من منا لم يعش حكاية رمضانية جميلة تبدأ بعد رفع أذان المغرب وتمتد حتى فجر اليوم التالى فى مكان سياحى له طابع خاص يعد مصدر إلهام للعديد من الكتاب والأدباء المصريين حتى يومنا هذا، لروعته وخصائصه التى لم تتأثر بعوامل الزمن.. «خان الخليلي» شارع الألف عام أقدم الأسواق السياحية الشعبية فى مصر الذى نجح فى كسر النمط المعتاد عن الأماكن السياحية بأنها شواطئ ومنتجعات تستمد جمالها من البحر ليعيد للماضى سحره وأثره الطيب فى النفوس. الخان كما وصفه نجيب محفوظ وصفه الأديب المصرى العالمى الراحل نجيب محفوظ هرم الأدب وقلم البسطاء، فى روايتهُ التى حملت اسمه «خان الخليلي» قائلا.. «ستجِد فى الشارع الطويل، عِمارات مُربعة القوائم تصِل بينها ممرات جانبية تقاطع الشارع الأصليّ، وتزحُم جوانب الممرات والشارع نفسه بالحوانيت (أيّ الدُكان)؛ فدُكان للساعاتى وخطاط وآخر للشاى، ورابع للسجاد وخامس للتُحف وهكذا.. بينما يقع هُنا وهناك مقاهى لا يزيد حجم الواحدة منها عن حجم الحانوت (الدُكان) الصغير، وقدّ جلسَ الصنَّاع أمام الدكاكين يكبون على فنونهم فى صبر. فى قلب القاهرة وتحديدا فى منطقة الحسين يقع الخان الفريد من نوعه الذى يزيد عمره على 600 عام ويعود تسميته بهذا الاسم نسبة لمؤسسه أحد أمراء المماليك ويدعى جركس الخليلى وهو من مدينة الخليل الفلسطينية حيث هاجر إلى الخان العديد من تجار هذه المدينة وسكنوه وعملوا بالتجارة حتى أصبح أهم الأسواق المصرية التى تشتهر بالحرف التقليدية والتراثية والمشغولات النحاسية والذهبية والفضية التى تخطف الأنظار. يتسابق عمال الخان فى إتقان الصناعات اليدوية مثل صناعة السجاد والكريستال والمصنوعات الجلدية والأشغال اليدوية الفنية والملابس والأقمشة المطرزة والفوانيس والتماثيل الزجاجية والمعدنية والأحجار المختلفة. مقهى الفيشاوى بعد تناول الإفطار فى شهر رمضان الكريم وعلى أنغام الموسيقى الشرقية، يضاء خان الخليلى بأنوار الفوانيس الملونة لتعلن عن بداية رحلتك السياحية الشيقة المليئة بالبهجة وسط زحام المارة والمقاعد الخشبية التى رصها أصحاب المقاهى لجذب الرواد. وهنا يجذبك الجلوس على مقهى الفيشاوى أقدم مقاهى القاهرة الذى يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1797 واكتسب شهرته وبريقه بفضل الأديب الأبرز فى تاريخ مصر الحديثة الراحل نجيب محفوظ حيث كان يقضى فيه معظم أوقاته مع أصدقائه ومحبيه وكان شاهدا على كتابة السطور الأولى من مختلف رواياته القصصية. سائحون من مختلف الجنسيات تبهرهم الموائد الخشبية الصغيرة بالمقهى والمقاعد الأشبه بالأرائك العربية المريحة يجلسون بجانبك ليحتسوا الشاى بالنعناع المقدم لهم على صينية نحاسية ترى من خلالها نظرات الانبهار والإعجاب بسحر الشرق. مع تخت شرقى يعزف على العود أغانى الطرب الأصيل.. تعلو ضحكات المصريين وهم يلعبون الطاولة.. يقطعون حديثهم بتناول أشهى الحلويات الشرقية ملكة الأطباق طوال الشهر الكريم. كرنفال البضائع روائح جميلة تفوح من بخور المسك والعنبر تصل إليك لكى تصحبك إلى رحلة تسوق ممتعة فى خان الخليلى كرنفال البضائع من كل صنف ولون من الذهب والماس والفضة إلى أوراق البردى.. فلن تسطيع مقاومة النظر إلى آلاف المسابح داخل فترينات العرض. عين حورس على العقود المصنوعة من مختلف الخامات تبهر الفتيات ليتسابقن على شرائها مع قطع الملابس عالية الجودة التى تتميز بالتطريزات والألوان الجذابة وتشكيلة مميزة من الحقائب والأحذية المصنوعة من الجلود الطبيعية. أما بازارات التحف والهدايا فهى عالم آخر يجذب عشاق التاريخ والتراث مع بيع الأباجورات المصنوعة من الزجاج المعشق والزجاج البلدى والنرجيلة أو المعروفة بالشيشة العربى والتى أصبحت من أشهر منتجات خان الخليلى. الهدايا الفرعونية تبهر كل زوار الخان الذين يحرصون على إقتنائها مثل التماثيل المقلدة بحرفية عالية، وبأحجام مختلفة، التى تحمل أشكالا على سبيل المثال الأهرامات الثلاثة وتمثال المومياء داخل التابوت الفرعونى وغيرهما من أشكال التراث الفرعونى الثرى. أما المشغولات النحاسية ذات الطابع الإسلامى أو الفرعونى، فتنافس بقوة فى الخان مثل الأطباق النحاسية المنقوش عليها ملوك وملكات مصر، أو المكتوب عليها الأسماء باللغة الهيروغليفية. الجميل فى منتجات خان الخليلى هو تنوع أسعارها التى تبدأ من جنيهات معدودة حتى تصل إلى الآلاف حسب الحجم، والمادة المصنعة منها ودقة ومهارة الصناعة. صناعة الأسانس من أشهر منتجات الخان وأجملها وأسعارها تناسب كل رواد المكان وهى عبارة عن منتجات العطور العربية، والغربية التى تميز المكان برائحته الفواحة الجميلة. طبلة المسحراتي لا تنسى خلال رحلة التسوق الخاصة بك فى خان الخليلى أقدم أسواق الشرق.. التقاط الصور المميزة فى الحى العتيق حول المشربيات المطلة على الشارع الضيق وأحواض الماء التى كانت تروى العطشان وعابر السبيل قديما ..داخل الأزقة التى تنطق بجمال وفن المعمار المصرى الأصيل. وقت السحور، وعلى طبلة المسحراتى يتسابق العديد من زائرى الخان على حجز أماكنهم فى أشهر المطاعم هناك لتناول أطباق الفول والفلافل أشهر الأكلات المصرية المميزة خلال الشهر الفضيل.. ويستكملون الأجواء الرمضانية الجميلة وسط قرآن ما قبل الفجر وتواشيحه التى تعتبر سمة أساسية فى مصر طوال شهر رمضان.. وكأن الخان يعلن عن بداية يوم جديد من مظاهر الاحتفال بشهر الخير والبركات. 2 3 4