1083 عامًا هجريًّا هى الوقت الزمنى الذى مر على تأسيس أكبر مدرسة علمية فى العالم الإسلامى الجامع الأزهر الشريف، حيث يوافق السابع من شهر رمضان المعظم من كل عام ذكرى افتتاح الجامع الأزهر الشريف، ذلك التاريخ اعتبره الأزهر الشريف مناسبة سنوية يتم الاحتفاء بها كل عام. وكان المجلس الأعلى للأزهر قد قرر فى مايو 2018 برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، اعتبار مناسبة افتتاح الجامع الأزهر فى السابع من رمضان عام 361ه يومًا سنويًّا للاحتفال بذكرى تأسيس الجامع الأزهر. وفى هذا العام وفى السابع من شهر رمضان الأربعاء الماضى، عقد الأزهر الشريف احتفالية كبرى بالجامع الأزهر دعا إليها كل محبى الأزهر الشريف وأبناءه وعلماءه، حيث عبر فيها قادة الأزهر عن أهمية هذا التاريخ الذى أخرج للعالم الإسلامى عامة ومصر خاصة قبلة للعلم والخطاب الدينى الوسطى الواعى لصحيح الدين. فمن جانبه عبر د. محمد الضوينى، وكيل الأزهر، عن أهمية نعمة الأزهر، وأكد أن الله منَّ على مصر بالأزهر، ومنَّ على الأزهر بمصر، حيث قال فى كتابه العزيز: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) أى مطمئنين وواثقين من أنه لن تصيبكم المكاره والأخطار والمخاوف، فدخلوا فى حال من الفرح والسرور، وزال عنهم الغم والهم والكدر، وحصل لهم السرور والسكينة والطمأنينة والثقة. وأوضح أن الأزهر الشريف هو جزء من وعد الله لأمن مصر وأمنها، حيث قال: «من تأمل الآية وما فيها من معان كامنة وجد أن الأمن تتعدد وجوهه، فليس الأمن مقصورًا على أمور الدنيا، وإنما يشمل الأمن أمور الدنيا والدين معًا؛ فالأمن الفكرى والعقدى أمن داخلى لا يقل أهمية عن أمن الوطن الخارجى، فأمن الفكر والعقيدة هو أمن الأمة، وقد منّ الله على مصر بالأزهر ليحمى أمنها العقدى والفكرى، ويكون سدًا منيعًا أمام أى محاولة لطمس هوية مصر والعبث بعقيدة الأمة». وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته فى احتفالية بمناسبة مرور 1083عامًا هجريًا على تأسيسه، إن مصر الأزهر هى صمام أمان للأمتين العربية والإسلامية، فالأزهر حمى الهوية الإسلامية ولغة القرآن على مدار قرون وعلى مدى أزمنة، وقطاعات الأزهر تقوم بدور عظيم فى حماية المجتمع من التطرف والغلو، وتحذر الناس دعاة الفكر الهدام وأعداء الشعوب والمجتمعات والأديان، إلى جانب دوره فى التعاون مع المؤسسات الدينية الأخرى والتى تسعى جاهدة إلى تحقيق الاستقرار والأمان ونشر وسطية الدين الحنيف. وقال الدكتور الضوينى: «إننا نحتفل بمؤسسة وضعت بذور الخير منذ مئات السنين فى أرض مصر الطيبة فأثمرت، وما زالت ثمراتها تخرج بإذن ربها كفاحًا ونضالًا وتربية وتعليمًا وتوجيهًا ودعوة، تحمل مشعل هداية القلوب، واستنارة العقول، وتنشر الوسطية والاعتدال، وتدافع عن العقيدة الصحيحة فكرًا ومنهجًا؛ لتكون بذلك لبنة رئيسة فى حماية أبناء الأمة من الوقوع فى براثن الفتن، فقد ولد الأزهر لتزهر آثاره فى جنبات الحياة، فصار منارة للعلم، وقبلة للطلاب، وفى أروقته تعلم الملوك والسلاطين، وفى معاهده تخرج الرؤساء والوزراء والسفراء من شتى بقاع الدنيا، وإلى علمائه تقرب الملوك والأمراء، ومن صحنه انطلقت الثورات، ومن على منبره وجهت، وبقيادة علمائه ومشاركة طلابه انكسرت قوى الطغيان، وتحطمت أحلام الغزاة. وأوضح وكيل الأزهر أن الاحتفال بالأزهر فى حقيقته احتفال بمنحة ربانية منّ الله بها على الأمة، لتحمل لواء الدعوة الإسلامية، وتتخذ الوسطية سبيلًا ومنهجًا، فلا إفراط ولا تفريط، ولا مغالاة ولا تهاون، ولتكون حصنًا حصينًا، وسدًا منيعًا أمام الدعوات المتطرفة، والمناهج الهدامة، وستظل هذه المؤسسة مقاومة ومدافعة عن الإسلام الحنيف ما بقى الليل والنهار دون ضعف أو تخاذل؛ ولذا فمن حقنا أن نفرح بمؤسستنا، ومن واجبنا أن نتذاكر منهجه بين الحين