شباب غير أن شيوخهم أمام عقولهم سجدوا.. وصغار غير أن كبارهم أمام أفكارهم وقفوا!. نمط جديد من التفكير, وأدوات أخري للعقل والتدبير, فمنطق العقل المعهود يقول إن واحد+ واحد يساوي اثنين, أما منطق الشباب الطاهر يقول إن واحد+ واحد يساوي الكثير.. لماذا؟ لأن أدوات تفكيرهم ليست الدماغ المادي, ولكنها القلوب الطاهرة.. والدماغ حين يري بالبصر فإن القلب يري بالبصيرة وشتان بين الاثنين قلوب العارفين لها عيون تري ما لا يراه الناظرون. العالم كله تغير ومازال يتغير في إطار ثوابت كونية يحكمها القدر سبحانه, وهي موازين القيم من العدل والحقوق وكرامة الإنسان وإنصاف المظلوم والأخذ علي يد الظالم وضعف الفساد وفضح الفاسدين إن الله ليملي للظالم حتي إذا أخذه لا يفلته, وإتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب وغير ذلك الكثير والكثير من الضوابط الكونية الإلهية والتي بدونها يختل النظام كله. .. ستبقي أحداث الثورة وحيا للمعرفة والفكر الإنساني علي مدي التاريخ, وستبقي سلوكيات الثوار وجهادهم نبعا يتدفق بكل نبل وقيمة راقية يعجز عن وصفها العقل.. كلنا رأيناها وقرأناها وانبهرنا بها, بل انبهر بها العالم والقادة, مما جعل الرئيس الأمريكي أوباما يصفها بالإلهام لكل من ينشد الحرية والكرامة, ومما جعل الرئيس النمساوي يطالب بأن يمنح الشعب المصري جائزة نوبل للسلام, ومما جعل المؤسسات التاريخية والعلمية تصنف الثورة علي أنها أعظم ثورة في التاريخ الإنساني, بل وقبل الثورة الفرنسية. كل هذه الشهادات وغيرها تجعلنا نتوقف طويلا أمام ما تحمله لنا وتضيفه إلينا من مزيد المسئولية تجاه مصرنا, وتجاه المكتسبات التي تحققت وضرورة الحفاظ عليها وحتمية مواصلة المسيرة بنفس الجمال والروعة حتي نصل بها إلي نهايتها. كل هذه السلوكيات المعجزة والراقية التي رأيناها, والتي أعادت إلينا آدميتنا وكرامتنا واعزازنا بمصريتنا تفرض علينا سؤالا.. من وراء كل هذه الإنجازات, وهذا النصر العظيم؟. أكدت المشاهد العديدة علي مدي ثمانية عشر يوما بل وإلي الآن.. أن لا أحد ولا جهة ولا حزب ولا تيار ولا جماعة يمكن أن ترعي أو تفكر في أنها وراء هذا النصر؟. إذن تبقي الإجابة.. إنه الله وحده.. الذي انتصر لإرادة هذا الشعب حين انتفض وغير ثوب المذلة والهوان بثوب العزة والإيمان حين غير ثوب القهر والخنوع بثوب الشجاعة والإصرار.. حين لجأ إلي الله بالدعاء والتضرع والخشوع عندما استجاب الله إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم, وما النصر إلا من عند الله. هل كان من الممكن أن يدرك العقل البشري المعهود أن ينقلب السحر علي الساحر, وتنعمي بصائر الطغاة والمفسدين حتي جيشوا لمعركة الجمال والحمير والرصاص بعد أن كادت نيران الثورة أن تخبو حين قدم الرئيس المخلوع بعض تنازلاته وإصلاحاته, هنا نقول إن قلوب الجبابرة حين ماتت وبصائر الطغاة حين عميت, وكعادتها لم تر إلا هذا النمط من الفكر القهري والسلوك الدموي فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور, حينها تآلفت قلوب الجميع في مصر وغيرها علي ضرورة وحتمية ومواجهة هؤلاء المجرمين ومن ثم انقلبت الأمور لمصلحة الحق والخير لينفذ أمر الله. استمرت الأحداث بين كر وفر ليمحص الله قلوبنا ويميز الخبيث من الطيب.. طلع علينا النظام البائد بمزيد من التنازلات والإصلاحلات وكدنا مرة أخري أن نقع في الشرك, شرك الرضا والاستسلام حتي كانت دموع الشاب الجميل مفجر الثورة وائل غنيم كانت دموعه ريا لظمأ الأمل كما كانت دماء الشهداء ريا لشجرة الحرية.. حينها تفجرت الطاقات من جديد والتهبت الهمم ودب الأمل وخرج الجميع من جديد أسوق هذه الأحداث, لأؤكد أن مقادير الله هي التي سيرت الثورة وأن ملامح الميدان بكل ما فيه من الأطياف والأعمار والأفكار من حب وتفان وجمال مطلق أكدت بدورها أن هذا ليس من صنع بشر بل هي قدرة الله لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم. يبقي أن نستحضر موقف الجيش المصري الذي ينافس الثوار في نبله ورقيه.. كل هذا وغيره يجعلنا نؤكد ونركع ونسجد ونقر بأن الفضل لله, وما نحن إلا أسباب وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي.