إسرائيل فى طريقها إلى الانتخابات الرابعة خلال عامين، بعد تمرير القراءة الأولى لقانون حل الكنيست الثانى والعشرين، المقدم من كتلة المعارضة بقيادة تحالف يش عاتيد-تيلم، الذى يتزعمه الليبرالى يائير لابيد، ودعمته كتل من الائتلاف الحاكم، فى مقدمتها حزب كاحول لاڤان بقيادة رئيس الوزراء البديل ووزير الدفاع بينى جانتس، وحزب العمل، رغم أنه لا يتجاوز نسبة الحسم فى أى استطلاع وحده، بدون حركة ميرتس، والقائمة العربية المشتركة، رغم انقلاب الإخوان فيها، بقيادة نائب رئيس الكنيست منصور عباس، حتى إنهم تغيبوا دعما لاستمرار بنيامين نتنياهو، لكن رغم ذلك، تم تمرير أول قراءة بأغلبية 61 عضوا، والانتخابات لن تبتعد عن منتصف مارس المقبل، ولم يبق فى عمر هذا الكنيست سوى أيام! هناك عدة سيناريوهات ترسم صورة المشهد السياسى الإسرائيلى، لا تؤثر فيها بشكل كبير موجة التطبيع غير الحدودى المتعاظمة فى الفترة الأخيرة، سوى فى الأبعاد الاقتصادية، ولاتزال الأيام المقبلة حبلى بمفاجآت تتعلق بالقراءات الباقية لقانون حل الكنيست.
ولو وصلنا لسيناريو الانتخابات الرابعة، غير المستبعدة، حتى من بعد الانتخابات الثالثة، لولا خيانة جانتس لحلفائه القدامى فى تحالفه «كاحول لاڤان» «لابيد» و«آيالون».. فأغلب استطلاعات الرأى تشير لبقاء الليكود ونتنياهو فى الصدارة، لو لم يدخل السجن، أو تتم عرقلته بسبب الملاحقات القضائية فى ملفات الفساد المتورط فيها، وتحركت أسهم جانتس بشكل أو آخر، حتى إن حزبه صعد فى استطلاعات من 9 إلى 11 مقعدا بسببها فى الغالب، لكنه يتعرض لبعض الهزات الآن. استطلاعات الرأى المختلفة تظهر أيضا تغيرا كبيرا فى توجهات التصويت الشعبى، مخالفة بشكل أو آخر لتوجهات المظاهرات الشعبية فى الشارع التى تحاصر مقر وسكن نتنياهو، خلال الشهور الأخيرة، خاصة بعد انقلاب القيادة الليكودية جدعون ساعر، على نتنياهو، وأصبح يحقق حزبه، حتى قبلما يشكله فعليا، أو يسميه، المركز الثانى أو الثالث فى استطلاعات الرأى، وساعر أضر جانتس أيضا، حيث ذهب معه عدة نواب من حزب جانتس، فيما تظهر الاستطلاعات أيضا صعودا تدريجيا كبيرا لوزير الدفاع السابق «نفتالى بينت»، رئيس التحالف اليمينى المتطرف جدا، «يمينا»، حيث يصل فى الاستطلاعات للمركز الثانى بعد الليكود بعدد مقاعد يتراوح من 19 إلى 23، حسب جهة الاستطلاع وتوقيته، ويرجع صعود بينت وشريكته «إيليت شاكيد» وزيرة العدل الشابة السابقة، إلى الخلافات التى تضرب المعسكر اليمينى بكل تنويعاته، ويحمل اليمينيون مسئولية ذلك لنتنياهو، الذى لم يهتم باستمرار بالتكتل اليمينى بعد تشكيل الائتلاف، فيما يرى اليمينيون غير الليكوديين إن بينت هو البديل المناسب لنتنياهو، الذى يتراجع بشكل أو آخر بينهم بسبب إدارته لأزمة الكورونا، والتى فشل نتنياهو فى إرضاء كل الأطراف فيها، رغم لهاثه على شراء كميات كبيرة من اللقاحات التى تظهر فى كل الدول، وكانت أزمة الموازنة معرقلة لهذا البند فى حد ذاته، لكن تم تمريره باستثناء وافق عليه الجميع طبعا. هذه الضبابية والتخبط الذى يسيطر على المشهد السياسى الإسرائيلى، ويحيك بنتنياهو نفسه، منح خصمه اللدود «لابيد» بعض القوة، رغم التراجع الذى يعانى منه اليسار فى إسرائيل عموما، خلال السنوات الأخيرة، ورغم التراجع الكبير لحليفه المنقلب عليه، جانتس، حيث يحتل «لابيد-آيالون» بحزبيهما «يش عاتيد-تيلم» المركز الثالث بعد نتنياهو وبينت وقبل جانتس، بعدد مقاعد، يتراوح ما بين 18 إلى 16، وهناك توقعات بزيادتها، مع الدخول فى أجواء الانتخابات، وسط نداءات لإعادة تحالف «كاحول لاڤان» لإسقاط نتنياهو، أو على الأقل الوصول لتعادل بين القوى، خاصة أن هناك تراجعا ما فى مقاعد القائمة العربية المشتركة الأقرب لهذا المعسكر، حيث تتراوح المقاعد المخصصة لهم فى الاستطلاعات من 10 إلى 12، ولديهم الآن 15 مقعدا، ويرجعها البعض لخيانة الإخوان للقائمة لصالح الليكود، بينما هناك أسباب عديدة للتراجع منها التفاقم الكبير لأزمة الكورونا فى القطاع العربى بالداخل دون مواجهة حقيقية من نوابهم للحكومة الإسرائيلية، التى تضع القطاع العربى فى آخر قائمة مواجهة الكورونا، بل تتهمهم بأنهم والقطاع الحريدى السبب فى استمرار الكورونا بهذه النسب الخطيرة.. أما عن العنصر الأصغر فى هذا المعسكر، وهو ميرتس، فتحرك قليلا إلى سبعة مقاعد!
