أزمة جديدة يواجهها العالم قد تتفاقم خلال الأشهر القليلة المقبلة، فالأزمة الروسية- الأوكرانية ظهرت تبعاتها أيضًا على الأغذية والمحاصيل الزراعية، الأمر الذى يهدد الكثير من الشعوب لمواجهة «مجاعة عالمية» لا يعرف مدى تأثيرها حتى الآن. وعلى مدار الأشهر الماضية تكاتفت الدول والمنظمات الدولية لوضع استراتيجية واضحة لتجنب تأثير هذه الأزمة وآثارها المباشرة على الاستقرار العالمى ومعدلات الهجرة. فوفق التقارير الأممية الأخيرة التى تنبأت بإمكانية حدوث كارثة عالمية متمثلة بمجاعة كبرى، فضلا عن موجة هجرة ونزوح غير مسبوقة، إذا لم يتم العمل سريعا على معالجة الأسباب الرئيسية لها ومنها الوضع المضطرب فى أوروبا، فضلا عن التغيرات المناخية الحادة التى تعصف بالكرة الأرضية.
سلاح المعركة وفق آخر تقرير لبرنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة، ومسئولون دوليون، حذروا من حدوث «أزمة مجاعة على مستوى العالم جراء نقص الحبوب بسبب الأزمة الأوكرانية». ووفق تقارير إعلامية غربية أوضحت أن الأزمة الحقيقية تكمن فى العقوبات الاقتصادية القاسية التى فرضتها أوروبا الغربيةوالولاياتالمتحدة على روسيا والتى تشكل «وسيلة للضغط عليها بهدف تركيعها»، الأمر الذى أدى إلى نتائج عكسية، حيث تفاقمت أزمة الغذاء العالمية.. وتحولت العقوبات إلى وسيلة لتركيع العالم. وأصبحت الحبوب وخاصة القمح «سلاح» جديد يدخل المعركة بين العالم الغربى وروسيا. وأوضح البرنامج الغذائى العالمى فى تقريره، أن رغيف الخبز عندما يدخل ساحة المعركة، «فإن الأمن الغذائى العالمى يصبح فى خطر حقيقى، وتصبح السياسة مصطلحا بلا أخلاق». وتتجه الأنظار دائمًا إلى العقوبات الغربية- الأمريكية على روسيا التى اتسمت بأنها عقوبات «غير مسبوقة» وبفضلها يشير الخبراء أنها ضد «القانون الإنسانى» وبمعزل عن أى تفويض دولى. قنبلة موقوتة وقد نقلت وكالة «رويترز» الإخبارية عن مدير برنامج الأغذية العالمى، مارتن فريك، الذى أكد: إن «الجوع يمكن أن يزعزع استقرار الدول ومن ثم فهو قضية سلام وأمن رئيسية»، مشيرًا إلى أن تضخم أسعار المواد الغذائية الحالى الذى يتجاوز 25% فى 36 دولة يمثل «قنبلة موقوتة». وأشار فريك إلى أنه من المرجح ألا يحصل برنامج الأغذية العالمى على أكثر من نصف المبلغ الذى يحتاجه هذا العام، وهو 21.5 مليار دولار، ولذلك فهناك حاجة إلى مزيد من المساعدات. وفى تقريرها الصادر مؤخرًا، كشفت منظمة الأممالمتحدة للطفولة «اليونيسيف»، عن أن نحو 8 ملايين طفل تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات وأقل، يواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية فى مرحلة الطفولة. وقالت اليونيسف إن الأطفال الأكثر تضررًا يعيشون فى 15 بلدًا، ويعانون حاليًا من نقص الأغذية، موضحة أنه من بين هذه البلدان «أفغانستان وإثيوبيا وهايتى واليمن»، وكلها تحتاج إلى مساعدات غذائية وطبية فورية. وحذرت المنظمة الأممية المعنية بالطفولة، من أن «عدد الأطفال الذين ينزلقون نحو منعطف الخطر بسبب سوء التغذية يتزايد كل دقيقة»، حيث