«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام في الميدان (1) جمعة الغضب مصر التى ولدت من جديد

لاشك أن القلق كان يساورنى حين قررت الخروج فى جمعة الغضب خاصة أن النظام فى مصر كان يبدو متوترا مرعوبا فاقدا لأعصابه منذ نجاح ثورة تونس وهروب زين العابدين بن على برغم كل ما يدعيه من صلابة وقوة وادعاء رجاله وأعوانه وإعلامه الرسمى السيطرة على الموقف.. وفى يوم الخميس27 يناير.. تلقيت عددا من الرسائل التى تدعونى للنزول فى جمعة الغضب والمشاركة فى رسم مستقبل مصر وتنوعت مصادر الدعوات ما بين رسائل من الأصدقاء على الهاتف المحمول والبريد الإلكترونى وصفحتى على الفيس بوك ومن جروبات (كلنا خالد سعيد) و(مصر كبيرة عليك) وصفحات خصصت من أجل (جمعة الغضب) وكذلك من الحركات الوطنية المختلفة مثل حركة كفاية وجماعة الإخوان المسلمين وحملة دعم البرادعى.
ظهر الشاعر المصرى الفلسطينى تميم البرغوثى يتحدث على قناة العربية يدعو كل المصريين للخروج فى يوم الغضب، قائلا: إن كل مصرى يخرج من بيته فى هذا اليوم يمثل حماية للمصريين المتظاهرين وكل مصرى يجلس فى البيت يسبب خطورة عليهم . . أعجبنى رأى الشاعر المناضل الذى تم ترحيله من مصر أثناء الغزو الأمريكى للعراق لاشتراكه فى تظاهرات تدين الاحتلال بحجة أنه فلسطينى ولا يحمل الجنسية المصرية بالرغم من أنه ولد وتعلم وكبر فى مصر من أم مصرية هى الدكتورة رضوى عاشور وأب فلسطينى وهو المناضل مريد البرغوثى . . وحين خرج تميم من مصر سأل نفسه السؤال الذى طالما سألناه نحن المصريين لأنفسنا (يا ترى لسة بنحب مصر؟) واختاره عنوانا لقصيدته (قالوا لى بتحب مصر قلت مش عارف) ويبدو أنه عرف أنه يحب مصر ليلة جمعة الغضب بل يعشقها مثلنا جميعا ويخاف عليها وعلى أبنائها فيدعونا الشاعر الشاب للخروج لإنقاذ مصر وإظهار الغضب الذى طالما كظمناه وأخفيناه حتى فاض بنا الكيل وأصابتنا الكآبة وتمكنت منا الأمراض.
لاقت هذه الدعوات وتلك الحملات المنظمة للخروج فى يوم الغضب هوى فى نفسى، وكنت أتوقع كما يتوقع كل المصريين أن تواجه المظاهرات فى هذا اليوم بعنف شديد.
وقد لايكتفون بالآلاف المؤلفة من جموع الأمن المركزى والعصى الكهربائية واعتقال أعداد من المتظاهرين ولكن ربما يخترعون وسائل أكثر حدة وعنفا فى القمع كنا نتوقع حدوث اشتباكات عنيفة بين الأمن والمواطنين وإطلاق رصاص ووقوع ضحايا .
ولكن ما حدث يوم الجمعة كان أشبه بالمعجزة التى أرسلتها العناية الإلهية لتنقذ المصريين من مستنقع الظلم والفساد.
إنها معجزة (الإرادة) تلك التى تهتز لها العروش حين تتحلى بها الشعوب والتى شاهدتها فى عيون كل مصرى خرج فى (يوم الغضب) مصرا متحديا مقسما أن يعيد لوطنه مكانته وكرامته..أخى جاءنا قبل أن ينزل لصلاة الجمعة يؤكد علينا عدم الخروج فى هذا اليوم ويحذرنا من مخاطره وحدوث ما لا تحمد عقباه . . وكانت وجهة نظره أن الخروج فى هذا اليوم يجب أن يكون للرجال وليس النساء وأنه ستحدث (بهدلة) بمعنى الكلمة.
لكننى لم أقتنع بفكرة أن النضال للرجال فقط، وقررنا أنا وشقيقتى وابنتها أن نخرج قبل أن يأتى ويمنعنا.
وخرجنا وتركنا حقائبنا وأجهزة الهاتف بعد أن قطعوا عنا الإنترنت والهواتف المحمولة ليؤكدوا لنا أنهم بدأو إجراءاتهم العنيفة.
وأن رجال الأعمال وأصحاب شركات المحمول حلفاء مخلصون للحكومة وشركاء لها فى الفساد. واكتفينا ببعض النقود فى جيوبنا التى ربما نحتاجها فى الطريق.
* شعور جديد
وخرجنا.. وكان يوما مختلفا بكل ما تحمله الكلمة . . ورغم أننا فى فصل الشتاء وعانينا طوال الأيام الماضية من البرد والصقيع، إلا أن الطقس تغير بشكل غريب منذ يوم 52 يناير وحتى تمت الثورة فكان أشبه بجو الربيع الرائع وكأن الله قد طوع الطبيعة لمباركة ثورتنا وأراد أن يعيننا ويخفف عنا ويسهل علينا التواجد فى الشوارع والمبيت فى الميادين دون برد أو صقيع.
لم يكن الجو فقط الذى تغير، إن الشوارع أيضا تبدو مختلفة يخيم عليها شعور جديد وكأنها لم تكن نفس الشوارع التى أمر عليها كل يوم برتابتها وكآبتها أشعر كأنها كانت نائمة واستيقظت وغسلت وجهها وأفاقت بعد سبات طويل فبدت صبوحة يقظة متفائلة . . كانت كل الوجوه مختلفة أيضا .
يسألنا حارس العمارة وعيناه على العلم الذى تحمله ابنة شقيقتى:
(هل تذهبون للمظاهرات)؟ قالت أختى بحماس:.. نعم.. تعال معنا . . ضحك البواب الشاب وقال: ياريت . . بس لازم أكون موجود لحراسة العمارة.
قبل أن نتوجه لشارع الهرم ذهبنا إلى السوبر ماركت الذى يجاور البيت لنحضر بعض زجاجات المياه والبسكويت لزوم التواجد فى المظاهرات . . كان قد تبقى لنا عند البائع الذى نعرفه ويعرفنا جيدا بعض النقود لكنها لم تكن تتوافر لديه.
ضحكت شقيقتى وهى تقول له: إذا لم نعد مسامحينك فى الباقى هكذا كان يتوقع كل من يخرج فى هذا اليوم أنه ربما لا يعود .
سرنا فى اتجاه شارع الهرم نقطع شارع سهل حمزة المؤدى إليه والذى بدا خاليا إلا من القليل من المارة وبائع الفاكهة الذى يمكث على ناصيته.
فلا يوجد به أثر للمظاهرات . . فى حين كنت أتوقع أن أجد به مظاهرة بعد خروج الناس من المساجد القريبة منه.. مما أصابنا بالإحباط بعض الشىء.
* إحباط
ويبدو أن الإحباط أصاب شقيقتى وابنتها أيضا . قالت ابنة شقيقى: فلنبدأ نحن المظاهرة.. واستطردت بحماس: هل تذكرين الرجل التونسى الذى يظهر على قناة العربية فى مشهد تذيعه من حين لآخر وهو يسير بمفرده فى الشارع وينظر إلى الشرفات وينادى الشعب أن ينزل وينضم إليه . . هذا المواطن هو الذى بدأ الثورة فى تونس بعد أن حرق بوعزيزى نفسه ثم انضم له العشرات ثم المئات حتى كبرت المظاهرات صارت آلافا وملايين وتحولت إلى انتفاضة شعبية ثم إلى ثورة .
راقت لى الفكرة وكدت أصرخ بالهتافات فى الشارع الذى يكاد يخلو من المارة (يا أهالينا ضموا علينا قبل بلدنا ما تغرق بينا) لكننى تراجعت وشعرت بالتحرج أن نسير فى مظاهرة من 3 أفراد!
وفى هذه اللحظة وجدنا سيدة تدخل إلى الشارع آتية من اتجاه شارع الهرم ترتدى إسدالا وفى يدها سجادة صلاة وكانت بصحبة فتاة صغيرة يبدو أنها ابنتها اقتربت منا قائلة فى هلع: لاتخرجوا لشارع الهرم.. الشرطة تضرب الناس بالقنابل المسيلة للدموع وضربونا وإحنا خارجين من الصلاة فى مسجد السلام . . هناك مظاهرة كبيرة عند مقر المحافظة.
