فى 2005 أدلى المخرج الأمريكى المخضرم «فرانسيس فورد كوبولا» بتصريح غريب قال فيه إن الدافع الوحيد الذى جعله يتراجع عن رأيه بشأن إنتاج الجزء الثالث من ثلاثية «الأب الروحى، The Godfather»، هو الخسارة الفادحة التى تعرض لها فيلمه «واحد من القلب، One from the Heart» عام 1982، حيث حقق آنذاك إيرادات فى شباك التذاكر بقيمة 380 ألف دولار مقابل ميزانية بلغت 26 مليون دولار. وبعيدًا عن أن الصراع بين «كوبولا» واستديوهات «بارمونت»، المنتج الحصرى للثلاثية، وهو صراع أسطورى يعرفه الجميع سواء كانوا نقادًا أو عاملين بمجال السينما أو حتى من الجمهور العادى، ويعرفون أنه بدأ حتى قبل تصوير الجزء الأول وأثناء المراحل الأولى من إعداد السيناريو مع الأديب الراحل «ماريو بوزو»، وهو نسخة معدلة أصلًا من سيناريو مبدئى كتبه السيناريست الأمريكى «دين ريزنر» أحد المشاركين فى تأليف سيناريو الفيلم العظيم «هارى القذر« Dirty Harry». إلا أن معركة صنع الجزء الثالث بالتحديد كانت مغايرة لا لشىء سوى أن «كوبولا» نفسه كان رافضًا للفكرة منذ البداية لأنه كان يشعر أن القصة انتهت بنهاية الجزء الثانى، ولهذا استغرق الأمر حوالى 15 عامًا ليظهر الجزء الثالث للنور . الآن وبعد 30 عامًا وبالتحديد الأسبوع الماضى، فجرت «بارمونت» مفاجأة من العيار الثقيل؛ إذ أعلنت أن «كوبولا» عكف فى الشهور القليلة الماضية على إعادة تحرير نسخة جديدة من الجزء الثالث لتوافق رؤيته الخاصة التى أصر عليها فى الماضى والتى رفضتها «بارمونت» لظروف إنتاجية خاصة بها، وهو ما أثر فى نهاية المطاف على تقييمه ونجاحه، فقد اعتبر هذا الجزء-تاريخيًا-الأضعف من بين الأجزاء الثلاثة. النسخة الجديدة المرممة، والتى ستطرح فى دور السينما العالمية بحلول ديسمبر المقبل تزامنًا مع الذكرى الثلاثين لطرحها أول مرة، أطلق عليها «كوبولا» عنوان «الأب الروحى خاتمة: موت مايكل كورليونى،The Godfather, Coda: The Death of Michael Corleone». وهو نفس العنوان الأصلى الذى اتفق عليه «كوبولا» مع «بوزو» قبل رحيله عام 1996. وفى بيان له تعليقًا على هذا الأمر قال «كوبولا» إن النسخة الجديدة من الفيلم سيكون لها بداية ونهاية جديدتين، مشيرًا إلى أنه عكف على إضافة مشاهد جديدة وتحرير مشاهد أخرى وإعادة ترتيب بعض المشاهد واللقطات القديمة، وكذلك تحرير الموسيقى التصويرية التى لحنها والده «كارمين كوبولا» للجزء الثالث، وخلطها ببعض «ثيمات» الموسيقى الأيقونية التى لحنها «نينو روتا» للجزئيين الأول والثانى. ورغم أن «كوبولا» لم يكشف أى تفاصيل إضافية عن النسخة الجديدة، إلا أن حديثه عن تصوير بداية ونهاية مختلفتين عن النسخة الأصلية، كان مثار تساؤلات شتى، وهل ما إذا قرر الاستعانة ب «آل باتشينو» وابنته «صوفيا كوبولا» و «أندى جارسيا» لتصوير المشاهد الجديدة أم لا. ويجادل البعض أن هذا الأمر قد يكون مستبعدًا، وخاصة أن افتتاحية الفيلم يمكن بكل سهولة تغييرها لتناسب رؤية «كوبولا» الأصلية، ذلك أنها احتوت على المونولوج الشهير الذى يتحدث فيه «مايكل كورليونى» عن علاقته بابنته «مارى». ومن المعروف أن السيناريو الأخير الذى أعده «كوبولا» لتصوير الفيلم، قد تم تعديله تمامًا بعد رفض الممثل المخضرم «روبرت دوفال» إعادة تجسيد دوره الأسطورى «توم هيجان» لأن «بارمونت» عرضت عليه