تحتفل الكنائسُ المصرية غدًا بعيد القيامة المَجيد وسط أجواء احتفالية؛ حيث تم وضع مجسمات لقبر المسيح داخل بهو الكنائس مع وضع تماثيل للمَلاك المبشر بقيامة المسيح أمامه. كما تقام صلوات قداس ليلة العيد مساء اليوم وتنتهى مع الساعات الأولى من اليوم الجديد وسط إجراءات أمنية مشددة لتأمين الكنائس والتى وضعت مع بداية أسبوع الآلام والتى تنتهى أحداثه اليوم؛ حيث يتم تغيير الستائر السوداء بأخرى بيضاء، تعلق لمدة 50 يومًا.
ويشتهر قداسُ عيد القيامة بصلوات تمثيلية القيامة التى تتم بعد إطفاء أنوار الكنيسة بين الأسقف والشمامسة؛ حيث يقول كل طرف للآخر «اخرستوس انستى، اليثوس انستى» وهى كلمات يونانية تعنى «المسيح قام، بالحقيقة قام». وتنتهى التمثيلية بإضاءة الأنوار مع فتح ستر الهيكل وترتيل الألحان الفرايحى مع انطلاق الزغاريد والتهنئة بالعيد. ونظرًا لتزامُن احتفالات عيد القيامة مع شهر رمضان الكريم؛ فقد أعلنت الكنيسة عدمَ استقبال المهنئين صباح الغد مراعاة لظروف صوم الشهر الكريم؛ حيث أكدت فى بيان صادر عنها قائلة «نسعد ونعتز بمشاركتكم للتهنئة بعيد القيامة المجيد، ومراعاةً لصوم شهر رمضان الكريم؛ يقتصر تلقى تهانى العيد على استقبال المهنئين خلال القداس مساء يوم السبت 15 أبريل 2023 فى الكاتدرائية المُرقسية بالعباسية، ورسائل sms، وبرقيات التهنئة، والاتصالات التليفونية. شاكرين محبتكم ومشاعركم الصادقة». واختتمت بيانها قائلة: «كل عام وحضراتكم بخير وبلادنا وجميع المسئولين فيها بكل صحة وسلام». وفى السياق نفسه؛ يحتفل الأقباط اليوم بسبت النور أو سبت الفرح، وهو اليوم الذى يحتفل فيه ملايين المسيحيين حول العالم بذكرى قيامة المسيح من الموت بعد واقعة صلبه، وتكون معجزة ظهور النار المقدسة أو النور المقدس الخارج من قبره بكنيسة القيامة بالقدس هى الحدث الرئيسى لعيد القيامة وتعد محط أنظار الشعوب حول العالم. وتتجدد المعجزة كل عام منذ قرون، وهى من أكثر المعجزات المُصدقة والتى وُثقت لأول مرّة فى العام 1106 ميلاديًا، وتُتابع ظهور النار المقدسة شعوب العديد من الدول؛ حيث تسافر الجموع من بلدان العالم للقدس سنويًا لمشاهدة المعجزة والتبرك بها. ويشتهر هذا اليوم بظهور النار المقدسة التى لا تحرق لمدة 10 دقائق حين يقوم بطريرك الروم الأرثوذكس ومعه رئيس أساقفة الأرمن وقيادات دينية ويقوم بترأس الصلاة، ثم يبدأ بإزالة ملابسه الدينية ويدخل وحده إلى قبر السيد المسيح. ويتم فحص البطريرك جيدًا قبل الدخول من قِبَل السُّلطات للتأكد من أنه لا يحمل أى مادة أو وسيلة لإشعال النار كما يتم فحص القبر أيضًا، هذا الفحص كان يتم سابقًا على يد العثمانيين؛ حيث كان جنودهم يتولون مهمة فحص البطريرك قبل دخوله إلى القبر. ويُذكر أنه فى صباح يوم سبت النور وقبل مراسم خروج النور المقدس من قبر السيد المسيح، يتم فحص القبر والتأكد من عدم وجود أى سبب بشرى لهذه المعجزة، يبدأ الفحص لمدة ساعة كاملة تقريبًا على يد رجال الشرطة الإسرائيليّة ويشرف عليه رئيس الشرطة بنفسه ورئيس المدينة اليهودى أيضًا، وبعد التأكد من خلو القبر المقدس من أى مادة، يتم وضع ختم من العسل الممزوج بالشمع على باب القبر. كما يتم تفتيش البطريرك الذى يدخل القبر بجلباب أبيض خالٍ من الجيوب ولا يحمل معه أى شىء حتى إنه ينزع كل شىء عن رأسه. ويردد الجمهور المنتظر خارج القبر «كيرياليسون»، وهى كلمة يونانية معناها «يا رب ارحم»، ثم بعد ذلك تنزل النار المقدسة على 33 شمعة بيضاء فى رزمة واحدة فى القبر ثم يكشف البطريرك عن نفسه ويقوم بإشعال 33 أو 12 شمعة أخرى ليتم توزيعها على المصلين فى الكنيسة وهذه النار لا تحرق أو تؤذى مَن يلمسها ولا تحرق الشَّعر أو الوجه ويتنافس الحضور فى تصوير هذه المعجزة وهم يصوبون النار على وجوههم وأياديهم فى فرحة دون أن تصيبهم بأذى. تكون النارُ عادةً باللون الأزرق ولكن قد يتغير اللون ويتخذ أشكالًا وألوانًا مختلفة وفى بعض الأحيان يغطى النور الحَجَر، مكان موضع المسيح فقط، بينما فى أحيان أخرى يغطى الضوء الغرفة كلها حتى إن الناس الموجودة خارج القبر تستطيع أن ترى الضوء المنبعث من القبر. وظهر أول توثيق عن انبثاق النور المقدس فى كنيسة القيامة فى أوائل القرن الرابع؛ حيث وجدت فى مؤلفات القديس يوحنا الدمشقى والقديس غريغوريوس النيصى، أن الرسول بطرس رأى النور المقدس فى كنيسة القيامة، بعد قيامة المسيح، سنة 34 للميلاد. وتوجد الكثير من الشهادات الموثقة عنها؛ حيث كتب عنها أحدُ أشهَر المؤرخين «المقريزى»، أيضًا المؤرخ إيفسيفى من القرن الرابع، أشار إلى أن فى زمن البطريرك ناريسيس من القرن الثانى حصلت معجزة، إذ لم يكن هناك من الزيت الكافى لإيقاد المصابيح، فملأ رجُل مصباحه من ماء بركة سلوام وفجأة اشتعل هذا المصباح بالنور المقدس واستمر مشتعلًا حتى نهاية خدمة القيامة. وفى سنة 1187 بعدما أخذ المسلمون القدس تحت قيادة صلاح الدين الأيوبى قرر فى هذه السَّنة أن يحضر احتفال المسيحيين بعيد القيامة، وذهب إلى الكنيسة يوم سبت النور، وبحسب جاوتير فينيسوف: «عند وصول صلاح الدين الأيوبى، نزلت النار من السماء وأضاءت شموع الكنيسة، وبدأ مساعدوه فى التحرك من الخوف، وابتدأ المسيحيون فى تمجيد الله، وأمسك صلاح الدين شمعة اشتعلت من النار التى نزلت من السماء، وحاول إطفاءها مرّات عدّة لتعود وتشتعل من جديد، وتكرر ذلك أكثر من مرّة حتى تأكد أنها معجزة. ويسبق سبت النور أسبوع البصخة، والبصخة هى كلمة عبرية تعنى العبور، وهى إشارة إلى العبور من الظلمة إلى النور عن طريق قصة الصلب. ويبدأ هذا الأسبوع بأحد «الشعانين» أو «أحد السَّعف»، وكانت