ثم قالت ابنتها التى تبدو فى السادسة أو السابعة عشرة بحماس: لو رايحين المظاهرة آجى معاكم.
سحبت الأم ابنتها من يدها بعنف وهى تقول: ربنا معاكم . . بس ارجعوا أحسن هتنضربوا.
شكرنا السيدة وسرنا كما نحن فى طريقنا، وحين وصلنا إلى شارع الهرم لم نجد أى وسيلة للمواصلات إلى المحافظة التى تبعد عن مقر مسكننا بما يقرب من9 محطات. . قررنا أن نتمشى على أقدامنا حتى نصل إلى هناك، ولكن هناك إحساسا غير مريح ينتابنى وأنا أسير بالشارع السياحى الشهير.
* نظرات مريبة
فهناك عيون تتبعنا وتنظر إلينا نظرات مريبة ورغم أن أصحابها يرتدون ملابس مدنية إلا أنهم يبدون كأنهم مخبرون أو من التابعين لأمن الدولة.
حتى إن أحدهم وقف أمامنا يعترض طريقنا قائلا: (المظاهرات خلصت رايحين فين) لم نهتم وسرنا كما نحن وهو يوجه إلينا نظرات نارية ويردد فى غيظ: أنا حذرتكم وأنتم أحرار.
ومازالت الوجوه نراها غريبة باستثناء بعض الأفراد الذين يقفون على محطات الأتوبيس ينتظرون أى وسيلة مواصلات ولكن يكاد الشارع يخلو من الأتوبيسات وسيارات الأجرة وبه القليل من السيارات الملاكى.
وكان هناك بعض الشباب يسيرون فى نفس اتجاهنا يبدو أنهم يتجهون للمظاهرة .
وكنا قد وصلنا إلى محطة الطالبية حين فوجئنا بميكروباص ينادى: (مظاهرات مظاهرات) فى البداية اعتقدت أنه يمزح لأن الطريق مغلق.
ابتسمنا ونحن نقترب من السيارة الأجرة ونسأل السائق: هل تذهب للمظاهرة بجد؟ ضحك الرجل قائلا: اركبوا.
وكانت المفاجأة فى هذه اللحظة مجموعة من السيدات يرتدين العباءات السوداء ويصطحبن أطفالهن، يبدو أنهن ينتمين لحى الطالبية الشعبى الذى خرج من شارعه الميكروباص واتضح من حديثهن فى السيارة أنهن جيران واتفقن معا أن يشاركن فى المظاهرة كما ركبت أيضا فتاة بمفردها كانت ترتدى ملابس أنيقة وتضع على وجهها مساحيق صارخة.
ولم يكن هناك مكان فى المقاعد فجلست على حجر أختى.
يبدو من مظهر السيدات أنهن ربات بيوت.
قالت إحداهن بصوت عالٍ خشن:
الحاجة أسعارها نار كيلو اللحمة ب07 جنيه حتى العدس الكيلو ب 01 هنأكل العيال إيه نأكلهم طوب.
منك لله يا مبارك . . ربنا ينتقم . . سرقتونا . . نهبتوا البلد . . فقرتونا وتدخلت السيدة الأخرى التى تجلس بجوارها: زهقنا طهقنا مش عارفين نعيش ولا ناكل ولا نشرب من هنا ورايح هنمشى فى مظاهرات خلاص مفيش حاجة نخاف عليها. . عندى ولدين اتخرجوا والاتنين قاعدين زى الولاية فى البيت لا شغلة ولا مشغلة!
طلب السائق الأجرة وقد ظننت أنه لا يطلبها وأنه يقوم بدور وطنى فى ذلك اليوم التاريخى ويقوم بتوصيل المتظاهرين مجانا وفوجئنا أنه يطلبها مضاعفة رغم أن المسافة بين مكان المظاهرة والمكان الذى اصطحبنا منه محطتان أى عدة أمتار . . ولكن دائما هناك من يستغل الأزمات!
أثناء سير السيارة كانت هناك سيارة ملاكى تريد أن تسبق السيارة التى تقلنا وتمر قبلها مما جعل السائق يشتبك بصاحبها الذى فوجئنا به يخرج من سيارته ويعترض الطريق ويسب السائق وهو يقول: أنا ظابط ياروح أمك!
