لكل معركة جنودُها المجهولون، ولكل صورة جانب خفى لا يظهر فى صدارة المَشهد، فى كل أزمة هناك دائمًا أبطال منسيون، وإذا كانت العيون جميعها موجّهة فى معركة «كورونا» صوب أصحاب المهن المختلفة، سواء مَن حصلوا على إجازة من العمل أو مَن أجبرتهم طبيعة عملهم على النزول للشارع، فهناك فئة من البَشر يشاركوننا إنسانيتنا غير أنهم مُجبرون على مواجهة الخطر بصدور عارية، وهم المشردون فى الشوارع بوصفهم الفئة الأكثر عُرضة للإصابة بالفيروس، كما أنهم يمكن أن يكونوا حلقة وصْل فى نشر الوباء بشكل أكبر. دفاعًا عن هؤلاء البَشر راحت وزارة التضامن تحرك جيشَها الخفى بتكليفات محددة لاتخاذ العديد من الإجراءات بشأن هذه الفئة فى الشوارع، أهمّها نقلهم إلى دُور الرعاية الاجتماعية بعد فحصهم طبيًّا وقياس درجة حرارتهم للتأكد من عدم إصابتهم بالفيروس، وطبقًا للبيانات الصادرة عن الوزارة فقد نجحت الوحدات المتنقلة فى إنقاذ 427 حالة من المشردين والأطفال على مستوى المحافظات المستهدَفة، منهم 205 مسنين، و200 طفل، منذ بدء أزمة فيروس «كورونا».
يقول «حازم الملاح»- المنسق الإعلامى لبرنامج أطفال بلا ماوى والتدخل السريع بوزارة التضامن الاجتماعى: إن الوزارة اتخذت حزمة من القرارات والإجراءات الاحترازية تجاه المشردين المنتشرين بالشوارع بعد ظهور فيروس «كورونا» بمصر، والبداية كانت من الوحدات المتنقلة التى تقوم على نقلهم من الشوارع لدُور الرعاية، إذ تم تعقيم الوحدات، وفريق الوحدة المتنقلة، ناهيك عن إمداد الفريق بجهاز لقياس درجة الحرارة داخل الوحدات المتنقلة؛ للكشف عن حالات التى من الممكن أن تكون مصابة بفيروس «كورونا».
تابع «الملاح»: إن فريق الوحدات المتنقلة يقوم بتوعية المتسولين بالشوارع بطرُق النظافة بهدف تفادى مساهمتهم فى نشر عدوَى «كورونا»، إضافة إلى إمدادهم بأى مستلزمات طبية وقائية. مُفرّقًا بين المشردين بلا مأوى والمتسولين الذين فى الغالب لهم مأوَى وعائلة، وهؤلاء يتواجدون بالشوارع فى أوقات ما قبل الحظر فقط بهدف التسول. مشيرًا إلى أن موظفى التضامن لا يحق لهم استخدام الضبطية القضائية مع هؤلاء.
وعن مخاوف من نقل العدوَى عن طريق المشردين قال: نتعامل مع الحالات المشردة بناءً على بلاغات، سواء من أفراد أو من الشرطة أثناء أوقات الحظر، إضافة إلى ما تكتشفه الوحدات المتنقلة للتدخل السريع، التى تعمل يوميّا بدءًا من ساعة 7 صباحًا إلى 7 مساءً، أى فى غير أوقات الحظر.
إحصائيات انتشار الفيروس تؤكد أن الفئة الأكثر عرضة للوفاة بسبب «كورونا» هم كبار السِّن، وهو ما دفع إلى إغلاق دُور رعاية كبار السِّن بالعالم؛ خصوصًا بعد الواقعة المفجعة التى جرت داخل إحدى دُور رعاية المسنين فى إسبانيا، عندما عثر الجيش الإسبانى على جثامين 17 مُسنًّا تركهم موظفو دار الرعاية وهربوا منها خشية انتقال الفيروس (كورونا) بسهولة بين كبار السّن!.
وعن الرعاية الطبية داخل دُور رعاية المسنين بعد انتشار فيروس «كورونا»، قال «الملاح»: هناك قوافل طبية بالتعاون مع المستشفيات الجامعية، تقوم على زيارات دُور المسنين لتقديم الرعاية الطبية فى كل التخصصات. لافتًا أن الأطباء المتواجدين داخل الدُور مهمتهم متابعة الحالة الصحية للنزلاء أولًا بأول. مؤكدًا على وجود ملف طبى لكل مُسن ومُسنة بالدُّور.
وأكد أن جميع دُور رعاية سواء التابعة لوزارة التضامن (عددها 11 دارًا) أو دُور الرعاية الأهلية، لم تسجل حالة «كورونا» واحدة حتى الآن. موضحًا أن الإجراءات الاحترازية التى تتخذها الوزارة تتضمن تعقيم جميع دُور الرعاية، سواء الخاصة بالأطفال أو المسنين وتوفير كل المستلزمات الوقائية ومنع استقبال أى زيارات نهائيّا.
