«للخلف در».. هكذا وصف الكثيرون عدم مشاركة إثيوبيا فى الجولة الأخيرة من محادثات سد النهضة التى احتضنتها العاصمة الأمريكيةواشنطن خلال يومى الخميس والجمعة الماضيين، والتى كان من المفترض أن تشهد التوقيع على مسودة الاتفاق الذى صاغته وزارة الخزانة الأمريكية وتسلمتها الدول الثلاث (مصر- السودان- إثيوبيا) مؤخرًا. وعلى الرغم من إعلان مصر صراحة التزامها بالمسار التفاوضى الذى ترعاه الولاياتالمتحدة والبنك الدولى، وسفر الوفد المصرى والسودانى إلى واشنطن لاستكمال المباحثات حول النقاط العالقة فى مسودة الاتفاق، فإن طلب أديس أبابا الأربعاء الماضى تأجيل الجولة الأخيرة من المفاوضات فسره البعض بأنه مراوغة إثيوبية جديدة لتعطيل مسار المفاوضات التى شهدت تقاربًا كبيرًا بحسب البيان المشترك الذى خرج عقب الاجتماع الأخير فى واشنطن بعد توافق الدول الثلاث على ما يزيد على 90 % من مسودة الاتفاق. العديد من الأسرار والأسباب دفعت إثيوبيا- بحسب محللين- إلى تعطيل مشاركتها فى الاجتماع النهائى لاتفاق سد النهضة بخلاف ما أعلن رسميًا من قبل بزونه تولشا المتحدث باسم وزارة المياه والرى والكهرباء فى إثيوبيا والذى قال، دون تفاصيل: «طلبنا التأجيل لأننا بحاجة لمزيد من الوقت للتشاور». ». زيارة بومبيو أعطت زيارة وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو إلى أديس أبابا الضوء الأخضر لإثيوبيا فى طلب تأجيل إعلان موقفها النهائى من المفاوضات ومسودة الاتفاق، خاصة أن الطلب الإثيوبى جاء بعد أيام من تصريحات المسئول الأمريكى خلال مؤتمره الصحفى والذى قال فيه: «يبقى أمامنا الكثير من العمل، لكنى متفائل أنه فى الأشهر المقبلة بإمكاننا التوصل إلى حل». وكان بومبيو، أجرى مباحثات مع رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، فى أديس أبابا تناولت عددًا من القضايا الإقليمية، كان من ضمنها ملف التفاوض بشأن أزمة سد النهضة.
مبعوث آبي
حاولت إثيوبيا عدم إثارة أزمات مع كلٍ من مصر والسودان، وحرصت قبل إعلان موقفها الأخير، بإرسال رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق هايلا ماريام ديسالين، إلى القاهرةوالخرطوم مبعوثًا من قبل رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، حيث التقى فى مصر الرئيس عبدالفتاح السيسى ورئيس الوزراء مصطفى مدبولى وعددًا من المسئولين المصريين، وهى الزيارة التى وصفتها خارجية إثيوبيا ب«الناجحة»، وأكد خلال زيارته على حل أى مشكلة تواجه البلدين عبر الحوار. ومن جانبه، أكد الرئيس السيسى التزام مصر «بإنجاح» مفاوضات سد النهضة الجارية مع إثيوبيا برعاية الولاياتالمتحدة، وقال السيسى: إنه «مع قرب التوقيع على الاتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، فإن ذلك من شأنه أن يحفظ التوازن بين مصالح جميع الأطراف، كما أن ذلك الاتفاق سيفتح آفاقًا رحبة للتعاون والتنسيق والتنمية بين مصر وإثيوبيا والسودان». والتقى ديسالين، فى الخرطوم بالقيادة السودانية وأبلغها رسالة شفهية من رئيس بلاده، تناولت الموقف الإثيوبى من قضايا الإقليم بشكل عام، وسد النهضة على وجه الخصوص. وحملت زيارة ديسالين بشأن المفاوضات التى شهدت سنوات من المماطلة والتعثر، الكثير من الرسائل الكامنة إلى كل من مصر والسودان، وكذلك إلى الداخل الإثيوبى، حيث حرص رئيس الوزراء الحالى آبى أحمد على تفويت فرصة المزايدة على موقفه عبر إظهار أحد أبرز صقور الدولة العميقة والحزب الحاكم فى البلاد كداعم للاتفاق. ظهور ديسالين وصفه البعض بأنه رسالة للداخل الإثيوبى قبيل الانتخابات، للتأكيد على وحدة الموقف حول المضى قدمًا فى الطريق إلى الاتفاق بشأن السد، خاصة أن آبى أحمد يجرى مشاورات مع أطراف إثيوبية عديدة حول المفاوضات الجارية وإظهاره للموقف الموحد مع سلفه يمثل طريقة لتجنب المزايدة الداخلية على مواقفه من الاتفاق.