أشار التقرير إلى مشاكل أساسية مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهو الوضع الذى تفاقم بسبب الأزمة - الروسية- الأوكرانية، وكذلك استمرار الجفاف فى العديد من البلدان بسبب تغير المناخ والآثار المستمرة لجائحة فيروس كورونا». كما شددت اليونيسف على أنه ينبغى تجميع حزمة مساعدات تصل قيمتها إلى 1.2 مليار دولار، لتفادى هذه النتائج. من جانبه كان رد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على هذه الاتهامات الدولية، مؤكدًا استعداد بلاده لتلبية جميع عقودها المتعلقة بالغذاء والطاقة، كما حمّل بوتين دول الغرب المسؤولية عن أزمة التضخم فى العالم. ووفقًا لوكالة «بلومبرج» الألمانية، يرى المحلل السياسى الألمانى أندرياس كلوث، أنه مع استمرار الأزمة الروسية- الأوكرانية، وإصرار الدول الغربية على مواصلة فرض العقوبات على موسكو لإجبارها على التراجع عن عمليتها العسكرية، فإن الخطوة التالية فى الصراع بين الغرب وبوتين ستكون لجوء موسكو لاستخدام أى من أسلحة الحرب، سواء أن كانت النووية والكيماوية وحتى القمح وإلى جانب كل ذلك الطاقة التى تنتج روسيا كميات كبيرة منها. ويقول كلوث، وهو رئيس تحرير صحيفة «هاندلسبلات» الألمانية سابقًا، إن بوتين بذل كل جهد ممكن طوال العقود الماضية لجعل دول الاتحاد الأوروبى تعتمد بأقصى صورة ممكنة على إمدادات الطاقة الروسية، لكى يضع الغرب تحت رحمة موسكو، والآن يستغل بوتين نقطة الضعف تلك لدى أوروبا. كارثة متعددة الأبعاد ومن جانبه، وصف الباحث وأستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، جيه. ميرشايمر، الحرب فى أوكرانيا بأنها كارثة متعددة الأبعاد، من المرجح أن تزداد سوءًا فى المستقبل القريب، محذرًا من نتيجة كارثية لهذه الحرب، معتبرًا أن الولاياتالمتحدة مسئولة أساسًا فى التسبب فى الأزمة الأوكرانية. وأوضح الخبير الأمريكى أن الولاياتالمتحدة دفعت بسياسات تجاه أوكرانيا يعتبرها بوتين وغيره من القادة الروس تهديدًا وجوديًا، وخاصة هوس أمريكا بضم أوكرانيا إلى الناتو وجعلها حصنًا غربيًا على الحدود الروسية. وحذر ميرشايمر فى محاضرة ألقاها بمعهد الجامعة الأوروبية (EUI) بفلورنسا بإيطاليا، من تداعيات كارثية لهذه الحرب، وعلى سبيل المثال، لا سيما توقعات بأنها ستؤدى إلى أزمة غذاء عالمية، من شأنها أن تسفر عن وفاة ملايين كثيرة من البشر. وقال رئيس البنك الدولى ديفيد مالباس، إنه إذا استمرت أزمة أوكرانيا، فسوف نواجه أزمة غذاء عالمية تعد «كارثة إنسانية». ومن المؤكد أن التوتر فى أوروبا أضر بالاقتصاد العالمى بشكل بالغ، ومن المحتمل أن يزداد هذا الوضع سوءا مع مرور الوقت. خطة عاجلة من جهتها، قالت مفوضة النقل فى الاتحاد الأوروبى آدينا فالين إن هناك حاجة عاجلة لإخراج 20 مليون طنًا من الحبوب من أوكرانيا فى أسرع فرصة، لافتةً إلى أن المفوضية وضعت خطة عاجلة لتسريع التصدير عبر ما أسمته «المسارات التضامنية» عن طريق البر. بدورها، تعمل الحكومة الألمانية على نقل ملايين الأطنان من الحبوب العالقة فى الموانئ البحرية