وهو الذي يحرك «الفتنة» منذ سنوات يشارك أستاذ الطب الأشهر د.محمد غنيم في الحياة العامة والسياسية بقوة.. ورغم تعدد التيارات وتناقضها إلا أنه من الشخصيات القليلة التي لا ينكر أحد استقلاليتها ونزاهتها وحسها الوطني الرفيع. ومن خروجه من المنافسة علي منصب رئيس الجمهورية إلي تقييمه لتفاصيل الأحداث العصيبة والمتلاحقة التي يمر بها الوطن يدور حوارنا مع د.غنيم. كيف تري في ظل المشهد الموجود في مصر الآن مستقبل الثورة وصورة المشهد أو المرحلة القادمة؟ هذه طبيعة الثورات.. والمفروض أن الثورة لم تكتمل بعد لأن من قام بالثورة المفروض أن يقوم بإسقاط النظام ثم يتولي السلطة وهذا لم يحدث بعد. ومما لاشك فيه أن الشعب هو صاحب الثورة وهو الذي قام بها والجيش قام بحماية هذه الثورة، وترتيبا علي ذلك فإنني أتصور أن المرحلة الانتقالية التالية يجب أن تكون بإنشاء مجلس رئاسي فيه ممثل للقوات المسلحة وأربعة من المدنيين الذين يوافق عليهم الشعب وتشكيل حكومة انتقالية «وقد تم بالفعل تشكيل الحكومة الانتقالية» وصياغة دستور جديد تقوم به جمعية تأسيسية وأن يتم تحديد العلاقة بينهما بإعلان دستوري «دستور مؤقت» وتحديد الفترة الانتقالية لمدة عام علي الأقل وأن يواكب ذلك تغيير قانون مباشرة الحقوق السياسية وعلي وجه الخصوص حرية تكوين الأحزاب بمجرد الإخطار وأن يكون انتخاب مجلس الشعب بواسطة القائمة النسبية. هناك الآن من يري أن كثيرا من المخاوف قد ظهرت بعد الثورة وإننا قد ندخل في مرحلة إسقاط الدولة لا إسقاط النظام. العجلة والسرعة في إجراء استفتاء علي التعديلات الدستورية وإجراء الانتخابات النيابية لمجلس الشعب والشوري في شهر يونيه القادم والفراغ الأمني والتجريس السياسي قد يؤدي إلي ظهور هذه المخاوف، ولكن بعد الثورات تحدث مراحل من السيولة والاضطراب وقد ساعد علي زيادة هذه المخاوف أن الغياب الأمني مريب إلي جانب زيادة المطالب الفئوية والاعتصامات وإن كان بعضها شرعياً.. وحتي تحقق الثورة ما قامت من أجله وهو إقامة مصر ديمقراطية حقيقية وتحقيق الحرية يجب أن تكون هذه المطالب دون اعتصامات أو إضرابات ويجب ألا ننسي أن الثورة عمرها شهر واحد تقريبا وهذه فترة قصيرة جدا للحكم عليها. تفجرت هذا الأسبوع أحداث طائفية غير مسبوقة وهي أحداث كنيسة «الشهيدين» في قرية «صول» بحلوان.. فهل تري أن الفتنة الطائفية ستبدأ بالدوامات في الانتشار بحيث تتفجر أحداث أخري في مناطق مختلفة، وكيف تري تبعات ذلك علي الدولة في هذه الفترة؟ - في رأيي أن هذه الفتنة حدثت بفعل فاعل وفي إطار تسجيل أزمات تعرقل مسيرة الثورة بعد أن تم إفراغ البلد من الأمن وإطلاق البلطجية والسوابق لترويع الناس وفتح السجون وإطلاق المساجين حتي يشعر الناس بأن النظام السابق هو الذي كان يحقق الأمن والأمان فيحدث نوع من الانقلاب أو التضييق علي الثورة وأعتقد أن هذه الأحداث لن تتكرر. والدليل أنه أثناء الثورة والمظاهرات المليونية في ميدان التحرير وفي جميع المدن في محافظات مصر لم تحدث أي فتنة طائفية.. علي العكس كان الشعب المصري مسلمين ومسيحيين يداً واحدة وكان منظرا فريدا علق عليه العالم وأذهلهم وهو وقوف المسيحيين لحماية المسلمين أثناء أداء الصلاة مما يؤكد علي أن الوحدة الوطنية شيء مترسخ في وجدان الشعب المصري، ولهذا فأنا أري أن الحادث الأخير هو حادث عارض نشأ من خناقة عائلية وغياب الأمن جعلها تتفاقم والأيدي الخفية لعبت دورا في إشعال الفتنة، فالمسلمون والمسيحيون يعيشون في قرية صول مركز أطفيح منذ مئات السنين ولم نسمع أن قام مسلم بحرق كنيسة ولا مسيحي بحرق جامع ولا حدث هذا في أي مكان في مصر، لهذا يجب أن ينتبه الشعب المصري مسيحييه ومسلميه بأن هناك من يتربص بمصر ولا يريد لها أن تنهض وتقوي وأن يرفع المصري رأسه لأن مصر لن تقوي إلا إذا كان المصريون مسلمين ومسيحيين يداً واحدة. هل ظهور أحزاب ذات مرجعيات دينية سواء إسلامية أو مسيحية سيؤدي إلي ترسيخ دولة دينية.. هناك الآن حزب «الوسط» وسعي لإنشاء أحزاب لجماعة الإخوان والجماعة الإسلامية وأيضا السلفيين يحاولون تكوين أحزاب ومطالبات بأحزاب مسيحية.. وهذا هو ما يتصدر المشهد السياسي الآن. - في ظل الديمقراطية من حق كل فصيل سياسي أن يعبر عن برنامجه وتوجهاته، لكن في نفس الوقت يجب أن تتاح الفرصة كاملة للأحزاب الديمقراطية التي تنادي بدولة مدنية تؤمن بالتعددية وتداول السلطة وحقوق المواطنة وهذا ما سوف تفرزه صناديق الانتخابات، ولهذا يجب أن تتاح الفرصة لكل الأحزاب للنزول إلي الشارع وإقناع الجماهير ببرنامجها، ولهذا يجب مد الفترة الانتقالية لمدة عام علي الأقل قبل إجراء أي انتخابات برلمانية وأن تجري الانتخابات بواسطة القائمة النسبية. أين كنت أثناء الثورة؟ - كنت مع شباب الثورة والشعب في المظاهرات ولكن في ميدان التحرير في المنصورة.. حيث كان هناك ميدان للتحرير في كل محافظات مصر والثورة كانت موجودة في كل محافظات مصر. هناك من يري أن الشباب الذين فجروا الثورة ودفعوا ثمنها سحبوا من المشهد سياسيا وإعلاميا ولم يعد لهم تأثير في الأحداث التي نراها ونشاهدها الآن وهي أحداث تتلاحق بسرعة كل يوم؟ - هذا غير صحيح وشباب ثورة 25 يناير موجودون علي الساحة ويقومون الآن وبهمة بتكوين أحزاب سياسية، ولذا يجب إتاحة الفرصة الزمنية لهم حتي يكونوا مؤثرين بالفعل في المشهد السياسي وأنا أري أن تأثيرهم سيكون قوياً وسيذهل العالم أيضا كما أذهلت العالم ثورتهم. إلي أي حزب تنتمي؟ - توجهي ومن قبل الثورة ليبرالي يساري معارض ولا أنتمي لأي حزب الآن وإن كنت في الماضي اسمي مسجلا في حزب الجبهة الديمقراطية ثم تركت الحزب. لماذا؟ - لأن الأحزاب في ذلك الوقت كانت مهمشة وليس لها دور، كما أن المناخ السياسي الذي كان قائما لا يسمح للأحزاب ماعدا الحزب الوطني بالتواجد الفعلي أو العمل.. كانت الأحزاب مجرد أسماء فقط، ولهذا وجدت أنه لافائدة من دخول أي حزب وفي نفس الوقت لم أحب الانضمام للحزب الوطني ولم أشارك في الانتخابات مثلي مثل معظم المصريين في عصر مبارك والحزب الوطني. والآن..؟ - أنا الآن أشارك وأشتغل مع جموع الشباب والجماهير وأنزل إلي الشارع في المظاهرات مثل كل الناس. ولماذا تنوي ترشيح نفسك لمنصب رئيس الجمهورية؟ - أنا لم أرشح نفسي ولكن الناس وشباب 25 يناير هم الذين طرحوا اسمي ورشحوني لمنصب رئيس الجمهورية ووجدت اسمي يتداول علي صفحات الجرائد من بين الأسماء المرشحة لمنصب الرئيس. ولكن وبعد التعديلات الدستورية الجديدة وخاصة المادة 76 والتي حددت أن تكون زوجة رئيس الجمهورية مصرية وأنا زوجتي أجنبية تحمل الجنسية الإنجليزية لم أعد من المرشحين لمنصب الرئيس. وما رأيك في التعديلات الدستورية؟ - في رأيي أن الفقرة التي حددت أن تكون زوجة رئيس الجمهورية يجب ألا تكون أجنبية وأن تكون مصرية قد أضيفت في عجلة بغرض إقصاء شخص بعينه. ومن هو هذا الشخص؟ - لست أنا ولكنه معروف للناس ولهذا لن أذكر اسمه «ملحوظة: د.زويل هو المتزوج من غير مصرية» وأري أن التعديلات اقتصرت علي 6 أو 7 مواد تختص بالرئاسة ولم تتعرض للمواد التي تمنح رئيس الجمهورية سلطات غير محدودة، بالإضافة إلي سوء الصياغة وأتصور أن تشكيل اللجنة التي قامت بتعديل الدستور أو هذه المواد كان عليها علامات استفهام ولهذا جاءت التعديلات بها عوار شديد ويجب تعديلها. هناك حوالي 20 اسما مشهورا مطروحا الآن كمرشحين لمنصب رئيس الجمهورية أبرزهم الفريق أحمد شفيق بعد استقالته من رئاسة الوزارة ود.عمرو موسي وعمر سليمان والبرادعي وحمدين صباحي ود.أحمد جويلي ود.أحمد زويل وأيمن نور والمستشار هشام بسطويسي ود.كمال الجنزوري ود.عمرو خالد ود.نعمان جمعة والمستشار طارق البشري أيهم في رأيك يصلح لمنصب الرئيس؟ - لا أستطيع الكلام عن أحدهم ولكن وفي ضوء التعديلات الدستورية أري أن «البرادعي» أقدر المرشحين لمنصب الرئيس حيث إن له دورا بارزا في عملية التغيير ولم يشارك في الفساد وإفساد الحياة السياسية في مصر وهو وجه مصري ناصع. وما رأيك في قضايا الفساد التي يتم كشفها..؟ - رغم كل ما كان يكتب عن وجود فساد إلا أن الفساد الذي تم كشفه بعد الثورة لم يكن أحد يتصوره حتي أن العالم قال إن الفساد في مصر ليس له مثيل في أي بلد في العالم أو فاق أي فساد في العالم، حيث إن كل النظام فاسد وكل أجهزة النظام فاسدة والفساد كان يتم بفجور وبكم وبكيف لا يتصوره أحد. وفي رأيي أن كل فاسد أو كل من عمل علي الفساد أو ساعد علي الفساد يجب أن يحاكم وأن تكون هناك محاكمات مالية ومحاكمات جنائية ومحاكمات سياسية. وما تقييمك لمحاكمة الرئيس السابق محمد حسني؟ - «مبارك» وعائلته.. يجب أن تتم محاكمتهم لأن هذه الأموال هي أموال الشعب ويجب أن تعود للشعب وأن تكون المحاكمات نوعاً من الضغط والمقايضة حتي يتم عودة الأموال التي سلبوها من الشعب. هناك مخاوف منذ اليوم الأول للثورة من الثورة المضادة من جانب بقايا النظام السابق والحزب الوطني والمنتفعين من هذا النظام. كيف تري هذا الأمر ودوره فيما يقع الآن من أحداث..؟ - هناك دائما مخاطر وعلينا الانتباه ومن أهم المخاطر في الوقت الحالي التعجل في إجراء الانتخابات البرلمانية وطبعا الاضطرابات الموجودة في الشارع والغياب الأمني وانتشار البلطجة وفتح السجون وحرق الأقسام وأخيرا حرق ملفات جهاز أمن الدولة ولا ننسي أحداث يوم الأربعاء المشهورة وواقعة الجمل.. فكلها من مظاهر الثورة المضادة وأتصور أن المحرك لها فلول الحزب الوطني ورموز النظام السابق مع جهاز أمن الدولة، والحمد لله أن جهاز أمن الدولة سقط حيث إنهم كانوا يريدون بهذه الأحداث والوقائع إحداث فوضي عارمة وكأنهم كانوا يريدون أن يشيعوا أن الثورة هي التي أدت إلي الفوضي. مع تصاعد المطالب الفئوية في الفترة الأخيرة والمطالب الشخصية ثم أحداث الشغب والانفلات الأمني والتردي الاقتصادي.. هل تري أننا نسير في اتجاه الفوضي الشاملة؟ - هذه طبيعة الثورات ويجب أن يكون هناك حل لكل هذه المشاكل حيث إن أغلب هذه المطالب زيادة الدخول والأجور والرواتب، وقد حكمت المحاكم من قبل بتحديد الحد الأدني للدخول ويجب أن يتم تحديد الحد الأعلي للأجور في الحكومة والقطاع العام حتي يشعر الناس بالعدالة. ويجب فورا إنشاء صندوق إنقاذ وطني في البنك المركزي يتلقي التبرعات من الداخل والخارج لإنقاذ اقتصاد مصر وأن يعرف الناس أن تحقيق المطالب مرتبط بزيادة الإنتاج وقوة الاقتصاد وهذا لا يتحقق إلا بالعمل والإنتاج. كيف تري ما تفجر مؤخرا بخصوص جهاز أمن الدولة وكيف تري ما يجب فعله تجاه هذا الجهاز مستقبلا؟ - جهاز أمن الدولة كان عاملا من عوامل الإفساد والفساد في مصر ولهذا أري أن يتم تحديد عمله في مهام محددة ومحدودة وهي تتبع الجاسوسية والإرهاب في الداخل أن تعمل المخابرات خارج الحدود لتتبع الإرهاب والجاسوسية والمفروض ألا يكون له دخل في تعيين رؤساء الشركات أو رؤساء الجامعات وعمداء الكليات. في إطار المشهد السياسي نري صعوبات شديدة في تشكيل حكومات قوية منذ تولي الفريق شفيق وحتي وزارة عصام شرف الحالية حتي إن الشخصيات الكبيرة والتي تحظي بقبول الجماهير أغلبهم يرفض الوزارة وفي نفس الوقت الوزارة التي تشكل لا تمكن من القيام بمهامها بسبب أن الشارع ثائر ويضغط بشدة في اتجاه مطالبه ويريد أن تتحقق فورا وبالتالي فهذه الحكومات لا تستطيع أن تفعل أي شيء للإصلاح! - هذا أمر طبيعي والمفروض أن يكون هناك وزارة لتسيير الأعمال فقط حتي لا تحرق نفسها سياسيا والحكومات الحالية ليس مطلوبا منها أن تحقق مطالب ولكن المطلوب منها في هذا الوقت هو المسار الدستوري ويجب أن يكون لها موقف في التعديلات الدستورية القاصرة وفي الفترة الانتقالية من ناحية إذا كانت كافية أو غير كافية.