لم أشاهد سمية القرمانى بهذا الانكسار والحزن من قبل منذ أن عرفتها.. إلا بعد ما تعرضت له على يدى شرطى المرور العنصرى الإسبانى الأصل.. الذى ضربها وداس على رأسها فى شوارع منهاتن فكسر نفسها وهز كبرياءها.. وسمية هى أول سائقة أتوبيس ركاب مصرية ومحجبة فى شوارع منهاتن بنيويورك، نزحت من قرية الولجة بمحافظة الشرقية، حيث كانت موظفة سابقة بالتموين بمنيا القمح..وذهبت إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد فوزها بالهجرة العشوائية.
أقترح عليها أن تلجأ للقنصلية المصرية للحصول على حقها رغم أنها تحمل الجنسية الأمريكية. وأذهب معها إلى قنصل مصر العام فى نيويورك فى ذلك الوقت عام 2013 السفير أحمد فاروق والذى يعمل حاليًا كسفير لمصر بالمملكة العربية السعودية.. وقد عشقته الجالية المصرية بنيويورك وتمسكت بوجوده.. حتى أن المصريين قاموا بمظاهرات أمام السفارة بعد انتهاء المدة المحددة له كى يبقى معهم ولا يتركهم. يقابلنا بحفاوة شديدة مما أثلج صدر سمية وطمأنها.. فهى لأول مرة تقابل سفيرًا كما أخبرتنى بعد ذلك. يسألها القنصل الإنسان عن مشكلتها بابتسامته الهادئة.. تجيبه بنبرة منكسرة حزينة: أعمل على خط (جيرسى سيتى نيويورك).. وأتمتع بسمعة طيبة بين الزملاء وبين الركاب أيضًا وأحرص على عدم ارتكاب أى مخالفات مرورية ورغم ذلك أتعرض للاضطهاد من أحد رجال البوليس فى جيرسى سيتى يدعى (جوان بريوس). فكلما شاهدنى يستوقفنى بلا سبب ويعاقبنى بالكثير من المخالفات بلا مبرر ودون أن أرتكب مخالفات.. ومنذ يومين يلمحنى هذا الشرطى فى الإشارة بشارع كيندى بوليفارد القريب من ميدان جورنال سكوير، وجاء يتتبعنى ثم يستوقفنى بطريقته العنيفة ويقف بجوار نافذة الأتوبيس ويمطرنى بنظرات الكراهية والاحتقار.. ويقف رجل بوليس آخر بجوار الباب.. يطلب منى الرخص..فسألته لماذا؟ خاصة أننى لم أفعل شيئًا!! فيقول بحدة: لأنك قمت بإنزال الركاب من الأتوبيس.. فقلت له: لم أقم بطردهم كى ينزلوا ولكن أنتم من أوقفتم الأتوبيس وعطلتم الركاب فنزلوا ليركبوا أتوبيسًا آخر!! وكنت مشغولة بمتابعة الركاب الذين ينزلون من الأتوبيس.. فطلبت منه أن يمهلنى دقيقة حتى أنتهى من نزولهم.. وبعد أن غادر كل الركاب الأتوبيس أخرجت الرخص وأعطيتها لرجل البوليس الآخر الواقف بجوار الباب.. فوجدته يحدثنى بغضب ويطلب أن أسلمه هو الرخص.. فتوجهت إلى الباب كى أحضر الرخص من زميله وأسلمها له بناءً على أوامره.. ولكن الشرطى العنصرى لم يعطنى فرصة فقابلنى على الباب وكنت فى هذه اللحظة قد تلقيت مكالمة من ابنى.. فوجدته يجذب التليفون من يدى بعنف ويكسره أمام عينى ويلقى به على الأرض مما جعلنى أسأله بانفعال: - لماذا حطمت التليفون؟ فيزداد انفعالًا وغضبًا.. ويجذبنى من ذراعى ويضع الكلبشات فى يدى. بدا الانزعاج على وجه القنصل العام وهو ينصت لما تقوله سمية باهتمام.. حتى أنه قاطعها متسائلًا: لماذا يفعل ذلك معك أنت بالذات؟ تزفر سمية تنهداتها وتقول بأسى: سألت نفسى هذا السؤال كثيرًا لماذا يضطهدنى هذا الشرطى الذى ينتمى لأصول إسبانية.. ولكن لم أجد إجابة سوى أنه من تلك النوعية العنصرية التى تكره العرب والمسلمين وربما فعل ذلك لأننى محجبة. تستكمل سمية حكايتها بصوت كأنه البكاء قائلة: بعد أن وضع الكلبشات فى يدى يطرحنى أرضًا أمام الجميع حتى صار وجهى ملامسًا للأرض.. وشعرت بشىء ثقيل يجثم على ظهرى ويضغط عليه ولا أعلم هل هى قدم جوان أم يده.. وشعرت بآلام رهيبة فى عظام صدرى.. ثم جذبنى من على الأرض بعد ذلك ووضعنى فى سيارة الشرطة التى نقلتنى إلى قسم شرطة جيرسى سيتى.. ورجوتهم أن يقوموا بالاتصال بأبنائى لأنهم ليس لهم أحد غيرى فرفضوا.. فطلبت أن أذهب للمستشفى، وفى المستشفى قاموا بعمل أغرب أشعة شهدتها فى حياتى.. حيث أجروا الأشعة فوق ملابسى الشتوية الثقيلة وبالطبع لم تكشف عن شىء.. وذكروا فى التقرير أننى لم أصب بأية إصابات. ثم زجوا بى في السجن الساعة العاشرة مساءً لمدة 24 ساعة لأقضى يومًا بين البلطجية والمجرمين وكان أسوأ يوم فى حياتى. حين ذكرت سمية السجن وجدتنى أسرح فيما قصته لى عن السجن فى أمريكا وتجربتها القصيرة هناك.. وكيف كانت تجلس خائفة منزوية فى السجن القذر حيث يأكلون فى أوانٍ غير نظيفة وتمارسن النساء الشذوذ مع بعضهن على الملأ.. ولا تنسى تلك السجينة الشابة التى رفعت ملابسها وهى تشير لحارس الزنزانة بحركات إيحائية أشعرتها بالقرف والتقزز وبثت فى قلبها الرعب.. إلى أن خرجت فى اليوم التالى فى الساعة الثانية عشرة ظهرًا. عدت إلى التركيز مع سمية التى ما زالت تقص حكايتها للقنصل الذى يسمعها بصبر واهتمام.. وكنت أحيانًا أبتسم فى صمت أثناء استخدام سمية لبعض الألفاظ المضحكة وهى تنطقها بلهجتها الريفية التلقائية فمثلًا وهى تصف جسد الشرطى القوى بأنه (زى العجل). وتستطرد سائقة الأتوبيس الجريحة: ولم يكن هذا الموقف الأول لاضطهاد رجل البوليس جوان بريوس. فمنذ عدة أسابيع قد استوقف أتوبيسى أيضًا وأعطانى (13 غرامة) مخالفات فى نفس الوقت وكلها بدون سبب وأشياء لم أرتكبها. حتى أن بعض زملائى لاحظوا اضطهاده المتكرر لى وأخبرونى أنه يصعد للأتوبيسات خصيصًا للبحث عنى!!. انتهت سمية من حكايتها وبدا على القنصل التأثر والتعاطف مع المواطنة المصرية المضطهدة، والتى جاءت تستغيث بقنصليتها لتعيد لها حقوقها وتدافع عن كرامتها التى أهدرها الشرطى الأمريكى العنصرى. وعدها أحمد فاروق أنه سيصعد الأمر لرئيس البوليس أو ما يشبه وزارة الداخلية لدينا ولكن طلب منها أن تكتب كل ما ذكرته فى مذكرة توقع عليها بصفتها مواطنة مصرية وليس بصفتها مواطنة أمريكية..وطلب منى مساعدتها فى كتابة المذكرة. وأكدت سمية أن الكاميرات الموجودة فى موقف الأتوبيس قد التقطت هذا الاعتداء والاضطهاد المهين لها. كما أخبرت سمية القنصل المصرى أن زملاءها من السائقين العرب والمصريين غاضبون لما حدث وأنهم يعدون لتنظيم وقفة احتجاجية أمام مكتب البوليس لمساندة زميلتهم السائقة المضطهدة. تركنا القنصلية وسمية تشعر بالامتنان للقنصل العام.. وتشكرنى أننى ساعدتها فى الوصول إليه.. فأخبرتها أننى ليس لى فضل فى ذلك فمكتبه مفتوح للجميع ولا أحد من أبناء الجالية يحتاج لواسطة لمقابلته. وبالفعل لم يمض أسبوع إلا واستعادت سمية حقها بفضل القنصلية المصرية والقنصل العام لنيويورك السفير الإنسان أحمد فاروق الذى أرسل على الفور إلى رئيس البوليس يخبره باعتداء الشرطى الأمريكى واضطهاده للمواطنة المصرية سمية القرمانى.. ويحقق فى الأمر ويتم معاقبة الشرطى بالنقل إلى ولاية بعيدة، وتشعر سمية أنها استعادت كرامتها وعاد حقها والفضل للقنصل أحمد فاروق، ولجواز سفرها المصرى والقنصلية المصرية بنيويورك.