الأوكرانية عن طريق السكك الحديد، على ما أعلن مسؤول كبير فى الجيش الأمريكى، وإعلام ألمانى. وقال الجنرال كريستوفر كافولى، المتوقع أن يكون القائد المقبل للقيادة الأمريكية فى أوروبا، فى كلمة أمام المشرعين الأمريكيين الخميس، إن ما يصل إلى 22 مليون طن من الحبوب عالقة فى أوكرانيا بسبب حصار روسيا لموانئ جارتها. وكحل للمشكلة، خصصت شركة السكك الحديد الألمانية مؤخرًا خدمة بالقطار لنقل الصادرات. وأكدت رئيسة شركة السكك الحديدية للنقل «DB Cargo» سيجريد نيكوتا أن شركتها تعمل على دعم أوكرانيا لتصدير الحبوب، مؤكدة وفق ما ذكر موقع «رند» الخميس، أنهم يفعلون كل ما فى وسعهم انطلاقًا من المسؤولية الاجتماعية. وأشارت إلى أن الشركة تُسيّر رحلات مع شركات شقيقة فى بولندا ورومانيا لتسيير عدد من القطارات التى تحمل شحنات من الحبوب يوميًا إلى موانئ مختلفة، بهدف تسريع عملية تصدير الحبوب عبر موانئ بحر الشمال والحبر الأسود والبحر الأبيض المتوسط. ودفعت خطورة الأزمة الأممالمتحدة أيضًا إلى التحرك، إذ يسعى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش للتوصل إلى اتفاق مع روسيا ودول أخرى، لفتح صادرات الغذاء الأوكرانية إلى الأسواق العالمية، وتجنب أى نقص محتمل فى سوق الغذاء العالمى، وفق ما نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن دبلوماسيين مطلعين على هذه الجهود. كذلك عملت إيطاليا على إيجاد نقطة تعاون مع روسياوأوكرانيا لفتح موانئ البحر الأسود حيث يوجد القمح المعرض لخطر التعفن، وذلك «من جهة لإزالة الألغام من هذه الموانئ، ومن جهة أخرى لضمان عدم وجود اشتباكات أثناء إزالة الألغام». وهذه ليست التحركات الوحيدة، ففى 18 مايو كشفت الولاياتالمتحدة ومصارف تنمية عالمية ومجموعات أخرى، خطة بعشرات المليارات من الدولارات تستهدف معالجة أزمة الأمن الغذائى فى العالم، كما أعلنت الخزانة الأمريكية أن مصارف كثيرة للتنمية فى العالم تعمل بسرعة لتنفيذ تمويلها، مشيرة إلى أن «بنك التنمية الآسيوى» سيساهم ماليًا فى إطعام سكان أفغانستان وسريلانكا، كما سيخصّص «بنك التنمية الإفريقى» 1.5 مليار دولار لمساعدة 20 مليون مزارع إفريقى. كذلك سيساهم «البنك الأوروبى للإنشاء والتعمير» و«بنك التنمية للبلدان الأمريكية» و«الصندوق الدولى للتنمية الزراعية» والبنك الدولى، بعشرات المليارات فى الأشهر والسنوات المقبلة، من أجل دعم منتجى الأغذية ومعالجة مسائل نقص الإمدادات. وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية أن البنك الدولى سيخصّص 30 مليار دولار فى الأشهر 15 المقبلة، للمساعدة فى مواجهة أزمة الأمن الغذائى. كما أعلن البنك الدولى أن الجزء الأكبر من الموارد سيذهب إلى دول فى إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية ووسط آسيا وجنوبها المتضررين الأبرز من هذه الأزمة، لافتًا إلى أن هذه المساعدات تدعم الزراعة فى تلك البلدان «والحماية الاجتماعية، للتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الأغذية» ودعم مشاريع إمداد بالمياه والرىّ. 2