والآخر حتى تقوم الحجة على المبطلين والمغالين، وتعود الحقوق إلى أصحابها. مؤسسة شاملة وتابع وكيل الأزهر أنه منذ منّ الله على البشرية بوجود الأزهر الشريف واستراتيجيته تدور حول الحرص على ما استقر فى وجدان الناس من ثوابت دينية وقيم أخلاقية، وتعمل على مواجهة تيارات العنف والتطرف؛ ولذا جند رجاله فى كل زمان ومكان للمشاركة فى تنفيذ رؤيته وأداء رسالته فى جنبات الوطن فانتشر دعاته ووعاظه وعلماؤه يجوبون العالم شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، ينقلون رسالته السمحة ومنهجه الخالد فى وسطية واعتدال وفكر مستنير يقدم صحيح الدين الذى أراد الله به للبشرية الخير والأمن والأمان، وها هو بقيادة فضيلة الإمام الأكبر يخوض حربًا شرسة لمواجهة غياب الوعى المجتمعى، فيسخر كل إمكاناته وقطاعاته لتثقيف الناس وتوعيتهم وإثراء معارفهم، بما يمكنهم من التمييز بين الحق والضلال، وإدراك قيمة الوطن، والعمل يدًا بيد على مواجهة ما يعرقل مسيرة تنميته وبنائه. واستعرض د. الضوينى جهود الأزهر، مبينًا أن الأزهر الشريف مؤسسة شاملة بقطاعاتها المتنوعة، بهيئة لكبار علماء الأزهر التى تحمل هم الدين وهم الأوطان، وتعكف على ما يشغل الناس من مستجدات لتصل فيها إلى رأى يرعى واقع الناس ويستجيب لحاجاتهم، ومجمع للبحوث الإسلامية يعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب المذهبى، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفى كل بيئة، وقطاع للمعاهد يربى النشء على الفضيلة وحسن الخلق قبل العلم، وجامعة عريقة أفادت المجتمع والعالم بخريجين أصبحوا رموزًا وقدوة لغيرهم، ولجان للفتوى فى كل مراكز مصر ومدنها تستقبل الجماهير كل يوم فتبين لهم ما اختلط عليهم من أمور دينهم ودنياهم، ومركز عالمى للفتوى الإلكترونية أسهم فى تيسير التواصل مع الناس بشكل لحظى للرد على أسئلتهم والإجابة على استفساراتهم، وأكاديمية لتدريب الأئمة من مختلف دول العالم وغير ذلك من وحدات. أروقة الأزهر وعن أهمية الأزهر وسبب التوسع فى أروقته فى مختلف المحافظات، قال الدكتور عبدالمنعم فؤاد، المشرف العام على الأروقة العلمية بالجامع الأزهر، إن أروقة الأزهر العلمية قديمًا كانت مصدر التبليغ الصافى للمسلمين فى كل مكان، وحديثًا منذ سنوات قريبة وجه شيخ الأزهر بإعادة دور الأروقة مرة ثانية ووضع مناهجها برؤية علمية رصينة تتوافق مع الشرع الحكيم الذى اؤتمن الأزهر على بيان حقيقته وسماحته، ووضع السلم التعليمى لهذه الأروقة متدرجًا مع التخصصات المتنوعة التى تُعالج الأفكار والمستجدات التى تطرأ يوميًا فى مجتمعنا المصرى، والمجتمعات الإسلامية والعالمية. وأضاف المشرف العام على الأروقة العلمية بالجامع الأزهر، إنه بتوجيهات من فضيلة الإمام الأكبر، ومتابعة فضيلة وكيل الأزهر تم افتتاح (1045) رواقًا بجميع محافظات مصر ومراكزها بل وعدد من قراها وبلغ عدد الدارسين من الأطفال من سن خمس سنوات إلى ثلاث عشرة سنة ما يربو على نصف مليون دارس، يحفظون كتاب الله عز وجل، ثم تم افتتاح أروقة علمية وقرآنية للكبار فى سبع عشرة محافظة يدرس فيها أكثر من مئة ألف دارس من شتى خريجى المعاهد والجامعات المصرية. وأوضح الدكتور فؤاد أن الغرض من أروقة الأزهر فى جميع محافظات مصر مواجهة الأفكار المتطرفة والتى جاءت من كل فج عميق وغزت بلادنا وتغولت على عقول شبابنا، مضيفا إن المحافظة على أمن الأوطان مطلب شرعى، وواجب دينى. صرح شامخ من جهته قال فضيلة أ.