يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21. مصطلح النسوية من المفاهيم الحديثة التى ظهرت بعد تطور الوعى بحقوق المرأة فى بدايات القرن 19، عندما بدأت الدعوات المطالبة بضمان حقوق عادلة للمرأة، ومساوية للرجل، وذلك بعد تهميش دور المرأة لفترات طويلة خلال مراحل التاريخ السابقة. بدأ ذلك منذ الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وقد نتج عنه العديد من الاتفاقيات الخاصة بالمرأة حتى تشارك الرجل فى تنمية المجتمعات، ولضمان استمرار الجهود الدولية من أجل إنهاء كل أشكال التمييز ضد المرأة. وحاولت بعض الدول العربية التعامل مع هذه الاتفاقيات بتحفظ؛ بسبب عدم توافق بعض بنودها مع قوانين وأعراف المجتمعات العربية، وامتنعت دول أخرى عن التعامل مع هذه الاتفاقيات. والنسوية هى تيار يدافع عن حقوق المرأة، وقد انتشر هذا التيار فى مختلف أنحاء العالم، فنشأت تيارات متعددة من بينها النسوية الليبرالية، والنسوية الاشتراكية، والنسوية السوداء الإفريقية والأمريكية. الفكر النسوى النسوية الإسلامية، هى نسوية لأنها حركة فكرية أنشأتها مجموعة من النساء دفاعًا عن حقوق المرأة، وهى إسلامية لأنها جعلت من القرآن والسُّنة مرجعية للفكر، فقد وجدن أن الإسلام يمنحهن حقوقًا وامتيازات، ولذلك فإن هدفهن التعريف بتلك الحقوق، والعمل على احترامها وتطبيقها، واعتبرن أن معاناة النساء ليست بسبب الإسلام؛ ولكن بسبب الجهل به وفى التفسيرات الخاطئة للدين. ولذلك ترى المفكرات النسويات أن الدفاع عن حقوقهن هو فى استرجاع ما منحهن الإسلام، وهن يعتبرن أنفسهن مفكرات يجمعن بين الوعى النسوى والمنظور الإسلامى. وبحُكم المرجعية الدينية فإن المطالبة بحقوق النساء تعتمد على إثبات الحقوق الدينية لهن، والتى يرفض الرجال منحهن إياها؛ لأنهم يعتبرونها تثبت أفضلية الرجل على المرأة، مثل القوامة، والزواج، والعمل السياسى، وتعتمد النساء فى ذلك على إعادة قراءة الآيات المتعلقة بهذه المسائل حتى يتم إثبات أن للنساء حقًا دينيًا منها. والتزمت المفكرات بمنهج يقوم على الاستقراء والاستنباط والتحليل، فهن يخترن المسألة، ثم يستقرأن النصوص، ثم يحللنها، وبعد أن يتم تحديد المعنى يدرسنه نقديًا للوصول إلى صيغ أكثر إنسانية، وأقل عدائية وانحيازًا ضد المرأة. التأويل فى القرآن وتعتمد النسوية الإسلامية على التأويل فى فهم القضايا الدينية، ومفهوم التأويل فى القرآن يعنى التحقيق والتجسيد، فالنبى يوسف عليه السلام رأى فى المنام أن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يخرون له ساجدين، وهذا الحلم تحقق فيما بعد حين أصبح عزيز مصر وجاءه أبواه وإخوته الأحد عشر وخرّوا له سُجَّدًا، وقتها تذكر النبى يوسف الحلم القديم: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا)، يوسف 100، تأويل رؤيا النبى يوسف هو تحقيقها عمليًا وتجسيدها فعليًا. وكان من معجزات النبى يوسف قدرته على التأويل، وقدرته على فهم المعنى الحقيقى للأحلام، والعلم ببعض الغيب الذى اختص به الله تعالى النبى يوسف: (كَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)، يوسف 21، (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)، يوسف 101. وتأويل الآيات المتشابهة الخاصة باليوم الآخر لا يعلمها إلا الله تعالى الذى يعلم