سيقف التاريخ طويلاً أمام عبقرية الإنسان المصري الذي قدم نموذجاً جديداً للثورات في مواجهة الظلم والقهر والفساد.. حتي أنه بهر العالم كله وجعلنا نتفاخر بمصريتنا أمام الدنيا بأسرها.. ولو كانت هذه الثورة استطاعت أن تجعل بعض أفراد الجاليات الأجنبية يتركون فنادقهم ويأتون بحقائب سفرهم ليقيموا وسط المصريين في ميدان التحرير ويبيتوا مع الثوار حتي لا تفوتهم لحظة من أحداث إنسانية فريدة ستظل طاقة نور في تاريخ البشرية وتدرس في المناهج الدراسية.. كما أعلنت النمسا أنها ستدرس الثورة المصرية في مناهجها. إذا كانت في مصر ثورة غيرت مجري الحياة في العصر الحديث فما الغريب إذاً أن تعود شخصيات مصرية عالمية من الوزن الثقيل ونشاهدها في قلب المشهد السياسي الحالي تمد يد العون لأبناء مصر وتحاول أن تساهم بشكل حقيقي في رسم مستقبل جديد أفضل لوطنها.. ولماذا نشكك فيهم ونرتاب في وجودهم بين الناس في ميدان التحرير؟! ونتساءل ماذا يريد القرضاوي؟ أو زويل؟ أو البرادعي؟ ونتناسي أنهم مصريون لاقوا ما لقيناه من ظلم وتعسف وفرحوا معنا بالتغيير أليس الشيخ يوسف القرضاوي هو من تم اعتقاله وسجنه 3 مرات بعد عدة صدامات بالنظم السياسية في مصر لانتمائه في مرحلة سابقة للإخوان المسلمين ، اعتقل عام 1949 في العهد الملكي وعام 1954 في عهد عبد الناصر وظل عشرين شهرا بالمعتقل واعتقل عام 1963 وظل مستبعداً وغير مرغوب فيه في عهدي السادات ومبارك.. حتي أن شيخ الأزهر د. أحمد الطيب أفصح أن مباحث أمن الدولة طلبت منه احتجاز العلامة الشيخ يوسف القرضاوي أثناء زيارته له في مكتبه في الشهر الماضي بعد إلقائه خطبة لتأييد الثورة المصرية.. وأن شيخ الأزهر رفض وهدد بالاستقالة لو تم التعرض للشيخ. هكذا كان النظام في مصر.. لم يتورع أن يحتجز رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، رجل الدين الجليل ذا المكان والمكانة صاحب الثمانين كتاباً التي ترجمت لكل لغات العالم.. والذي بلغ من العمر 83 عاماً. ثم يلومون بعد ذلك علي الشيخ الذي ظل طوال عمره مضطهدا ومستبعدا من وطنه أن يعيش في قطر ويحمل الجنسية القطرية.. وينسون أن رجال الدين الحقيقيين أصحاب رسالات تتطلب بعض الاستقرار كي ينجحوا في نشرها ولا يمكن لرجل دين صاحب رسالة أن يمضي عمره قلقاً متوترًا في وطن يضطهده. ---- المدهش أنه حين ألقي الشيخ القرضاوي خطبته في ميدان التحرير تعرض لهجوم شرس وشبهته بعض الصحف والصحفيين الكبار بالخوميني حين عاد من باريس إلي طهران بعد الثورة الإسلامية والإطاحة بالشاه. وأنه يريد أسلمة الثورة المصرية خاصة أن الميدان كان به 3 ملايين يستمعون لخطبة القرضاوي.. بصفته أحد الأصوات الدينية القوية والمؤثرة داخل مصر والعالم الإسلامي. وللأسف أن ما ردده كبار الكتاب المصريين في هذا الشأن وعلي رأسهم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ومكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين وجمال الغيطاني ما هو إلا ترديد لآراء أمريكا وإسرائيل في هذا الصدد التي دائما ما تنزعج لالتفاف الشعب حول أي رجل دين.. ونسوا أننا دولة مسلمة ولرجال الدين دائما مكانة في قلوبنا فما بالنا لو كان رجل دين بحجم الشيخ يوسف القرضاوي.. كان من الطبيعي أن تلتف حوله الجموع وتحرص علي الصلاة خلفه. وقد قالت صحيفة (نيويورك تايمز الأمريكية: أن القرضاوي يبرز الآن في مصر وبعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع مبارك كأحد الأصوات القوية داخل القاهرة الآن) وحمل تقرير الصحيفة تلميحات للمقارنة بين عودة القرضاوي إلي مصر بعد الثورة علي نظام مبارك وعودة الخوميني من باريس إلي إيران بعد الثورة علي نظام الشاه. واعتبرت الصحيفة أن تأثير الشيخ يوسف القرضاوي يمثل خطراً محتملاً علي الغرب.. فعلي الرغم من إدانته لهجمات 11 سبتمبر إلا أنه ينظر إلي الهجمات علي الولاياتالمتحدة في العراق والهجمات الفلسطينية علي إسرائيل باعتبار أنها مقاومة. بينما الكاتب الإسرائيلي «أورين كيزلر» ذكر في صحيفة «حيروزاليم بوست» الإسرائيلية أن النفاق يبدو واضحاً علي الشيخ القرضاوي الذي أكد مسبقاً تأييده الكامل للعمليات الاستشهادية ضد إسرائيل ويزعم أنه سعيد بالمصريين لأنهم