ورقة انتخابية
يعد سد النهضة واحدًا من أهم الأوراق الانتخابية، التى يحاول رئيس الورزاء الإثيوبى آبى أحمد وحزبه اللعب بها فى الانتخابات المقرر أن تجرى فى أغسطس المقبل، باعتبار أن السد حجر الزاوية فى جهود إثيوبيا لأن تصبح مصدّرًا للطاقة الكهربائية فى أفريقيا. بالإضافة إلى أن الوفد الإثيوبى لن يستطيع التوقيع على اتفاقية دولية لا يضمن إجازتها من قبل البرلمان المنتخب، لارتباط التوقيع بالأوضاع الداخلية فى إثيوبيا التى تنتظر انتخابات برلمانية ورئاسية فى أغسطس، وخوفًا من تأثير التوقيع إيجابًا أو سلبًا على حملة آبى أحمد الانتخابية. ويرى مراقبون أن الداخل الإثيوبى يترقب إجراء انتخابات عامة فى أجواء مشحونة، يتعرض فيها رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد لضغوط متصاعدة، ربما تكون هى التى دفعته إلى تأجيل حسم ملف اتفاق السد إلى ما بعد انتخابات أغسطس المقبل.
النقاط الخلافية تعد النقاط الخلافية حول مسودة اتفاق سد النهصة السبب الرئيس والمباشر فى تأجيل مشاركة إثيوبيا فى المفاوضات، خاصة أن وزارة الرى الإثيوبية عللت رفضها حضور الجولة الأخيرة من المفاوضات التى كان من المقرر أن تشهد التوقيع على مسودة الاتفاق بأنها غير قادرة على التفاوض فى الوقت الحالي؛ بسبب أنها لم تنتهِ حتى الآن من المناقشات التى تجريها محليًا مع الجهات المعنية بشأن السد، ما دفعها لعدم المشاركة فى المفاوضات الثلاثية المقامة فى واشنطن. زيارة ديسالين للقاهرة وتصريحات وزير الخارجية الأمريكية، تؤكد أن فرصة التوصل إلى اتفاق لم تكن ممكنة خلال اجتماع الأمس، خاصة أنه حتى الآن لم يتم الإعلان عن الوصول لصيغة الاتفاق وما خرج عن الجانب السودانى الأسبوع الماضى أنه تم التوافق حول 90 % من مسودة الاتفاق، ولا تزال اللجان الفنية والقانونية للدول الثلاث تبحث فى النقاط الخلافية. وتسلمت مصر و السودان وإثيوبيا الأسبوع الماضى مسودة اتفاق من وزارة الخزانة الأميركية حول كيفية ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى الذى تجرى حوله مفاوضات بين الدول الثلاث منذ أكثر من 6 سنوات، وتتضمن بنودًا تتحدث عن سلامة السد أثناء التشغيل وحول البيئة وكيفية حل النزاعات بين الدول الثلاث، ونصًا حول دخولها حيز التنفيذ، بعد مصادقة الدول المعنية عليها وفق نظمها الدستورية. المسودة النهائية والتى بحسب مراقبين أثارت تحفظ الجانب الإثيوبى خاصة أنها تأتى قريبة إلى الرؤية المصرية، حيث حاولت الصياغة الأمريكية لمسودة الاتفاق بشأن قواعد تشغيل سد النهضة الإثيوبى، الدمج بين رؤية القاهرة الخاصة بكميات المياه المطلوب وصولها إلى مصر فى فترات الجفاف، ورؤية أديس آبابا حول كميات المياه