«إيهاب جودة»- مدير إحدى جمعيات رعاية المسنين- قال إن أفراد طاقم العمل بالدار يعملون بكامل طاقتهم، بعد أن رفضت الموظفات الإجازة التى منحتها الدولة لهن. موضحًا أن الدار منعت الزيارات خوفًا على صحة المسنين، موضحًا أن الدار لم تستقبل حالة واحدة بعد انتشار الفيروس إلا عن طريق المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، وبعد عمل الفحوصات والمسح والتحاليل للتأكد من خلو الوافدين الجُدُد من الفيروس.
وزارة التضامن قامت بتعزيز الدار بجهاز الحرارة للقياس ارتفاع الحرارة، وأجهزة التنفس للمتابعة المسنين بالدار عن طريق طاقم أطباء الدار. موضحًا أن الجمعية تضم أطفالًا بلا مأوى وأحداثًا ومسنين بلا مأوى، جميعهم يتم اتخاذ الإجراءات الاحترازية معهم.
مصدر بمديرية الشئون الاجتماعية بالقاهرة، كشف أنه بناءً على تكليف من وزيرة التضامن دكتورة نفين قباج، تم تعقيم جميع دُور رعاية المسنين التابعة للمديرية التى يصل عددها إلى 65 دارًا، بالتعاون مع الهلال الأحمر والجمعيات الأهلية. موضحًا، أنه تم تخفيض إعداد الموظفين داخل دُور الرعاية. موضحا أن أى موظف يطلب إجازة يحصل على إجازة مفتوح لحين الانتهاء من أزمة انتشار فيروس «كورونا».
فى دار رعاية «معًا لإنقاذ الإنسان» وهى إحدى الدُّور المتعاونة مع وزارة التضامن يعمل فريق من الشباب جاهدين فى الأوقات المسموح فيها بالتواجد فى الشارع قبل وقت الحظر للبحث عن المشردين من كبار السن بهدف حمايتهم- بحسب ما ذكره «محمود وحيد»- مدير الدار- مؤكدًا: لم يعد هدفنا الأساسى إنقاذ المشردين من التشرد بالشوارع، بل إنقاذ أرواحهم من الموت، وبالأخص فئة كبار السن. مشددًا على أن هذه المهمة تمثل إنقاذًا للمجتمع بأكمله.
هناك فئة أخرى من المشردين هم المرضى النفسيون، وهم أكثر انتشارًا بالشوارع ويصعب نقلهم لدور الرعاية الاجتماعية، بل هم مسئولية الأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة، هؤلاء يصعب على دُور الرعاية الاجتماعية التعامل معهم، فنحن نعالج بعض الاضطرابات النفسية، لكن حالة هؤلاء تخرج عن نطاق تخصصنا.
أوضح «وحيد»، أنه تم اتخاذ كل التدابير الاحترازية بالدار لحماية كبار السن بداية من تعقيم الدار، إضافة لتعقيم الموظفين كل يوم قبل دخول الدار والكشف عليهم من أمام بوابة الدار عن طريق جهاز قياس الحرارة، حتى نضمن سلامة أهالينا من كبار السن بالدار. وتابع: قمنا أيضًا بتوزيع كرتونة غذائية على 5 آلاف من الأسَر المتضررة من العمالة غير المنتظمة، ونعمل على أن يصبحوا 10 آلاف أسرة، وجارى التوزيع يوميّا على تلك الأسَر.
وفى جولة داخل دُور رعاية المسنين الخاصة للتعرف على الطرُق الاحترازية التى توفر للمسنين، قابلنا «عبدالرحمن الخطيب»- رئيس مجلس إدارة دور رعاية الخطيب- قال: إن جميع دُور رعاية الخطيب وضعت لها خطة احترازية للحفاظ على أرواح المسنين. مؤكدًا أنه لايزال هناك إقبال على دُور رعاية المسنين على عكس ما هو متوقع؛ لأن الأهالى يخشون من عدم قدرتهم على توفير الرعاية لذويهم فى ظل الأجواء الحالية مع انتشار فيروس «كورونا».
وعن الطرُق الاحترازية التى تأخذها الدار قال «الخطيب»: تعقيم جميع فروع الدار، بجانب المنع نهائيّا من دخول زيارات، حتى طاقم عمل الدار إداريين والتمريض وعاملات النظافة أيضًا ممنوع الخروج نهائيّا حتى الانتهاء من أزمة فيروس «كورونا»، ماعدا الأطباء فى تخصصات مختلفة يأتون فى أيام معينة بالأسبوع، يتم إجراء التعقيم لهم قبل دخولهم الدار.
وكشف «الخطيب» أن بعض دُور الرعاية أُغلقت، والأخرى امتنعت عن دخول حالات جديدة من المسنين لأنها غير مرخصة، بالتالى يخشون أن يحدث شىء بالدُّور الخاصة بهم فيتبين أنها دُور رعاية غير مرخصة.
فى المقابل أوضح «يوسف الحسينى»- مدير دار ابتسامة لرعاية المسنين- أن الدار تتعاون مع دُور رعاية فى أوروبا. مؤكدًا أن أغلب دُور رعاية المسنين فى أوروبا أُغلقت نتيجة انتشار حالات الوفاة بين المسنين، ماعدا بريطانيا. وأوضح أن الطرُق الاحترازية التى تتبعها الدار تتمثل فى منع استقبال أى مُسن أو مُسنة إلا بعد إجراء مسح تحاليل فيروس «كورونا»، إضافة لمنع دخول أو خروج أحد من الدار.