تمكنوا من إنجاح الثورة وإرساء مبادئ الديمقراطية والمواطنة في مصر.. ووصفه بأنه تلميذ الشيخ حسن البنا واعترف بأنه رجل الدين الأكثر تأثيرا في العالم الإسلامي لتبنيه وجهات نظر دينية معتدلة. --- هكذا يبدو لنا.. مدي الحقد والخوف الذي ينتاب كلاً من أمريكا وإسرائيل علي رجل الدين الشيخ القرضاوي وللأسف يجدان من يؤيدهما من المصريين، في حين أنه لا مجال للمقارنة بين عودة القرضاوي لمصر بعد الثورة والإطاحة بمبارك وعودة الخوميني في فرنسا إلي طهران بعد الثورة الإسلامية والإطاحة بالشاه، حيث إن الخوميني عاد ليقيم الدولة الدينية والقرضاوي عاد ليشارك شعب مصر احتفالاته بثورته من أجل إقامة دولة مدنية. كما أنه أشاد بالأقباط من أهل مصر وقال «أيها المصريون المسلمون والأقباط من أبناء مصر» فاليوم هو يوم المصريين جميعا، وكان ما ذكره الشيخ القرضاوي يختلف تمامًا عما يذكره الخطباء في خطب الجمعة، حيث يخاطبون المسلمين فقط!! إذن ما ذكره البعض عن تخوفهم من القرضاوي وربطه بالإخوان وسرقة الإخوان للثورة هواجس لا أساس لها من الصحة تروق لأعداء مصر وأعداء الإسلام في حين أننا يجب أن نفخر بعلماء مصر في كل المجالات ونسعد بوجودهم بيننا في هذه المرحلة التي نسعي جميعا فيها لبناء مصر جديدة مختلفة، نعلي من شأن الإنسان المصري ونرفع من سعره وقيمته. وهكذا أيضا يواجه الدكتور أحمد زويل هجومًا من البعض بدون مبررات ويستنكر البعض عليه حضوره إلي مصر في هذا التوقيت علي الرغم من أن العالم المصري أحمد زويل الحاصل علي جائزة نوبل قدم لمصر من قبل مشروع «عصر العلم» ولم يتمكن من تحقيقه بسبب الفساد الذي كان موجوداً. وحتي ما يتردد عن ترشحه لرئاسة الجمهورية كان بناءً علي رغبة البعض ومناشدة كثير من الشباب للدكتور زويل بالعودة إلي مصر وترشيح نفسه حتي إنهم أنشأوا له 6 صفحات علي «الفيس بوك» تضم أكثر من 20 ألف عضو.. والآن نجد بعض الآراء تتهمه أنه لا يعلم شيئا عن مصر وعن شئونها الداخلية بعد أن أمضي معظم حياته في أمريكا وأنه يعمل المستشار العلمي للرئيس الأمريكي باراك أوباما.. وأنه حاصل علي الجنسية الأمريكية التي ربما تؤخذ علي رجل حال ترشحه للرئاسة.. والتي دار حولها نقاش طويل انتهي إلي عدم ورود نص في الدستور يحول دون ترشيح مزدوجي الجنسية، خاصة أن زويل حاصل علي أعلي الأوسمة المصرية. وزويل يعلن دائما أنه في خدمة مصر في أي موقع وبأي طريقة وأن حلمه أن يري انتخابات ديمقراطية حرة. ولكن يبقي السؤال: هل يخرج زويل من معمل العلم إلي معمل السياسة؟! ---- في كل الأحوال سواء خرج أو لم يخرج أعتقد أن أحمد زويل لن يتخلي عن مصر في المرحلة القادمة حتي ولو ظل يعيش في الولاياتالمتحدة بالتأكيد سيحرص علي تنفيذ مشروعه «عصر العلم» الذي ينهض من خلاله بالبحث العلمي في مصر. ويظل الدكتور محمد البرادعي هو الأكثر جدلا في المشهد السياسي الحالي.. والناس تتساءل أين البرادعي؟ وهل يرشح نفسه للرئاسة؟ لا أحد منا يستطيع أن ينكر أن البرادعي كان يمثل شرارة من بين كل شرارة أشعلت الثورة وكان لاسمه ومكانته كرئيس هيئة الطاقة الذرية أكبر الأثر في تحريك حلم التغيير عند المصريين. ولكن ربما تركيبته الشخصية لم تكن تروق للمواطن المصري البسيط وأحيانا يشعر بأن البرادعي ليس قريباً منه وليس واحداً من الناس خاصة بعد سفره المتكرر في أوقات كان يشعر الناس أنهم بحاجة لوجوده.. وأدي ذلك إلي تراجع الصفحات المؤيدة للبرادعي في ترشيحه كرئيس جمهورية بعد أن كان يتصدر قائمة المرشحين للرئاسة من قبل، كما ظهرت صفحات أخري تعبر عن كراهيتها له. وبعد الثورة تراجع أكثر اسم الدكتور البرادعي.. للترشح لرئاسة الجمهورية حتي إن أعضاء الجروب الخاص به ويبلغ عددهم 367 ألف عضو ذكروا علي «الفيس بوك» أن البرادعي رجل يستحق الاحترام وليست لديه النية من الأساس في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وأن عودته كانت للبحث عن مخرج لمصر في اللحظة الراهنة. وفي النهاية يظل علماء مصر وشخصياتها المرموقة في الخارج مصدر فخر واعتزاز من كل مصري وليس من حق أي منا أن نشكك في مصريتهم ووطنيتهم تجاه بلدهم.. ومن حقهم كما من حقنا جميعا أن يسعدوا ويحتفلوا ويتباهوا بثورة شعبهم.