المطلوب تخزينها بشكل مستديم لضمان توليد الكهرباء من السد لمدة 5 سنوات تالية لبدء التوليد فى صيف 2021. المسودة اعتمدت على المعيار الرقمى الخاص بكمية المياه المحجوزة والمنصرفة كل عام، على أن تكون الأولوية لمبدأ الاستفادة العادلة من المياه لجميع الأطراف، بغضّ النظر عن تحديد عدد قطعى من السنوات للملء الأول للخزان، الأمر الذى يبدو إيجابيًا للجانب المصرى، ومقللًا بشكل نسبى للآثار الضارة التى ستعود بالتأكيد على دولة المصب.
سياسة الأمر الواقع
يرى مراقبون أن ما أقدمت عليه إثيوبيا محاولة جديدة للتلاعب بمسار المفاوضات بسياسة فرض الأمر الواقع لكسب مزيد من الوقت، خاصة أنها سبق أن أعلنت عزمها الانتهاء من السد بحلول الصيف المقبل، والبدء فى تحويل مجرى النهر فى يوليو المقبل لملء السد. ويرى مراقبون أن القرار الإثيوبى الأخير يعد حلقة من حلقات المراوغة التى اعتادت عليها أديس أبابا منذ بدء المفاوضات، بوضع العراقيل، وترغب فى التسويف حتى تضع مصر والسودان أمام الأمر الواقع، بتشغيل سد النهضة هذا الصيف قبل الوصول إلى اتفاق.
الموقف المصري
كان أحمد حافظ، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية أكد أن القاهرة ملتزمة بالمسار التفاوضى الذى ترعاه الولاياتالمتحدة والبنك الدولى، وذلك بعدما طلبت إثيوبيا من واشنطن تأجيل آخر جولة من محادثات سد النهضة. وذكرت الخارجية أن الهدف من اجتماع واشنطن، وفق ما سبق واتفقت عليه الدول الثلاث، وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، «والذى قام الجانب الأمريكى والبنك الدولى ببلورته على ضوء جولات المفاوضات التى أجريت بين الدول الثلاث منذ اجتماع واشنطن الأول الذى عقد يوم 6 نوفمبر الماضي». وأكد المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية أن «وزيرى الخارجية والموارد المائية والرى شاركا فى الاجتماع الوزارى الذى دعت إليه الإدارة الأمريكية، تقديرًا للدور البناء الذى اضطلعت به على مدار الأشهر الماضية فى مساعدة الدول الثلاث للتوصل إلى الاتفاق المنشود». وأضاف حافظ إن «مشاركة مصر فى الاجتماع تأتى اتساقًا مع النهج المصرى الذى يعكس حسن النية والرغبة المخلصة فى التوصل إلى اتفاق نهائى حول ملء وتشغيل سد النهضة». وكانت مصر وإثيوبيا والسودان، أعلنت فى 31 يناير الماضى عزمها التوقيع على اتفاق بحلول نهاية شهر فبراير، لوضع حد لخلافاتها بخصوص ملء وتشغيل سد النهضة الذى يتكلف 4 مليارات دولار، وقالت الدول الثلاث فى بيان لهام: «بعد محادثات الشهر الماضى، تم الاتفاق على جدول لملء خزان السد على مراحل، وعلى آليات لضبط ملئه وتشغيله خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد».