التأثير الكبير لفيروس «كورونا» على عجلة الاقتصاد وحركة الأموال فى العالم.. يختلف خبراء الاقتصاد حول توصيف تلك الحالة بالركود أو الكساد.. ووسط تلك الحالة التى يبحث فيها الجميع عن مَخرج آمن من الأزمة الاقتصادية المتوقعة.. اتجهت بعض الدول لتقنين الحشيش، باعتباره الصناعة القادرة على ضخ أموال كافية لتوفير وظائف وضرائب مقاومة للركود.
وبعد أن حقق COVID-19 أسوأ ربع عام فى تاريخ سوق الأسهم بالإضافة إلى تباطؤ النشاط الاقتصادى وفقدان الوظائف على نطاق واسع، اضطرت بعض الحكومات إلى تغيير موقفها تجاه تقنين الحشيش الذى يقدم فرصة حقيقة من الممكن أن تستفاد منها أى حكومة تتطلع إلى بناء صناعة ذات إيرادات عالية محتملة.
وتعد لبنان هى أول دولة عربية يوافق فيها البرلمان على مشروع قانون يشرع زراعة الحشيش؛ للاستخدام الطبى ودعم الاقتصاد.. وسط اعتراضات من حزب الله وعدة نواب مستقلين، وبموجب القانون سوف تخضع الزراعة لرقابة مشددة، إضافة لتوفير شركات الأدوية الخاصة البذور والشتلات للمزارعين، ومن ثم حساب النباتات أثناء الحصاد للتأكد من عدم بيعها بغرض الإدمان.
تمت الموافقة على قانون زراعة الحشيش وسط تحذيرات من الاقتصاديين اللبنانيين من عدم ذهاب أرباح الحشيش إلى خزائن الدولة أو المواطنين، مؤكدين أن تلك الخطوة تهدف إلى تمويل المافيا السياسية فى لبنان، بينما ترجع الاستفادة الكبرى على تجار المخدرات أكثر من غيرهم لأنهم سيفرضون سعر شراء على المزارعين ثم يبيعون المنتج بأسعار أعلى. وتعتبر منطقة البقاع الشرقية فى لبنان إحدى أهم مناطق زراعة المخدرات فى العالم، إذ تعد لبنان ثالث أكبر منتج فى العالم بعد المغرب وأفغانستان بحسب الأممالمتحدة، وذلك بعدما تطورت تجارة «القنب» فى منطقة البقاع على مدى عقود إلى صناعة بملايين الدولارات حتى إنها أصبحت مصدرًا رئيسًا لكسب الرزق هناك.
ويرجع تاريخ تجارة المخدرات فى لبنان إلى أوقات الحرب الأهلية بداية من العام 1975م حتى 1990م، إذ بلغ معدل الإنتاج السنوى للقنب والأفيون فى تلك الفترة ما يقرب من 500 مليون دولار، وبعد الحرب شنت السُّلطات حملات قمع على الحقول وشجعت المحاصيل البديلة مثل البطاطس والطماطم والتفاح؛ لتعود زراعة القنب مرّة أخرى بعد اندلاع الحرب الأهلية فى سوريا عام 2011م.
العديد من الدول حول العالم سبقت لبنان إلى هذه الخطوة؛ حيث تقنن بعض البلدان فى أوروبا وأمريكا الجنوبية استخدام القنب سواء للأغراص الطبية أو الترفيهية أو الاقتصادية، كما تتفاوت سياسات الاستخدامات حسب البلد والمنطقة الإقليمية، التى تتم بموجب اتفاقية الأممالمتحدة الوحيدة للمخدرات عام 1961م، إلى جانب اتفاقية المؤثرات العقلية لعام 1971م واتفاقية عام 1988م لمكافحة الإتجار غير المشروع فى المخدرات والمؤثرات العقلية.
وتعتبر كولومبيا من الدول التى شرّعت استخدام الحشيش للأغراض الطبية فى عام 2016م، وسمحت أيضًا للمواطنين بزراعة كمية محدودة من الحشيش فى منازلهم للاستخدام الشخصى، بالإضافة إلى السماح لمزارعى الماريجوانا من حاملى الترخيص بتصدير نباتاتهم إلى بلدان أخرى.
وتتمتع كولومبيا ببعض المزايا الطبيعية التى جعلت منها أكبر مصدر للحشيش فى العالم؛ حيث لديها المناخ المثالى لزراعته والعمالة الوفيرة والأرض الرخصية، بينما تعد المشكلة الأكبر بالنسبة لكولومبيا هى العثور على أماكن لتصدير الحشيش!.
فى الوقت نفسه تحتل الولاياتالمتحدةالأمريكية المرتبة الأولى من بين الدول المستوردة للحشيش رُغم أن الحكومة الفيدرالية لا تسمح بالاستيراد، إذ تعد أمريكا اللاتينية هى أكبر سوق عالمية لتجارة الحشيش؛ وبخاصة بعد أن قام عدد من البلدان فى أمريكا الوسطى والجنوبية بإلغاء تجريم الماريجوانا أو بدأوا فى السماح بالماريجوانا الطبية.