حتى إن المرأة البدينة التى تجلس معنا فى الكرسى الخلفى تدخلت وسبت الضابط قائلة: طظ.. عصر الضباط انتهى.. ثم قال السائق بشجاعة وكان الضابط مازال يسب ويلعن فيه: خلاص ما بنخافش . . ظابط على نفسك واظبط نفسك وللمرة الأولى أشعر أن هناك ضابطا يخاف من سائق ميكروباص!
يبدو أننا سنبدأ عصرا مختلفا بالفعل.
* البرادعى فى الميدان
قلت للسائق بعد أن هدأ الأمر: اذهب بنا إلى الجيزة حيث يصلى البرادعى . . فهناك مظاهرة كبيرة عند مسجد «الاستقامة» فى الميدان.
قاطعتنى إحدى السيدات بانفعال: بلا برادعى بلا مش برادعى . . برادعى مين ده يا أختى اللى جاى من أمريكا عشان يحكمنا، بقى احنا عايزين نخلص من راس الحية اللى اسمه مبارك يطلع لنا البرادعى علشان يحتلونا زى العراق.. سيبك منها يا أسطى.
فى هذه اللحظة تذكرت المرة الأولى التى التقيت فيها بالدكتور محمد البرادعى وكان فى فيلته بمزرعة جرانة التى تقع فى أول طريق مصر الإسكندرية الصحراوى.. ذهبت مع وفد من حركة (مصريات مع التغيير) بصفتى إحدى العضوات هذه الحركة، والتى تضم مجموعة سيدات من ناشطات السياسة التى أنشئت مع عودة البرادعى وإيقاظ حلم التغيير الذى ظل يراودنا لعقود طويلة والذى بدأته حركة (كفاية) بنجاح كبير.
كانت اللوحات التشكيلية على الجدران أول ما لفت انتباهى فى غرفة بيت البرادعى خاصة تلك اللوحة التى تضم صور عرائس ملونة وكأنها رسومات لطفل صغير . . كم أعشق الفنون بكل أنواعها وأعتقد أنها تنم عن شخصية أصحابها ومتذوقيها . . يبدو أن الدكتور البرادعى شخصية رقيقة حساسة.. اللوحات تقر ذلك . . كان البرادعى واقفا مع فريق عمل قناة الجزيرة لإعداد فيلم تسجيلى عنه. وهو يرتدى بنطلونا وقميصا.
أرى شكله فى الواقع مختلفا بعض الشىء عنه على شاشة التليفزيون . . يبدو على الشاشة أفضل.
وحين بدأنا حوارنا معه أمسكت بالورقة والقلم لتسجيل بعض النقاط كعادتى عندما أكون فى لقاء مهم.. ويلمحنى الدكتور البرادعى أكتب يقول غاضبا (ما تكتبيش روزاليوسف دى جريدة زبالة) وكنت قد قدمت نفسى له فى بداية اللقاء أننى أعمل صحفية بمجلة روزاليوسف وأحضر بصفتى ناشطة سياسية وليس بصفتى الصحفية.
صدمتنى كلمات البرادعى . . وأشعرتنى بالحرج أمام الحضور من مجموعة السيدات اللاتى يعرفننى وأعرفهن جيدا.
فقلت له بنبرة لا تخلو من خجل: أنا زعلانة منك جدا يا دكتور. لم أكن أتوقع أن تصدر عنه مثل هذه الكلمات مهما بلغت خلافاته مع روز اليوسف . . فما تفوه به لا يليق بشخصية كبيرة ذات مكانة عالمية مثله من المفترض أنها تحترم حرية الرأى وحقوق الإنسان.
ورغم خلافى الشديد مع سياسة روزاليوسف التى يطبقها رئيس تحريرها عبدالله كمال إلا أننى لا أقبل من أحد أن يهينها أو يهينه أمامى وطالما أعمل بها وأحمل بطاقتها فلابد من احترامها. لا أستطيع أن أنكر أن هذا الموقف غير مشاعرى تجاه الدكتور البرادعى الذى أشترك فى حملة دعمه على الإنترنت والذى وقعت على توكيل له . . فيبدو أنه ليس بهذه الشخصية التى توقعتها ولا تلك الرقة التى اعتقدتها.. لم أشعر أنه يدخل قلبى أو أنه قريب من نفسى . . ولا يملك تلك الكاريزما التى تؤثر فى الآخرين من الوهلة الأولى وتمهد لهم أن يكونوا فى مصاف القادة والزعماء.
ورغم ذلك عاتبت نفسى وقلت إننى أحكم على الأمور بعواطفى وليس من الضرورى أن يدخل قلبى ولا أن يكون من أصحاب الكاريزما فبماذا تفيدنا كاريزما أى شخص مادام لايعمل فى مجال السينما!
ولكن فيما يختص باختيار رئيس الجمهورية لابد أن ننحى عواطفنا ونحكم عقولنا وفكر البرادعى وآراؤه تروق لعقلى ولننتظر حتى تتضح الصورة أكثر.
* الطفل الثائر
كانت تجول بخاطرى كل هذه الخواطر حين انتبهت على صوت السائق: تفضلوا وصلنا . . الطريق مقفول هلف من هنا عايزين الجيزة خدوها مشى.
وبمجرد نزولنا من الميكروباص اقتحمت أنوفنا رائحة خانقة وانتابنا سعال متواصل وعطس مستمر وضيق تنفس من القنابل المسيلة للدموع التى ملأ أثر دخانها المكان فبدا غائما قاتما.. ولكن ما خفف عنا مشهد الجموع الغفيرة من المواطنين الذين تعدى عددهم ال 20 ألف متظاهر أمام مقر محافظة الجيزة من مختلف الطوائف والأعمار رجال شباب نساء أطفال فتيات . . حتى إنه كان بيننا طفل لا يتعدى عمره العشر سنوات حضر بمفرده وكان يقود المظاهرة والكل يردد وراءه وكنا نشعر بالشفقة عليه من القنابل حتى إن الشباب الذين كانوا يحملون معهم زجاجات البيبسى الذى ثبت فاعليته فى تخفيف تأثير القنابل على العين والخل والبصل اللذين يخففان من تأثيرها أيضا على الأنف والجهاز التنفسى. . وكذلك يحملون قطرة للعين ومناديل ورقية وكمامات .. ويقدمون كل ذلك كمساعدة للمتظاهرين وتشجيعهم على الاستمرار كانوا يخصون هذا الطفل الثائر بالاهتمام وغسل وجهه من حين إلى آخر بالبيبسى ووضع القطرة فى عينيه حتى لا تلتهب. . يبدو أن والديه منعاه من المشاركة فى المظاهرات لكنه أصر.
وكانت هناك العشرات من سيارات الأمن المركزى تحاصر مبنى المحافظة وآلاف الجنود ولكنهم لم يتمكنوا من حصار المواطنين.
فيبدو أن هناك اشتباكات حدثت بينهم وبين المتظاهرين فعمت الفوضى المكان ونرى كثيرا من الطوب المتناثر يملأ الشارع يبدو أنه تم استخدامه فى رشق جنود الأمن المركزى ومقاومتهم كما كان هناك أكثر من شاب بين المتظاهرين يمسك بعصى الأمن المركزى التى انتزعوها من الجنود أثناء اشتباكات معهم فى المظاهرة.
وما إن نزلنا من السيارة ولمحت إحدى السيدات من اللاتى كن معنا فى الميكروباص . . حتى انفجرت تهتف: (يا حكومة هشك بشك بكرة الشعب ينط فى كرشك)
(يا حكومة هز الوسط أكلتينا العيش بالقسط)
وظلت المتظاهرات من السيدات اللاتى انضممن إليهن يرددن وراءها بحماس.
كنت لأول مرة أسمع مثل هذه الشعارات عن (الهشك بشك وهز الوسط) حتى إننى كنت أضحك وأنا أردد خلفها وعلقت شقيقتى مازحة:
إنها شعارات تليق بشارع الهرم فعلا!
* رجال مصر
وكان المتظاهرون يبدون الخوف علي النساء والفتيات فيطلبون منا أن نقف فى جانب الشارع لأن الاشتباكات بينهما وبين جنود الأمن المركزى كانت مستمرة.
