكساس أن تشد أنظار العالم شرقًا وغربًا رغم جميع الأحداث المؤسفة الدائرة، وازداد القلق العالمى حول إمكانية اشتعال حرب أهلية أمريكية، حيث كشفت تقارير أمريكية، عن قيام تكساس برفع علم الاستقلال عن الولاياتالمتحدةالأمريكية فى تحدٍ جديد من الولاية لإدارة بايدن، وسط إعلان جهات دولية الاستعداد للاعتراف بجمهورية تكساس على رأسها مجلس الدوما الروسى. الأحداث الجارية فى الولاياتالمتحدة، مثال الديمقراطية العالمية، لا يستوعبها أى عقل، وكثير من الأسئلة الصعبة ترد على أذهان كل من يهتم بالشأن الدولى، فمع تأكيد إمكانية نشوب صراع محتدم بين الحزب الديمقراطى والجمهورى قبل الانتخابات الرئاسية المقررة نوفمبر المقبل إلا أن الأمر لم يكن متوقعًا أن ينشب هذا التصادم بين قوات حرس الحدود التابع للحكومة الفيدرالية وقوات الحرس الوطنى التابع لولاية تكساس، بل ويعمل الأخير على طرد القوات الحدودية من أماكنهم وسط دعوات من 25 ولاية للانضمام إلى قوات الحرس الوطنى لتكساس.. الغليان الأمريكى تعدى جميع التوقعات، ورغم صمت بايد «السياسى» عن الأحداث إلا أن القادم ربما يكون أكبر بكثير من قوة تحمل الولاياتالمتحدةالأمريكية. سلاح الدمار الشامل مع اشتعال الأزمة فى تكساس حذر الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، من الوضع الكائن على الحدود الأمريكية المتمثل فى أزمة تكساس، ووصف ترامب، الوضع فى تكساس بأنه أصبح ك«سلاح دمار شامل يهدد أمن البلاد». وكتب ترامب فى صفحته على موقع «تروث سوشال»: «لقد أصبحت حدودنا خطرًا على أمن البلاد كسلاح دمار شامل». وأكد ترامب أن الوضع الحالى على الحدود هو «الأسوأ فى التاريخ الأمريكى». كما يوافق اتحاد حرس الحدود الأمريكى على أن الإدارة الحالية لا تسيطر على الوضع مع المهاجرين. تعليق ترامب على الأزمة يضع أمام أعيننا مدى التحدى الذى يحمله الرئيس الأمريكى السابق للجلوس على المكتب البيضاوى مرة أخرى، فقد أشارت التقارير الأمريكى أن ترامب يعمل على اشتعال أزمة الهجرة تحديدًا لينسف بايدن فى الانتخابات الرئاسية، وبعد فشل نيكى هايلى فى الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى، بقى من المؤكد أن ترامب هو من سيقود الحزب للانتخابات الرئاسية. ومثلما خرج ترامب بأحداث اقتحام الكونجرس فى 2020، وكانت الولاياتالمتحدة على شفه حدوث حرب أهلية بين «الترامبيستات» داعمين ترامب المتطرفين، والقوات الفيدرالية، يأتى ترامب بالانتخابات الأمريكى والبلاد على شفه حرب أهلية أخرى؛ ولكن هذه المرة تدعو لانفصال ولاية تكساس. الأزمة فى تكساس بدأت منذ أكثر من عام، بسبب الأعداد الكثيرة من المهاجرين التى تدفق من الحدود الجنوبية للولايات، الأمر الذى جعل البعض يصف الحدود الجنوبية «الغزو الناعم أو الخفيف» Soft Invasion، وفى ديسمبر الماضى فقط دخل نحو 300 ألف مهاجر غير شرعى من حدود المكسيك وهو رقم قياسى لم تشهده الولاياتالمتحدة فى تاريخها من قبل. بسبب هذه الأزمة، أعلن حاكم الولاية جريج أبوت، وهو قاضٍ سابق ويتبع الحزب الجمهورى كما أنه فى تصويت فى عام 2020 حصل فيه على لقب أفضل حاكم فى الولايات الخمسين، أبوت أعلن مرارًا عن أزمة المهاجرين التى تضر بمصلحة الولاياتالمتحدة، وحذر سابقًا من ضروروة التوصل إلى حل جذرى لهذه المسألة، وعلى الرغم من وجود 8 معابر رئيسية جنوبية بين الولاياتالمتحدةوالمكسيك إلا أن هذه المعابر نادر استخدامها للعبور إلى جنوبالولاياتالمتحدة، بل المستخدم فى الهجرة غير الشرعية فى الأغلب نقطة عبور أخرى على نهر «ريوجراندى» والتى تصب على حديقة شيلبى بارك الضخمة، والتى من المفترض حماية هذه النقطة من قوات حرس الحدود الأمريكى، لكن الأمر لم يعد كذلك فبعد فشل حرس الحدود من تأمين المنطقة استدعى حاكم تكساس قوات الحرس الوطنى لوضع أسلاك شائكة على مسافة 48 كم لحماية حدود الولاية. والحرس الوطنى هى قوات تتبع حاكم الولاية فقط، تكون تدخلتها فى الأعمال المدنية فقط، فى حال حدوث كوارث طبيعية أو فى حال وجود أزمات داخل الولاية لكنهم لا يقدمون حماية عسكرية لحدود الولاية، وجاء قرار جريج أبوت بطرد أفراد حرس الحدود من الحدود وإحلال الحرس الوطنى. هذا الأمر لم يتم بموافقة الحكومة الفيدرالية أو الرئيس الأمريكى، ومنذ أشهر حدثت حادثة بعد محاولة عبور قارب على متنه 9 من المكسيكان، وبسبب التيار المائى القوى انجرف القارب واستطاع 6 من الهروب والعودة إلى المكسيك مرة أخرى وإبلاغ السلطات بوجود سيدة وطفليها على متن القارب، وأبلغت السلطات المكسيكية قوات حرس الحدود الأمريكية لكن جاء الصدام كبيرًا مع الحرس الوطنى ورفض تدخل القوات لإنقاذ السيدة وأطفالها من الغرق. وعلم بايدن بهذه المسألة فتقدم برفع دعوة أمام المحكمة الفيدرالية العليا بإزالة الأسلاك الشاكة وعودة حرس الحدود إلى أماكنهم مرة أخرى، وبعد تصويت المحكمة،9 قضاة 5 وافقوا ورفض 4 منهم، رفض حاكم تكساس الامتثال للحكم، وأعلنت 25 ولاية، جمهورية تأييدها لقرار حاكم تكساس، وللمرة الأولى تحدث فى التاريخ الأمريكى أن يقف حاكم ولاية أمام حكم قضائى ويرفض تنفيذه. الرئاسة أولًا أزمة تكساس تعكس الكثير من الأخطار داخل الولاياتالمتحدة، فعلى الرغم من أن إمكانية الانفصال تعتبر مجرد احتمالية ضعيفة حتى الوقت الراهن، إلا أن إمكانية الحدوث فى المستقبل القريب تزداد. لكن الأمر عكس مدى قوة الانقسامات داخل الولاياتالمتحدة سواء على المستوى الشعبى أو الحكومى، ووفق محللين فإن فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب كانت هى الفترة التى أدت إلى وصول الانقسامات إلى هذه الدرجة، ويمكن أن نرى ذلك الانقسام فى الكونجرس بين الحزب الديمقراطى والجمهورى حول أغلب القضايا سواء التصويت على قانون إقرار الميزانية الفيدرالية، سبتمبر الماضى، ثم الانقسام على ميزانية البنتاجون، وزارة الدفاع الأمريكى، كذلك الانقسام حول تمويل أوكرانيا فى حربها ضد روسيا وحتى تمويل إسرائيل فى حربها فى غزة، الانقسامات تشتعل دائمًا داخل أروقة الكونجرس بصورة غير اعتيادية. وفى قضية تكساس نرى انقسام أعضاء المحكمة العليا حول قانون ينص على رجوع حرس الحدود إلى أماكنهم لحماية حدود الولاياتالجنوبية! ورفض حاكم ولاية لقرارات المحكمة، بل تمادى الأمر إلى إعلان نصف حكام الولايات دعم تكساس فى حربها، كذلك أعلنت الجماعات المتطرفة الذى يطلق عليهم «الترامبيستا» مثل جماعة Maga وBrought boys المتطرفين الذهاب إلى تكساس لمساندة الحرس الوطنى. وفيما تلقى تكساس كل هذا الدعم من ترامب وعدد من الجمهوريين، ذهب جريج أبوت بعيدا، لدرجة أنه قرر نشر دبابات من طراز أبرامز ومركبات قتالية من طراز برادلى لتعزيز حدود تكساس مع المكسيك. كما التزمت ولايات أمريكية جنوبية أخرى محاذية بنشر قوات على الحدود لمعالجة المخاوف الأمنية، ما رفع القلق الشعبى من احتمال اندلاع نزاع أهلى أوسع، حسب تقرير لوكالة فرانس برس. وتحول مشروع القانون حول الهجرة إلى مادة تجاذب باعتبار أنها قضية ساخنة تستخدم فى الحملات للانتخابات الرئاسية التى تقترب على الأرجح من جولة إعادة بين ترامب وبايدن. وألقى الأخير بثقله وراء مشروع القانون المقترح الجمعة الماضى، مشددا على أنه يضم مجموعة إصلاحات تعد «الأقوى» لضبط الحدود. وقال بايدن فى بيان: «سيمنحنى هذا، بصفتى رئيسا، سلطة طوارئ جديدة لإغلاق الحدود عندما تصبح مكتظة. وإذا ما أعطيتُ هذه السلطة سأستخدمها فى اليوم نفسه الذى أوقّع فيه مشروع القانون ليصبح نافذا». من جانبه، وضع ترامب قضية الهجرة فى مقدمة شعارات عودته إلى البيت الأبيض، محذرا من الوضع على الحدود التى يسهل اختراقها، ومنتقدا بشدة الجمهوريين الذين يدعمون مشروع القانون فى مجلس الشيوخ. ومن الواضح أن الوصول إلى البيت الأبيض أصبح كما الحرب التى يباح فيها كل شيء بما فى ذلك التهديد بتقسيم البلاد، حيث أعلن ترامب دعمه القوى لحاكم تكساس فى معركته مع الحكومة الفدرالية. بل وعمل ترامب على الاستناد إلى الحجة الاستراتيجية التى يعتمدها فى الانتخابات الرئاسية ضد خصمه بايدن وهى إظهار الرئيس بشخصية الضعيف وغير القادر على إدارة البلاد. ترامب لا يفوّت مناسبة أو فرصة إلا ويستغلها لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجى. والخلاف بين إدارة بايدن وحاكم ولاية تكساس ليس استثناء. هذا على الصعيد الشخصى بين المرشحين لرئاسة الجمهورية بايدن وترامب. أما على المستوى السياسى، فمن المعروف أن مسألة الهجرة غير الشرعية هى إحدى المواضيع الشائكة والخلافية فى معركة الرئاسة الأمريكية والتى يوليها الناخب الأمريكى اهتماما كبيرا. الموقف التقليدى للديمقراطيين هو التساهل مع الهجرة غير الشرعية، فى حين أن الجمهوريين هم أكثر تشددا ربما لأن التوزيع الديمغرافى لمناصرى الحزبين يلعب دورا فى هذا الفرز، حيث إن الولاياتالجنوبية المتاخمة للمكسيك التى تشهد الدخول غير الشرعى للمهاجرين، تقطنها أغلبية جمهورية بما يعرف أيضا بولايات حزام الكتاب المقدس (biblical belt states). ومن ثمة فإن دعم ترامب للحاكم أبوت بمواجهة البيت الأبيض شجّع حكام الولايات الجمهورية لتقديم دعمهم للحاكم، ووقع هؤلاء رسالة تدعم تكساس فى معركة السيطرة على الحدود. وكان هؤلاء قد أصدروا بيانا الخميس على موقع جمعية الحكام الجمهوريين انتقدوا فيه إدارة الرئيس بايدن وقالوا فيه إن ولاية تكساس لها الحق الدستورى فى الدفاع عن نفسها. وبالتالى فإن هذه المسألة لم تعد محصورة بمعركة انتخابية بين بايدن وترامب، بل باتت مسألة تقسم المجتمع الأمريكى عموديا بين مؤيد للهجرة غير الشرعية (معظم الديمقراطيين) ومعارض لها (معظم الجمهوريين).