الكنيسة قديمًا تحتفل بأسبوع الآلام مرّة كل ثلاث وثلاثين سنة وثلث، هى مدة حياة المسيح على الأرض فى حين كان الصوم سنويًا إلا أن الكنيسة وجدت أنها مدة طويلة جدًا ومن الممكن أن الإنسان يولد ويموت دون أن يحتفل به ولذلك تم إلحاقه بالصوم الأربعينى وأصبح يحتفل به سنويًا. أمّا فى مصر؛ فقد عُرف صومُ هذا الأسبوع المقدس فى القرن الثالث الميلادى سنة 329م، واستقر سريعًا فى كنيسة الإسكندرية. ولكن اختلفت بداية أسبوع الآلام؛ ففى القرون الخمسة الأولى كان بَدء صوم الأيام الستة المقدسة يوم الاثنين، وكان صومًا مستقلاً عن الصوم الأربعينى المقدس، ثم ضُم الصومان معًا. فى القرن العاشر نجد إشارات ودلائل على أن بداية «أسبوع الآلام» كانت من يوم السبت، وليس يوم الاثنين كالتقليد الأورُشَليمى القديم، فيكون بَدء أسبوع الآلام من سبت لعازر. ومن القرن الثالث عشر عاد التقليد القبطى لبَدء أسبوع الآلام من الاثنين. ومن العادات الشعبية المصرية فى أسبوع الآلام أن تُتناول بضع أكلات معينة فى هذا الأسبوع، فيوم الأربعاء يُؤكل الفَريك، والخميس يُؤكل العدس، وفى الجمعة النابت والطعمية ويُشرب الخل، ويقوم البعض بتكحيل العين يوم سبت النور، وهى عادة قديمة متوارثة عبر الأجيال. كما يستحم البعض يوم أربعاء أيوب بنبات الرعرع المعطر- وسُمِّى بأربعاء أيوب؛ لأنه يُقرأ فيه سِفْر أيوب كله، وتقول القصة الشعبية إن أيوب البار بعد أن شفاه الله من البلايا، التى أصابت جسده استحم بالرعرع. وبعض الرهبان والنُّسَّاك يصومون من أحد الشعانين دون أكل حتى عيد القيامة، وبعضهم لا يأكل إلا القليل من الدُّقة بالعيش الناشف وقت المساء. ولأسبوع الآلام مظاهر احتفالية خاصة فى دول العالم، فمثلاً: من يوم الأربعاء حتى يوم الأحد يُمنع السلام، وذلك إشارة ليهوذا الخائن، الذى باع السيد المسيح بثلاثين من الفضة، ولذلك لا يقوم الشعب بتقبيل أيدى الكهنة، كما هو معتاد. أمّا يوم خميس العهد فيقوم الكاهن أو الأسقف، الذى يصلى بغسل أرجل الكهنة والشمامسة والشعب، وذلك إشارة إلى غسل السيد المسيح أرجُل تلاميذه ليعلمهم الاتضاع. أمّا يوم الجمعة العظيمة فى بعض دول العالم؛ فله مظاهر احتفالية خاصة جدًا: ففى الفلبين تُغلق أغلب المحال التِجارية، وتُوقف المبادلات التجارية والحفلات فى هذا اليوم، وفى دول أمريكا الجنوبية يقوم الشبّان بتمثيل حى لآلام السيد المسيح. فى حين تُقام فى إسبانيا مَسيرات الجمعة العظيمة فى أنحاء المملكة كافة؛ وأبرزها المَسيرة التى تُقام فى مدينة إشبيلية، أمّا فى القدس فيُحتفل بطريق الآلام بحسب مواقعه التقليدية فى المدينة القديمة بَدءًا من قلعة أنطونيا، وحتى كنيسة القيامة، وفى الولاياتالمتحدةالأمريكية يُحتفل أيضًا بحمل صليب كبير على مثال الصليب، الذى حمله المسيح.