فكانوا يخشون علينا من الإصابات والمخاطر وكنا نمتثل لأوامرهم . . إنهم رجال مصر الحقيقيون ذوو النخوة والشهامة والرجولة الذين اشتقنا إلى وجودهم طويلا بعد أن عمت السلبية والخوف والخنوع والميوعة الوطن لسنوات طويلة.
وكون وقوفنا وتجمعنا على الجانب الآخر من الطريق مظاهرة نسائية كبيرة من مختلف الأعمار والمهن والطبقات الاجتماعية حيث تضم منطقة الهرم كل المستويات الاجتماعية.. فلا أنسى هذه المرأة الضئيلة النحيفة والتى كان بوجهها بقايا حرق قديم شوه نصف الأيمن منه وتسبب فى إغلاق إحدى عينيها وكم كان ينم مظهرها عن رقة حالها ويؤكد ثيابها البالى ضيق ذات يدها وكيف حين أصيبت بضيق التنفس من رائحة القنابل وكاد يغشى عليها اقتربت منها فتاة جميلة يبدو أرس تقراطيتها من صوتها الرقيق وألفاظها المنتقاة وبشرتها اللامعة النضرة وحذائها الرياضى ذى الماركة العالمية.
وأخرجت زجاجة عطر من حقيبتها وظلت تضع قطراته على أنف السيدة وحين أفاقت احتضنت الفتاة وقبلتها وبادلتها الفتاة القبلات فى امتنان.
ظللنا نهتف من قلوبنا وقوات الشرطة تضربنا بالغازات المسيلة للدموع والشباب يطلبون من السيدات والفتيات أن يظلوا بعيدا حتى لا يتلقوا القنابل بشكل مباشر . . ورغم ذلك تمكن المتظاهرون من السيطرة على الموقف أمام محافظة الجيزة وتمكنوا من الاستيلاء على سيارة مليئة بعساكر الأمن المركزى وتم حبسهم داخل السيارة وكانت السيارة تقف ككمين فوق نفق الهرم حتى حين يتجه المظاهرون إلى النفق يتم ضربهم من أعلى من قوات الشرطة . . مما دفع عددا من الشباب للاستيلاء عليها وأسر العساكر ونقلها أمام مبنى المحافظة كما صعدوا فوقها وظلوا يرقصون وهم يرتدون خوذات العساكر ويمسكون بعصيهم.
* البرىء
لم يسعدنى هذا المشهد وشعرت بالشفقة على جنود الأمن المركزى الذين لا يعرفون أى شىء غير تنفيذ تعليمات قادتهم.
ويبدو أن كثيرا من المتظاهرين شعروا بنفس مشاعرى حتى إن أحد المتظاهرين من كبار السن أمر الجنود بخلع ملابسهم الرسمية والابتعاد عن المكان حتى لا يتعرض لهم المتظاهرون.
ظللت للحظات أتأمل الوجوه البائسة لجنود الأمن المركزى والتى لا يمكنك أن تلمح بها أى تعبيرات.
لا أعرف لماذا تذكرت فى هذه اللحظة فيلم (البرىء) للفنان الراحل أحمد زكى حين كان مجندا فى السجون وكان قائده يأمره بضرب المعتقلين لأنهم أعداء الوطن.
هل أوهمت الشرطة هؤلاء المجندين من الأمن المركزى أن المتظاهرين الذين يقفون فى التحرير هم أعداء الوطن أيضا !!
لكننى لم أغضب أبدا منهم بل دائما ما أشفق عليهم كلما شاهدتهم يؤدون مثل هذه المهام الثقيلة التى تجعلهم يصطدمون بشعبهم دون قصد ودون وعى . . وأتذكر أحد الزملاء حين أخبرنى قائلا:
هل تعلمين كيف يتم اختيار جنود الأمن المركزى؟
قلت: كيف ؟ قال ضاحكا: عندما يتقدمون للتجنيد يجمع الضابط أعدادا كبيرة من الذين لا يحملون مؤهلات ولايجيدون القراءة والكتابة ويقول لهم: من يعرف القراءة والكتابة يأتى إلى يمينى ومن لا يعرف يقف على يسارى ينفذون الأوامر وتبقى مجموعة واقفة فى مكانها لا تتحرك.
هؤلاء من لا يفهمون السؤال فيتم اختيارهم للأمن المركزى.
وإلي الأسبوع القادم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.