ورغم كل هذه التغيرات التى طرأت على المشهد السياسى الإسرائيلى، التى تحركت فيه موازين القوى بشكل ما، إلا أن أحزاب الصهيونية الدينية والقوى الاستيطانية لاتزال تحافظ على قوتها المعتادة، بلا زيادة أو نقصان، حيث تمنح استطلاعات الرأى كلا من شاس ويهودوت هاتوراة سبعة مقاعد.
إجمالا، فإن الحسابات الرقمية للتكتلات السياسية الإسرائيلية، تظهر تفوقًا يمينيًا غير مريح، حيث ستحصل أحزاب اليمين على متوسط 65 مقعدًا، بينما أحزاب «اليسار-وسط» ستحصل على متوسط 47 مقعدًا، والحزب المنفصل عنهما «يسرائيل بيتينو» سيحصل على متوسط 8 مقاعد، فى حين لو حدث واحد من الاحتمالات السياسية المستبعدة فى إسرائيل، بأن يتم تشكيل ائتلاف من «يمينا» و«يش عتيد» و«كحول لفان» و«يسرائيل بيتينو» فسيحصلون على 61 مقعدًا وسيكونون قادرين على تشكيل حكومة، بأغلبية قليلة.
وحتى إذا تم التوصل إلى حل وسط مؤقت لمسألة الميزانية وتأخر بشكل أو آخر سيناريو الانتخابات الرابعة لحين، فسيبقى الائتلاف مشلولا غير قادر على أداء مهامه الأساسية.. وهذا أمر مؤثر داخليا وخارجيا، ولن يكون ائتلاف بهذا الشكل قادرا على التعامل مع بايدن، فرئيسه لا يلتقى أغلب وزرائه، وهناك قلق بينه وبين قيادات الجيش، وفى مقدمتهم رئيس الأركان أڤيڤ كوخافى، فهو لا يطلعهم على ملف التطبيع الخليجى مكتفيا برئيس الموساد يوسى كوهين ومستشار الأمن القومى مائير بن شبات وسكرتيره العسكرى، ويناورهم فى ملف إدارة أزمة الكورونا، فيعلمون كغيرهم من الرأى العام الإسرائيلى بصفقات التعاقد على اللقاحات، رغم أنهم يجب أن يوافقوا على استثناءات لتمرير التمويل فى ظل أزمة الموازنة، التى طالت لقرابة العامين.
أخيرا، فإن الانقسام السياسى والشعبى الإسرائيلى، له جانبان إيجابى وسلبى تجاه التعامل مع الأطراف العربية، لكن هناك ثابت وهو لا خلاف فى مواجهة إيران بشكل أو آخر، رغم المناوشات حول التفاصيل الصغيرة، بالإضافة للتوافق حول ملف التطبيع الخليجى، رغم غضب جانتس واشكنازى من تحييدهما فى الغالب عن الملف.
وأغلب الاختلافات تظهر فى الملف الفلسطينى، إن كان فيما يتعلق بالتعامل مع السلطة الفلسطينية بعد إعادة التنسيق الأمنى أو التعامل مع حماس، فجانتس يروج لرغبته فى التواصل مع الفلسطينيين ويدعوهم لذلك، بينما نتنياهو يتحسس كلماته، ويدعو ساعر ونفتالى لرفض أية دولة فلسطينية.