استمرار هذه البلدان فى اتباع سياسات حرية بيع الماريجوانا يجعلها بمثابة أسواق رئيسة لمزارعى كولومبيا، فمن الناحية الاقتصادية أظهرت الأبحاث الحديثة أن سوق الماريجوانا القانونية يمكن أن تنمو بمعدل نمو سنوى مركب يبلغ 23.9٪ ويصل إلى 66.3 مليار دولار أمريكى بحلول نهاية عام 2025م.
وكانت الولاياتالمتحدةالامريكية من أوائل الدول النى بدأت فى دعم اقتصادها الداخلى من تقنين زراعة وتجارة الحشيش؛ ففى 2012م ظهرت فى واشنطن مبادرات اقتراع تقنين الماريجوانا، ما يجعل الولاياتالمتحدة الدولة الأولى فى العالم التى تشرّع الإنتاج التجارى للماريجوانا وبيعها واستخدامها اعتبارًا من يناير 2019م.
كما قامت 11 ولاية بتشريع الماريجوانا، وإضافتها إلى الكحول والنيكوتين كدواء للبالغين، كما ظهرت حركات دعم عام لإصلاح قانون الماريجوانا أكثر من أى وقت مضى، إضافة للاستطلاعات التى أظهرت أن أكثر من نصف البلاد تؤيد تقنين الماريجوانا.
ويعتقد تحالف سياسة المخدرات (DPA) أنه يجب إزالة الماريجوانا من نظام العدالة الجنائية والسماح ببيعها وتداولها مثل الكحول والتبغ، بالإضافة إلى ظهور مجموعة من المبادرات التى ترعاها الدولة التى تدعو لوقف التطبيق غير الفعال لحظر الماريجوانا فى نيويورك من خلال حملة Start SMART NY التى تهدف لإنشاء صناعة ماريجوانا جيدة التنظيم وشاملة؛ للاستثمار فى المجتمعات الأكثر تضررًا من تجريم الماريجوانا وتهدف للتنظيم الذكى، ودعم رفاهية المجتمع وسلامته مع بناء صناعة متنوعة.
وفى 17أكتوبر 2018م بدأت كندا فى تشريع استخدام الماريجوانا بشكل ترفيهى وإتاحة بيع الحشيش فى منافذ شعبية، وفى الأسبوع الأول بعد الموافقة على القانون أنفق الكنديون ما يقدر ب 3.5 مليار جنيه استرلينى على الاستخدام الترفيهى، بعد أن كان الجزء الأكبر من هذا الإنفاق يتجه إلى السوق السوداء.
وفى السياق نفسه، خصصت الدنمارك واحة فى وسط العاصمة تسمى «كريستيانيا»؛ حيث يمكنك شراء القنب واستهلاكه بشكل قانونى من أجل الترفيه فقط.
بينما تعتبر سياسة الهند فى التعامل مع الحشيش هى الأغرب، إذ تعتبره قانونيّا فى بعض الولايات ومجرمًا فى أخرى، وهناك العديد من الأماكن فى البرية تزرع الماريجوانا بشكل صريح وبعض المدن لديها أيضًا متاجر أنشأتها الحكومة لشراء القنب.
وعلى عكس المتوقع؛ فإن كوريا الشمالية هى إحدى الدول التى تتسامح مع تدخين الحشيش حتى إن نبتة الماريجوانا تنمو على طول طرُق البلد، تعتبر ضمن أعشاب التدخين المرموقة بين الشباب وبشكل عام يبدو أنها تعتبر جزءًا طبيعيّا من الحياة اليومية من دون وجود نص قانون يبيحها أو يجرمها.
حصلت فكرة تقنين وزراعة الحشيش على دعم الاقتصاديين والمتخصصين فى الرعاية الصحية وكذلك الجمهور بشكل متزايد، ففى عام 2010م أصدر الخبير الاقتصادى بجامعة هارفارد جيفرى ميلتون تقريرًا شهيرًا يوضح الحافز المالى الضخم لإضفاء الشرعية على الحشيش، والقيمة الضريبية التى يعنيها ذلك.
وأشار خبراء الاقتصاد إلى أن أكثر من 7.7 مليار دولار من دافعى الضرائب يتم إهدارها سنويّا فى تطبيق قوانين المخدرات القديمة فى الولاياتالمتحدة وحدها، مؤكدين أنه فى سياق التباطؤ الاقتصادى والإنفاق الحكومى الضخم فى أعقاب COVID-19 سيصبح لتقنين القنب للغرض الاقتصادى جاذبية متزايدة لجنى الفوائد مع تقليل العبء على نظام العدالة. كما اتجه عدد من الأطباء فى الولاياتالمتحدة إلى ذكر فوائد طبية للحشيش، مطالبين بالسماح بتداوله قانونيّا للاستخدام الطبى، وفى عام 2019م أجرت شركة أبحاث السوق Ipsos استطلاعات رأى حول تقنين الحشيش فى 27 دولة ووجدت أن أربعًا فقط لديها أغلبية تعارض تقنين الحشيش الطبى.