مع توالى اكتشافات الغاز الطبيعى فى منطقة شرق المتوسط، فإن قطاع البترول والغاز فى مصر سيكون بمثابة فرس الرهان الرابح؛ لتحقيق معدلات نمو اقتصادية غير مسبوقة، ما يساهم فى دخول مصر نادى الاقتصادات الكبرى، كما توقعت العديد من المؤسسات الدولية. يمثل قطاع البترول 30 % من الناتج القومى الإجمالى لمصر، ومن الواضح أن الفترة القادمة ستشهد زيادة فى تلك النسبة، خاصة أن مصر لم تبدأ فى البحث عن البترول والغاز فى المناطق الاقتصادية الخالصة لها فى غرب الدلتا والبحر الأحمر، إلا منذ فتر قصيرة للغاية. ومع إعلان شركة إينى الإيطالية، الأسبوع الماضى، عن اكتشاف حقل غاز جديد فى المياه المصرية بالبحر الأبيض المتوسط، تمضى فى رحلة النجاح المصرية فى استتكشاف الطاقة، التى بدأت منذ 6 سنوات. انطلاقة جديدة رغم صغر حجم احتياطات الحقل الجديد، الذى يقع فى منطقة نورس بغرب الدلتا، والتى تقدر ب4 تريليونات قدم مكعب، مقارنة باحتياطيات حقل ظهر؛ تتمثل أهميته فى أنه يعد انطلاقة لمزيد من الاكتشافات فى منطقة غرب الدلتا، وهى منطقة شاسعة تقع ضمن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، والتى لم يمر على توقيعها أكثر من شهرين فقط. يقع الحقل الجديد فى منطقة النورس الكبرى بالبحر المتوسط على عمق 16 مترًا من المياه، و5 كيلومترات من الساحل، و4 كيلومترات شمالًا من حقل نوروس، الذى تم اكتشافه فى يوليو 2015. ويتضمن مشروع غرب الدلتا 5 حقول بحرية شمال الإسكندرية، ويشمل اتفاقيتين هما: شمال الإسكندرية، وغرب البحر المتوسط.. بدأ العمل فى المشروع فى العام 2014، مع استقرار الوضع السياسى والأمنى، من خلال تحالف شركة «بريتش بتروليوم» البريطانية، وشركة DEA الألمانية، كما شهد مشاركة شركتى إنبى وبتروجيت فى أعمال التنفيذ، بينما تبلغ احتياطيات المشروع 5 مليارات متر مكعب غاز و55 مليون برميل متكثفات، ويصل حجم استثماراته إلى 9 مليارات دولار. وتم الانتهاء من المرحلة الأولى للمشروع قبل الموعد المقرر بثمانية أشهر، مما حقق لمصر وفراً يبلغ مليار دولار سنوياً يصل إلى 1.8 مليار دولار بعد انتهاء تنفيذ المرحلة الثانية للمشروع. فى السياق نفسه، أكد د. ماهر عزيز، خبير الطاقة الدولى، وعضو مجلس الطاقة العالمى، أن الاتفاق الأخير بين مصر واليونان، يتيح لكل من مصر واليونان، المضى قدمًا فى تعظيم الثروات المتاحة فى المنطقة الاقتصادية الخالصة، لكل منهما. وأوضح عزيز أنه بحسب تقديرات هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية فى عام 2010، فإن حجم الاحتياطى فى حوض شرق المتوسط يزيد على 4.3 مليار برميل بترول، ونحو 345 تريليون قدم مكعب، مشيرًا لأن هذه الثروات كانت ستصبح محل نزاع، إذا لم ترسم الحدود البحرية بين الدول، بدلاً من أن تكون فرصة للتعاون وفائدة لكل الأطراف. وأضاف أن احتياطات الغاز قبل توقيع الاتفاقية الأخيرة بين مصر واليونان، بلغت نحو 200 ترليون قدم مكعب من الغاز فقط، مشيرًا لأنه إذا امتدت حدود المنطقة الاقتصادية المصرية، غرب شرق المتوسط فى اتجاه اليونان، فهذا يعنى أن هناك إضافة حقيقية لهذا الرصيد الذى سيكشف عنها المسح السيزمى والجيو تقنى، الذى سيتم بمقتضى ترسيم الحدود فى هذه المنطقة الاقتصادية. وتابع خبير الطاقة الدولى أن هذا الرصيد يعتبر ضخمًا بالتأكيد ويضع مصر على عتبة متقدمة جدًا بين الدول المنتجة للغاز، ما يؤمّن وجودها باعتبارها حلقة وصل بين الشرق والغرب، فى تجارة الغاز، ويعزز مركزها، فى إنشاء سوق غاز إقليمية عبر منتدى غاز المتوسط. أكد عزيز أن التقديرات أكبر كثيرًا مما نتصوره، فإذا كانت البداية ب200 ترليون قدم مكعب من الغاز، فإن الأفق متسع لإضافات كبيرة، وهو ما يجعل مصر على مدى نحو 30 عامًا على الأقل لها مركز محورى فى تجارة وتبادل الطاقة، فى حوض شرق المتوسط. البحر الأحمر وبجانب مشروع غرب الدلتا، تراهن مصر على منطقة البحر الأحمر، لتحقيق المزيد من اكتشافات النفط والغاز الطبيعى، إذ أعلن الرئيس السيسى، فى مارس العام الماضى، عن طرح أول مزايدة للتنقيب فى هذه المنطقة. من جانبه، قال مدحت يوسف، رئيس هيئة البترول الأسبق: إن هناك مؤشرات قوية للغاية للشركات