كيف ستتحقق واقعًا يوم القيامة: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)، الأعراف 53. ويشمل التأويل تطبيق التشريعات الإلهية حين يكون هذا التطبيق البشرى للشرع كاملًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)، النساء 59، فالتأويل فى مفهوم القرآن هو التحقق والتجسد فى غيب المستقبل الدنيوى وغيب الآخرة. التأويل والفتنة تحدّث تعالى عن الذين فى قلوبهم زيغ، فيتبعون ما تشابه من القرآن ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ)، آل عمران 7، والفتنة فى مفهوم القرآن حين تتعلق بتعامل الله مع البشر فإنها تعنى الاختبار: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، الأنبياء 35. والفتنة فى تعامل البشر مع بعضهم البعض تعنى الإكراه فى الدين، والقمع الفكرى والاضطهاد للمخالفين فى الرأى والعقيدة، كما فى قوله تعالى عن المشركين المعتدين وضحاياهم المؤمنين: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)، البقرة 217. (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، النحل 110، ولهذا كان الهدف التشريعى من الجهاد فى الإسلام هو منع الفتنة فى الدين، أى منع الاضطهاد الفكرى والعقيدى؛ ليكون الدين علاقة خالصة بين الله تعالى والبشر، وليكون للبشر الحرية فى الاختيار؛ لتتحقق مسئوليتهم الكاملة عن هذا الاختيار يوم القيامة: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)، الأنفال 39. الفكر النسوى نقديًا إن وجود نسوية إسلامية بالمعايير الحالية جعل البعض يراها رد فعل على النسوية الغربية، ودفاعًا عن الهوية الدينية التى تطبع كل أشكال الحياة، والحقيقة أنه يوجد فرق بين مفهوم النسوية الإسلامية وبين مفهوم النسوية الغربية بكل ما تتضمنه من ديمقراطية وتعددية وعقلانية ومساواة وغيرها. ويرى البعض أن وجود نسوية إسلامية قد تمثل الدفاع عن صورة المرأة المسلمة، وتغيير الصورة النمطية للغرب عن الإسلام، وفى الوقت نفسه تحسين وضعية المرأة، من خلال منحها حقوقًا انطلاقًا من أسُس دينية، وهو ما من شأنه أن يلقى قبولًا داخل المجتمعات المسلمة المحافظة؛ خصوصًا أن المجتمعات العربية الذكورية ترفض التنازل عن الحقوق المكتسبة للرجل. إلى جانب رفض نسبة من النساء التغيير الذى تحمله النسوية الإسلامية المعتدلة، وترفض الخروج من عباءة الرجل وحمايته، ولذلك فالنسوية الإسلامية تسعى إلى انتزاع حقوق دون السعى إلى تغيير ثقافة المجتمع، مما جعل جهد الباحثات محدود النتائج. لقد حاولت تيارات مختلفة بالعالم العربى والإسلامى أن تستلهم فكرة حقوق المرأة من الغرب، بحيث لا تتعارض مع الدين وتعطى حقوقًا للمرأة، فى مجتمعات ذكورية تعيش فيها المرأة إنسانًا ومواطنًا من الدرجة الثانية، وفى ظل وجود ظلم مجتمعى بحق المرأة. ولذلك فإن التعرف على النسوية الإسلامية قضايا ومنهجًا وحدودًا؛ يكون من خلال مشروع عمل يمكن أن يعمل فيه باحثون بمختلف تياراتهم، من أجل تطوير أدوات ومناهج أفضل للنهوض بالمجتمع، ورفع الظلم الواقع على الكثيرين. وحتى تتغير نظرة المجتمعات العربية للمرأة يجب تبنى حقيقى للأفكار التنويرية، وتغيير الخطاب الدينى الذى يحصر دور المرأة فى أنها زوجة وأم وأخت وابنة، مع أن آيات القرآن تتحدث عنها باعتبارها إنسانًا له حقوق وواجبات مثل الرجل. 3