مع بدءِ أيامِ شَهْر رمضان حرصنا على أن نكونَ معكم من خلال روضة رمضانية تقدم مادةً صحفية من نوع خاص تُشبع رغبة القارئ فى معرفة رأى الدين فى بعض القضايا وتأخذ بيده للجلوس على مائدة أحد كبار العلماء للتعرُّف على رأى الدين فى العديد من القضايا؛ حيث خصَّصنا فى «روضة رمضان» هذا العام حوارًا أسبوعيًا مع فضيلة المفتى د.شوقى علام، الذى يتسمُ بغزارة العلم والفقه، فضلاً عن كونك تشعر بالألفة معه كونه يحمل صفة العالِم الفقيه. كما كان لنا فى الروضة تحقيقٌ فى عدد من الموضوعات التى نعرضها تباعًا كل أسبوع نتعرَّف من خلالها على رؤية تنويرية دينية صحيحة تثير الوعى الدينى، وتسهم فى تعميق الفهم الصحيح للدين. ولم نتجاهَل فى «روضة رمضان» هذا العام من طرح عدد من الفتاوَى التى تساعدنا فى رمضان على تجاوُز بعض الأمور التى قد تلتبس لدَيْنا خلال الشهر الكريم.
فى أولى حلقاتنا الحوارية مع فضيلة الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، حرصنا أن نطرح على مائدته الرمضانية عددًا من الاستفسارات المتعلقة بالصوم والأعمال التى ينبغى على المسلم أن يكون حريصًا عليها.. وانطلقنا فى حديثنا مع فضيلة المفتى فى بداية روضتنا الرمضانية عن كيفية اغتنام شهر رمضان؛ حيث اعتبر المفتى أن رمضان فرصة عظيمة ينبغى ألا تضيع منّا ويرحل قبل نَيْل المغفرة والثواب من الله تعالى.
لذلك لا بُدَّ من العمل لكى ننهض بالأمّة، كما أن علينا أن نجذب الناس إلى الحق ونحبّب إليهم العبادة، ونحفزهم ونشجعهم على الاهتمام بجانب العبادة من قراءة للقرآن وقيام الليل وتحرّى ليلة القَدر وسائر الطاعات، فهو سوق سرعان ما تنفض، فيربح فيه مَن يربح إذا أحسن العبادة، ويخسر فيه مَن يخسر إذا ألْهته شهواتُه ونفسُه عن الطاعة والعبادة. وهنا يوضح لنا فضيلة المفتى الأعمال العبادية التى ينبغى أن يضعها المسلم نُصب عينيه فى رمضان، وكان أولها الصوم، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف»، ولأن الله تعالى قال: «إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلى».. ويلى الصيام فى أفضل الأعمال فى رمضان أيضًا قيام الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه»، فقد كان قيام الليل دأبَ النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمَهما كانت حالة المسلم عليه أن يحرص على القيام لقول أمّ المؤمنين عائشة رضى الله عنها: «لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدًا»، والتزم بذلك أصحابه؛ حيث كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يصلى من الليل ما شاء حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة ثم يقول لهم: الصلاة، الصلاة.. ويتلو: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى). المُفتى أوضح كذلك أن من الأعمال المستحبة فى رمضان الحرصَ على أداء الصدقة فى رمضان؛ حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون فى رمضان، كان أجودَ بالخير من الريح المرسلة فقد قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة صدقة فى رمضان»، لما للصدقة فى رمضان من مزية وخصوصية فعلى الجميع المبادرة إليها والحرص على أدائها ولتكن فى عدة صور، منها إطعام الطعام: لقول الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)؛ فقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما مؤمن أطعم مؤمنًا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم». ولذلك عُدَّ من الأعمال الجليلة فى رمضان تفطيرُ الصائمين لما له من أجر عظيم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شىء»، لافتًا إلى أن قراءة القرآن الكريم فى رمضان من الأعمال الجليلة التى يثاب عليه المسلم، وأيضًا كثرة الذكر وصلة الأرحام وتحرى ليلة القدر. رخصة الإفطار وبعد هذا التوضيح حول أهم الطاعات والعبادات فى رمضان كان لا بُدّ من الوقوف على قضية رخصة الإفطار، وتمسك البعض بالصوم رُغْمَ وجود عذر قهرى لإفطاره فى رمضان، وهنا يوضح الدكتور شوقى علام - مفتى الجمهورية- إن الأخذ بالرخص فى الشرع ليس تفلتًا من التكليف؛ حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحب أن تؤتَى رخصه كما يكره أن تؤتَى معاصيه»، ولذلك فإن من خصائص الشريعة الإسلامية أنها جاءت لكل المكلَّفين على اختلاف قدراتهم، ولكن فى الوقت ذاته وردت تكاليفها بما هو مقدور للإنسان وفى استطاعته؛ والأصل فى ذلك قول الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)، ولذلك لا نجد تكليفًا أو منسكًا من عزائم الشريعة إلا وله بديل أو ما نسميه فى الفقه وأصوله رخصة لمن عجز عن القيام بشىء من العزيمة، رحمة من الله وتخفيفًا على المكلَّف الذى يُعَدُّ محورَ التكاليف الشرعية. وأكد أنه مع شدة تعلُّق المسلم بصيام الشهر وإن تضرر بذلك، كرَّر الله تعالى ذكرَ رخصة الفطر فى آيتين متتاليتين من آيات الصيام؛ فقال عز وجل: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، ثم قال تعالى: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 185]، ويقرر الله سبحانه المبدأ العظيم فى رفع الحرج عن خلقه فيما يكلفهم به، فيقول تعالى عقب تفصيل آيات الصيام وما ورد فيها من رُخَص: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). وهنا توقفنا لمعرفة حُكم مَن كان يعمل عملًا شاقًّا لا يستطيع التخلى عنه فى نهار رمضان، وصعوبة الصوم مع تلك الأعمال التى لا يتسنى لصاحبها تأجيل عمله الشاق لما بعد رمضان، أو جعله فى لياليه، وهنا يجيب المفتى إن هؤلاء يجب عليهم تبييت النية من الليل، ولا يفطرون إلا فى اليوم الذى يغلب على ظنهم فيه أنهم سيزاولون هذا العمل الشاق الذى يعلمون بالتجربة السابقة أنهم لا يستطيعون معه الصيام؛ تنزيلًا للمظنة منزلة المئنة. ويُفضَّل محاولة الصيام وعدم الاضطرار إلى الإفطار إلا بعد الشعور بالمشقة؛ فالصيامُ خيرٌ إذا كانت هناك قدرة عليه. وعن حُكم إفطار الطلاب الذين يؤثر الصيام على تحصيلهم وتركيزهم؛ لا سيما أن رمضان أتى مصاحبًا للدراسة، قال فضيلة مفتى الجمهورية: يجوز للطلاب المكلفين الإفطارُ فى شهر رمضان، إذا كانوا يتضررون بالصوم فيه، أو يغلب على ظنهم ذلك؛ بالرسوب أو ضعف المستوى الدراسى، ولم يكن لهم بُدٌّ من الاستمرار فى الدراسة أو المذاكرة أو أداء الامتحان فى رمضان، بحيث لو استمروا صائمين مع ذلك لضعفوا عن مذاكرتهم وأداء امتحاناتهم التى لا بُدَّ لهم منها، فيجوز لهم الفطر فى الأيام التى يحتاجون فيها للمذاكرة أو أداء الامتحانات احتياجًا لا بُد منه، وعليهم قضاء ما أفطروه بعد رمضان عند زوال العذر، بحيث ينوون الصيامَ ولا يفطرون إلا إذا وقع الضرر الذى يمنع من التحصيل أو الامتحان كالإغماء مثلًا أو غيره. ومع هذا يرى المفتى، أن كل إنسان مكلف حسيب نفسه فى ذلك، وهو أمين على دينه وضميره فى معرفة مدى انطباق الرخصة عليه وتقدير الضرورة التى تسوغ له الإفطار. الدعوة فى رمضان هنا انتقلنا إلى نقطة مهمة وهى الدعوة والخطاب الدينى فى رمضان وما يجب أن تكون عليها؛ حيث أوضح المفتى أن الله تعالى رغَّب فى الدعوة إلى الله وإلى فعل الخيرات مطلقًا فقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)، وأكد ترغيبه على مواسم الطاعات بصفة خاصة، والتى منها شهر رمضان الكريم الذى نستقبله هذه الأيام،.. وفى هذه الأيام المباركات نتمنى أن يكون الخطاب الدينى فى شِقِّه الدعوى يدعو الناس إلى البِرّ والتقوَى والعمل الصالح، فى أيام يُضاعَف فيها الأجرُ وتصير النافلة فى مقام الفريضة، والفريضة تعدل سبعين فريضة فيما سواه، فقد وُرد فى صحيح ابن خزيمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فى آخر يوم من شعبان فقال: «أيها الناس قد أظلكم شهرٌ عظيمٌ، شهرٌ مبارك، شهر فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، من تقرَّب فيه بخصلة من الخير، كان كمَن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه». 2