العالمية التى قامت بعملية المسح السيزمى لوجود احتياطى كبير فى هذه المنطقة، مشيرًا إلى أن ذلك عامل إيجابى لجذب الشركات العالمية للتنقيب عن الثروات فى هذه المنطقة. فى السياق نفسه، أكد الدكتور حسنى الخولى، الخبير النفطى، أنه تم إنفاق نحو 750 مليون دولار لإجراء عمليات المسح السيزمى ثنائى وثلاثى الأبعاد للبحر الأحمر، وهو ما أدى إلى وجود نتائج أولية لوجود كميات ضخمة من الغاز والنفط، وبالتالى بدء طرح المزايدات. وأضاف أن الاكتشافات التى تمت فى البحر المتوسط والدلتا المصرية كانت بمثابة الدافع للشركات العالمية للتنقيب فى منطقة البحر الأحمر أيضا، مشيرًا لأنه كان هناك اكتشافات فى شمال البحر الأحمر وخليج السويس، وهناك أيضا فى السودان على نفس الخط، فضلاً عن الاكتشافات التى أعلنت عنها المملكة العربية السعودية على الشاطئ الآخر من البحر الأحمر. واستطرد أن أحدث التقارير العالمية تشيرلأن مصر ستصبح واحدة من العشر الدول الكبرى فى إنتاج الغاز الطبيعى، نتيجة للاكتشافات المتتالية. الغاز الصخرى لا تتوقف رهانات مصر على منطقتى غرب الدلتا والبحر الأحمر فحسب، بل يتسع الرهان ليشمل الاحتياطات المحتملة للغاز والنفط الصخرى فى الصحراء الغربية، خاصة بعدما كشف تقرير لهيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، عن احتواء مصر على نحو 536 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى الصخرى، بالصحراء الغربية. وأكد أحمد عبدالفتاح، نائب الرئيس التنفيذى للهيئة المصرية العامة للبترول للاستكشاف السابق، أن تقريرا لوكالة الطاقة الأمريكية، كشف بالفعل عن احتواء مصر على نحو 536 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعى الصخرى، مشيرا إلى أن 99 تريليون قدم مكعبة من هذا الاحتياطى قابل للاستخراج، بينما قد يتضمن الجزء الباقى مخاطر فى استخراجه. بينما قال د.صلاح حافظ، رئيس هيئة البترول السابق: إن هناك احتمالية بوجود كميات من النفط الصخرى المتداخل مع الصخور الزيتية فى جنوب مصر، وفقًا للدراسات الجيولوجية، حيث سبق أن أبرمت مصر اتفاقية تتعلق بالاتجاه نحو الاكتشافات غير التقليدية على غرار أمريكا وبريطانيا وهولندا، لكنّها لم تفعّل حتى الآن. وعن قدرة مصر على التوجه لهذه الاكتشافات غير التقليدية، أشار حافظ إلى أن الاتجاه نحو هذا النوع من الاكتشافات محفوف بالمخاطر؛ نظرًا للتكلفة الباهظة، ما يدفع بتراجع المستثمرين والشركاء الأجانب خوفًا من تكبدهم خسائر. وكان المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء السابق، قد أعلن فى منتصف عام 2015 عن أن الصحراء الغربية يوجد بها نوعان من التراكيب الجيولوجية، وأن الغاز الصخرى جزء من هذين النوعين، والذى يتواجد فى التراكيب الجيولوجية المتماسكة، مشيرا إلى أنه تم البدء فى مشروع خاص بالتراكيب الجيولوجية المتماسكة، والذى من المنتظر أن يتم الإنتاج منه. ووقعت مصر مع شركتى «أباتشى» و«شل مصر» أول عقد لإنتاج الغاز الصخرى فى منطقة الصحراء الغربية، باستثمارات تتراوح ما بين 30 و40 مليون دولارفى أواخر 2014. التسييل والتصدير تمتلك مصر مفاتيح مستقبل الغاز فى منطقة الشرق المتوسط، وذلك نظرًا لامتلاكها تكنولوجيا صناعة تسييل الغاز الطبيعى فى مصنعى إدكو ودمياط، حيث يمكنها هذان المصنعان من التواجد بقوة على الخريطة العالمية، والتحول لمركز إقليمى لتجارة وتداول الطاقة. وتعد محطات التسييل أحد أهم وسائل مصر لزيادة صادرات الغاز الطبيعى إلى الخارج، حيث إن وجود المحطات أعطى لمصر الأفضلية فى إبرام اتفاقات مع كل من قبرص وإسرائيل على مد مصر بالغاز من الحقول المملوكة لهما فى شرق المتوسط، لتحويله إلى غاز مسال يعاد تصديره إلى الخارج. ولعل نجاح مصر فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعيى قبل عامين، كان نتيجة طبيعية لنجاعة الإستراتيجية المصرية، التى جعلت البلاد تعود لتصدير الغاز الطبيعى مرة أخرى، بعدما بلغت الصادرات فى العام الماضى، نحو 1.9 مليار دولار. لذلك يمكننا القول إن قطاع البترول من المتوقع أن يظل فى قيادة قاطرة الاقتصاد المصرى خلال السنوات المقبلة، كما كان خلال السنوات ال6 الماضية.