د سلامة داوُد، رئيس جامعة الأزهر إننا نحتفل اليوم بذكرى مرور 1083 عامًا لإقامةِ أول صلاة فى الجامع الأزهر فى السابعِ من شهر رمضانَ فى عام 361 من الهجرة، وهو احتفال بصرح العلم الشامخ وركنه الركين وحصنه الحصين، احتفال بهذه المناسبة فى الجامع الأزهر، وهو بيت من بيوت الله جل جلاله، نور على نور، نور الوضوء على نور الذكر على نور تلاوة القرآن الكريم ونور القيام والركوع والسجود، ومع جلال هذا النور الكثيف فإن الجامع الأزهر ازداد نورا بالعلم الذى تسمع له فى أروقته وجنباته دويا كدوى النحل. وأكد أن الأزهر يمضى مع الزمان يقهر الجهل والظلم وتتحطم على جدرانه أطماع الحاقدين والحاسدين والمرجفين، ويقيض له الله جل جلاله فى كل عصر من يقوم بشرف خدمته والنهوض به، من شيوخه العظماء وأئمته الأعلام وأعلامه النبلاء، الذين قيضهم الله تعالى للأزهر فى زماننا، وأذكر الشيوخ الأجلاء: المراغى والشناوى ومصطفى عبدالرازق وعبدالمجيد سليم وإبراهيم حُمْرُوش ومحمد الخضر حسين وعبدالرحمن تاج ومحمود شلتوت وعبدالحليم محمود وجاد الحق ومحمد سيد طنطاوى حتى تَسَلَّمَ الرايةَ الإمامُ الأكبرُ الدكتور أحمد الطيب شيخُ الأزهر الذى وهب حياته للأزهر الشريف وقدم له من المفاخر والمآثر ما يصعب حصره. مؤسسة سنية وسطية الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الأسبق، عضو مجمع البحوث الإسلامية، يرى أن الأزهر الشريف شاءت إرادة الله أن ينشأ مؤسسة إنسانية من يومه الأول، فمع أنه مؤسسة سنية إلا أنه يحتفظ بعلاقات جيدة فى عهوده السابقة مع أتباع الديانات والثقافات، موضحًا أن الأزهر ورجاله يؤمنون بأن اختلاف المعتقد ليس سببًا للعداء، تطبيقًا لقوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، مع الفصل التام بين العمل والتعاون المشترك مع أتباع الديانات كافة؛ وبين سلامة المعتقد، فإن العمل المشترك مع المخالف فى الدين يقره كتاب الله، ومعاملات رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم التى نحتج بها إلى اليوم فى فقهنا. وشدد قائلا : «إن الأزهر الشريف يكاد يكمل قرنه الحادى عشر، ومع ذلك لم يتطرق إليه الوهن ولن يكون، ولم يضعف ولم يكبر ولم يشِخ، وإنما هو فتى منذ وجد وإلى يوم أن يزول الكون كله، إنه الأزهر مع قدمه هو مؤسسة تسير على قدم وساق مع أحدث المؤسسات التى تأسست تمتلك أحدث وسائل التكنولوجيا، وقد أنشأ مراكز بحثية متطورة مثل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ومركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، وكذلك لجان الفتوى القديمة بعد أن تحولت الآن إلى العمل الحديث، فكلها تعمل مستخدمة سبل التواصل الحديثة، وهنا لجنة الفتوى بالجامع الأزهر أقدم لجنة للإفتاء فى العالم، وهنا الجامع الأزهر وجهوده فى خدمة طلاب العلم والزائرين من كل مكان». وأضاف إن الأزهر على مدار تاريخه يعيش فى سلام وأمان، لا يحمل له أى أتباع دين يعرفون الأزهر ومنهجه أى عداء، والأزهر تتعدد أدواره فهو مؤسسة تعليمية اجتماعية وطنية إنسانية، والأزهر يعمل على هذه المحاور كلها فى وقت واحد، وهو اليوم لديه 11 ألف معهد أزهرى يدرس فيها أكثر من مليونى طالب، وجامعة الأزهر أكبر جامعة على وجه الأرض، ومن أقدمها ما لم تكن الأقدم بالفعل، كادت تصل إلى المئة كلية، يدرس فيها أكثر من نصف مليون طالب من بينهم أكثر من 40 ألفًا، من أكثر من مئة دولة يدرسون فى جامعة الأزهر وفى معاهد الأزهر جنبا إلى جنب مع إخوانهم المصريين، على نفقة الدولة المصرية من خلال ميزانية الأزهر. وبيَّن أنه فى مجال الدعوة امتدت جهود الأزهر إلى أقصى الأرض، فإذا ذهبت إلى دول آسيا رأيت الأزهر وما فعله فيها، وإذا ذهبت حتى إلى الدول الأوروبية وجدت آثار الأزهر بادية على أبنائه هناك، مضيفًا إن الأزهر فى خلال عهده الطويل لم يوجه إليه نقد حقيقى من أى دولة من دول العالم، ولم تشتك دولة من دول العالم من خريجيها من أبنائها الذين درسوا فى الأزهر أو قالت إنهم تسببوا فى قلاقل مجتمعية بعد عودتهم، بل دائمًا هما وسيلة السلام وإطفاء الحرائق والجمع بين الناس فى ود واحترام، لأنهم تعلموا فى الأزهر الشريف الوسطية والاعتدال وفهموا دينهم فهمًا صحيحًا. 1 2