مليون دولار كأجر له، إلا أنه أراد أجرًا مماثلًا للذى تعاقد عليه «باتشينو» والذى بلغ 5 ملايين دولار. هذا الأجر قد تم تخفيضه من 7 ملايين دولار بعد تدخل «كوبولا» الذى هدد بحذف شخصية «مايكل» نهائيًا من الفيلم وإعادة كتابة السيناريو مرة أخرى على أن يبدأ بجنازته، وهو الأمر الذى جعل «باتشينو» يتراجع ويرضى بالأجر المتفق عليه. اضطر «كوبولا» لكتابة السيناريو مجددًا بعد حذف شخصية «هيجان» تمامًا من الفيلم وخلق شخصية المحامى «بى.جى.هاريسون» الذى جسده «جورج هاملتيون»، إلا أن «كوبولا» لم يرض عن النتيجة، حيث قال إنه لطالما شعر أن الفيلم «ينقصه شيئًا ما»، لأن شخصية «هيجان» كان لها دور محورى فى الحبكة وكان من المفترض أن يكون مسئولًا عن إدارة جميع أعمال عائلة «كورليونى» الشرعية بعد انسحاب «مايكل» من المافيا. ورغم ذلك، بدأت عملية التصوير دون اكتمال السيناريو لانسحاب «دوفال» المفاجئ، وهو ما جعل «كوبولا» يشعر بضغوط كبيرة لضيق الوقت، وهو أمر أدخله فى معارك طويلة المدى مع «بارمونت»، حيث إنه طالب بأجر قيمته 6 ملايين دولار و6 أشهر فترة إعداد للسيناريو، لكن شركة الإنتاج رفضت وتعاقدت معه على مليون دولار و6 أسابيع فقط لكتابة السيناريو. هذا بالإضافة إلى أن «كوبولا» كان قد اختار «جوليا روبرتس» لتجسيد شخصية «مارى» إلا أنها انسحبت قبل التصوير بفترة ليست بالطويلة، ثم اختار «وينونا رايدر» التى بدأت بالفعل التصوير لتنسحب هى الأخرى.. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة «جارديان» البريطانية عام 2000، كانت «رايدر» تعانى من مشكلات صحية وشعرت بالإجهاد العصبى فى أول يوم تصوير بالعاصمة الإيطالية روما. هذا الأمر أثار آنذاك موجة هائلة من الجدل فى وسائل الإعلام، لدرجة أن «بارمونت» كانت سترفع دعوى قضائية بحق «رايدر» وهدد بعض نجوم الفيلم بالانسحاب لولا تدخل ودعم «باتشينو» والنجمة «دايان كيتون» التى تجسد شخصية «كاى» زوجة «مايكل»، ليستقر الاختيار-ضد رغبة «بارمونت»-فى نهاية المطاف على «صوفيا كوبولا» والتى كانت حديثة عهد بالتمثيل، وأحد أسباب الانتقادات السلبية العنيفة التى وجهت للجزء الثالث. وفى مارس 1990، أى قبل تصوير الفيلم بشهور قليلة، لم يستقر «كوبولا» على نهاية للفيلم وقد كان فى نيته أن يعاقب «مايكل» على جرائمه خاصة قتل شقيقه «فريدو»، وقد انخرط مع «بوزو» فى مناقشات طويلة حول هذا الأمر، ليتفقا على أن أنسب عقاب له ليس قتله، ولكن أن يخسر ابنته وهو ما حدث بالفعل فى مشهد دار الأوبرا الشهير. فى بيانه الذى نشره مؤخرًا يقول «كوبولا» إنه و «بوزو» كانا ينويان منذ البداية أن يكون الجزء الثالث بمثابة خاتمة Epilogue للقصة وليس جزءًا جديدًا لها، والخاتمة فى الأدب عكس الاستهلال Prologue، تلملم فيها القصة شتاتها بعد ذروة الحبكة، ويعرف الجمهور مصائر الأبطال، وهو بالضبط ما يشى به عنوان الفيلم الأصلى «موت مايكل كورليونى». وفى حوار أجراه العام الماضى مع موقع «ديدلاين» الأمريكى، يقول «كوبولا» إن النسخة الجديدة من الجزء الثالث ستكون أقصر ب14 دقيقة من النسخة القديمة، وإنه أراد أن يعيد تعديل بعض المشاهد التى ظهرت بها ابنته «صوفيا»، مضيفًا: «سأجعل أداءها أكثر دراميةً وتأثيرًا، وفى النهاية لن يموت مايكل، لكنه سيخسر كله شىء بالنسبة له، أى ابنته».